كلمة " المراهقة " في عصرنا الحاضر صارت كلمة سيئة السمعة ، بمجرَّد ذكرها يهجم على الذهن المشكلات والرعونة والطيش والانحراف ، وكأن كل مراهق صار مشروعًا للسوء والشر والانحراف!
نعم ، يمكِن أن يكون لذلك وجه في المجتمعات البعيدة عن الإسلام ، التي تتشدَّق بالحرية المطلقة ؛ ولكن لا ينبغي أن يسود هذا التصور في المجتمعات الإسلامية .
إن ما يطلقون عليهم الآن لقب " المراهقين " ، هم الذين يملؤون صفحات تاريخ الإسلام بالبطولة والجهاد والتضحية والعبادة والدعوة والعلم ، ونشر دعوة الإسلام في الآفاق ، ورفع رايته ، وكانت النظرة إليهم طوال تاريخ الإسلام في كل البلدان التي كانت تحت ظلال الإسلام دائمًا نظرة إيجابية ، فلم تكن هناك نظرة سلبية كما هي الآن من أن لهم مشكلات خاصة بهم ؛ فهذا أول سفير في الإسلام مصعب بن عمير ، وهؤلاء المجاهدون وقادة الجيوش ؛ كأسامة بن زيد ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهذه حال هذه الفئة من الشباب " المراهقين " الذين ترعرعوا تحت ظلال الإسلام الوارفة ، طوال تاريخ الإسلام حتى يومنا هذا .
بناء شخصية المراهق السَّوية :
عملية التربية وبناء الشخصية السوية لابد أن يراعى فيها منهج التربية الذي يشمل القيم التي نريد أن نبثها ونربي المراهق عليها ؛ ليصير ذا شخصية سويَّة ، لا تتأثر بما يحيط به من الفتن المشتعلة في جميع المجتمعات الآن ؛ بل تؤثِّر فيها ، وتطبيق المربِّي هذا المنهج على المراهق .
أولاً : المنهج :
إن المشكلة الكبرى التي تواجه المربِّي هي عمله في مجتمَع تسيطر عليه الوصاية بطريقة هرمية ، في كافة طوائف المجتمع ، الصالحة والفاسدة ، فيبدو المراهقُ في أسفل هرم الوصاية هزيلَ القيمة والكرامة والقدْر ، فيترعرع تحت ظلِّ هذا المجتمَع خانعًا خاضعًا ، غير مسموح له بالتمرُّد على المجتمع إلا في الأمور السيئة الفاسدة التي تنتشر فيه ، وهذا يمكن أن يُتغاضى عنه من المجتمع ، أما التفرُّد وإظهار الهُوِيَّة والاستعلاء على مظاهر الفتن والفساد والمعاصي ، فهذا ما صارت لا تقبله المجتمعات إلا راغمة ؛ بسبب أنها لم تستطع إخضاعه ومواجهة استعلائه بإيمانه وإظهاره لاعتقاداته ، بدايةً من الإرهاب الفكريِّ حتى الإرهاب النفسيِّ والبدنيِّ ، والعقاب الظاهر والخفيِّ المستتِر .
ومن ثمَّ فإن مواجهة ومجابهة ومطاولة المبطلين والفاسدين والمجاهرين بالمعصية في مجتمعاتنا تحتاج إلى تربية أجيال قوية مؤمنة ترتوي من ينابيع الإسلام ، وتستنير بنوره ، وتستقيم على طريق الهدى ، بنفس مستعلية على الباطل ، غير عابئة به ، وذلك يكون من خلال التربية على ما يلي :
العقيدة :
إن العقيدة هي العامل الأساس الذي يُبنى عليه ، وليس المقصود حفظ الكتب والمتون فقط ؛ بل أن تصير مستقرَّة في القلب والعقل والوجدان ؛ فكم ممن رأيناهم يحفظون بل يصنِّفون في الولاء والبراء ، ولا تجدهم يوالون إلا أعداء الإسلام يبرُّونهم وينصرونهم في كل موقف ، ولا يعادون إلا أهل الإسلام ، يظاهرون عليهم دون أن تطرف لهم عين! فإذا تربَّى الشاب على العقيدة السليمة ، صار الإسلام محرِّكه في كل شؤونه ، يستعلي به على كل ما يضاده ، مؤمنًا بدينه ، معتزًّا بشرائعه ، غير عابئ بتجبُّر الباطل واختياله في صورة المنتصر .
