اللغة العربية في جمهورية طاجيكستانمقالات

د. عسكر سلاموف

الموقع الجغرافي لطاجيكستان:

  • تقع جمهورية طاجيكستان في قلب آسيا، وهي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في هذه المنطقة.
  • نالت طاجيكستان استقلالها في 9 أيلول سنة 1991 م.
  • تبلغ مساحة طاجيكستان 143.000 كلم2.
  • لها من جهة الجنوب حدود طويلة مع أفغانستان تزيد عن ألف ومائتي كيلومتر، ومن جهة الشمال لها حدود مع قيرغيزستان تبلغ ثمانمائة وسبعين كيلومتر، فيما تحدها الصين بما يزيد عن أربعمائة كيلومتر، وأوزبكستان غرباً بحدود تزيد عن ألف كيلومتر.

 

نبذة تاريخية عن اللغة العربية في طاجيكستان:

للغة العربية في طاجيكستان جذور تاريخية، حيث دخلت اللغة العربية مع بداية الفتح الإسلامي لبلاد ما وراءِ النهرِ، فقد كان ذلك بداية عهد جديد للشعب الطاجيكي، الذي انضم تحت لواء الدولة الإسلامية آنذاك.

 وقد اعتنق الطاجيك الإسلام وتشبعوا بالحضارة والفكر الإسلامِيَيْن واستناروا بنور هذا الدين المبين، وتبنوا في الفقه مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله.

وقد ذكر المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”-حينما زار بلاد ما وراء النهر في أواخر القرن العاشر- قال: “أن بلاد ما وراء النهر أكثر الأقاليم علمًا وفقهًا”.

ويفسر المؤرخون سبب النهضة التي عرفها الشعب الطاجيكي في هذه الفترة بأنها ترجع إلى أن الفاتحين الذين كوَّنوا قاعدة حضاريةً مكَّنت من خلقِ روابطٍ بين شعوب المنطقة والشعوب العربية.

وقد اهتمَّ الأمراء بتطوير العلوم الدينية والدنيوية معًا، فأنشؤوا المساجد والمدارس في بخارى وسمرقند وغيرها من المدن، والتي تحولت هذه المدارس في فترة قصيرة من مجرد مدارسَ دينية إلى معاهدَ عالية لتعليم الفقه والأدب واللغة.

ولعلَّ الـمُتَتَبِّعَ للنهضة التي عرفها الشعب الطاجيكي في هذه الفترة يَلْحَظُ أن هذا التطور والازدهار ليس من قبيل الصدفة، إذ أقبل الطاجيك على تعلم اللغة العربية التي كانت لغةَ العلمِ في ذلك الوقت، ولعل كثيراً من علماء بلاد ما وراء النهر ألفوا معظم مؤلفاتهم باللغة العربية...

ومن المستبعد أن يكون حَدَثَ ذلك لو لم تكن هناك البيئة التي عاش فيها هؤلاء العلماء حيث كانت بيئةً حضاريةً علميةً وكانت العلومُ الشرعيةُ والأدبيةُ هي أهمُّ ما يميز هذه المرْحَلَة وكانت أداة جمع هذه العلوم هي اللغة العربية حيث أن العلوم الشرعية والأدب وغيرَها من العلوم والفنون كانت تكتب باللغة العربية في ذلك الوقت.

 

علاقة اللغة العربية باللغة الطاجيكية:

تحتلّ اللغة العربية مكانة خاصة في قلوب الطاجيك، ويعتمد جمهور المثقفين وعلماء الدين من الطاجيك على اللغة العربية والمصادر العربية لمعرفة شرائِعِهم الدينية، وكذلك أداء شعَائِرِهم الدينية، ومن هنا ظهرت الأهمية القصوى للغة العربية في الحياة الدينية والثقافية للطاجيك، حيث يتم تدريس اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات الطاجيكية، وبشكل خاص في الأقسام المعنية بتعليم اللغة العربية.

 والدليل على اهتمام الطاجيك باللغة العربية وجود وثيقة قديمة يرجع تاريخها إلى بداية القرن الثامن الميلادي، وكانت هذه الوثيقة عبارة عن رسالة من ملك سُغْد حاكم سَمَرْقَند دِيفَاشْتِيجْ إلى حاكم خراسان العربي.

ومن الناحية التاريخية فالملاحَظ أن هذه اللغة ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الدولة الطاجيكية وازدهارها، ومن الناحية الثقافية فعلماء الإسلام الذين عملوا على نشر الثقافة العربية الإسلامية كانوا ينتمون إلى بلاد ما وراء النهر.

