وصول الإسلام إلى ألمانيامقالات

Von Ursula Spuler-Stegemann

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

المصدر: Spiegel International[i]

تأليف: Von Ursula Spuler-Stegemann

 

يعود تاريخ الإسلام في ألمانيا إلى القرن الثامن الميلادي، وهو عهد شارلمان، وإلى عهد العمال الأتراك الزائرين الذين وصلوا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي واستقروا في ألمانيا، لذا فقد استمر الدين الإسلامي كجزء من الثقافة الألمانية لمئات السنين.

ويُعتقد أن تاريخ تواصل الدولة الإسلامية مع ألمانيا يعود إلى أيام الخليفة هارون الرشيد، حيث تشير مصادر متنوعة إلى أن شارلمان أقام علاقاتٍ دبلوماسية مع هذا الحاكم العباسي في عام 797 أو 801م.

انتشار الإسلام في أوروبا:

كان معظم شبه الجزيرة الإيبيرية في زمن شارلمان تحت سيطرة المغاربة الذين حكموا هذا الجزء من أوروبا لما يقرب من 800 عام حتى المرحلة الأخيرة من استيلاء النصارى على إسبانيا والبرتغال عام 1492، وقد توقف التقدم العسكري الإضافي للمسلمين في أوروبا بعد قرن واحد من وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في عام 732 في تور وبواتييه، ثم في 759 في ناربون ونيم في فرنسا.

وعندما فتح الأتراك العثمانيون العاصمة البيزنطية القسطنطينية (إسطنبول اليوم) في عام 1453، حددوا بذلك نهاية الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وأنهوا المعقل الأخير للنصرانية في آسيا الصغرى، ثم وسع العثمانيون نطاق نفوذهم في عامي 1529 و 1683 في جميع أنحاء البلقان ووصلوا إلى بوابات فيينا، وأسلمت البوسنة وألبانيا.

التأثيرات الثقافية:

في حين أن الحملات العسكرية الإسلامية المتعاقبة تتالت على أجزاء كبيرة من أوروبا لأكثر من ألف عام، ظلت المناطق التي تشكل ألمانيا الحديثة غير متأثرة بها إلى حد كبير، ومع ذلك كانت هناك تأثيرات ثقافية إسلامية ملحوظة على ألمانيا، ومن ذلك أن القس الألماني مارتن لوثر دعا إلى طباعة ترجمة لاتينية كاملة للقرآن الكريم في مدينة بازل السويسرية من أجل فهم القرآن الكريم - الذي كانوا يرون الأتراك يقرؤونه - بشكل أفضل.

قبول الإسلام:

نقل السلطان مصطفى الثاني تهانيه إلى ملك بروسيا فريدريك الأول بمناسبة تتويجه في عام 1701، مما أدى إلى علاقات دبلوماسية مفتوحة إلى حد ما بين تلك القوتين، كما أظهر فريدريك الثاني أيضًا خلال فترة حكمه بين 1712 و1786 تسامحًا تجاه الدين الإسلامي والأديان الأخرى.

وقد وصل أول مبعوث تركي، وهو أحمد رسمي أفندي، إلى برلين في 9 نوفمبر 1763 برفقة حاشية أنيقة من 73 مساعدًا، واستقبلهم سكان المدينة مبتهجين، وأثار هذا الاستقبال إعجابًا عميقًا ومرتبكًا بعض الشيء، وقد كتب المبعوث الدبلوماسي إلى السلطان مصطفى الثالث أن من بين سكان برلين من يعترفون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم لا يخشون الاعتراف بأنهم مستعدون لاعتناق الإسلام.

وعندما توفي هذا المبعوث الدبلوماسي عام 1798، أمر فريدريك ويليام الثالث، الذي حكم من عام 1770 إلى عام 1840، بدفنه وَفقًا للشريعة الإسلامية، وقد كان هذا يتطلب توصية مَلكية، وبالتالي فإن المقبرة الإسلامية في برلين هي أول الممتلكات التركية على الأراضي الألمانية.