الاستجابة لله ورسوله :
لا بد من تربيته على تعظيم كل أوامر الشرع مهما كانت ، وألا يجدَ حرجًا في العمل بها وإظهارها والاعتزاز بها ، ويستطيعَ مجابهة من جعلوا الدين مجرَّد أمور ظاهرية تناسب أهواء البشر وأذواقهم ، بتديُّن رَخْوٍ عبارة عن مظاهر فارغة ، تحترم مظاهر المجاهرة بالمعاصي والأعراف الباطلة ، ولا تعتزُّ من الإسلام إلا بما تستطيع توفيقه مع الجاهلية!
فإن الله أنزل دينه للناس ليهديهم إلى صراطه المستقيم ، طريق الحق والصلاح ، ومكارم الأخلاق ؛ ليعمروا الأرض بالتزام أوامره وتجنب نواهيه ، بالمجاهدة والبذل والتضحية .
تحديد الهدف من الحياة :
لابد من تربية الشاب على تحديد الهدف الأساسي الذي يوصله إلى غايته "رضا الله تعالى" ، وهو : "ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" ، ومن ثَمَّ فكلُّ مَن يمكِن أن يغترَّ بهم الشاب سيَنظر إليهم على أنه مسؤول عن هدايتهم بدرجة ما ، بالدعوة أو سواها ، فلا يُفتن بأيِّ مظهر من مظاهر الباطل مهما علا في الظاهر .
فَهم الواقع :
إن فهم الواقع من أهم العوامل لتربية هذا الجيل ؛ ففَهْمُ الواقع يجعلهم يعلمون كُنْهَ الأمراض التي أصابت الأمة ، فيَصِلون إلى الترياق الذي يخلِّصها من السموم التي تملأ كِيانها ، فيعلمون العدوَّ من الصديق ، والمحب من المنافق .
ثانيًا : تطبيق المنهج بين المربِّي والمراهق :
هناك طرق وقواعد وأساليب ينبغي للمربي أن يراعيها ويعمل بها لبناء الشخصية السوية للمراهق ، من أهمها :
- أن يكون المربِّي قدوةً ونموذجًا صالحًا ومخلصًا في دعوته ، فإن كانت فترة المراهقة تتميز بسعي المراهق الدائب إلى التفرُّد والاستقلالية ، فإنه يسعى أيضًا إلى البحث عن القدوة ، فعلى المربِّي أن يلتزم ويعمل ويتحلَّى بالقيم التي يبثُّها في المراهق ، فيمتثل عمليًّا الصفاتِ الحسنةَ التي يريد تنميتَها في الشباب ، ويتجنَّب الصفاتِ غيرَ الحسنة والأفعال الشائنة البعيدة عن المروءة والخُلق الحسن .
- أن يقوِّيَ المربي علاقته بالمراهق ؛ حيث إن تلك العلاقة هي العامل الأساسيُّ في عملية التربية ؛ فيتقرب منه ويدرس نفسيته ويتعرف على مفاتيح شخصيته ، ويشعره دائمًا بمراعاة وتفهم مشاعره وأحاسيسه ، فلا شك أن المربي يستطيع بحسن العلاقة وقوَّتها أن يستثمر هذه المرحلة إيجابيًّا ؛ لتوظيف وتوجيه طاقاته لصالحه ولصالح مجتمعه وأمته .
- على المربي توجيه المراهق لاكتساب الخبرات بكل السبل الممكنة ، بالدروس العلمية وقراءة كتب يختارها المربي له ، وحكاية تجارب ، فيبث فيه القيم التي يريدها .