 وكلما انتشر استعمال اللغة العربية في الحياة الثقافية ازداد عطاء العلماء والأدباء الطاجيك في تأليف وتصنيف الفهارس وترجمة الكتب باللغة العربية والطاجيكية.

ونستطيع أن نؤكد أن اللغة الطاجيكية كانت هي اللغة الوسيطة لنشر الإسلام وتعليم اللغة العربية داخل بلاد الطاجيك وخارجِهَا.

ومن هذه المنطلق يمكن القول أنَّ تعليم اللغة العربية في يومنا هذا أصبح ضرورة ملحَّة، لأجل فهمِنا لتراثِنا الإسلامي والاستفادَةِ منه. ولأننا نحتاج إلى ترجمة هذا التراث إلى اللغة الطاجيكية واللغات الأخرى.

كما يؤكد الدكتور سيد رحمن سليمانوف – أستاذ اللغة العربية في كلية اللغات الآسيوية والأوروبية وصاحب القاموس العربي الطاجيكي الذي يحتوى على أكثر من 100000 كلمة – أنَّ دراسةَ اللغة العربية لا تَقِلّ أهميةً عن دراسة اللغة الطاجيكية.

والجدير بالذكر أن اللغة الطاجيكبة اقترضت من اللغة العربية الكثير من الكلمات والتعابير العربية، حيث أصبحت المفردات والكلمات العربية حسب الإحصائيات الأخيرة تشكل أكثر من أربعين في المئة من المعجم اللغوي المتداول في اللغة الطاجيكية.

وحتى اليوم ما زالت اللغة الطاجيكية تكتسب كلماتٍ وعباراتٍ جديدة من اللغة العربية من خلال الكتب العلمية والدينية والثقافية التي يعتمد عليها العلماء والأدباء الطاجيك ومن خلال الروابط الثقافية والاقتصادية بين أبناء الشعب الطاجيكي والشعب العربي.

 وكانت اللغة الطاجيكية تُكتب بالحروف الفارسية التي هي حروف عربية في الأصل لوقت طويل، إلا أن اللغة العربية تعرضت لمحاولات إقصائها ومحوها من ذاكرة الطاجيكيين، بدءًا من إلغاء الحروف العربية التي استُعْمِلت في الكتابة وصولاً إلى حرق الكتب العربية.

 وتفاقمت هذه الأزمة بشكل كبير في عهد الاحتلال السوفياتي، وعلى الرغم من هذا ظلّ الشعب الطاجيكي حريصًا على تعلم اللغة العربية على قدر استطاعته، فمنهم من تَتَلْمَذ على يد شيخ أو عالم الدين. – وهنا تجدر الإشارة إلى دور المدارس الشخصية (أي دراسة الدين في الحجرات عند الشيوخ وعلماء الدين) في الحفاظ على اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ومنهم من تعلم من جد أو قريب له آيات القرآن والنصوص الدينية شفهيًّا لكي يُتقن اللغة العربية.

وأشرنا سابقًا إلى أهمية تعليم اللغة العربية في طاجيكستان حيث أنها تشكل جزءا أساسيًّا من تراثنا الثقافي والديني وذلك لأنَّ الشعب الطاجيكي شعب مسلم، وتعلم هذه اللغة مرتبط أساسًا بعلاقاتنا مع العالم العربي لذا فمن الضروري إعادة الروابط والعلاقات الثقافية والتعلمية التى كانت في القِدَم بين شعوب بلاد ما وراء النهر وشعوب الدول العربية.

إن ارتباط الشعب الطاجيكي المسلم تاريخيًّا بالثقافة العربية الإسلامية يستدعي قيام تعاون ثقافي بين الجهات والمؤسسات الثقافية في العالم العربي، لإحياء التراث الثقافي الإسلامي خاصة بعد استقلال طاجيكستان بعد عقود من السيطرة السوفياتية، وذلك حتى نتمكن من إعادة بناء هويته الثقافية الإسلامية.

ومن هنا يتبين أن تعليم اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات الطاجيكية أصبح أمرًا ضروريًّا وحيويًّا، كما أن إقامة تعاون ثقافيٍّ واقتصاديِّ بين طاجيكستان والأقطار العربية الشقيقة أصبح أيضًا أمرًا ملحًا وضروريًّا لدى المواطن المسلم الطاجيكي، إنها دعوة واضحة وصريحة لإعادة بناء صرح الأمة الإسلامية في هذا الجزء من العالم الإسلامي الذي كان له قَصَبَ السَّبْقِ في الماضي لنشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد ما وراء  النهر.

