المسلمون في الصومالمقالات

فريد قنصوه

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة الأولى، العدد الخامس، جمادى الأولى 1385هـ

 

هجرة المسلمين إلى شرق إفريقيا:

لما اشتد أذى كفار قريش للرسول وأصحابه، شجع الرسول صلوات الله عليه أصحابَه على الهجرة، فقال: ((من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرًا من الأرض استوجب له الجنة))، وازداد على ذلك قوله صلوات الله عليه: ((تفرقوا في الأرض فإن الله سيجمعكم)) قال نفر من صحابته: إلى أين يا رسول الله؟ فقال: ((ها هنا وأشار بيده إلى جهة الحبشة)) فاتفق عدد منهم على أن يهاجروا مخافة الفتنة وفرارًا إلى الله بدينهم، فمنهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه، وكان بين هؤلاء المهاجرين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج هؤلاء كما تروي كتب السيرة، متسللين، منهم الراكب ومنهم الماشي حتى انتهوا إلى البحر فركبوا سفينتين من السفن التجارية، وكان خروج هؤلاء المهاجرين الكرام في رجب من السنة الخامسة من النبوة.

لم تكن هذه الرحلة أول رحلة للعرب إلى الشاطئ الشرقي للقارة الإفريقية حيث تمتد أرض الصومال والحبشة، فلم تكن صلة الصوماليين منبتة بالعرب، ولكن سبقتها -عبر القرون الممتدة- رحلات ورحلات كانت السفن خلالها تأتي إلى الساحل الشرقي الإفريقي بقصد التجارة، تحمل معها منتجات اليمن، ثم تعود محملة بالمنتجات الإفريقية.

وفي عهد الفراعنة كانت السفن تأتي من الصومال محملة بالبخور والتوابل وسن الفيل والذهب وريش النعام، وكان المصريون يطلقون على أرض الصومال يومئذ اسم بلاد بونت.

ولكن هذه الرحلة الميمونة أول رحلة يقوم بها أتباع الدين الجديد إلى إفريقية عبر البحر، وعن طريقها تأكد لسكان ساحل إفريقيا الشرقي ما رددته الأنباء التي كان يحملها البحارة والتجار من أن الله قد أرسل رسولًا عربيًا إلى البشر كافة يدعوهم إلى الإيمان به وحده لا شريك له، ويأمرهم بالبر، وينهاهم عن عبادة الأصنام، ويحضهم على مكارم الأخلاق، فاتجهت أنظارهم إلى مصدر ذلك الإشعاع الروحي، يلتمسون الهداية والرشد، وسرعان ما خفقت القلوب بهذا الدين الجديد الذي يسوي بين الناس كافة، فلا يجعل فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، وليس في شرعته تمييز عنصري فبدأ القوم يدخلون في دين الله أفواجًا.

انتشار الإسلام في شرق إفريقيا:

ولعل أعظم حقبة حقق فيها الإسلام انتشارًا في شرق إفريقيا، الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والسادس الهجري، ففي هذه الفترة أخذت راية الإسلام تظل المناطق الداخلية من القارة، فقامت عدة سلطنات وإمارات إسلامية على طول الحافة الشرقية والجنوبية للهضبة الحبشية كان من أهمها إمارتا عدل وهرر وكانتا -ولفترة طويلة- من المراكز المهمة للتجارة والثقافة الإسلامية.

وفي القرن السادس عشر الميلادي نشب صراع رهيب بين الإمارات الإسلامية والحبشية أوشكت فيه الحبشة أن تنتهي كدولة لولا أن استعان إمبراطورها بالبرتغاليين الذين تدخلوا لمساعدته.

ويحدثنا المؤرخون أن هجرة العرب إلى الصومال ظلت متتابعة نشيطة، فاستوطن الصومال عدد كبير منهم، وأسسوا عددًا من المدن منها مدينة مقديشيو عاصمة الصومال التي أسسها عرب الأحساء، وأنه بعد أن استقر الأمر للإسلام في الصومال أخذ الصوماليون الذين تحولوا إلى الإسلام يحملون رسالته إلى قلب القارة حتى أوشك الدين الجديد أن يعم الحبشة.

وظل شعب الصومال المسلم في القرنين التاليين يشغل مساحة واسعة من أراضي الساحل الشرقي لإفريقيا تطل على البحر الأحمر والمحيط الهادي، وكان بهذا يتحكم في مدخل البحر الأحمر من الجنوب، ويتحكم في تجارة الحبشة مع العالم الخارجي وفي التجارة بين آسيا وإفريقيا، ولعل هذا المركز التجاري والإستراتيجي الممتاز هو الذي جعل أنظار الدول الأوروبية تتجه إليه، وتتكالب في العمل على الاستيلاء عليه.

