نحنُ والماديُّونمقالات

أحمد حسين المحامي

لا سبيل لإقناع من شذ طبعه:

نريد أن ننبه منذ البداية، أن أي دليل يساق على وجود الله، لا يمكن أن يدركه إلا من كان سويَّ الطبع غير منحرف المزاج، فالضوء لا تبصره سوى العين السليمة، وألوان الطيف لا يراها من كان مصابًا بعمى الألوان، والأنغام لا يسمعها من كان به صمم، ولا يتذوقها من كان جامد العاطفة، وكذلك الشأن عند التحدث عن الله، فليس يعيه ويدركه إلا من كان سليم العقل والنفس معًا، أما هؤلاء الذين انحرفت عقولهم واضطربت نفوسهم، فلا جدوى من التحدث معهم عن الله، لأن كل حديث في هذه الناحية لا يزيدهم إلا جحودًا وعنادًا.

ومن حسن الحظ أن هؤلاء الذين شاهت عقولهم ونفوسهم، هم قلة مسحوقة لا يؤبه بها وسط الخضم العارم من بني البشر، ولا يخطئن أحد فيتصور أن منكري الألوهية هم من العلماء أو من المفكرين، فإن أعظم من عرفت البشرية من عقول، كانوا عميقي الإيمان بالله، ابتداء من سقراط وأفلاطون وأرسطو حتى ديكارت وكاتت وهجل، ونيوتن وأينشتين، فهؤلاء وألوف من أمثالهم، ممن اعتبروا في كل زمان ومكان أئمة للذين يقولون: لا إله والحياة مادة - بوجود الله - والمنكرون له منحرفون عن العقل والفطرة السليمة.

أما أصحاب الفكر السليم فقد آمنوا بالله بقلوبهم وعقولهم معًا، وساقوا شتَّى البراهين والأدلة العقلية على وجود الله، كل حسب منهاجه في البحث، والأفكار السائدة في عصره، وما انتهت إليه مختلف التجارب الإنسانية، وهذا ما يحدد واجبنا نحن الذين نعيش في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث أصبحت تتوفر لنا تجارب كل من سبق، وبعد أن ازدهر العلم وحقق الكثير من الآيات، وما كان يعد من المعجزات، أن نعيد صياغة هذه البراهين على وجود الله بما يتفق وآخر مفاهيم العصر، وحقائق العلم ومناهج البحث.

الدليل الأول: شهادة الوجدان:

يخطئ من يتصور أن العقل الإنساني هو المصدر الوحيد لتلقي المعرفة، فالعقل مرحلة تتأخر في الظهور، وهو لا يستطيع أن يمارس نشاطه إلا بعد التعليم والتدريب، واستيعاب ما يسمى بالعلم المتراكم، ولكن المشاهد والمحسوس، أن الإنسان بل كل كائن حي، يدرك المعارف اللازمة لحياته عن طريق قوة تسبق العقل في الظهور، وهي قوة الغريزة، فالفرخ الصغير يلقط الحب بمجرد خروجه من البيضة، والطفل يلتقم ثدي أمه بمجرد ولادته، وهو يصرخ ويبكي ويقبل ويدبر بانفعالات طبيعية لا أثر فيها للعقل أو التفكير.

وهذه الانفعالات الغريزية هي التي تتطور إلى عواطف من حب وبغض وتفريعاتهما، هذه الطاقة الانفعالية في الإنسان هي ما نعبر عنها بالوجدان وهو الإحساس والشعور في مجموعهما، وهذا الوجدان هو ينبوع كل ما عرف الإنسان أو سوف يعرف من فنون، فهو مصدر الغناء والموسيقى والشعر والرسم والقصص وكل مظاهر الإبداع الفني.

منبع المعرفة الإنسانية:

ويحلو للبعض أن يدخل في مفاضلة بين الوجدان والعقل، وأن يغلب أحكام العقل، على ما يسمى حدس الوجدان، وهي مقارنة لا محل لها، فالمعرفة الإنسانية حصيلة الغريزة والجدان والعقل معًا، ولا يمكن فصلها عن بعضها، فمن الثابت المحقق أن الإنسان قد نطق وتكلم أولًا، ثم وضع قواعد النطق والتكلم ثانيًا، وميز وأدرك قبل أن يضع مقاييس فكرية للتمييز والإدراك، وتكلم بالشعر، ورسم على الأرض وجدران الكهوف، وصنع الآلات، وموازين للشعر، وأصولًا للرسم ومبادئ للميكانيكا.

فالإنسان قد عرف بوجدانه أولًا، ثم بعقله ثانيًا، فإذا رأينا البشر في كل زمان ومكان، على اختلاف العصور والبيئات، والثقافة والمعتقدات، يؤمنون بوجود قوة علوية تعلو على الإنسان وسائر الكائنات، فإن هذا الإجماع البشري هو آية من الآيات على وجود الله، ما دام الإيمان بالله هو فطرة في كل نفس.

