الشعوب الدينية بمنطقة الشرق الأوسطمقالات

محمد عبد الرؤوف

عُقد لمدة يومين، الثامن والتاسع من مارس 1966م، مؤتمر بالمركز الكنائسي المواجه لهيئة الأمم المتحدة عن (الشعوب الدينية بمنطقة الشرق الأوسط)، وقد دعا إلى هذا المؤتمر مجلس الكنائس الوطني للولايات المتحدة الأمريكية.

وكان هدفه كما جاء في برامجه الرسمية (اتاحة الفرصة للقاء بين ممثلين للهيئات الدينية والمنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط) لدراسة التطورات والتغيرات التي تعانيها تلك الأمم وكيف تستجيب هذه الشعوب لعوامل التغيير.

كان المتحدث الأول في اليوم الأول الأستاذ "جون بادو" مدير قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا، الذي كان عميدًا للجامعة الأمريكية بالقاهرة من قبل، كما كان سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية لدى الجمهورية العربية المتحدة سابقًا، والذي زار بعض بلاد الشرق الأوسط، ومنها الكويت أخيرًا.

تحدث الأستاذ المذكور عن العوامل والمؤثرات في حياة شعوب الشرق الأوسط قديمًا وحديثًا، وكان أهم ما ركز عليه في حديثه أن الإسلام أشد العوامل تأثيرًا في حياة هذه الشعوب، وأن ما قد يبدو من مواقف علمانية لبعض الدول الإسلامية في الوقت الحاضر فإنما ذلك أمر سطحي، والحقيقة أن الإسلام كان ولا يزال من أهم الدوافع والعوامل للمسلم كفرد وللمجتمع كدولة.

وتحدث عدد آخر من أساتذة الجامعات المختلفة عن مختلف الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية وختم اليوم الأول الدكتور "أدوين م. رايت" أخصائي في شؤون الشرق الأدنى بوزارة الدولة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، بحديث عن "الوحدة العربية" وكان هدامًا، فقد سرد عوامل الوحدة السياسية وذكر أنها اللغة أو الجنس أو الدين أو الثقافة أو الخوف المشترك أو الحدود المشتركة أو المصالح المشتركة أو القيم المشتركة، ثم حلل كل واحدة من هذه القواعد، وشرح كيف أنها لا تصلح تكئة تقوم عليها وحدة العرب، فقال مثلًا: إن العرب لا يتكلمون بلهجة واحدة، بل قد لا يفهم عربي في العراق عربيًّا في المغرب، واللغة الفصحى وإن كانت متفقة غير أنها لا يعرفها إلا القليل (هكذا!)، وأما الجنس فذكر أن كل دولة عربية تقريبًا تتكون من عدد من الشعوب والأجناس.

أما الدين فزعم أن الإسلام لم يوحد المسلمين إلا ثلاثة أعوام عندما استطاع محمد أن يقسر قومه بحد السيف على الاتحاد تحت سلطانه بعد أن قهر مكة عام 639 (هكذا)، على أن الإسلام يدعو للعدوان والحرب فيقول: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}، ولقد لقي الخليفة الثاني والثالث والرابع حتفهم اغتيالًا، ومنذ مات محمد ما اتحد العرب (هكذا)، وأما الثقافة فليس للعرب ولا للإسلام ثقافة، وإنما هي ثقافة الإغريق، نقلها إلى العربية غير العرب تحت لواء خلفاء نصفهم فارسي (هكذا)...

وهكذا كانت محاضرته هدامة مدلسة تستفز المشاعر، ولما استأذنت وعلقت عليها سلَّم بأنه قصد بها الاستفزاز؟ وكان هذا موقفًا عجيبًا!

ولما قلت: إن قول الكتاب: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} يرجع للمعتدين المشار إليهم {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} حاول إثارة الغموض حول معنى العدوان!

وفي اليوم الثاني كنت أول المتحدثين، وكان موضوعي عن الإسلام ودوره في الحياة المعاصرة لشعوب الشرق الأوسط.

وقد ركزت على شمول الإسلام، وعلى مرونة الإسلام وصلاحيته لمواجهة حاجات كل عصر وبيئة، وسقت الأمثلة على ذلك، وذكرت أن الإسلام لمرونته قد يتقبل عناصر ثقافية لا تتعارض مع مبادئه الأساسية، ولكن ما يبدو الآن من مفارقات إنما هو نتيجة الاستعمار الغربي الذي فرض على بلاد الإسلام أوضاعًا اقتصادية وقانونية وما كان هناك ما يقتضيها لو حسنت نية المستعمر وطوَّر الأوضاع على ضوء تقاليد البلاد وعقيدتها، على أن أنواع التغيير التي نشاهدها ليست كلها ناشئة عن الاحتكاك بالغرب، بل إن هناك عوامل داخلية ناشئة عن تغير الزمن نفسه وطبيعة التطور ذاتها، ومهما يكن من أمر فإن المسلمين يتطلعون لا إلى ثلاثة عشر قرنًا أخرى من حياة الإسلام كما يزعم بعض المؤلفين الغربيين، بل إلى مجد دائم للإسلام والمسلمين، بعد أن ينفضوا غبار الضعف الذي نشأ منذ غارات المغول الوحشية وعدوان الصليب الممقوت.

وقد سرني تعليق الحاضرين ورئيس الجلسة حيث أكد موافقة الحاضرين لما أشرت إليه من ردود على زعم دكتور رايت، وذكر أن أكثرهم لا يرى رأيه.

ثم تعاقب المتحدثون، وكان مما يلفت النظر محاضرات المتحدثين باسم الكنائس المختلفة عن موقفها من الإسلام، وكانت الخلاصة أن موقف الكنائس أول الأمر من الإسلام كان عدائيًّا مغالطًا مشوهًا للحقائق، وكان على رأس هؤلاء ((سانت توماس أكويناس)) الذي شوه شخصية محمد ودينه بشكل فاحش نفر منه المسيحيين، ولكن نتج عن قيام أجيال من علماء الغرب الذين كرسوا حياتهم لمعرفة الحقائق دون حيف قدر الإمكان أن تكشفت الحقيقة وظهر أن هناك مبادئ سامية يشارك فيها الإسلام المسيحية مما نتج عنه بيانان للبابا زعيم الكنيسة المسيحية في عام 1964 وعام 1965 عبر فيهما عن مزايا الإسلام ومدى قربه من المسيحية.

وكانت شهادات غير المسلمين للإسلام بين حين وآخر - في بلد ملحد مادي صهيوني - تهتز لها المشاعر وتتحرك لها النفوس!

مجلة الوعي الإسلامي ع 15

0 شخص قام بالإعجاب