المرأة المسلمة وتحديات العصرمقالات

المستودع الدعوي الرقمي

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

منذ بداية الخلق يقوم الإنسان بعمارة الأرض ، مشاركةً بين الذكر والأنثى ، أو الرجل والمرأة ، كلٌّ منهما يقوم بدوره ؛ فالله - سبحانه وتعالى - خلق الزوجين الذكر والأنثى ، وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً ، وجعل بينهما مودَّة ورحمة ؛ حتى يعيش الجنس البشري على طهارة ونقاء .

ومنذ تنزَّلت رسالة الإسلام ، كان أول من آمن بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق هي زوجَه خديجةَ - رضي الله عنها - وكانت أول شهيدة في الإسلام سُميَّةَ - رضي الله عنها – وفي الهجرة كان الدور العظيم لأسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين ، رضي الله عنها - حين لجأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى الغار ، ولو مددنا حبل الحكايات والمواقف التي قامت فيها المرأة المسلمة بملحمة وبطولة وتضحية في سبيل الله ، في كل الميادين – جهادًا وعلمًا وبذلاً وعطاءً وتربيةَ العظماء وهلمَّ جرًّا - لَما وَسِعنا تحبير المجلَّدات .

إلى أن أتى عصر أدرك فيه أعداء الأمة أسباب قوَّتها ، وكان من أهمها تماسك المجتمع المسلم، وقيام المرأة المسلمة المتمسِّكة بدينها بدورها في مدِّ الأمة بالعظماء والعلماء والمجاهدين ، فانتفضوا، وصار همُّهم الأساس وشُغلهم الشاغل تقويضَ بنيان المرأة المسلمة ، وإدخالها في متاهات؛ حتى تَحيد عن دورها وواجبها ، فبذروا في النساء بذور النِّدِّية والتمرُّد ليقضوا على العطف الأُنثويِّ ، سرِّ نجاح المرأة في بناء الأسرة والحفاظ عليها وتماسكها ، ومن ثم المجتمع .

 

لقد صوَّر أعداءُ الإسلام قضية المرأة على أن المرأة سجينة في البيت ، وأن سجَّانها الغليظ هو الرجل الذي يُمسك بالمفتاح ، ويتحكَّم فيها كيف يشاء ، فشغلوها بصراع للمساواة مع الرجل ، الذي هو زوجها أو أبوها أو ابنها أو أخوها . . . إلخ ، المساواة المهلكة ؛ حيث المرأةُ الأنانية التي تنافس الرجل في مزاياه دون مسؤولياته ، وتطالب الرجل أن يشاركها في مسؤولياتها دون مزاياها ، وجعلوا المرأة الصالحة لديهم هي التي تستطيع منافسة الرجل في الأعمال التي يقوم بها ، أما المرأة التي تنشئ الأجيال وتربِّي أبناءها ، فصاروا يلاحقونها في الإعلام والأفلام والمسلسلات ، طوال الوقت ، حتى في أحلامها ، بأنها امرأة مضطهدة لا تقوم بدورها في ملاحقة الرجال ، حتى جعلوا المرأة التي تسير وراء مخططاتهم مسخًا ، لا هي المرأة التي تراعي بيتها وزوجها وأبناءها ، ولا هي المرأة التي تستطيع أن تنافس الرجل في أعماله ، ونادرًا ما يأتون بامرأة وسط ملايين النساء يبجِّلونها لأنها استطاعت أن تقوم بما يقوم به الرجال ، وكأنهم يقولون لها : حتى تأخذي حقوقك لا بد أن تصيري رجلاً تقومين بأعمال الرجال .

لقد سعى الغرب إلى مهاجمة الإسلام في عُقر داره ، وعمل على تقويض دعائم الأسرة المسلمة وزلزلة قواعدها المتينة ، وتدمير المجتمع الإسلامي وحصنه ، بجرِّ المرأة المسلمة إلى الهاوية ؛ لتدمير نفسها ، ومن ثم مجتمعها وأمتها ، والضغط لتغيير قوانين الأحوال الشخصية ، والدعوة إلى خلع الحجاب ومحاربته ، وتقييد الطلاق ، ومحاربة تعدد الزوجات ، وإباحة تعدد العشيقات .

وقد نجحوا في تكوين جماعات تنتسب للأمة من كتَّاب وفنّانين وجمعيات حقوقية... إلخ ، مَهمتها الأساسية الدعوة إلى الاختلاط بين المرأة المسلمة والأجانب عنها ، والقضاء على تستُّر المرأة المسلمة وتحجُّبها وعفافها ، وعدم الزواج بأكثر من واحدة ؛ بل الدعوة لتجريم تعدُّد الزوجات وإباحة تعدد العشيقات... إلخ .

لماذا يحاربون الحجاب والتستُّر ؟

لا شَّك أن الحجاب صون للمرأة من الأذى ، وحفظ لها من الإهانة ، حيث تعرف بالعفاف ؛ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب : 59] .

