الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
إن الدعوة إلى الله تعالى شرف وواجب ، فبها تنتشر الفضائل والمكارم ، وتنمحي الرذائل ، وتعلو كلمة الله ، ويهتدي الحيارى ، ويعزُّ الإسلام والمسلمون .
والناس في هذا الزمان في حاجة لمن يأخذ بأيديهم إلى الله تعالى ، حيث انتشر الباطل والفسق والفجور ، وأعداء الإسلام يضربون يجمعون كل قوتهم للضرب في كل قواعد الإسلام ، حتى المسلَّمات والمعلوم من الدين بالضرورة ، حتى إنهم صاروا يَصِمون كل من يلتزم بالإسلام بأوصاف سيئة بكل وسائلهم وإمكانياتهم ، ويصفون المتهتِّكين البعيدين عن الدين بأوصاف حسنة ، وكأنهم يدعون الناس إلى اتباعهم .
ووسط هذا الواقع الضبابي ، يحتاج الدعاة إلى الله إلى مهارة ومواهبَ وابتكار وتجديد في الدعوة إلى الله تعالى للوصول إلى الناس بأيسر السُّبل ، وعدم تركهم يغرقون في لجج الباطل والفسق والفجور .
ويحتاج الدعاة إلى الله إلى التغلب على الصعوبات والمعوِّقات المعنوية والمادية التي تعترض سير الدعوة إلى الله تعالى ، والشوائب التي تُزري بصفائها ، وإن كان هناك تشابه في هذه الصعوبات والمعوقات والشوائب التي تواجه الدعوة الإسلامية المعاصرة في كثير منها ، فإنها تتفاوت من بلد لآخَرَ من حيث القوةُ والضعف ، والأسبابُ والمظاهر ، وسُبل العلا؛ بيد أنه لا تخلو بيئة من معظمها ، وهي كثيرة، يصعب أن نستوعبها، فسنتحدث في هذا المقال عن بعض الشوائب الظاهرة :
الفتور لدى الدعاة :
إن مِن أخطر الأمراض التي تصيب الدعاة إلى الله تعالى الفتورَ ؛ فالفتور هو السكون بعد حدَّة ، واللين بعد شدَّة ، والانكسار والضعف بعد صلابة وقوة ، فخطورة الفتور أنه يصيب الدعاة أهل الإيمان المجتهدين الأقوياء ، الذين يحرصون على الاجتهاد والكمال .
وإن الناظر في حال الدعاة إلى الله تعالى على اتِّساع الأمة الإسلامية يجد تقهقرًا وفتورًا عن القيام بالواجب الدعوي عامَّةً؛ وربما يرجع ذلك للأسباب التالية :
- عدم تصوُّر كثير من الناس للمعنى الشامل للدعوة ، وتصوُّرهم أن الدعوة محصورة في الخطابة على المنابر ، أو ندوات ومحاضرات وكلمات مرتجَلة توجَّه لجموع المدعوِّين ، فإذا لم يستطع شيئًا من ذلك ، انصرف عن القيام بالواجب الدعويِّ بالكلية؛ بسبب قصور فهمه لمعنى واجب الدعوة إلى الله تعالى .
- التعرُّض أو خوف التعرُّض لما يؤذيه أو يمكِن أن يؤذيَه ، فيطلب الراحة والسلامة ، وربما يفضِّل الكسل والدعة والرفاهية ، والبُعد عن الجدِّية والعزيمة دون وَجَل من شيء ، ومن أكبر الآفات التي تواجه الدعوة في هذا الزمان آفة الدعة والرفاهية.
- يبتعد كثير من الدعاة عن القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى بسبب الانشغال ببعض القضايا الفكرية التي تُغرقهم في الجدل والمراء ، فلا يجد وقتًا ولا طاقة ولا فكرًا للاهتمام بالدعوة إلى الله ، أو الاهتمام بالنهوض بالأمة في أعمالها وسلوكها وأخلاقها .