 

الوضع الحالي للغة العربية في طاجيكستان:

تُدَرَّسُ اللغة العربية اليومَ في العديد من المدارس والجامعات الطاجيكية منها على سبيل المثال:

كلية اللغات الآسيوية والأوربية بجامعة طاجيكستان القومية:

 فقد نشأ قسم اللغة العربية وآدابها لأول مرة ضمن كلية التاريخ والآداب سنة 1958، وبعد انفصال كلية التاريخ عن كلية الآداب سنة 1965، بقي قسم اللغة العربية ضمن كلية الآداب حتى سنة 1972 حيث أُسست كلية الاستشراق التي تسمى حاليًا بـــ “كلية اللغات الآسيوية والأوربية”.

ومن أهم أقسام هذه الكلية:

 قسم اللغة العربية وآدابها، حيث تستمر الدراسة فيه في مستويات التعليم الثلاثة:  (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراة) وتُدَرس خلالها اللغة العربية وقواعدها كما يدرَّس الأدب العربي بالإضافة إلى مواد أخرى مثل: جغرافيا البلاد العربية وتاريخها، ودراسة المصادر العربية، والنصوص الفلسفية والعلمية، واللهجات والصحافة العربية.. إلخ.

وتتم عملية التدريس بالطريقة التقليدية عن طريق الترجمة اعتمادًا على اللغة الطاجيكية كلغة وسيطة.

وتعتبر كلية اللغات الآسيوية والأوربية الرافد الأساسي لأساتذة ومدرسي اللغة العربية للمدارس والجامعات في جمهورية طاجيكستان وكذلك المترجمين والباحثين في المعاهد العلمية والسلك الدبلوماسي، ويُدَرِّس بقسم اللغة العربية أكثر من 25 أستاذًا، وعدد طلابها أكثر من 400 طالب.

وكذلك يوجد قسم للغة العربية بمعهد اللغات الدولية، وقسم آخر للغة العربية بمعهد طاجيكستان الإسلامي وجامعة خجند الدولية وكذلك تدرَّس العربية كلغة خارجية في العديد من الجامعات الطاجيكية.

وكما توجد في مدينة دوشنبه مراكز علمية يقوم المستعربون فيها ببحث وترجمة الآثار العلمية والفلسفية للعلماء الطاجيك القدامى وغيرهم من علماء المسلمين والمستشرقين.

 

المشاكل التي تواجه تعليم اللغة العربية وكيفية التغلب عليها:

ومن المعروف أنه توجد عادة مشاكل وصعوبات في دراسة وتدريس جميع العلوم والفنون، وليست اللغة العربية استثناء من القاعدة، ومن ثَمَّ تتخلص مشاكل تدريس اللغة العربية في طاجيكستان فيما يأتي:

1- الاعتماد على برامج ومناهج قديمة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

2- ندرة وجود الكتب المتخصصة الحديثة في تعليم اللغة العربية.

3- حاجة المعلمين للتأهيل والتدريب على أحدث طرق التدريس ومهاراتها في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

4- ضعف مهارات المعلمين في استخدام الوسائل التعليمية الحديثة.

5- قلة اهتمام أصحاب اللغة العربية الفصحى، حيث أن اللغة الفصحى لم تصبح هي لغة التخاطب بين العرب، مما يؤثر في تقليل من اهتمام الطلاب لِتَعَلُّم العربية ودراستها في وطننا.

 

الاقتراحات:

1- تطوير البرامج والمناهج الخاصة بتعليم اللغة العربية حيث أنها تعود إلى مرحلة متأخرة.

2- توفير أحدث الكتب المتخصصة في تعليم اللغة العربية.

3- عمل دورات تأهيلية للمعلمين في طرق تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها.

4- عمل دورات في كيفية تطوير المناهج التعليمية وكيفية السير بها.

5- إرسال المعلمين والطلاب للدول العربية لاكتساب المهارات اللغوية والفنية.

6- تدريب المعلمين على كيفية استخدام الوسائل التعليمية الحديثة.


(د. عسكر سلاموف - مدرس اللغة العربية بجامعة طاجيكستان القومية)

المصدر: مجلة فرقد