الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرمقالات

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

بعد حمد الله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، تحدث العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مقال موجز، عن شعيرة مهمة من شعائر الإسلام، وهي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وذكر أن أهم الواجبات الإسلامية التي يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا والآخرة، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك هو سفينة النجاة، كما ثبت في صحيح البخاري قوله ﷺ : "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا". قال النبي ﷺ: "فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا".

وطلب التأمل في هذا المثل العظيم، وأنه واضح الدلالة على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه سبيل النجاة، وطريق صلاح المجتمع، ويتضح من ذلك أيضًا أنه واجب على المسلمين وفرض عليهم القيام به؛ لأنه هو الوسيلة إلى سلامتهم من أسباب الهلاك.

قال: وقد أكثر الله سبحانه في كتابه الكريم من ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر أن أمة محمد ﷺ هي خير الأمم بسبب صفاتها الحميدة، التي من أهمها قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

وطلب التأمل مرة أخرى من المسلم الذي يهمه دينه وصلاح مجتمعه كيف بدأ الله سبحانه في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان، مع كون الإيمان شرطا لصحة جميع العبادات، وأنه يتبين من ذلك عظم شأن هذا الواجب، وأنه سبحانه إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام.

وقال عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

وبدئ في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة، وما ذاك إلا لما تقدم بيانه من عظم شأنه وعموم منفعته وتأثيره في المجتمع، وتدل الآية أيضًا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أخلاق المؤمنين والمؤمنات، وصفاتهم الواجبة التي لا يجوز لهم التخلي عنها أو التساهل بها.

 وقد ذم الله سبحانه من ترك هذا الواجب من كفار بني إسرائيل ولعنهم على ذلك، فقال سبحانه في كتابه المبين: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78، 79]

قال: وفي هذه الآية إرشاد من الله سبحانه لأمة محمد ﷺ إلى أن سبب لعن كفار بني إسرائيل وذمهم هو عصيانهم واعتداؤهم، وأن من ذلك عدم تناهيهم عن المنكر فيما بينهم؛ لتحذر هذه الأمة سبيلهم الوخيم، ويبتعدوا عن هذا الخلق الذميم، ويتضح من ذلك أن هذه الأمة متى تخلقت بأخلاق كفار بني إسرائيل المذمومة استحقت ما استحقه أولئك من الذم واللعن؛ لأنه لا صلة بين العباد وبين ربهم إلا صلة العبادة والطاعة.

وأورد كذلك حديث النبي ﷺ: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.

وقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم أيضًا: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

ومما قاله ناصحًا رحمه الله: اتق الله أيها المسلم، وَأْمُر بالمعروف وانه عن المنكر حسب طاقتك، عملا بهذه الأدلة الشرعية، وتخلق بأخلاق المؤمنين، واحذر من أخلاق الكافرين والمجرمين، واحرص جهدك على نجاتك ونجاة أهلك وإخوانك المسلمين.

وروي عن النبي ﷺ أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: "يا أيها الناس، إن الله يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم" أخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وهذا لفظ ابن حبان.

 قال رحمه الله: والمعروف يا أخي هو كل ما أمر الله به ورسوله، والمنكر هو كل ما نهى الله عنه ورسوله، فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية، ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية والفعلية.

وبيّن أن كل مسلم راع على من تحت يده ومسؤول عن رعيته، وأن عليه أن يعدّ جوابًا لهذا السؤال قبل أن ينزل به من أمر الله ما لا قبل له به.

 

نشر بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في العدد الرابع من السنة الأولى (ربيع الأول 1389 هـ). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 264)