الاستعمار في الصومال:

وبعد أن ظل شعب الصومال ينعم بالأمن والسلام والرواج الاقتصادي والتقدم الثقافي لفترة طويلة شارك خلالها أبناؤه أبناء وادي النيل ووسط إفريقية في حكومة متميزة بنفسها عما سواها، بدأ التنافس جليًّا بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا للاستيلاء على جزء من ترابه، فمنذ سنة 1835 بدأت فرنسا في إرسال حملاتها الاستكشافية، وبدأت هذه الحملات في شراء العملاء، ثم شراء الأرض ممن لا سلطة لها عليهم، ولعل أبرز هؤلاء العملاء دنى أحمد أبو بكر الذي قام بالتوقيع على معاهدة أوبوك في 11 مارس سنة 1862 وتم بموجبها التنازل لفرنسا عن ميناء أوبوك قرب رأس بير مع السهل الممتد من رأس على من الجنوب إلى دميرا نظير مبلغ قدره عشرة آلاف ريال أي ما يوازي (50500) فرنك فرنسي، وتعهد المذكور بتسهيل صلات الفرنسيين في أوبوك مع داخلية البلاد، وقد اتبعت إيطاليا نفس السياسة التي اتبعتها فرنسا، أما بريطانيا فقد زادت عليها بأن عملت على جلاء المصريين من الصومال وقطع صلة الصومال بمصر، كما ساهمت قواتها الموجودة بعدن على احتلال الجزء الذي أعلنت عليه حمايتها من أرض الصومال.

وكان من نتيجة هذا التنافس الاستعماري أن أصبحت أرض الصومال مقسمة بين كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، كما ضمت منطقة أوجادين التي كان يسكنها ثلاثة أرباع المليون صومالي مسلم، ومدينة هرر بعد أن أخلاها المصريون إلى الحبشة دون رغبة أهلها، ودون أي سند من القانون، وضمت إلى كينيا المنطقة التي تكون الآن الجزء الشمالي الشرقي من المديرية الشمالية في كينيا.

ظل الصومال يعاني مرارة التقسيم وبشاعة الاستعمار، وصفحات التاريخ في هذه الفترة مليئة بالحسرة والمرارة، ولكنها في نفس الوقت تضم سطورًا من نور عن كفاح العديد من المؤمنين من أهل الصومال الذين هالهم ما وصل إليه حال بلادهم نتيجة جهل بعض أبنائه وتفريط البعض الآخر، فلم يذلوا ولم يستكينوا، بل جمعوا صفوفهم، وأعلنوا الجهاد في سبيل الله، وكان على رأس هؤلاء البطل الكبير الملقب بمهدي الصومال.

كان محمد بن عبدالله بن حسن قائد حركة إسلامية إصلاحية كبرى، دعا إلى تزكية النفوس، وتوحيد الصفوف، وإزالة القبلية، والعودة إلى التمسك بتعاليم الإسلام، وتطهير البلاد من مغتصبيها، فلما اجتمع حوله عدد من الصوماليين أعلن الجهاد، وراح ومن معه من المجاهدين يهاجمون مواقع المستعمرين في الصومال الفرنسي تارة والبريطاني تارة أخرى والإيطالي تارة ثالثة، بل شملت هجماتهم المناطق المجاورة للحبشة، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح المستعمرون في رعب دائم مستمر حتى اضطرت الحكومة البريطانية إلى إصدار الأوامر لقواتها بالصومال بالانسحاب إلى المناطق الساحلية حتى تكون في حماية أسطولها.. وسار البطل من نصر إلى نصر وكانت أنباء انتصاراته يتردد صداها في جميع أرجاء الوطن الإسلامي، فتسر لها نفوس المؤمنين.

ولكن ما أن وضعت الحرب العالمية أوزارها حتى نسقت الدول الاستعمارية الثلاث جهودها للقضاء على حركة الكفاح الصومالي، وساندتها في ذلك عوامل لم تتوافر للمجاهدين من أبنائه، منها توفر الأسلحة الحديثة والطائرات لديهم، وخروجهم منتصرين من الحروب العالمية، وما لاقاه المجاهدون بسبب طول مدة الجهاد، فتمكنت قوات الغدر والوحشية في سنة 1920 من قتل البطل المجاهد بعد كفاح مرير باسل.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن ننوه بالدور المهم الذي لعبه رجال التبشير المسيحيون في مساندة المستعمرين والتمكين لهم في أثناء عمليات الاغتصاب التي انتهت باحتلال الصومال وغيره من الدول الإفريقية.