يقول الشاعر في قصيدة "مسلمة تتحدث عن نفسها" :

أَنَا أُمَّةٌ لا الأُمُّ تُنْجِبُ وُلْدَهَا = وَلا شَهْوَةٌ تَبْدُو لَدَى النَّظَرَاتِ

أَنَا الطُّهْرُ فِي هَذِي الْحَيَاةِ وَعِفَّتِي = تَفُوحُ إِذَا مَا سِرْتُ فِي الطُّرُقَاتِ

وَهَذَا حِجَابِي الْحِفْظُ مِنْ سَهْمِ غَادِرٍ = كَأَثْمَنِ دُرٍّ صِينَ فِي الصَّدَفَاتِ

والحرب الدائرة على المرأة المسلمة منذ أزمان تدعوها لنزع حجابها الساتر الفضفاض وعرض مفاتنها للناس ؛ حتى تساير المرأة الغربية في لباسها العاري ، وتصبح لا همَّ لها إلا تقليد العاريات في إظهار مفاتنهن ؛ لتجمع نظرات المعجبين من أهل الفسق والفجور ، فتقوم بدورها لهدم بنيان المجتمع بإسهامها في محاربة العفاف ، والحياء الذي هو خُلق الإسلام ومن أفضل شعب الإيمان .

لقد تعرّضت المرأة المسلمة لعمليةِ غسيل مخٍّ ، حتى صارت نظرتها لنفسها ومطالبتها بالحقوق والحرية وَفقًا للمفاهيم الغربية ، بعيدًا عن الدين والعُرف والتقاليد ، ولقد استُغرق من الوقت الكثير لكي تُفيق كثير من النساء متأخرًا ، بعد ما أصاب المرأة والمجتمع كله آثار لا تخفى على من عنده ذرة من عقل ، وحتى تكتشفَ الحقوق التي تحتاجها ، والحياة التي تريد أنْ تعيشها ، وليس ما أراده لها الآخرون .

فتحضر المرأة مؤتمرات المرأة ، وتطالب مع الأخريات بما يضيع المجتمع ويقضي على الدين ؛ فالمرأة حُرَّة في جسَدِها تهَبُه مَن شاءَتْ ، وتتحرَّك بإرادتها متى وكيف شاءت ، فلا دين يَحْكُمها ، ولا زوج يَأْمُرها ، ولا أب يؤدِّبها ، ولا قرآن يَهْديها ، ولا يُهمها أن تعمل على نَشْر الشُّذوذ الجنسي والإباحيَّة بلا خجل أو وجَل ، وكأنها لا تؤمن بربها والقرآن وبالآخرة ؛ وكأنه ليس هناك جنة ولا نار ولا حساب .

ماذا كسبت المرأة والمجتمع بعد كل ما نالته ؟

ألم تتردَّ في مستَنْقَع الفاحشة والعُرْي والزِّنا ، والخنا والإباحيَّة ، والإسفاف بالأخلاق ، والتميُّع بالقِيَم ، فماذا حصد المجتمع من وراء ذلك ؟

ما حصد إلاَّ انتهاك الأعراض والحرُمات ، وفساد الأخلاق وانحلالها ، وانتشار الفواحش والعُرْي علَنًا ، وتمرُّد المرأة على زوجها وأهلها .

كم خُدعت المرأة باسم المدنية الحديثة والتقدُّم ، ويا ليتنا نتقدم في التكنولوجيا والصناعة ؛ ولكنهم يدعوننا إلى التقدم في الإباحية والفجور والاختلاط ؛ ليتدنَّس المجتمع ، فيسهل الصيد وتقع الفريسة! الفريسة المرأة ؛ ولماذا المرأة ؟ لأنَّها قاعدةُ الأُسْرة ، والأُسْرة نواةُ المجتمع .

ولتنظر المرأة فيما يبثُّه الإعلام من أفلام ومسلسلات وبرامج ، وفيما يحدث في الجامعات والمعاهد من اختلاط وفواحش يندى له الجبين ؛ أليس باسْم الصداقة والزمالة ، وتحت شمَّاعة الحُرِّية ودعاوى الحبِّ والرومانسيَّة هُتِكَت أعراض الفتيات ، وانتشر الزواج السرِّي والعرفي ، وزواج الدم بين الطَّلبة والطالبات ، فحدثت الخلْوَة ، وأطلق الشيطانُ سمُومه ووسوستَه ووقع المحظور ، ولما فاحت رائحة الجريمة وانتفخت بطون البنات ، اكتشف المجتمع والأهل هوْلَ ومصائِبَ الاستماع لخفافيش الظلام من أدْعِياء التقدُّم والتحرُّر بعد أن فات الأوان .

لقد صارت المجتمعات لا تعاني من ديكتاتورية القرارات التي يتخذها مجموعة ضئيلة لتدمّر المجتمع فقط ؛ بل يعاني من ديكتاتورية الأفكار أيضًا ، حتى صارت هذه المجموعات تلصق لمن يدعو إلى الفضيلة وصف «الظلاميين» .

إن قضية المرأة الآن من أشد الميادين حربًا على الأمة الإسلامية ، ولا بد أن تفهم المرأة المسلمة ما يحاك لها ، وقد اتَّضَحت الأمور ، فعليها أن تقوم بواجبها ، وتنزل إلى ميدان المواجهة وتقوم بدورها في الدفاع عن نفسها ودينها وأمتها .