حوار مع الشيخ إسماعيل أوسكا: نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالجابونمقالات

السيد أبو عوف

المصدر: شبكة الألوكة، 26/ 10/ 2014م.

 

• الحِقبة الاستعمارية والمد الفرانكفوني وضَعا المسلمين بين مطرقة التهميش وسَندان الأميَّة.

• مساجدنا في حالة يُرثى لها، ونتطلَّع لدعم المنظمات الخيرية الإسلامية لترميمها.

• ملايين الإرساليات التنصيرية لم تُفلِح في تذويب هُويتنا، ونجاحاتها اقتصرت في صفوف الوثنيِّين.

• نُراهِن على المِنح التعليمية لصقْل مهارات الدعاةِ الإسلاميين وتكريس الصحوة الإسلامية.

• اعتناق بانجو للإسلام أنهى عقودًا من التهميش والتمييز، ونتطلَّع لمزيد من النجاحات خلال العهد الحاليِّ.

• التنسيق بين المنظمات الإسلامية يقضي على التضارب، ويضمَن توظيف الإمكانيات الضئيلة لخدمة الدعوة.

• الإقبال على الصلاة، وأداء الحج، وصوم رمضان، وانتشار الحجاب - أبرز ظواهر الصحوة الإسلامية.

 

الحوار:

أكَّد الشيخ إسماعيل أوسكا - نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالجابون - أن الوعي الديني قد واجه تحدياتٍ شتَّى خلال الحِقبة الاستعمارية وسيطرة المنظَّمات التنصيريَّة على المؤسسات التعليمية لعقودٍ طويلة، ومحاولتها صبغ المواطنين بالصِّبغة العلمانية الفرانكفونية؛ مما دفعنا لمقاطعة المدارس الكاثوليكية، وتفضيل الأميَّة الدينية على إلحاق أبنائنا بهذه المدارس؛ خوفًا على هُويَّتهم.

وأضاف - خلال حواره - أن الدعوة الإسلامية تواجِه صعوباتٍ شديدةً في ظل الحاجة لدعاة مؤهَّلين، يتمتَّعون بقِسط وافرٍ من الثقافة الإسلامية، ويُجيدون الفرنسية؛ حتى ينجحوا في التواصل مع الأغلبية المسلمة، مشدِّدًا على أهمية إنشاء عدد كبير من المدارس الإسلامية، والتوسع في تقديم مِنحٍ لأبناء الجابون، لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية الكبرى.

ولفَت الشيخ أوسكا للدور الخطير الذي تقوم به المنظمات التنصيرية في البلاد، وسعيها الدؤوب لاستهدافِ المسلمين والوثنيين وإغرائهم لتبديل مِلَّتهم، مؤكِّدًا أن هذه البعثات لم تُحقِّق شيئًا ذا أهمية في صفوف المسلمين، واقتصرت نجاحاتُها على أوساط الوثنيين، فضلاً عن رعايتها لسياسات تهميش المسلمين وإبعادهم عن مراكز صُنْع القرار.

ولم يُخفِ تفاؤله بمستقبلٍ مبشِّر للمسلمين في ظل تَصاعُد الإقبال على اعتناق الإسلام بين صفوف الوثنيين وبعض النصارى، رابطًا هذا التقدمَ بوجود دعم عربي وإسلامي، وتنشيط الجهود التي تقوم بها بعض المؤسسات الإغاثية الإسلامية والعربية بشكل يَضَع الإسلام في المكانة التي يَستحِقها.

طبيعة المشهد الإسلامي في الجابون يكشِفها الحوار مع نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في السطور التالية:

كيف وصل الإسلام لأرض الجابون، وكيف كان تَعاطي الجابونيين مع مسيرة الدعوة الإسلامية؟

• لا أعتقد أن هناك اختلافًا بين وصول الإسلامِ للجابون وبين دُول الجوار في غرب ووسط إفريقيا؛ حيث لعبت دولة الموحِّدين في المغرب الغربي حينذاك الدورَ الأهمَّ في وضْع جذور للإسلام في هذه البلاد، لا سيما بعد إسقاطهم مملكة غانا وسيطرتهم على مالي، وإرسالهم مئات الدُّعاة، ودعمهم لإقامة المساجد والمراكز الإسلامية في المناطق الساحلية وعلى ضفاف الأنهار، لا سيما نهر أجوي والجابون.

