الإسلام والمسلمون في إندونيسيامقالات

إدارة الشؤون الإسلامية بالكويت

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثامن، شعبان 1385هـ

 

مقدمة:

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إندونيسيا، فقد وقعت فيها سلسلة من الحوادث الدامية أعقبتها سلسلة من ردود الفعل العنيفة التي قد يكون لها أثر كبير، ليس في سياسة هذا القطر وحده بل في سياسة جنوب شرقي آسيا والشرق الأقصى معًا.

وإندونيسيا التي نتحدث عنها اليوم بلد مسلم تربطنا به أمتن الروابط، وتشدنا إليه أقوى الصلات، ولقد كانت قضايانا كفلسطين والجنوب والمغرب العربي أيام استعماره في مقدمة القضايا التي كان الشعب الإندونيسي المسلم يدافع عنها، ويبذل كل ما يستطيع من أجلها وفي سبيل تحريرها.

ولهذا وجدنا من واجبنا أن نلقي بعض الضوء على هذه البلاد الإسلامية التي تنتشر جزرها في المحيط الهادئ كالدر المنثور.

جغرافيتها:

تتألف إندونيسيا من أرخبيل مترامي الأطراف يمتد من الشرق مسافة تساوي مسافة ما بين لندن والقاهرة، ويضم هذا الأرخبيل أكثر من ثلاثة آلاف جزيرة متناثرة بين قارتي آسيا وأستراليا.

وأهم هذه الجزر هي: جاوة التي بها عاصمة البلاد، فسومطرة، وكاليمنتان، وبالي، ولومبوك، وسومبا، وسومباوا، وتيمور، وجزر الملوك، وايريان الغربية، وسولاويسي، وغيرها.

وتبلغ مساحة إندونيسيا (735865) ميلًا مربعًا تقريبًا، وتعتبر إندونيسيا من المناطق المتصدعة التي لم تهدأ بعد، ويقول علماء الجغرافيا إن بها إمكانيات ضخمة لاحتمال ظهور براكين جديدة.

ومناخ إندونيسيا معتدل دائم الأمطار كثير الخصب تكاد الغابات الكثيفة والأراضي الصالحة للزراعة تغطي كل أراضيها.

السكان:

يبلغ عدد سكان إندونيسيا حوالي المائة مليون من الناس[1]، وأكثرهم في جزيرتي جاوة التي يقطنها حوالي (60) مليونًا، وسومطرة التي يقطنها قرابة (15) مليونًا، وبقية السكان موزعون في الجزر الأخرى.

وقد اختلف المؤرخون في تحديد أصل السكان، فمنهم من زعم أنهم ينتمون إلى أصل تتاري، بينما زعم آخرون أنهم قدموا من سيلان أو الهند الجنوبية، وذكر آخرون أنهم خليط من أصول مصرية وهندية وتتار وعرب وصين.

وليس هنا ما هو ثابت على وجه القطع والجزم، وعلى أي حال فقد جمعتهم اليوم وحدة الدين الإسلامي الحنيف ووحدة الوطن.

وفي البلاد جالية عربية كبيرة معظمها قدم من حضرموت والجنوب العربي، ولا زالوا محتفظين بعاداتهم وتقاليدهم العربية، وأما الصينيون فيقدر عددهم بحوالي مليوني نسمة وهم المسيطرون على زمام التجارة والاقتصاد سيطرة تامة أدت إلى قيام كثير من المشكلات الاقتصادية والأزمات المعيشية في البلاد...

التقسيم الإداري:

تنقسم إندونيسيا إلى عشرة أقاليم تعرف باسم (الولايات) وهي سومطرة الشمالية سومطرة الوسطى، سومطرة الجنوبية، جاوة الغربية، جاوة الوسطى، جاوة الشرقية، نوسانتغارا، كاليمنتان، سولا ويسي، الملوك.

ثم أضيف إليها أخيرًا ولاية إيريان الغربية بعد تحريرها من أيدي المستعمرين الهولنديين.

وتتبع إندونيسيا النظام المركزي في حكمها مما يسبب لها بعض المشاكل والصعوبات في حكم هذه المناطق المترامية.

الحالة الاقتصادية:

تعتبر إندونيسيا من البلاد الغنية في العالم، فهي تنتج المطاط والشاي والبن والسكر والتوابل وزيت جوز الهند والأرز والخيزران والخشب والذرة والكنين بكميات هائلة، كما أنها تنتج البترول والقصدير والفحم والذهب والفضة والحديد والنيكل والملح وغيرها.