وليس يغض من شأن هذا الإجماع كما قدمنا في أول هذا المقال، أن يشذ بعض نفر وينحرفوا لعديد من الأسباب عن جادة الطريق، فإن الاستثناء يؤكد دائمًا القاعدة، وانحراف العدد القليل هو برهان استواء الأغلبية الساحقة، وما أكثر ما سجل لنا التاريخ البعيد والقريب، أن الكثير من هؤلاء المنحرفين الذين يحلو لهم في فترة من فترات حياتهم أن يشكوا وينحرفوا، قد عادوا إلى الجادة في أخريات حياتهم[1].

العودة إلى الإيمان بالله أبدًا:

ولا تقف هذه الظاهرة، ظاهرة العودة إلى الإيمان بالله على الأفراد المنحرفين، بل أنها تنطبق كذلك على المجتمعات التي تنحرف في فترة من الوقت عن طريق الدين، فإنها لا تلبث أن تعود بدورها إلى طريق الدين، ولسنا في حاجة للعودة إلى العصور الموغلة في القدم فقد شهدت البشرية في العصر الحديث تجربتين ضخمتين في هذا الميدان تكفيان وحدهما لإثبات غلبة الإيمان دائمًا.

ففي أواخر القرن الثامن عشر:

اندلعت في فرنسا ثورة عاتية اقتلعت النظام الإقطاعي والملكي وأعلنت النظام الجمهوري، ورأى قادة الثورة أن يذهبوا إلى ما وراء ذلك بأن يقتلعوا العقيدة المسيحية من أساسها، فأغلقت الكنائس وطورد رجال الدين، وأعلن روبسبير انتهاء عبادة الله، ليحل محلها تكريم العقل، ونصب من نفسه كاهنًا أعظم لما أسماه دين العقل، وأن هي إلا بضع سنوات، حتى كان الشعب الفرنسي يثور على الثورة، ويعهد إلى نابليون بالسلطان، ويجعل منه قنصلًا فإمبراطورًا فديكتاتورًا، لأن نابليون استهل عهده بإعادة فتح الكنائس والتصالح مع الدين، والتصالح مع البابا الذي نصبه إمبراطورًا.

وإذا كان يحلو لبعض المتكلمين من الفرنسيين أن يتحدثوا عن فرنسا كدولة علمانية لا صلة لها بالدين، فإن فرنسا قد أقامت إمبراطوريتها الاستعمارية على دعائم الصليبية والدين، وقد سارت جيوشها حيث سبقتها جمعيات تبشيرها، وإرساليات الفرير والفرنسسكان والدومينكان والجزويت في آسيا وإفريقيا، أشهر من أن تعرف.

الثورة الشيوعية:

وما حدث في فرنسا في أخريات القرن الثامن عشر تكرر في روسيا في مطلع القرن العشرين، عندما استولى على الحكم قادة الحزب الشيوعي المؤمنون بالماركسية المادية، والكافرون بالله، فقد حاربوا الدين في جميع صوره وأشكاله، وأغلقوا الكنائس والمساجد، ودور العبادة، واضطهدوا رجال الدين وحرموا على أي متدين أن يلي عملًا من الأعمال صغر أو كبر، واليوم وبعد خمسين سنة من بدء هذه الحملة على الدين، اليوم وبعد أن أصبحت روسيا من أعظم بلاد العالم قوة واقتدارًا وانتاجًا وعلمًا، حتى أنها لتوشك أن تكون السابقة للوصول إلى القمر، فكان المنطق يؤدي أن تكون روسيا أكثر انكارًا لله والأديان واقتناعًا بوجوب القضاء على الدين، ولكن الذي يحدث في الإتحاد السوفيتي، وفي كل البلاد الشيوعية هو عكس ذلك، فقد أطلقت الحريات الدينية وأعيد فتح الكنائس والمساجد، وتنصيب البطارقة، وقيل أنه لا تعارض بين الأخذ بالنظام بالشيوعي وبين أن يبقى الناس على دينهم، وفي بلد شيوعي كبولندا ترتفع تماثيل العذراء وصورها على كل بيت وفي كل شارع، ويعلن أسقفها على رؤوس الأشهاد منذ أيام أن بولندا هي حصن الكاثوليكية في أوروبا، وقد دعي البابا لزيارتها[2].