وقد أثرت الحضارة الإسلامية في ثقافة بعض أشهر الكتَّاب الألمان، فقد كان غوتهولد إفرايم ليسينغ، الذي عاش من عام 1729 إلى عام 1781، وهو أهم شاعر ألماني في تلك المدة، يدعو إلى التسامح مع وجود أديان أخرى في ألمانيا.

وكان الفيلسوف جورج فيلهلم فريدريش هيغل، وهو المدافع الرئيسي عن المثالية الألمانية، معجبًا أيضًا بالإسلام، وقد وصفه بأنه دين العظَمة.

كما كان يوهان فولفجانج غوته يمتلك معرفة واضحة بالثقافة الإسلامية، وهو ما تجلى في الديوان الغربي الشرقي، وهو مجموعة أعمال نُشرت عام 1819.

أما القيصر ويليام الثاني فقد سافر إلى إسطنبول عام 1889، بعد عام واحد فقط من توليه العرش، وبعد تسع سنوات سافر إلى القدس ودمشق، وكانا ينتميان إلى الإمبراطورية العثمانية.

بدايات التجمعات الإسلامية في ألمانيا:

تأسس المجتمع الإسلامي في برلين عام 1922 لأهداف كانت في الأساس مماثلة لأهداف المنظمات الإسلامية الحالية، فقد كانت الفكرة الأساسية هي الترويج للإسلام وأداء العبادات وبناء المساجد، وبالإضافة إلى ذلك، أشرف المجتمع الإسلامي على إنشاء منظمة طلابية.

وعندما استولى هتلر على السلطة في عام 1933، ارتفع عدد المسلمين في البلاد إلى أكثر من 1000 مسلم، وكانوا يتألفون بشكل أساسي من الطلاب والأفراد الذين يعيشون في المنفى، ومن أسرى الحرب السابقين.

العمال الضيوف.. وجوه مسلمة جديدة:

عندما تدفق العمالُ الضيوفُ إلى ألمانيا الغربية، للمساعدة في إعادة بناء البلاد واقتصادها، جعلوا الإسلام جزءًا واضحًا في المشهد الثقافي للبلاد، وقد تم طلب الأتراك (من عام 1961) والمغاربة (من عام 1963) والتونسيين (من عام 1965) للعمل في ألمانيا، ولم تؤد القيود المفروضة على لمِّ شمل العائلات إلى وقف تدفق الوافدين المسلمين، وفي الآونة الأخيرة، انضم إلى هؤلاء المهاجرين لاجئون من مناطق مثل العراق وإيران وأفغانستان والبوسنة، ووَفقًا للحكومة الألمانية، يعيش أكثر من 3 ملايين مسلم في ألمانيا اليوم، وقرابة مليون منهم مواطنون ألمان.

لقد تم تأسيس المنظمات الإسلامية كمجموعات ذات هدف مشترك، وقد طوَّرَت مفاهيم معيشة المسلمين المتدينين في بلد غير إسلامي بدون إهمال أو ترك معتقداتهم، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية ظهرت المساجد والمآذن في معظم المدن الكبرى وفي العديد من البلدات الصغيرة، مما يؤكد الوجودَ الإسلامي في ألمانيا بوضوح.

لقد حقق المسلمون الكثير، وغيروا عددًا من الأمور التي كان الكثير من الألمان يعتبرونها أمرًا لا يقبل النقاش، فعلى سبيل المثال: تمت إزالة الصلبان من العديد من المستشفيات والمدارس، كما تم تخصيص غرف خاصة للصلاة (مُصلَّيات) في المصانع والمباني العامة، كما تمت إحالة مسألة ما إذا كان ينبغي السماح للموظفين العموميين بارتداء الحجاب الإسلامي إلى المحاكم، هذا إلى جانب قضية تقديم التعليم الشرعي في المدارس، وقد بدأت ألمانيا بالفعل في توفير التعليم الجامعي من قبل معلمي الشريعة الإسلامية والأئمة المسلمين.

 

[i] رابط المادة الأصلية: اضغط هنا