القرآن الكريم والمستشرقون ومفكرو الغربمقالات

محمد علي الخلاقي

أودع الله تعالى في القرآن الكريم من المعجزات العظيمة التي يحار العقل ويعجز اللسان عن الإتيان بمثلها؛ فهو كتاب معجز في نَظْمِه وبلاغته ودقته، والعلوم الكونية التي تحدث عنها، التي لم يسبق إليها أحد قبل أن ينزل القرآن، وهذا ما جعل العلماء والمفكرين يقفون أمامه مسلِّمين بأنه ليس من صنع البشر، أو اختراع نبيٍّ أُمِّيٍّ لا يقرأ ولا يكتب، بل يدل هذا على أنه كتاب منزل من عند الله تعالى.

هذا ما قاله كاتب المقال الأستاذ محمد علي الخلاقي في بداية حديثه عن "القرآن الكريم والمستشرقين ومفكري الغرب"، مذكرًا أن القرآن الكريم معجزة باقية إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى تحدى به العرب والعجم أن يأتوا بمثله أو بسورة واحدة تضاهيه أو تماثله، وجعل هذا التحدي قائمًا إلى يوم القيامة، وأن العرب لم يستطيعوا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتوا بآية واحدة من مثله، وهم أهل البلاغة والفصاحة.

كما ذكر أن القرآن تميز بما فيه من خصائص عظيمة، وفوائد روحية جليلة، تتحقق عند قراءته والتأمل في آياته؛ فهو يأخذ القلوب، ويسلب الألباب بمجرد سماعه يُتلى، وعندما تُرتَّل آياته لأول مرة، فتذهل الآذان من سماعه، وتقشعر الأبدان عند قراءته.

قال: وهذا السر الذي أودعه الله في هذا الكتاب المنزل اعترف به كثير من المفكرين الغربيين المعاصرين الذين لا يدينون به، أو يؤمنون بقدسيته، ولكن بلاغته وقوة تأثيره في القلوب، وتحديثه عن حقائق علمية وكونية لم تُكتشف إلا في مرحلة متأخرة من نزوله، وتحتاج إلى بحث وأجهزه لا يمكن أن تتوفر في ذلك العصر وتلك الحقبة - هي من جعلتهم يعترفون بإعجازه، وقوة تأثيره في حياة أتباعه، وسبْقِه في تفسير كثير من مظاهر العلوم وحقائق الكون، وقد تطرقوا لذلك في كتاباتهم وخطاباتهم في المؤتمرات ومراسلاتهم. 

ثم ذكر الأوصاف التي وصفوه بها، التي تدل على أهمية القرآن الكريم في حياة البشرية جميعًا، وأنها تمحورت في أنه:

1- قوي التأثير في حياة المسلمين: فلا يمكن التغلب على المسلمين ما دام القرآن فيهم يُتلى، والمصحف أمامهم يُقرأ، وقد اعترف بهذه الحقيقة وزير المستعمرات الفرنسي لاكوست؛ فقال حين عجز عن فَرْنَسَةِ الجزائر، بعد احتلال دام أكثر من قرن من الزمان، استخدموا فيه كل الطرق والوسائل في تغيير هُوِيَّةِ هذا الشعب المسلم: "ماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟"؛ فهو أقوى في تأثيره من كل ما عندهم، فما دام هذا القرآن حيًّا في قلوب المسلمين، يُقبلون عليه قراءة وحفظًا ودراسة، ويتحاكمون إليه في جميع شؤونهم - فهم في حصن من كيد الأعداء والمتربصين.

 2- الرباط الوثيق والجامعة التي تجمع المسلمين: فالقرآن في نظر هؤلاء المفكرين الغربيين هو الجامعة التي يجتمع حولها المسلمون، وهو الرباط الوثيق الذي يربط بينهم، فأينما يمَّمت وجهك، وجدت القرآن يتلوه المسلمون على اختلاف لغاتهم وتباعد بلدانهم، فلا يوجد كتاب على الأرض يُقرأ كما هو الحال في القرآن الكريم.

