من لهؤلاء الأقلية المسلمة في مغارات وجبال نيبال؟مقالات

صحيفة الجزيرة

تعاني الأقلية المسلمة في دولة نيبال من مشاكل عديدة، يأتي في مقدمتها الجهل والفقر اللذان يخيمان بصفة عامة على حياة الأغلبية من هذه الأقلية، مما يجعلهم متخلفين في جميع مجالات الحياة.

ونيبال دولة هندوسية وحيدة في العالم تقع بين الهند والصين، ويبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة أغلبهم من الهندوس والبوذيين، ويشكل المسلمون نسبة لا تقل عن 10% أي قرابة المليوني نسمة وذلك وفقًا للمصادر الإسلامية هناك.

 بينما أكدت إحدى الصحف الحكومية وهي جريدة غوركهابتر مؤخرا أن عدد المسلمين حوالي 1,4 مليون نسمة فقط.

وعموما فإن هذه الأقلية المسلمة منتشرة في جميع مناطق البلاد، وفي القرى وأعالي الجبال والمغارات، إلا ان أغلبيتهم تسكن مناطق سهلية على الحدود الهندية النيبالية وخاصة مديريات: روتاهت، وبارا، وبرسا، وكبل، وستو روبندهي، وسرها، وبانكي.

 ويرجع سبب وجود هذا العدد الكبير في هذه المناطق السهلية الى أنها كانت تقع تحت سلطة حكام دلهي المسلمين، فتيسر المجال لمسلمي الهند لممارسة التجارة والاشتغال بالزراعة والاستيطان فيها.

 وعقب فتح الملك برتوي ناراين شاه لهذه المناطق- في عهد الاحتلال الانجليزي للهند- استقر المسلمون فيها كمواطنين نيباليين.

دخول الإسلام إلى نيبال:

من الصعب التصريح بالتاريخ الصحيح لدخول الاسلام في المناطق الجبلية في نيبال، إلا أن بعض المصادر أوضحت ان حاكم الهند غياث الدين تغلق، هو أول من دخل الى بعض مناطق البلاد السهلية عند عودته من بنغال عام 1324م، ولكنه مع الأسف لم يترك آثارا طيبة للإسلام والمسلمين.

وبعده بخمسة وعشرين عاما توجه الحاكم البنغالي المسلم شمس الدين عام 1349م الى المناطق الجبلية، وغزا الدويلات الصغيرة: بهغت بور، كانتي بور، وللت بور.

ولكن الشتاء القارس لم يمكنه من المكوث لمدة طويلة فرجع من حيث أتى بدون ان يستتب له الحكم في البلاد.

وكان دخول المسلمين في نيبال بهدف الاقامة عام 1491م في عهد الملك رنتا ملابكانتي بور- الاسم السابق وكاتماندو عاصمة نيبال، حيث سمح بتوطين التجار المسلمين الذين جاؤوا من كاشمير للتجارة.

الحالة الدينية:

تعتبر الديانة الرئيسية لمعظم السكان النيباليين هي الهندوسية وتليها البوذية وهما عبارة عن طقوس وثنية وتقاليد شركية ورثها أهلها عن آبائهم.

أما المسلمون فوضعهم الديني مؤلم جدا من ناحية العقيدة والعمل، فأكثرهم غارقون في ظلمات الجهل والبدع والخرافات، كما أنهم متأثرون بالطقوس الشركية والتقاليد الهندوسية، وهذا الذي جعل المسلمين يسلكون طريقا غير سوي وخاصة الذين يقطنون المناطق الجبلية من البلاد إلا من رحم الله.

وقد استفحل هذا الأمر الى درجة تثير الحيرة والدهشة خاصة عندما تمر بقرية مسلمة فيلتفون حولك، ويحيونك بكل سذاجة وبساطة، وقلوبهم مفعمة بحبك واحترامك، وحينما تسألهم عن كلمة الاسلام يبدو لك انه لا يعرفها إلا واحد منهم أو اثنان على الأكثر، وهذه حقيقة مؤلمة وحالة سيئة تقتضي منا تكريس الجهود الدعوية في مثل هذه البلاد.

إلا ان هناك مؤشرات خير بأن مسلمي المناطق السهلية وضعهم الديني أحسن بكثير من المسلمين الجبليين، وذلك بسبب قربهم من الهند حيث تسنح لهم فرص مقابلة العلماء والدعاة، والاستفادة منهم استفادة علمية دينية.

ومما تجدر به الاشارة ان نيبال كدولة هندوسية بحتة، ينص قانونها على ان الديانة الرسمية للبلاد هي الهندوسية، إلا ان المسلمين هناك يتمتعون بحرية كاملة، لأداء شعائرهم الدينية، واقامة المدارس والمؤسسات التعليمية، والمساجد، وعقد المؤتمرات والحفلات الدعوية، وتكوين الجمعيات والمنظمات.

الوضع التعليمي:

أما عن الوضع التعليمي لأبناء المسلمين في نيبال فإنه ومما يثير الاستعجاب ويبعث الاستغراب لا في نفوس المهتمين بالحقوق الانسانية فحسب، بل في عامة الناس ان دولة نيبال ما كانت تسمح للطلبة المسلمين بالالتحاق بالمدارس الحكومية النيبالية حتى عام 1940م، وبعد عدة محاولات جدية سمحت لهم فبدؤوا يلتحقون بالمدارس والكليات الحكومية للحصول على التعليم العصري وبالتالي الفوز بالوظائف الحكومية، حيث انه لا يتأتى لهم المجال لنيل الوظائف في الدوائر الحكومية إلا بعد الحصول على مثل هذه الشهادات المعترف بها لدى الحكومة.