فطرة إنسانية:

باطل إذًا ما زعموه من أن الدين والإيمان بالله هو مجرد عادة من العادات التي تأصلت في الإنسان عن طريق التلقين، وأنه مظهر من مظاهر جهل الإنسان وضعفه، فها هو ذا الدين يعود ليزدهر في الإتحاد السوفيتي بعد خمسين سنة من الحملة عليه، بعد أن نشأت في الإتحاد السوفيتي أجيال لم تتلق من التعليم إلا كل ما يحقر الدين، وبعد أن كان كل جهاز الدولة حربًا على كل من تظهر عليه أعراض التدين، وليس ذلك إلا مصداق هذا الذي قلناه، من ان الدين هو فطرة كل نفس، ومعرفة جبلية في الإنسان.

وإذا لم يكن هذا الإجماع البشري على الإيمان بالله دليلًا كافيًا وجود الله، فلسنا نعرف كيف يمكن إثبات أي أمر من الأمور، أو قضية من القضايا؟

الدليل الثاني: من أين تولد الشعور بوجود الله إن لم يكن له وجود؟

على أن العقل من ناحية أخرى لا يمكن إلا أن يرى في هذه الظاهرة الإجمالية دليلًا عقليًا بحتًا يستند إلى بديهيات العقل التي لا يمكن للعقل أن يفكر إلا بالاستناد إليها.

فإحدى بديهيات العقل تقول: إنه لا شيء يولد من عدم، والوجود لا يمكن أن ينشأ من اللاوجود، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

فلو أن هذا الكون يخلو من كائن أسمى يعلو على الإنسان والمادة، ويتصف بالكمال المطلق والقدرة المطلقة، فمن أين جاءت هذه الفكرة واستقرت في القلوب والعقول، كيف يكون باستطاعة الإنسان المحدود أن يتصور اللامحدود؟ كيف يمكن للإنسان الناقص أن يتصور الكامل إن لم يكن لهذا الكامل اللامحدود وجود بالفعل؟!

إن الماديين الذين يقولون بأن الوجود لا ينطوي على غير المادة يعتبرون الفكر الإنساني أحد مظاهر المادة وانعكاسًا لمؤثراتها في العقل الإنساني، فإذا كان الفكر هو انعكاس المادة، فمن أين جاءت فكرة الكمال المطلق؟ وكيف تملكت النفوس والعقول عقيدة الإيمان بالله؟ لا مناص لهم إما أن يسلموا بأن هذه الفكرة هي انعكاس لحقيقة مادية موجودة في الخارج، وأما أن يسلموا بأن الفكرة يمكن أن تنشأ استقلالًا عن المادة وسابقة عليها وهو ما يهدم نظريتهم من أساسها.

كل ما دار في عقل الإنسان على أنه موجود فقد كان أو كائنٌ أو سيكون:

والحق أن عصرنا الحديث عصر التجربة والاختراعات والآلات، قد أثبت بالتجربة الحسية، أن كل ما دار في ذهن الإنسان واعتبر في وقت ما أنه وهم وتخريف قد تحول إلى حقيقة واقعة. فما أكثر ما هزئ الهازئون من تصور الإنسان في الحكايات والقصص والمعتقدات الدينية، قدرته التي لا حد لها عندما يعلم أسرار هذا الكون، بحيث يصبح قادرًا على تسخير هذه القوى الجبارة غير المتطورة مما أطلق عليها اسم الجن أو الشياطين أو الأرواح الشريرة، أو في صورتها الخيرة المتسامية، قوة القديسين والأولياء الصالحين والملائكة.

وبهذه القوة دكَّ الإنسان الجبال ومسح المدن وجفف البحار وطار في الجو وغاص في البحر وحلق في السماء وسمع ورأى على بعد ألوف الأميال وحول كل شيء إلى ذهب.

ولقد اعتاد مفكرو المادة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، أن يسخروا من هذه الأحلام والأوهام التي تجيء من الشرق على شكل ألف ليلة وليلة أو قصص السندباد، وها نحن أُولاء قد عشنا، لنرى كل ما وصف في يوم من الأيام بأنه محض خيالات وأوهام، قد أصبح حقًّا واقعًا، والصواريخ تنطلق نحو القمر وهي تنفث النيران كما لو كانت جنًا وشياطين، والطاقة الذرية تدك الجبال وتبيد المدن وتجفف البحار، ناهيك بالراديو والتلفزيون، حيث أصبح الإنسان بواسطتهما قادرًا على أن يسمع الهمس، ويرى الغمز مما يجري في الطرف الآخر من الدنيا، أو مما سيجري غدًا على سطح القمر والمريخ.

لم يكن العقل اذن مخرفًا ولا هو متخبط وهو يتخيل كل هذه الإمكانيات المتاحة للإنسان، وكان وجود هذه الأفكار في رأس الإنسان، هو انعكاس لوجود قوى حقيقة في الكون تقدره على فعل هذا الذي فعل.