- على المربي استغلال كل مميزات هذه المرحلة ؛ من الثورة الداخلية ، وعلوِّ الهمَّة في طلب الكمال ، وقوَّة العزيمة في تحقيق ما يريده ، والتأثُّر بالواقع والأحداث التي يراها ، فيلجئه ذلك إلى التفكير الدائب في تغيير الواقع الذي يحياه ، ويحياه مجتمعه وأمَّته .
- تتميَّز هذه المرحلة العمرية بعدة خصائص ، لو لم توظَّف في الخير لصارت سلبيَّة تؤدِّي إلى الشر ؛ مثل : الحماس ، والإقدام ، ونصرة ما يراه الشاب حقًّا – مهما كان - دون خوف أو وجل أو تردُّد ، واستعداده للتضحية في سبيل ذلك .
- للشباب في هذه المرحلة طاقة واستعداد كبير للعمل والانطلاق والإنجاز ، فعلى المربِّي أن يوجِّه الشابَّ إلى تنمية مهاراته ، وتوجيه هذه الطاقة إلى طريق الاستقامة والصلاح .
- على المربي إظهار الثقة في المراهق ، وإعطاؤه الاستقلالية في التفكير وحرية الرأي لتنمية التفكير الإبداعيِّ والناقد لديه ، وإشعاره أنه قد بلغ مبلغ الرجال ، وصار يُعتمَد عليه ؛ ما يساعده على النضوج العقلي ، ولغة الحوار والتفاهم ، وإثبات ذاته .
- على المربي تدريبه على مواجهة التحدِّيات ، وتحمُّل المسؤوليات التي تتناسب مع قدراته وخبراته ، وملء وقت فراغه بما ينفعه ؛ ما يشعره بأهميته ، ويفجِّر طاقاتِه ومواهبَه ، فينفع أسرته ومجتمعه وأمَّته .
- من مميزات هذه المرحلة الكره الشديد للنصائح المباشِرة ، ورفض أي أسلوب في التعامل فيه أمرٌ ونَهي وفرْض ، فينبغي عدم نُصحه وتوجيهه أو ذكر عيوبه وأخطائه أمام الآخرين ، والاستعاضة عن ذلك بالحوار معه بودٍّ .
- على المربِّي مشاركة المراهق اهتماماته وهواياته وأنشطته ، وتوجيهه لبناء عقله وجسده وثقافته بالقراءة المفيدة والاطِّلاع والرياضة ، وأن يشارك في الأنشطة الاجتماعية والشبابية والأندية ، فيكون إيجابيًّا في المجتمع ، ويؤثِّر في المحيطين به ، ولا يتأثَّر بالقيم السلبية .
- على المربي استغلال حب الاستطلاع والاستفسار لديه في تنمية قدرته على البحث ، وتزويده بالعلوم المختلفة والمعلومات والحقائق ؛ ما يوصله إلى العقيدة الراسخة والإيمان ، الذي يحميه مما يمكن أن يثار في نفسه من شكوك وأفكار غريبة كطبيعة هذه المرحلة .
- على المربِّي تحديد منهج علميٍّ واضح ومتدرِّج وعمليٍّ في شتى مجالات المعرفة ؛ ففي دراسة العقيدة مثلاً يبدأ بالكتب السهلة ، ثم يتدرَّج فيها ، مع ربطها بدروس علمية وعملية وكتب تزيد إيمانه بمعرفة الله وعظمته وأسمائه وصفاته ، مثل كتب الرقائق والسيرة ، فيَفقَه ويتأثَّر بما يَدرُس ، إلى أن يصير مؤثِّرًا .
- وعلى المربِّي أخيرًا مساعدة المراهق على تحديد أهدافه الدينية والعلمية والدنيوية ، وطموحاته المستقبلية ، وكيفية تحقيقها بتخطيط على خُطوات .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.