وهناك بعض الأسباب التي أثرت تأثيرًا سيئًا على الاقتصاد الإندونيسي، وسبب تدهور عملته رغم هذه الخيرات الوفيرة، ومن هذه الأسباب:

  1. عدم الاستقرار الداخلي.
  2. هبوط أسعار المطاط الإندونيسي في العالم.
  3. الثورات التي تقوم بين الحين والآخر في شرق البلاد وغربها احتجاجًا على سماح الحكومة للحزب الشيوعي بالتقرب من الحكم والمشاركة فيه رغم غلبة الأحزاب الإسلامية في البلاد.

إندونيسيا عبر التاريخ:

لا يعرف المؤرخون الكثير عن إندونيسيا وعن حضارتها قبل الغزو الهندوكي الذي بدأ في القرن الرابع الميلادي، وامتد نفوذه بين القرن السابع والعاشر في الوقت الذي بدأ الإسلام يسلط أضواءه على هذا الأرخبيل، ولقد انتشرت الديانة البرهمية في بعض أنحاء إندونيسيا بعد الغزو الهندوكي، ثم انتشرت بعض الوقت العقيدة البوذية القائمة على التقشف والبعد عن سنن الفطرة، ومنذ بداية القرن السابع الميلادي كان بعض التجار العرب من الحضارمة وغيرهم يتوافدون إلى تلك البلاد طلبًا للتجارة والرزق.

وقد استطاع هؤلاء الحضارمة أن يندمجوا في الشعب الإندونيسي اندماجًا كاملًا، واستطاعوا أيضًا بما أوتوا من الجلد والصبر والذكاء والأمانة في المعاملة أن يفتحوا قلوب السكان للإسلام، وهكذا دخل الإندونيسيون في الإسلام أفواجًا أفواجًا بما عرفت عنهم من بساطة في العيش وطيبة في القلب.

وتعتبر (ملقا) من أوائل المناطق التي بدأت منها جحافل الدعاة المسلمين بدك معاقل الكفر والإلحاد والوثنية والهندوكية وقد سبب إقبال الأهالي على الدعوة الإسلامية مجيء المزيد من الدعاة من أقطار إسلامية شتى كرسوا حياتهم لإنقاذ سكان هذه الجزر النائية من دياجير الظلم والظلمات، وكان في طليعة هؤلاء الدعاة الشيخ سيدى عبدالعزيز ولعله من الأندلس والشيخ القاضي عبدالله اليماني.

ثم شق الإسلام طريقه إلى جزيرة (سومطرة) حيث أن الصلات التجارية التي تربط هذه الجزيرة مع (ملقا) قوية متينة منذ أقدم العصور، وكان ذلك أيضًا على أيدي التجار والدعاة، ومن أوائل هؤلاء الشيخ محمد العارف الذي لعب دورًا خطيرًا في إرساء قواعد الدعوة الإسلامية بسومطرة، ثم الشيخ محمد هلال من تونس ثم الشيخ عبدالله ابن محمد العباسي وغيرهم.

والملاحظ أن سكان هذه المناطق الساحلية مثل سومطرة وملقا يمتازون عن غيرهم من سكان المناطق الداخلية بمظاهر حياتهم الإسلامية وذلك لسبقهم إلى الإسلام.

وأما جزيرة جاوة المكتظة بالسكان، فلم يصلها الإسلام إلا في القرن الثاني عشر الميلادي، حيث قام بالدعوة هناك أمير من مملكة (بجاجاران) بجاوة الغربية اسمه الأمير بورا، وجاء بعده مولانا (الملك إبراهيم) ويعتبر هذا الرجل أعظم شخصية في تاريخ الدعوة الإسلامية بإندونيسيا كلها، فكان عهده يعد بحق نهاية العهد الهندوكي البائد وبداية النور الذي تسلل مع خيوط فجره أول نواة لعصر من أزهى العصور التي عاشتها إندونيسيا في تلك القرون.

والملك إبراهيم هذا رجل من المغرب أو من حضر موت، وأياً ما كان فقد دعا الناس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، واستطاع بما أوتي من الدهاء والتخلق بالأخلاق الكريمة أن ينفذ إلى أعماق قلوب الأهالي، بحيث لم تمض فترة إلا وقد اجتمع حوله رهط كبير من الأنصار دخلوا جميعًا في دين الإسلام، وقد اتخذ له من مدينة (غرسيء) مركزًا لنشاطه، وافتتح بها معهدًا إسلاميًا كان يعرف باسم معهد سيدا سريما، كما أسس مسجدًا ما زال حتى يومنا هذا.

ولقد ظل الإسلام العقيدة الراسخة في قلوب المسلمين هناك على الرغم من محاولات التبشير الصليبي والاستعمار الهولندي والياباني المستمرة لصرف المسلمين عن دينهم.