غير أن هناك تقارير أخرى تذهب إلى أن التجار العرب والمسلمين من مصر والسودان والجزيرة العربية قد شارَكوا بدور مهمٍّ في تعريف الجابونيين بالإسلام.

وكان لافتًا بشدة الدورُ الدعوي المهم الذي لَعبه معتنِقو الإسلام في الجابون في الأمريكتين، حيث قامت حركة الكشوف الجغرافية باسترقاقهم وشحْنهم إلى العالم البعيد؛ ليُسهِموا في تعميره، فتحوَّلوا لقاطرة نقْل الإسلام إلى هذه البِقاع.

صبغة فرانكوفونية:

عانت الجابون من الاستعمار الفرنسي لعقودٍ طويلة حتى حصلت على الاستقلال، فما تأثير هذه المدة على هُويَّة مسلمي البلاد؟

• سيطر الفرنسيون على الجابون لفترة طويلة منذ عام 1829م لدى قيامهم بشراء قطعة أرض، أقاموا عليها مستعمرةً صغيرةً، وبعد مُضيِّ عشر سنوات أقاموا مركزًا لتجارة الرقيق قُرْب الساحل، ثم امتد نفوذهم إلى داخل الجابون، وتم دمْجها فيما عُرِف حينذاك بالكونغو الفرنس، ثم فُصِلت الجابون لتُصبح مستعمرة قائمة بذاتها، إلى أن نالت استقلالها عام 1960م، وبعد أشهرٍ من الاستقلال وفَد إلى البلاد آلاف المسلمين من مالي وبنين والسنغال؛ ليلعبوا دورًا مهمًّا في مسيرة الدعوة الإسلامية، وهو ما جُوبِه بمقاومة شَرِسة من الفرنسيين، الذين عمدوا إلى صَبْغ البلاد بالصِّبغة الفرنسية، فربطوا المؤسسات التعليمية بالإرساليات التنصيرية؛ مما أَسهم في انتشار الأمية في صفوف المسلمين؛ لحرصهم على إبعاد أبنائهم عن هذه المدارس؛ حِفاظًا على هُويتهم، فيما واجه التعليم الإسلامي حربًا شرسة على يد الفرنسيين، واختُصِر في تعليم القرآن الكريم عبر ترجمة نُسخ منه للفرنسية.

أغلبية مسلمة:

ما هي أعداد المسلمين في الجابون وأهم تَجمُّعاتهم؟

• يبلغ عدد سكان الجابون ما يَقرُب من مليون ونصف المليون نسمة، يُشكِّل المسلمون ما يَقرُب من 55% منهم، والباقي ينحصِر بين المعتنقين للنصرانية والوثنيين، وينتشِر المسلمون في أغلب مدن الجابون، وعلى رأسها العاصمة ليبرافيل ومدينة "بورت جنتل" ثاني أكبر مدن البلاد، ويتمتَّعون بالحرية التامة في ممارسة شعائرهم، ولا يُواجِهون أي قيود في هذا الصدد.

رعاية وترميم:

ما واقع المؤسسات الإسلامية في الجابون، وما أبرز المشاكل التي تُعاني منها؟

• يوجد عدد لا بأس به من المساجد والمدارس الإسلامية المُلحَقة بها في عدد من مدن الجابون، وفي مقدِّمتها العاصمة ليبرفيل التي تحتضِن أكثر من 10 مساجد، أشهرها مسجد المَلِك الحسن الثاني، فضلاً عن مركز إسلامي كبير، ويوجد بها كثير من المساجد في ليبرافيل، وهناك عدة مساجد في أكبر موانئ البلاد بورت جنتيل، وتوجد مساجد في معظم القرى والمدن، غير أن الملاحَظ أن أغلبَ هذه المساجد حالتها غير جيدة؛ فهي قديمة وبالية إلا القليل منها، وهو ما يتطلَّب تدخُّل الدولة والجمعيات الخيرية الإسلامية لتطوير وترميم هذه المساجد.

