الإسلام والمسلمون في بريطانيامقالات

محمد إبراهيم الجيوشي

المسلمون البريطانيون أصلًا قليلون لا يتجاوز عددهم الخمسة آلاف، وليس هناك إحصاء دقيق لهم، وإنما ذلك تقدير تقريبي قابل للزيادة والنقصان، ويرجع ذلك إلى أوائل هذا القرن وبالتحديد حوالي عام 1913م حينما أسلم أحد اللوردات الإنجليز وأعلن ذلك في كتابات له تناقلتها الصحف أيامها، ولو راجعت مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا في مصر لوجدتها تنقل أحاديث عن هذا الرجل الذي أسلم، وفيها يكشف الأسباب التي جعلته يعتنق الإسلام.

وبدأ الإسلام يعرف طريقه إلى الأسر الإنجليزية منذ ذلك التاريخ، ولكن على مهل لأن الحكومة البريطانية كانت ولا زالت تضع عقبات كثيرة أمام الإنجليز الذين يدخلون في الإسلام، وتحاربهم في كل الميادين، حتى أن المتحدثين عن الإسلام في هذه البلاد يذكرون أن أحد اللوردات أسلم وأعلن ذلك، فجردته الحكومة البريطانية من لقبه وحرمته من كل الحقوق، حتى صار في حالة مزعجة، فاضطر إلى إعلان عودته عن الإسلام، وبذلك عاد إليه كل ما كان له من حقوق وهذا مثل يعطي إجابة عن سؤال ربما يتبادر في ذهن القارئ حينما يعرف هذا العدد الضئيل من المسلمين الإنجليز.

أما طريقة معرفتهم بالإسلام فترجع إلى قراءاتهم عن الإسلام في مصادره السليمة، وصلاتهم ببعض المسلمين صلاة جوار أو عمل أو صداقة، جعلتهم يقفون على حقيقة الإسلام الصحيحة بدون أن يشوبها أي تشويه من هؤلاء الذين يعتمدون أن يجنوا على الحقائق، أو يعطوها لونًا يتفق مع طبيعتهم ونظراتهم، من غبر التفات إلى الحقيقة في جوهرها، ولئن كانت هذه الظاهرة سائدة في كتابات الأوروبيين عن الإسلام من قبل، إلا أنها بدأت الآن إلى حد ما تأخذ جانب الاعتدال، ووجد كثير منهم يكتب عن الإسلام كتابة في مجموعها أقرب إلى الصواب، وذلك لأن الباحثين أحسوا أن الاستمرار في الطريق السابق غير السليم، ومن ناحية أخرى اطلع كثير منهم على الإسلام في مصادره الأصلية، وعرف حقيقته، فأخذ يكتب عنه كتابة غير بعيدة عن الإسلام الحق، إلا في نقاط قليلة، ربما برجع اختلاف الرأي فيها إلى أثر البيئة والمنهج.

وبعض الإنجليز عرفوا اللغة العربية ودرسوها دراسة قوية وافية، ومن ثم فهموا الإسلام فهمًا صحيحًا فأسلموا، ووالوا الدعوة إليه في محيطهم الفردي، وأخذوا يكتبون عنه فيما تسمح لهم المجالات المحيطة بهم.

هذه هي الطريقة التي انتقل الإسلام بها إلى إنجلترا وأسلم بها بعض الأسر الإنجليزية.

أما اللغة التي يتحدثون بها فهي الإنجليزية، ويحرص كثير منهم أن يتعلم أداة الصلاة بالعربية ويحاول أن يتعلمها ليقرأ القرآن. وإلى جانب هؤلاء يوجد عدد ضخم من المسلمين يعيشون في إنجلترا ليسوا من الإنجليز ولكن من البلاد الأخرى، وخاصة البلاد التي لها علاقة سياسية بإنجلترا مثل دول الكومنولث، والمستعمرات مثل باكستان والهند وماليزيا وجنوب افريقيا ونيجيريا وغانا وكينيا وترينيداد وعدد كبير من دول أفريقيا وآسيا والجزر الخاضعة للحكم البريطاني، وليس هناك إحصاء دقيق يعطي الرقم الصحيح لعددهم وإن كان هناك من يقدرهم بحوالي نصف مليون نسمة، وهناك بعض العرب من اليمن، وجنوب الجزيرة، والصومال، يعيشون في بعض المدن الساحلية مثل ليفربول، وكارديف، وأغلبهم يعمل في الموانئ والبواخر.

