المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة الثانية، العدد التاسع عشر، رجب 1386هـ.
كثير من الناس - ولا سيما المثقفون منهم - يعتنقون الإسلام، وتدفعنا غريزة حب الاستطلاع إلى معرفة السر الذي حملهم على ترك دينهم واختيار الإسلام دينًا لهم، وهذا حديث مع شاب ألماني أسلم حديثًا، وجاء إلى البلاد العربية ينشد مزيدًا من المعرفة بالإسلام في رحابها، وقد حضر لزيارة الكويت، ووجهت إليه إدارة الشؤون الإسلامية بالوزارة بعض الأسئلة التي نقدمها هنا مع أجوبته عنها:
لماذا اعتنقت الإسلام؟
في عام 1961 دعاني مسلم ألماني إلى اجتماع لبعض المسلمين في برلين، وفي ذلك المساء رأيت لأول مرة صلاة الجماعة في الإسلام، ورغم أنني كنت أضحك في بداية الأمر على شكل الصلاة، فإن هذه الصورة ذاتها هي التي أثرت في نفسي، وجعلتني أفكر جديًّا في الإسلام، فقد أردت أن أعرف لماذا يقوم هؤلاء الناس بالصلاة بهذه الكيفية واستنتجت أنها خير سبيل يختاره الإنسان لعبادة خالقه، فبدأت وأنا ما زلت بروتستانتيًا في أداء الصلاة بالكيفية الإسلامية، وكنت في ذلك الحين في السادسة عشرة من العمر، وهي المرحلة التي كنت أبحث فيها عن الحقيقة والمعرفة، فبدأت أدرس الأديان بصفة عامة، والإسلام على وجه الخصوص، فأيقنت في غضون دراستي أن دنيا تفكيري وإحساسي أقرب للإسلام منها للمسيحية، وبالتدرج اكتشفت أن الإسلام كمنهج حياة كان ينسجم في كافة الوجوه مع فطرتي البشرية، وأستطيع هنا أن أضرب مثالًا نظريًّا وآخر عمليًّا، فعلى سبيل المثال عندما درست وجهة النظر الإسلامية حول النبي عيسى عليه السلام عرفت أنني لم يحدث أن آمنت بأن عيسى عليه السلام ابن الله، وكما عرفت فيما بعد أن عددًا كبيرًا من المسيحيين "يبلغون نحو 80% كما قرر أستاذ بروتستانتي مرة" أقرب للإسلام منهم إلى المسيحية في هذه على الأقل من عقيدتهم، ومن الناحية العلمية كنت قبل إسلامي أنفر من الخمور والرقص وأشياء أخرى عرفت فيما بعد أنها محرمة، فكان الإسلام بالنسبة لي يشبه عملية اكتشاف لفطرتي {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
لماذا تريد دراسة الشريعة الإسلامية وما هي أهدافك من وراء هذه الدراسة؟
من تجاربي في ألمانيا وغيرها من البلاد الأوروبية اقتنعت بأن الحركة الإسلامية في أوروبا -وفي ألمانيا بصفة عامة- بحاجة ماسة إلى متفرغين للعمل الإسلامي لأن جانبًا كبيرًا من كافة أنواع النشاط الإسلامي يقع حتى الآن على عاتق جمعيات الطلبة المسلمين هناك، وبطبيعة الحال فإن الأخ القادم إلى ديار الغرب باحثًا عن المعرفة لا يستطيع أن يقضي كل ما لديه من وقت في العمل الإسلامي، ولكن يستطيع هؤلاء الطلاب أن يقضوا ساعة أو ساعتين يوميًا ولكن لا بد من وجود أخ يستطيع أن ينظم، وهذا التنظيم يحتاج إلى متفرغ، ومعرفتي بالإسلام حسب المصادر التي توفرت لدي لا تعتبر كافية للقيام بهذه المهمة، ولذلك أريد دراسة الإسلام في جامعة إسلامية أولًا كي أتمكن من الاسهام بثقافتي في الحركة الإسلامية في أوروبا، وأنا مقتنع بالطبع أن الإسلام اليوم في أمس الحاجة إلى متخصصين في ميادين أخرى، ولكن تخصصي في أية ناحية أخرى لن يمكنني من التفرغ التام لتنظيم الجمعيات الإسلامية في ألمانيا، ومعنى هذا أننا بحاجة إلى مفكرين، كما أننا بحاجة إلى جنود للدعوة الإسلامية، وأحب أن أكون من النوع الأخير.