رد اعتبار:

في ظلِّ هذه الأوضاع المضطرِبة، كيف تنظر لمستوى الوعي الديني بين أبناء الجابون؟

• لا شك أن الوعي الديني لمسلمي الجابون قد واجَهَ تحدياتٍ شتى خلال الحِقبة الاستعمارية الطويلة، وسيطرة المنظَّمات التنصيرية على المؤسسات التعليمية لعقود طويلة، ومحاولتها صبغ المواطنين بالصِّبغة العلمانيّة الفرانكفونية؛ ولهذا السبب فقد رفضت الأغلبيةُ إلحاق أبنائها بالمدارس الكاثوليكية، وفضَّلوا الأمية الدينية على تلقِّي علومهم في هذه المدارس؛ خوفًا على هويتهم، وهو ما أثَّر بالسلب على وعيهم الديني، رغم الجهود التي قامت بها بعض المؤسسات الإسلامية الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء لإصلاح هذه الأوضاع، لا سيما بعد اعتناقِ الرئيس الراحل عمر بانجو للإسلام في منتصف السبعينيات من القرن الماضي تقريبًا، وقراره انضمام الجابون لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقطْع العلاقات مع إسرائيل، وهي الحِقبة التي شهِدت إعادة الاعتبار للهُويَّة الدينية لمسلمي الجابون، ورفع القيود عن مدارسهم ومؤسساتهم الدينية.

ولكن هل وصل الوعي الديني لمستوى يَليق بطموحات مسلمي الجابون؟

• أعتقِد أن الوعي الديني للمسلمين قد وصل لمراحلَ متقدِّمةٍ، وهو ما وضَح بجلاء في الإقبال على الصلاة بشكل كبيرٍ، وارتداء الحجاب بأعداد مُتزايدة في شوارع العاصمة ليبرفيل والعديد من المدن الأخرى، فضلاً عن تزايُد المتقدِّمين لأداء فريضة الحج سنويًّا، رغم الصعوبات التي تواجِه مسيرة الدعوة الإسلامية بشكل عامٍّ هناك.

صعوبات شديدة:

لا شك أن مسيرة الدعوة الإسلامية في الجابون تواجِه تحدياتٍ وصعوبات، ما حجم الصعوبات التي تتحدَّث عنها؟

• بالفعل هناك صعوبات تُواجِه الدعوة الإسلامية؛ نتيجة الضغوط التي عانتْ منها لسنوات طوال، حيث تبدو في حاجة شديدة لدُعاة مؤهَّلين، يتمتَّعون بقسطٍ وافرٍ من الثقافة الإسلامية ويُجيدون اللغة الفرنسية؛ حتى ينجحوا في التواصل مع الأغلبية المسلمة، فضلاً عن ضرورة إنشاء عدد كبير من المدارس الإسلامية ومدِّها بالكوادر المؤهَّلة، مع التوسع في تقديم مِنحٍ لأبناء الجابون لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية الكبرى، ومن ثَمَّ العودة للقيام بدَورٍ دعوي مهمٍّ تحتاجه البلاد بشدة.

من المهم التأكيد أن هذه التحديات تتطلَّب وجود مؤسسات إسلامية قوية وقادرة على مواجهتها، فهل توضِّح لنا حجم هذه المؤسسات الإسلامية والأدوار التي تقوم بها؟

• هناك عديد من المؤسسات الإسلامية في الجابون، في مقدِّمتها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهو الهيئة الرئيسية في البلاد، والمنوط بها رعاية مسيرة الدعوة الإسلامية؛ عبر إمداد المساجد الموجودة في أغلب مدن البلاد بالأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر، وإقامة ندوات وفعاليات لتنمية الوعي الديني للمواطنين، بالإضافة لإعداد الطلاب لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية الكبرى طبقًا لنظام المنح أو التكفل بنفقاتهم؛ سعيًا لاستكمال النقص الكبير في أعداد الدعاة القادرين على تنشيطِ مسيرة الدعوة في طول البلاد وعرْضها، والتنسيق مع الهيئات المناظِرة له في العالم الإسلامي، وكذلك إعلان بدايات الأشهر العربية والأعياد وشهر رمضان، وترخيص مؤسسات اللحم الحلال.

