إن الدعوة إلى الله تعالى هي أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى، وهي مَهمَّة الأنبياء والرسل وأتباعهم من المؤمنين الصادقين، الذين هم خير الخلق، وسفراء الله إلى الناس لدعوتهم إلى الخير، وتنفيرهم من الباطل والشر، فيُخرجون الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، يُخرجون الناس من الظلمات إلى النور، وقد قال الله تعالى فيهم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، وقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
ولا شكَّ أن الدعوة إلى الله تعالى مثلُ كل الأعمال، تحتاج إلى مهارات ودُرْبة وخِبرة ومواهب؛ فإذا كان الماهرون والحذَّاق يُتقنون في الإبداع والبناء والصناعة وغيرها، فإن الدعاة يبنون الحياة، يبنون الإنسان؛ ليعيش في هذه الحياة - التي يتكدَّر فيها الجميع إلا من رحم ربي – هانئًا مطمئنًّا، راضيًا بالله وعن الله، يحيا له وبه، وإذا كان هناك بعض المهارات يهبها الله للإنسان، فإن هناك مهاراتٍ مكتسبةً، وخبراتٍ لا بد أن يسعى الإنسان لاكتسابها، ومن يقصِّر من الدعاة في اكتساب أيِّ مهارة تساعده في طريق الدعوة، يَصدُق فيه قول المتنبِّي:
وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبًا = كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَـامِ
فالدعاة مطالبون باكتساب كل سبيل يوصلهم إلى دعوة الناس، ومنها توظيف المهارات الموهوبة والمكتسبة في الدعوة إلى الله، وإلا صار هناك خلل في تبليغ الدعوة؛ لأن تصدُّر غير المؤهَّلين سيؤدِّي إلى تشويه الدعوة والدعاة.
وإن الواقع ليَشْهدُ أن المهاراتِ الدعويةَ صارت تتطلَّب تخصُّصاتٍ متنوِّعةً لا تقتصر على علوم الشريعة كالفقه وأصوله وعلم الحديث...إلخ فقط، فإن الدعوة لتحتاج إلى جهود جبَّارة متضافرة، وطاقات هائلة.
إننا نرى الأعداء ودعاة الضلال يسعون لإتقان كل المهارات الممكِنة لمواجهة الإسلام، ومنع انتشاره، ورمي الشبهات لتشكيك المسلمين في دينهم، ونشر الفسق والفجور وما يدمِّر المجتمع الإسلامي من الداخل، ونراهم يُعِدُّون العُدَّة وينسِّقون فيما بينهم لمواجهة الإسلام، ولو استطاعوا لسعوا لاستئصال الإسلام، ونرى دأبهم واتِّفاقهم على تذليل كل السبل، وتسخير كل التِّقْنيَات الحديثة لنصرة باطلهم.
فكيف يرى الدعاةُ إلى الله أهلَ الضلال من الكفار والمنافقين والفاسقين يُتقنون المهارات ويتعاونون من أجل الدعوة لضلالهم، ثم لا يسعى الدعاة إلى الله ليكونوا أسبقَ منهم في هذا المضمار؛ لاكتساب كل مهارة تساعدهم في الدعوة إلى الله تعالى؟!
فإذا رأى الدعاة أصحابُ الهمَّة والحرص على تعبيد الناس لربهم همَّةَ هؤلاء المبطِلين لنشر الباطل والتعاون على الإثم والعدوان، فهل تكون همَّتُهم في نشر الخير وإخراج الناس من الظلمات إلى النور أقلَّ من هؤلاء المبطلين؟ أم أن عليهم السعيَ لتذليل كل السبل واكتساب كل المهارات الممكنة وتضافر الجهود لنشر الدعوة إلى الله؟
إن الواجب على الدعاة استفراغ الوُسع، والسعي إلى كل سبيل أو مهارة واكتسابها وتطبيقها في مجال الدعوة، وعلى الدعاة أن يتعاونوا في ذلك؛ مثل إكساب الدعاة المهاراتِ الدعويةَ، وتدريبهم عليها، وتثقيفهم بالثقافات التي يحتاجونها، فإذا كانت كل المؤسسات والشركات تدرِّب موظَّفيها وتقيم لهم دَوْراتٍ تدريبيةً لتنميتهم، فكيف بالدعاة إلى الله؟! لو فعلوا ذلك لرُفِع مستوى الدعاة وكفاءتهم، وسُدَّ الخلل في ثوب الدعوة ومجالاتها، خاصَّةً في هذا الزمان الذي صار التواصل مع كل البشر سهلاً ميسَّرًا.