 3- كتاب حوى مختلف العلوم: تكلم القرآن الكريم عن كثير من الحقائق العلمية والمظاهر الكونية التي لم تُكتشف إلا في وقتنا الحاضر، وقد اهتم القرآن الكريم بالعلم، ورفع من شأن العلماء في كثير من آياته؛ دلالة على أهمية العلم في الإسلام ومكانة العلماء؛ يقول المستشرق هرتوبك هير جفلد: ليس عجيبًا أن نقول بأن القرآن تطرق إلى موضوعات: السماوات والأرض، والحياة والإنسان، والتجارة ومسائل المعاملات وغيرها؛ لأن القرآن هو مصدر لجميع العلوم، كما أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما كان يوجه الأنظار إلى الآيات القرآنية التي تحث على مراقبة حركة السماء، بل إن بعض الآيات القرآنية كانت تدعو إلى التعاون في طلب العلم، مما أحدث في المستقبل تحولًا كبيرًا في عالمي: الطب، والعلوم الطبيعية. 

4- الكتاب الذي يحفظ وحدة المجتمع: ففي القرآن من التعاليم الكثيرة في كيفية بناء الأسرة، ومعاملة الأبناء، وبيان العلاقات المختلفة بين الله والناس، وبين البشر أنفسهم، فكل ما يحتاجه المجتمع ليعيش في سعادة جاء القرآن لبيانه، والاهتمام به، والحث عليه؛ يقول (ويل دورانت):

"إن السلوك الديني في القرآن يشمل السلوك الدنيوي أيضًا، وجميع الأمور قد جاءت من قِبل الله عن طريق الوحي... يحتوي قوانين من الأدب والصحة، والزواج والطلاق، والمعاشرة مع الأبناء والحيوانات والعبيد، والتجارة والربا، والدَّيْن والعقود والوصايا، والصناعة والثروة، والجزاء والحرب والسلم، إن القرآن يعطي عقائد سهلة بعيدة عن الإبهام الذي يدخل في النفوس البسيطة، ويحررهم من العادات المذمومة كعبادة الأصنام والكهانة، هو القرآن الذي يحكم أصول نظام المجتمع ووحدته الاجتماعية بين المسلمين".

 5- الأخلاق في القرآن: اهتم القرآن بجانب الأخلاق وتزكية النفس؛ فجاءت الكثير من الآيات تحث المسلم على حسن الخلق، والتحلي بالصفات النبيلة الفاضلة، فعندما سعى الغرب لهدم أخلاق الشباب، وجدوا أن القرآن يقف حائطًا صلبًا أمام هذا الانحلال الأخلاقي والمد التحرري؛ يقول مارمادوكي بيكثل، الكاتب والأديب الإنجليزي الذي أعلن إسلامه لاحقًا:
 

"القرآن يؤصل الأخلاق، فلا نستطيع إنكار ذلك؛ حيث أنزل إلى النبي عليه السلام وبلغه بدوره، فمن أراد التقرب إلى الله عز وجل، توجه إلى القرآن؛ ففيه بيان حق الخالق وحق المخلوقين".
 

 6- رمز للبلاغة والفصاحة، وهو الوعاء الذي حفظ الله به اللغة العربية من الضياع: القرآن نزل بلسان عربي مبين واضح، ولولا هذا القرآن، لكانت اللغة العربية قد تلاشت واضمحلت، وتفرعت إلى لغات كثيرة، فالقرآن جاء وحفظها، فهي باقية محفوظة ما بقي القرآن يُتلى ويُقرأ.

يقول المستشرق فون هامر في مقدمة ترجمته للقرآن:
 

"القرآن ليس دستور الإسلام فحسب، وإنما هو ذروة البيان العربي، وأسلوب القرآن المدهش يشهد على أن القرآن هو وحي من الله، وأن محمدًا قد نشر سلطانه بإعجاز الخطاب، فالكلمة لم يكن من الممكن أن تكون ثمرة قريحة بشرية".
 

 شبكة الألوكة 21/2/1441 هـ

4 شخص قام بالإعجاب