ومع ان حكومة البلاد لا تعترف بالمدارس الدينية ولا تسجلها لديها، فقد اهتم بها المسلمون منذ أكثر من مائة عام في بعض المناطق على الحدود الهندية منها:

  • جامعة سراج العلوم الكائنة في جهاندا نغر.
  • المدرسة المحمودية في راجع فور.
  • والمدارس الدينية الأخرى التي أسست في مناطق مختلفة على مر العصور، ويأوي اليها آلاف من أبناء المسلمين، سعيا وراء العلم الشرعي الذي يحميهم من الذوبان في المجتمع الهندوسي، مع ان معظم هذه المدارس لا تتعدى المرحلة الابتدائية وفي حالة رديئة جدا.

والمتخرجون من هذه المدارس، ومدارس الهند، وجامعات المملكة العربية السعودية هم الذين يعلق بهم مسلمو نيبال آمالهم الدعوية والاسلامية، لأنهم أولوا اهتمامهم بنشر الدعوة الاسلامية وحققوا نتائج طيبة في حقل الدعوة والارشاد، وكان لدراستهم الأكاديمية والإلمام بالأمور الشرعية بالغ الأثر في تحقيق رسالتهم العظيمة، إلا انه- مع الأسف- الدستور النيبالي يمنع منعا باتا دعوة شخص الى ديانة لا يدين بها.

ولذا تركزت جهود الدعاة في الأوساط الاسلامية التي هي في حاجة ماسة الى من يخرجهم من ظلمات الجهل والأمية، الى الفكر الصحيح المنبثق من الكتاب والسنة.

الغالبية من المزارعين:

ويعيش المسلمون في نيبال عيشة ضنكا، ويواجهون مشكلات اقتصادية عديدة، فالأغلبية منهم تشتغل بالزراعة في القرى، والقلة منهم تعمل في ميدان التجارة لأشياء بسيطة، ويعمل عدد ضئيل جدا في الوظائف الحكومية.

أربعة مقاعد في البرلمان:

وبسبب الفقر الشديد، وقلة الامكانيات المادية، وتعصب أعداء الاسلام، فإن المسلمين النيباليين لا يستطيعون خوض الحياة السياسية كما يجب.

وليس للمسلمين حزب سياسي، إلا ان البعض منهم انضم لأحزاب سياسية متفرقة وفازوا بالحصول على أربعة مقاعد في البرلمان، والمفروض ان تكون المقاعد اكثر كي يتمكنوا من خلال البرلمان من المطالبة بحقوقهم السياسية والتعليمية والاجتماعية وغيرها.

المشاكل والعلاج:

ان مسلمي نيبال يعانون من شتى الأزمات بسبب قلة الامكانيات وضآلة الصحوة الدينية ويرى عدد من المسؤولين عن الدعوة هناك أنه يمكن معالجة هذه المشاكل بتوفير الآتي:

1- إنشاء كليات الحديث والتوحيد والشريعة ليتعلم فيها الشباب دروسا عن الدين والعقيدة الصحيحة والفكر السليم، وتجدر الاشارة هنا الى ان الساحة تخلو من أية مدرسة معادلة بأية جامعة بالعالم الاسلامي

2- اقامة ثلاثة مراكز للدعوة الاسلامية بالمناطق الجبلية، تقوم بنشر الدعوة والتعليم وغرس الروح الدينية في نفوس أبناء المسلمين.

3- انشاء مراكز للتدريب المهني يتدرب فيها الشباب والفتيات- منعزلات عن الرجال على المهن المختلفة كتعليم الكمبيوتر، وتصليح الثلاجات والمكيفات والسيارات والساعات والخياطة والنسج والتطريز وغيرها.

4- تخصيص المنح الدراسية للطلبة، وقبولهم في شتى الكليات حسب مؤهلاتهم العلمية.

5- العناية بالمدارس الاسلامية التي تؤدي واجباتها في مجال التعليم حيث انها في حاجة ماسة الى الدعم المادي والمعنوي بصفة مستمرة.

6- التعاقد مع العلماء والدعاة المؤهلين للقيام بواجبات الدعوة والارشاد.

7- الاهتمام بتمثيل الشخصيات الاسلامية البارزة في الهيئات والمنظمات الاسلامية العالمية لطرح قضايا مسلمي البلاد.

وأخيرا فإن المسلمين في نيبال يعقدون الآمال في أن تمتد اليهم أيادي اخوانهم في بلدان العالم الاسلامي بالعناية والرعاية، وتوفير احتياجاتهم، حتى يستطيعوا المحافظة على هويتهم الاسلامية وعدم الانزلاق في هوة الانحراف والضلال.

 فهل من مجيب لهذا النداء الانساني الذي سبق ان وجهه فضيلة الشيخ سعيد الأعظمي رئيس تحرير مجلة البعث الاسلامي الصادرة من ندوة العلماء بلكناو بعد ما زار البلاد في مقال عنوانه: من لهؤلاء المسلمين في المغارات والجبال في نيبال؟[1]