إن الدعوة تحتاج إلى طاقات هائلة في كل فروع المعرفة والثقافة؛ لدعوة غير المسلمين إلى الله، ودعوة المسلمين إلى الالتزام بالإسلام، وإنها الآن لتحتاج إلى همَّة عظيمة ومهارات خاصة وعمل عظيم من الدعاة.
ولا شك أن المرأة الداعية تحتاج إلى مهارات خاصة؛ لأنها تتعامل غالبًا مع المرأة التي هي عمود الخيمة لأسرتها، ومن ثَمَّ المجتمع والأمة؛ فهي أساس بناء المجتمع؛ حيث إنها تنشئ الأجيال وتربِّيها، فإن صلحت صلحت الأجيال، وإن فسدت فسدت الأجيال.
وهاك بعضَ المهارات الأساسية للداعيات:
- مهارات التربية الإسلامية: الدعوة تحتاج إلى الداعيات المربِّيات لمختلف الأعمار، وكل سنٍّ لها سياسة تربوية، فتعهُّد الأطفال والصبية الصغار ليس كتعهُّد المراهقات أو الأمَّهات أو الجَدَّات، فلا بد أن تمتلك الداعية المهاراتِ التربويةَ لتربية المدعوَّات على حب الدعوة، وتوجيههن بالأساليب التربوية السليمة، فإن الداعية تتعامل مع حاضر الأمة والمجتمع من المدعوَّات الجَدَّات والأمهات والشابَّات، ومع مستقبل الأمة (الأطفال)، وتستخدم مهاراتِها في التربية؛ لتربية شخصيات قويَّة مؤمنة، ترتوي من ينابيع الإسلام الصافية، وتستضيء بنوره، وتستقيم على طريق الهدى، وإعدادهن إيمانيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًا، بامتلاكها القدرةَ على المتابعة والتقويم، والقرب من المدعوَّات والإحاطة بأمورهن ومشكلاتهن، والسعي لحلِّها، ومشاركة همومهن، مع مراعاة اختلاف الطبائع والأفهام، والأعراف والعادات، والأولويات، ولن تلمس الداعية النجاح في دعوتها حتى تمتلك مهاراتِ التأثير في المدعوات، التي سنفصلها فيما يلي:
- مهارة امتلاك الميل العاطفي والمحبة القلبية: على الداعية أن تمتلك مهارة أسر القلوب، ويكون ذلك بالأخلاق الحسنة، والشِّيَم الكريمة؛ مثل: الصدق والأمانة والإخلاص، والرفق والتواضع، والصبر على الناس، والكرم، والإيثار، والتسامح، وسلامة الصدر، والعفَّة، وحسن السَّمت، وسعة الأفق، وعلو الهمَّة، والثبات على المبدأ، وعدم الإصرار على الخطأ، والرجوع إلى الحق، وعدم الجرأة على القول بدون علم، ومعاملة الناس معاملة حسنة؛ أي: حتى تكون داعية ناجحة أن تمثِّل - قبل كل شيء – قدوة حيَّة وسيرة حسنة، وإذا أسرت القلوب وأحبَّتها المدعوات، استجبن لها لا محالة؛ فإن المحبَّ لمن يحب مطيع.
- مهارة الحوار والإقناع العقلي والحُجَّة العلمية:
إن من أبرز المهارات العملية المؤثِّرة للداعية إتقانَ مهارات الإقناع والتأثير، مع مراعاة أدب الحوار وقواعده وأصوله، وأن تتحلَّى بصفات المحاور الناجح بالهدوء والتواضع والحُجَّة القوية، وحُسن العَرْض والثقة وترتيب الأفكار.