إمكانات متواضعة:

ما أبرز المؤسسات الإسلامية في البلاد بالإضافةِ للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية؟

• يوجد بالجابون أكثر من 10 هيئات ومؤسسات إسلاميَّة، منها: الجمعية الإسلامية، والجمعية الثقافية، والرابطة الإسلامية العالمية، والمركز الإسلامي بالجابون، والوِكالة الإسلامية الإفريقية، والمركز الثقافي الإسلامي المُلحَق بمسجد الحسن الثاني بالعاصمة ليبرفيل، وتتنوَّع أنشطة هذه المنظمات بين دعم مسيرة الدعوة الإسلامية، وبين إعداد الدعاة والأئمة والخطباء وتقديم الدعم لهم، وتُعقَد اجتماعات مشترَكة لهذه المنظمات لتنسيق العمل فيما بينها، ومنْع التضارب بين أنشطتها؛ لضمان توظيف إمكاناتها المالية المتواضِعة لخدمة مسيرة الدعوة.

زحف تنصيري:

لكن هذا العدد القليل من المنظمات الإسلامية يُجابَه بعدد كبير من المنظمات التنصيرية، التي تمتلِك إمكاناتٍ هائلةً، وقُدراتٍ متنوِّعةً؟

• المنظمات التنصيرية وصلت للجابون في صُحبة الاستعمار الفرنسي، وسعى المنصِّرون لأكثر من مائة عام لاستهداف المسلمين والوثنيين، ورغم الظروف الصعبة لم تنجح بعثاتُ التنصير في تحقيق شيء ذي أهمية في صفوف المسلمين خلال قرن، رغم تنوُّع انتماءاتها، وفي مقدمتها الرابطة الوطنية الإنجيلية، ومنظمة أطباء بلا حدود، وبلاك الكنسية، وجمعية تبشير الكنيسة الإنجيليكانية، وشهود ياهو، وجمعية تنصير الشباب، ومجلس الكنيسة المسيحية الأمريكية، واقتصرت نجاحات هذه المنظمات على إغراء آلاف الوثنيين باعتناقِ المسيحية، غير أن جهودهم تلقَّت صدمةً كبيرة؛ بعد إعلان الرئيس السابق الحاج عمر بانجو اعتناقه الإسلام ومعه عدد كبير من قبيلة البانجوي، وفشَلِ سياسات تهميش المسلمين التي تبنَّاها الاستعمار الفرنسي لمدة طويلة.

لا شك أن اعتناق بانجو الإسلام كان تطوُّرًا لافتًا، ولكن ما أهم تَداعيات هذا الأمر في أوساط المسلمين؟

• ترافَق مع اعتناق بانجو الإسلام صعودٌ سياسيٌّ للمسلمين ووصول العشرات منهم لمناصب وزارية، ودرجات متقدِّمة في مؤسسات الدولة؛ مِثل: الجيش والشرطة والسِّلك الدبلوماسي، وأنهى عقودًا من التهميش التي عانى منها المسلمون على مدار عقود طويلة

في ظل هذه الأجواء الإيجابية، كيف تنظر لمستقبل الإسلام في بلادكم؟

• رغم الأوضاع المعقَّدة التي يُعاني منها المسلمون - لا سيما على الصعيد الاقتصادي - فإن كل الدلائل تُشير إلى أن المستقبل مبشِّر؛ فهناك إقبال على اعتناق الإسلام بين صفوف الوثنيين وبعض النصارى؛ بفضل قوَّته الذاتية، ومخاطبته لعقل ووِجدان الأفارقة، ولكن هذا الأمر مشروط بوجود اهتمامٍ عربي وإسلامي، وتنشيط جهود بعض المؤسسات الإغاثية الإسلامية والعربية، ومنها رابِطة العالَم الإسلامي، ولجنة مسلمي إفريقيا، وجمعية الدعوة الإسلامية العالميَّة، وبعض الجهود الدعويَّة للأزهر الشريف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، وأعتقد أن شيئًا من الاهتمام كفيل بتنشيط مسيرة الدعوة الإسلامية بشكل يضع الإسلام في المكانةِ التي يستحقُّها.