- انشغال كثير ممن يصلحون أن يكونوا من أهل الدعوة بالبحث والتنقيب عن عيوب الناس ، خاصَّةً عيوبَ الدعاة والعاملين في حقل الدعوة ، والسعي لنشرها وتضخيمها ، وبثِّ الفُرقة والخلاف والشحناء والبغضاء في نفوس الناس ، وتكاد تكون هذه هي الدعوةَ في منظورهم .
ولا بد من علاج تلك الشوائب لدى البيئة الدعوية ؛ لأن بقاء هذه الشوائب دون علاج يؤثِّر سلبيًّا على حقل الدعوة إلى الله .
ونُجمِل طرق العلاج فيما يلي :
- لا بدَّ من توجيه الدعاة والبثِّ في نفوسهم أهمية الدعوة إلى الله تعالى للداعية في الدنيا والآخرة ، وأنها شرف وواجب ، وهي مَهمة الأنبياء والرُّسل ، ويكفي الداعية شرفًا وفضلاً قول الله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت : 33]؛ أي : لا أحد أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله مع العمل الصالح الذي يُصدِّق قوله ، ومع استسلامه لله تعالى منكِرًا ذاته ، فتصبح دعوته خالصةً لله تعالى ، ليس له فيها إلا التبليغ .
- على المسلم أن يدعوَ إلى الله تعالى بما وهبه الله من مواهب ، لا يُشترط أن يكون خطيبًا مفوَّهًا ؛ بل إن وسائل الدعوة كثيرة ، خاصَّة في العصر الحديث ، وما استُحدث فيه من وسائلَ هائلةٍ كشبكة الإنترنت ، وقد أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ ولو آيةً واحدة؛ حتى يسارع كل مسلم إلى تبليغ ما بَلَغه من الشرع مهما قلَّ ، وحتمًا سيصل كل ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل كل مسلم ذلك؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه البخاريُّ .
- على كل مسلم أن يستشعر المسؤولية العظمى تُجاه دينه وأمَّته ، ودوره في مواجهة التحديات التي تواجهها ، والسعي للنهوض بأمته ، ورفع الجهل عنها ، ومعالجة عللها وأدوائها ، خاصَّةً الدعاةَ إلى الله ، الذين التزموا بدينه وشرائعه ، أهل الخير والدعوة إليه ، الذين يغترفون من مَعين الحق؛ فهؤلاء هم أجدر الناس للقيام بذلك بعزيمة وقوة .
- يجب على العلماء والدعاة القائمين على أمر الدعوة ، أصحاب الخبرة والبذل والعطاء ، الذين وهبوا حياتهم للدعوة إلى الله ، أن يوجِّهوا الناس إلى القيام بواجبهم تجاه الدعوة إلى الله ، ودعوتهم للانخراط في مجالات العمل الدعوي المختلفة ، ويحفِّزوهم ويحضُّوهم على ذلك ، ويوجِّهوا كلًّا منهم إلى ما يُحسنه ، مستغلِّين المواهب والإمكانياتِ المختلفة لديهم ، فيفتحوا لهم آفاق الدعوة التي يمكِنهم العمل من خلالها .
- الاهتمام بالحديث عن أمراض القلوب ، ومعالجة الشوائب التي تصيب الدعاة؛ مثل الحديث والوعظ بالبعد عن الاشتغال بالجدل والمراء ، والبحث عن عيوب الآخرين ، والخوض في الأمور التي تؤجِّج الخلافاتِ بين الدعاة ؛ لأن ذلك مما يقسِّي القلب ، ويورث الضغائن بين الناس ، ويصدُّ القلب عن الاشتغال بما ينفع العبد ، وينفع الدعوة والناس ، فليبتعد المرء عن المراء والجدال ، وليشتغل بنشر الخير وتأليف القلوب على الحقِّ .
- دعوة أهل الدعوة للتأسِّي بذوي الهِمم من السلف والخلف ، والتقرُّب ممن يوصف بذلك من مخالطيهم من الدعاة ، والبُعد عن المتقاعسين والقاعدين والكسالى ، وأهل الجدل والمراء ، ومن جُلُّ همِّهم أن يعيبوا الناس والدعاة .
وشوائب الدعوة كثيرة جدًّا، وللحديث بقية.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.