- مهارات البحث العلمي وحب القراءة والاطِّلاع والتعلُّم:
لا بد أن تمتلك الداعية القدر الضروريَّ من العلم الشرعيِّ، ليس المقصود أن تصير عالمةً أو مُفْتيَة مثلاً – وإن كان لديها المقدرة فبها ونِعمت – المقصودُ أن تمتلك قاعدةً مناسبة من العلوم الشرعية؛ مثل العقيدة والفقه والأصول والحديث واللغة العربية والسيرة والتاريخ، مع الحرص على زيادتها دائمًا، ومن ثم تمتلك القدرة على البحث والقراءة والوصول للمعلومة والفتاوى، خاصَّةً المستحدَثة، فتعرف سبل الوصول إلى إجابات لأسئلة المدعوَّات وفتاواهن واستشاراتهن، مع تطوير هذه المهارة بتعلم كل جديد تستطيعه مما يفيدها في حياتها ودعوتها.
-مهارة الثقافة وفَهم الواقع وسعة الاطِّلاع:
فلا تقتصر على العلوم الشرعية فقط؛ حيث إن الداعية تتعامل مع الناس مختلفي الثقافات والتعليم والميول والهوايات والاهتمامات وهلمَّ جرًّا، فلا بد أن تمتلك من الثقافة والاطِّلاع وفهم الواقع ما يجعلها تمتلك مفاتيح الشخصيات المدعوَّة، وتستطيع التحدث في سائر المواضيع الثقافية والواقعية، خاصة الإلمام بالقضايا الفكرية المعاصرة.
-مهارات اللغة والحديث والكتابة:
ومن أبرز المهارات العملية المؤثِّرة للداعية إتقان فن الحديث والخطابة والإلقاء، وفن الحوار، وإتقان الكتابة وحسن الصياغة للكتابة على وسائل التواصل، ولا يجوز للداعية أن ترفع المنصوب والمجرور أو العكس؛ فهذا يؤثِّر سلبيًّا في الدعوة عند قطاع عريض من الناس، فلا بد من دراسة اللغة العربية جيِّدًا، مع الإلمام الجيِّد بالتراكيب اللفظية وعلوم المعاني والكتابة الإملائية السليمة، وامتلاك حصيلة لغوية وأسلوبية تساعد الداعية بقدرتها على التعبير عن المعنى بأسلوب رائع يلامس القلوب ويؤثِّر في المدعوَّات.
- مهارات التقنية وتوظيفها في الدعوة:
لا شك أن التعامل مع التِّقْنِيات الحديثة صار من الضروريات لأي داعية؛ لنشر الدعوة إلى الله، ومتابعة القضايا المهمة، والوصول للفتاوى وأسئلة المدعوَّات دون عناء... إلخ.
-مهارة تنظيم الوقت:
من أهم المهارات التي تحتاجها الداعية مهارة تنظيم الوقت وتنظيم أمورها وشؤونها المختلفة؛ حتى لا تقصِّر في أي واجب من الواجبات التي عليها؛ حيث إنها تحمل همَّ أسرتها وبيتها وأولادها ودعوتها، وغير ذلك من الواجبات الكثيرة الملقاة على عاتقها حسب ظروفها؛ فلو لم تمتلك مهارة تنظيم وقتها وشؤونها، ستفشل في بعض الجوانب حتمًا، حتى وإن نجحت في بعضها الآخر، وسيُعَدُّ هذا فشلا وقصورًا في شخصيتها.
-مهارات التفكير:
فلا بد أن تمتلك الداعية مهاراتِ التفكير؛ كمهارة التفكير الناقد والإبداعي وغير ذلك؛ حتى تطوِّر نفسها دائمًا، وتكون متميِّزةً في دعوتها ووسائلها وأفكارها، وتستطيع نقد نفسها وأفعالها باستمرار؛ فتتقدَّم وتبتكر وتتميَّز، وتتجنب السلبيات وتعظِّم الإيجابيات.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.