واستمر المستعمرون يستنزفون خيرات الصومال، ويسخرون الصوماليين في خدمة مصالحهم دون أن يعنوا بنشر التعليم بينهم أو النهوض باقتصادهم أو العمل على المحافظة على صحتهم، إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من أن الصوماليين قد أسهموا مساهمة فعلية في اخراج الإيطاليين من الصومال الإيطالي، وفي إجبارهم على التسليم في الصومال البريطاني، وعلى الرغم من أن الدعاية البريطانية كانت تبشر بقرب قيام دولة الصومال التي تجمع تحت لوائها الصومال البريطاني والصومال الإيطالي والجزء الذي كانت الحبشة قد اقتطعته من أرض الصومال، فقد كانت الصدمة عنيفة على نفوس أهل الصومال عندما تقدمت فرنسا باقتراح فرض وصاية دولية على الصومال الإيطالي تتولى الإدارة خلالها إيطاليا! وساندتها روسيا في اقتراحها فأصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارها في سنة 1950 بأن يصبح الصومال الإيطالي دولة مستقلة ذات سيادة، ويصبح هذا الاستقلال نافذًا في نهاية عشر سنوات من موافقة الجمعية العمومية على اتفاقية الوصاية، وخلال الفترة المذكورة يوضع الصومال تحت الوصاية الدولية وتكون إيطاليا السلطة القائمة بالإدارة، ويساعد السلطة القائمة بالوصاية، ويقدم لها النصيحة مجلس استشاري يتكون من ممثلي دول كولومبيا ومصر والفلبين، يكون مقره مقديشيو.

وعادت إيطاليا تتولى الإدارة من جديد، فأنشأت مجالس قبلية، ومجالس مديريات، ومجالس بلدية، وتمسكت إيطاليا بأن يكون تشكيل المجالس بالتعيين في حين أصر الشعب على أن يكون ذلك بالانتخاب، وهنا تدخل المجلس الاستشاري، وتكون المجلس الإقليمي من 35 عضوًا منهم 21 يمثلون القبائل، 7 يمثلون الأحزاب السياسية.

وفي 25 فبراير 1956 أجريت الانتخابات لجمعية تشريعية من سبعين عضوًا منهم عشرة أعضاء يمثلون الأقلية غير الصومالية، وقد حصل حزب الوحدة خلالها على الأغلبية، فعهد إلى أمينه العام عبدالله عيسى برئاسة أول وزارة وطنية.

وفي أعقاب قيام أول جمعية تشريعية شهد الصومال العديد من الانقسامات والتعديلات في أحزابه فقد حدث شقاق في حزب الوحدة أسفر عن تأليف حزب جديد باسم عصبة الصومال الكبير برئاسة الرئيس السابق لحزب الوحدة، أهم برامجه توحيد جميع أراضي الصومال في دولة واحدة، أما حزب دجل ومريفله  فتحول إلى الحزب الدستوري المستقل، واندمج الحزب الديمقراطي وحزب الشباب الصومالي الحر ليكون حزب الشباب الصومالي الحر، وأطلق حزب شباب البنادر على نفسه حزب الاتحاد الوطني الصومالي.

أما في الصومال البريطاني فكان يتولى تدبير أموره حاكم عسكري، إلى أن صدر قرار في سنة 1959 بتكوين مجلس تشريعي ووزارة وطنية، فأجريت الانتخابات في فبراير 1960 أعقبها تشكيل أول وزارة صومالية في الإقليم، وأعرب الأهالي عن رغبتهم في الانضمام إلى أشقائهم في جزء الصومال الذي كانت تديره إيطاليا والذي كانت مدة وصاية الأمم المتحدة عليه قد انتهت، فلم تر بريطانيا بدًّا من أن ترحل مختارة.

استقلال الصومال:

وفي عام 1960 أعلن استقلال جزأي الصومال اللذين كانا يحتلهما كل من بريطانيا وإيطاليا، وظهرت إلى الوجود جمهورية إفريقية إسلامية جديدة انضمت إلى الركب المتحرر.

وفي 6 من يوليو سنة 1961 انتخب السيد آدم عبدالله عثمان رئيسًا للجمهورية الصومالية وهو من مواليد سنة 1908 وكان قد تلقى دراسته الأولية في مدارس البعثات التبشيرية، ثم عمل في سنة 1934 رئيسًا لممرضي مستشفى دي مارتينو، ثم أصبح في سنة 1944 من أبرز الشخصيات في حزب وحدة الشباب الصومالي فرئيسًا له في عام 1956 وانتخب نائبًا بالجمعية التشريعية في نفس السنة، ثم انتخبته الجمعية رئيسًا لها، وهو عصامي مجاهد تواق لنصرة الإسلام.