وماهي نواحي النشاط الإسلامي في ألمانيا؟
ان النشاط الإسلامي في ألمانيا حديث العهد جدًا، فقد تأسست جمعيات الطلبة المسلمين في غضون الثماني أو العشر السنوات الماضية، ولكن نشاطها كان نشاطًا محليًّا ومنذ أربع سنوات، فقد بدأت هذه الجمعيات المحلية تشكل منظمات على مستويات أشمل كاتحاد الطلبة المسلمين في إنجلترا، واتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا، فقد تأسس كل منهما منذ أربع سنوات فقط، وإن كان أوجه نشاطهما حتى الآن محدودة للغاية وسبب ذلك هو الحاجة إلى تنظيم، وتتألف نشاطات الجمعيات الإسلامية المحلية من إقامة الشعائر الدينية وإلقاء المحاضرات الأسبوعية للمسلمين، والندوات العامة، وحلقات النقاش لغير المسلمين كما شرعت بعض الجمعيات في إنشاء مدارس الأحد لأبناء المسلمين، كما أن هناك عددًا صغيرًا من المطبوعات الإسلامية باللغة المحلية، وكذلك تقيم الاحتفالات الإسلامية.
وقد بدأت الجمعيات مؤخرًا في عقد الاجتماعات الأسبوعية، وأعتقد أننا سنستفيد كثيرًا لو عنى بإنشاء مراكز صغيرة في كل جامعة يوجد بها طلاب مسلمون في الغرب يكونون قد مارسوا نشاطهم الإسلامي فيه، وعرفوا ما تحتاجه الدعوة الإسلامية وحاجة الناس إليها ويكونون بخبرتهم وغيرتهم خير عون للدعوة الإسلامية في داخل البلاد وخارجها، وسيؤدي ذلك بلا شك إلى خير الإسلام في الوقت الحاضر، ومعنى ذلك أن قيام حركة إسلامية منظمة في الغرب مهم جدًا لمستقبل الإسلام.
ما هو موقف المسلم في أوروبا من الحضارة الغربية؟
إن موقف المسلمين الذين دخلوا في الإسلام عن اقتناع هو موقف سلبي من هذه الحضارة فكثير منهم يختارون الإسلام منهجًا لحياتهم، لأنهم لم يجدوا سبيلًا آخر لحل مشكلاتهم في ضوء اعتبارهم أن الإنسان من مخلوقات الله، والحضارة الغربية تضع حلًّا للمشاكل المادية فقط من الحياة، وقد أقر هذه الحقيقة المسلمون وغير المسلمين في أوروبا، ونحن نشاهد الأثر المدمر للحضارة الغربية على الحياة الإنسانية، فتحطمت الأسرة كما جمدت صلات الود بين الأفراد، فضاعت على المجتمع فرصة حل مشاكل أفراده بصورة إنسانية صحيحة، لذلك لزامًا علينا أن نقول بأننا إذا شئنا أن نكون بشرًا بحق نتصرف تصرفات إنسانية، فلا بد لنا أن نعرض عن التقليد الأعمى للحضارة الغربية، وبطبيعة الحال فإن هناك مسلمين في الغرب والشرق بالحضارة الغربية، ويحاكونها محاكاة عمياء فعليهم أن يتذكروا ما قاله راسل الذي نال جائزة الدولة، فقد كتب في إحدى مؤلفاته بأن الناس في الغرب غير قادرين على تطوير الجانب الإنساني من الحياة بنفس الكيفية التي تتقدم بها الناحية المادية، وأن كل خطوة إلى الأمام في المخترعات المادية هي خطوة نحو فناء الإنسان، وليس معنى ذلك أننا لا بد أن نرفض كافة المخترعات الغربية ولا أن ننكر العلم الذي أحرزه الغرب في عدة ميادين من الحياة العلمية، ولكن علينا أن نكون دائمًا على يقظة فلا نلقى بأنفسنا تحت رحمة هذه الحضارة، فقد استطاع أسلافنا أن يقتبسوا المعرفة من الإغريقيين القدماء بلا حاجة إلى إضاعة إسلامهم وهذا ما كان يتفق ومرضاة الله وحده، فهلا يكون بوسعنا أن نقتفي أثرهم؟.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.