ووجود هؤلاء المسلمين يعتبر من العوامل التي تسبب اعتناق بعض الإنجليز للإسلام، بحكم المخالطة والاشتراك في العمل، وإلى جانب هذا يوجد كثير من الطلبة المسلمين في جامعات إنجلترا، وكثيرون منهم يتمسكون بإسلامهم وينعكس ذلك على مخالطتهم من الإنجليز.

أما الأجهزة المسؤولة عن الإسلام في بريطانيا فليس لها من الصبغة المعروفة عن الأجهزة المسيحية في البلاد الإسلامية، وتستطيع أن تقول أنها فيما عدا واحدًا منها تقوم على نشاط الأفراد المسلمين، ومحاولاتهم أن يوجدوا لهم جمعية ترعى شؤونهم، وتنظم صلاتهم، وعادة تنشأ هذه الجمعيات في الأماكن التي يوجد فيها مسلمون، فإنهم يحاولون أن يتماسكوا حتى لا يذوبوا في المجتمع الإنجليزي، ويؤلفوا لهم رابطة تجمعهم، لتتطور هذه الرابطة حتى تأخذ شكل جمعية، ولا يجدون اسمًا جامعًا لهم غير الإسلام فيسمونها باسمه، ويسعون أن يوجدوا لها مكانًا يجتمعون فيه للصلاة، وقد يتحول ذلك المكان إلى مسجد فيما بعد، كما هو الحال في مدينة كارديف، فإنهم بنوا لهم هناك مسجدًا ومدرسة، وهم يعتمدون على المعونات التي تأتيهم من البلاد الإسلامية، وخاصة من الجمهورية العربية المتحدة، لوجود وزارة الأوقاف والأزهر فيها، ويتلقون كثيرًا من الكتب والمطبوعات الإسلامية وغالبًا ما تجد عند كل جمعية من هذه الجمعيات نسخة أو أكثر من المصحف المرتل المسجل على أسطوانات، يرسلها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة إلى كل بلاد العالم.

وهذه الجمعيات التي حدثتك عن نشاطها، ودوافع تكوينها، توجد في كثير من المدن الإنجليزية مثل ليفربول ومانشستر وبرمنجهام واكسفورد وكمبردج وأدنبرة.

وكما حدثتك تعتمد هذه الجمعيات على نشاط أفرادها وتعاونهم، وعلى ما تتلقاه من معونات من الدول الإسلامية، وتستطيع أن تسميها جمعيات أهلية.

تقام فيها الصلاة يوم الجمعة، ولكن ليس لها صفة المسجد، كما هو الحال في بلادنا، إلا أنه يوجد مسجد في مكان على بعد خمسين ميلًا من لندن، يسمى (ووكنج) له صورة المسجد ومئذنة (منارة) صغيرة.

أما اللغة التي تؤدى بها الصلاة فهي العربية لأن كل مسلم يحرص على أن يتعلم كيف يصلي باللغة العربية من قراءة الفاتحة إلى حفظ بعض آيات القرآن الكريم، إلى التكبيرات والتسبيحات والتشهد، وبعض الأدعية ليؤدي الصلاة بها، أما خطبة الجمعة فتكون باللغتين العربية والإنجليزية، حرصًا على أن يفهم المسلمون ما يأمر به الإسلام لأن كثيرًا منهم لا يفهم اللغة العربية، وإن كان يعرف منها (السلام عليكم) وكيفية الصلاة.

أما اهتمام الحكومة البريطانية بالإسلام فهذا الاهتمام غير موجود، بل الحقيقة التي يدل عليها الواقع أن الحكومة البريطانية لا تقدم أي مساعدة للإسلام ولا للمسلمين في بلادها، وإذا عرفت أن المسجد الذي كان مفروضًا أن يقام في حديقة المركز الثقافي الإسلامي بلندن منذ عام 1945م لم يوافق على بنائه حتى الآن من الأجهزة البريطانية المسؤولة عن المباني، إذا عرفت ذلك أمكنك أن تعرف بسهولة مدى اهتمام الحكومة البريطانية بالإسلام.


المصدر: مجلة الوعي الإسلامي: العدد 10 – السنة الأولى - شوال 1385هـ