مشاكل الصومال السياسية:

وتواجه الصومال الآن مشاكل سياسية رئيسية فما زالت فرنسا تضع اليد على جزء من تراب الصومال، وتدعي أنه جزء منها، ثم تفسح المجال فيه لإسرائيل، وما زالت منطقة أوجادين التي سمحت بريطانيا للحبشة بضمها إلى أرضها نظير حيادها أثناء حركة استرجاع السودان وهرر التي استولت عليها الحبشة بعد انسحاب المصريين منها، وما زالتا في حيازة الحبشة، كذا الأمر بالنسبة للمنطقة التي كانت قد ضمت إلى كينيا، وما زال الرأي العام الصومالي ينادي بوجوب استرداد هذه المناطق جميعًا.

الحالة الاقتصادية:

أما من الناحية الاقتصادية فقد ترك المستعمرون الصومال في حالة تخلف اقتصادي تعمل الحكومة الآن على مواجهتها وتخليص البلاد منها.

فما زالت المراعي التي تشغل معظم مساحة الصومال والتي تزخر بالعدد الضخم من الماشية في حاجة إلى التنظيم الفني والحديث، ومازال عدم وجود الطرق المرصوفة والسكك الحديدية عقبة تحول دون تصدير العدد الكبير منها إلى الخارج.

وما زالت الزراعة لا تتجاوز ضفاف الأنهار والبحيرات الصغيرة العذبة أو الينابيع والآبار، وما زالت الطرق البدائية في الزراعة هي السائدة، في حين أنه يمكن زيادة رقعة الأرض المنزرعة كثيرًا وزيادة الحاصلات الزراعية عن طريق ذلك، وعن طريق اتباع الطرق الحديثة في الزراعة.

أما المعادن مثل الملح والجبس والميكا والبترول والفحم فما زالت حبيسة في جوف الأرض لم يستغل منها إلا النزر اليسير.

ولا توجد بالصومال إلا بعض الصناعات الصغيرة، ويؤسفنا أن نقرر أن هذه الصناعات معظمها في أيدي غير الصوماليين الذين لا يدفعون للعمال الصوماليين إلا أجورًا تافهة كما أنهم لا يحسنون معاملتهم.

مساعدة الدول العربية للصومال:

ويحرص الصومال على تدعيم صلاته بشقيقاته الدول العربية والإسلامية التي حرصت منذ اعلان استقلال جمهورية الصومال على مؤازرتها أدبيًا وماديًا، فقامت الجمهورية العربية المتحدة بتزويد الصومال بالفنيين والخبراء، كما وضعت تحت تصرفه تسهيلات ائتمانية قيمتها أربعة ملايين من الجنيهات الإسترلينية على أن يستغل هذا المبلغ في إقامة مصانع للغزل والنسيج والسكك الحديدية وتوسيع مطار مقديشيو وإنشاء طرق ومساكن وتمويل بعض الصناعات الصغيرة.

وفي الشهور الماضية قام وفد من غرفة التجارة الكويتية بزيارة جمهورية الصومال واجتمع بالمسؤولين فيها والأمل أن يتم انشاء شركات عربية صومالية للنهوض بالمستوى الاقتصادي للبلاد واستغلال مواردها استغلالًا يهيئ النفع للعرب، ويهيئ فرص العمل للعمال الصوماليين، ويحقق الرخاء لبلادهم.

والمجال في ذلك فسيح فيمكن أن تقوم شركات لتصدير المواشي واستخراج المعادن وانشاء صناعات غزل ونسيج القطن وغزل ونسج الصوف ودبغ الجلود وعمل الأحذية والمصنوعات الجلدية، كما يمكن انشاء مصانع للمنتجات الغذائية مثل السكر من قصب السكر والزيوت من بذرة القطن والسمسم والفول السوداني، كما يمكن تعليب اللحوم والأسماك للوفاء بحاجة الجمهورية الصومالية للتصدير.

ولو أن شركات عربية صومالية مشتركة قامت بتنفيذ بعض ما سبق أن ذكرنا لاستفادت كثيرًا، ولساهمت في رفع المستوى الاقتصادي لإخوانهم الصوماليين في وقف النشاط الإسرائيلي والدعوات الهدامة.

بعض المراجع:

  1. التنافس الدولي في بلاد الصومال/ للدكتور جلال يحيى.
  2. مشكلات القارة الإفريقية/ للدكتور راشد البرادي.
  3. إفريقيا وراء الصحراء/ للدكتور عبدالملك عودة.
  4. العلاقات المصرية الصومالية/ للدكتور جلال يحيى.