وكان للأحزاب الإسلامية في إندونيسيا دور كبير في حرب التحرير وبث الوعي الإسلامي في صفوف الجماهير وإلهاب حماس الشعب للجهاد ضد أعداء البلاد.

ومن أهم هذه الأحزاب الإسلامية:

  1. شركة إسلام: الذي أسسه الأستاذ الأكبر (عمر سعيد شكرو امينوتو) وهو أول حزب إسلامي في إندونيسيا وقد تأسس عام 1910.
  2. الجمعية المحمدية: أسسها (الحاج أحمد الدحلان) سنة 1912.
  3. جمعية الإرشاد: وقد أسسها (أحمد السوكرتي الأنصاري) وهو سوداني الأصل سنة 1912.
  4. جمعية نهضة العلماء: أسسها الشيخ هاشم الأشوي عام 1914.
  5. جمعية وحدة العلماء: تأسست عام 1930.

وغير ذلك من الأحزاب الإسلامية وفي الفترة بين الحربين العالميتين تقاربت هذه الأحزاب الإسلامية وشكلت فيما بينها اتحادًا باسم ((المجلس الإسلامي الأعلى))، واشتغل المجلس بقضايا استقلال إندونيسيا وبقضايا العرب في فلسطين وفي برقة وعمل على مقاطعة إيطاليا، ثم جاء الاحتلال الياباني، فكان بلاء هان معه بلاء الاستعمار الهولندي.

ولقد كان لليابان فضل واحد حيث دربت الناس هناك عسكريًّا، وألفوا منهم فرقًا للدفاع الوطني أرادوا أن تكون عونًا لهم على الحلفاء، فكان منها العون على الاستقلال.

وفي أيام حكم اليابان اجتمعت الجمعيات والأحزاب الإسلامية وكونت (مجلس الشورى الإسلامي) وبعد الاستقلال تحول هذا المجلس إلى حزب (ماشومي).

ويعتبر حزب ماشومي أكبر أحزاب إندونيسيا وأقواها ومعظم قياداته من الشباب المثقف خريجي الجامعات وقد انتخب الحزب لرياسته أول الأمر (سوكيمانة) ورئيسه الحالي هو الأستاذ محمد ناصر، وهو رجل عالم فاضل متواضع زار البلاد العربية والإسلامية عدة مرات، وحضر المؤتمرات الإسلامية الشعبية التي عقدت في مختلف البلاد الإسلامية، ويقدر عدد المنتسبين إلى هذا الحزب بأكثر من أحد عشر مليونًا من الأعضاء، وأهم مبادئه المطالبة بجعل القرآن دستورًا لإندونيسيا وتحكيم الشريعة الإسلامية والعمل على الوحدة الإسلامية الكبرى.

وقد قاوم هذا الحزب الإسلامي الكبير الحزب الشيوعي الإندونيسي وأصر على إبعاده عن الحكم في جميع الأحوال التي اشترك فيها حزب ماشومي الإسلامي بالحكم، غير أنه تم التعاون مع الشيوعيين في الفترة الأخيرة وأخذوا يضيقون على الأحزاب الإسلامية، وخاصة ماشومي الذي زج برئيسه وقادته في السجن، وبرز الشيوعين إلى الميدان مستغلين هذه الفرصة المناسبة التي ضربت فيها الحركة الإسلامية بإندونيسيا، وصار الحزب الشيوعي الإندونيسي بدعم من الصين الشعبية يصول ويجول ويسيطر على النقابات والاتحادات والأندية والجمعيات، ويفتعل الحوادث بين الحين والحين...

ولكن رغم هذه الضراوة في الحرب ظل المسلمون على إسلامهم، وزادتهم المحنة صلابة وثباتًا لأن الإسلام لا يمكن بأية حال أن يخضع للاستعمار ولا أن يذل للطغاة ولا يمكن أن يلقي السلاح مهما قدم من تضحيات ومهما تكالب عليه الأعداء من المستعمرين الصليبيين والملاحدة الشيوعيين والصهاينة الماسونيين.

ولنا في الحوادث الأخيرة والانفجار العنيف وردود الفعل لدى مسلمي إندونيسيا ضد الشيوعيين أكبر عبرة وعظة.

إن طلائع الكتائب المؤمنة تتحرك اليوم في كل مكان من العالم الإسلامي لتأخذ مكانها اللائق، وإن الأيام القادمة ستكشف زيف كل الدعوات المستوردة والمبادئ الوافدة والحركات الهدامة.

قال تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

 

[1]  [يراعى في هذه الإحصائية أن تاريخ كتابة هذا المقال كان عام 1385هـ].