وهكذا تكون التجربة قد دلتنا على أن ما يدور في عقل الإنسان لا يمكن إلا أن يكون تعبيرًا عن وجود حقيقي، أما أنه كان في تاريخ مضى، وهذا الذي يردده العقل هو من ذكريات ذلك الماضي، وأما أنه كائن بالفعل، وهذا الذي يردده العقل هو انعكاس ذلك الحاضر، وأما أنه سيكون في المستقبل وهذا الذي يردده العقل هو أول مراحل الوجود[3].

والحق أن الأمر لا يمكن أن يكون إلا كذلك تطبيقًا للبديهية التي تقول إنه لا شيء يوجد من عدم.

فالإيمان بالله باعتباره قوة عليا، تعلو فوق الإنسان والكائنات وتهيمن عليها، لا يمكن إلا أن يكون حقيقة واقعة وإلا لما شقت طريقها إلى قلب الإنسان وعقله بكل هذا الشمول والإجماع.

الدليل الثالث: السبب الأول:

عمل العقل الإنساني الأول هو البحث وراء الأسباب والعلل، وما عليك إلا أن تتابع طفلك بمجرد أن تظهر عليه علائم الوعي والإدراك، وهو لا يفتأ يسألك عن كل شيء تقع عليه عيناه "لماذا؟" ذلك أن العقل لا يمكن أن يعقل حركة إلا أن يكون لها سبب، ولا أن يرى حادثًا إلا أن يكون له محدث، أو يرى شيئًا مصنوعًا إلا وله صانع، أو شيئًا مخلوقًا إلا وله خالق.

تلك هي وظيفة العقل التي لا وظيفة له قبلها أو بعدها، وعلمنا الحديث كله إنما يقوم على معرفتنا الأسباب والعلل خلف الظواهر الجوية، والميكانيكية والكيميائية، حتى أصبحنا نعلل كل شيء، ونرد الأسباب إلى مسبباتها، ابتداء من سقوط الأمطار حتى زئير الرياح وومض البرق واختلاف الليل والنهار والشتاء والصيف والمرض والصحة والحياة والموت وهكذا.

فإذا كانت هذه طبيعة العقل الإنساني، فكيف يطلب منا طالب أن نتصور أن هذا الكون كله من حولنا، هذا الوجود بكل أسراره ونواميسه بنجومه وشموسه وكواكبه ومجراته، والأرض بجبالها ووديانها وصحاراها وأنهارها ومحيطاتها، والحياة بنباتاتها وزهورها وثمارها، والحيوانات بصورها وأشكالها، والإنسان بقدرته وطاقاته وفكره، إن كل ذلك قد وجد بغير سبب ولغير سبب؟ الحق أنه لا يقول بذلك إلا معتوه.

لا بد إذًا من سبب، وسبب أول يعلو على الأسباب كلها، ومن الإنصاف أن نقول: إن الماديين لا ينكرون وجود السبب الأول، وإنما يجعلون المادة ونواميسها في العصر الحديث هي السبب الأول، وقديمًا كانوا يقولون الطبيعة أو الدهر هو هذا السبب.

ونحن في هذه المرحلة من بحثنا لا تهمنا الأسماء التي تطلق على هذا السبب: طبيعة أو مادة أو نواميس، أو صدفة حسبنا الإقرار بضرورة وجود سبب أول لهذا الوجود لأن بديهية العقل التي اتفقنا عليها فيما سبق من أن فاقد الشيء لا يعطيه، سوف تنتهي بنا إلى أن هذا السبب الأول لا يمكن إلا أن يكون قديمًا كبيرًا قادرًا حيًّا حكيمًا، وإلا فمن أين جاءت الحياة إن لم يكن السبب الأول حيًّا، من أين جاء هذا العقل الإنساني إن لم يكن السبب الأول عاقلًا أي حكيمًا، من أين جاء السمع والبصر إن لم يكن السبب الأول مصدر هذه النواميس والسنن كلها.

وليس عند الماديين والطبيعيين ما يمنع أن تكون الطبيعة أو المادة قديمة قادرة عليمة حكيمة سميعة بصيرة، ولعل ما ينكرونه على فكرة الألوهية هو ما يترتب عليها من علاقة الإنسان بالله، واستجابة الله لدعاء الإنسان، وتدخله لحل مشاكله وتقرير مصيره، كما ينكرون أن يكون وراء هذه الحياة حياة أخرى، وأن يكون هناك بعث وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار.

والرد على هذه الاعتراضات، يتطلب منا أن نتحدث عمن تلقينا منهم هذه المعارف الغيبية، وهم هذا النفر من القمم الإنسانية ممن نطلق عليهم اسم الأنبياء والرسل، والذين يعتبرون بأشخاصهم وسيرة حياتهم دليلًا رابعًا على وجود الله، وقد كان هؤلاء الرسل هم الذين حدثونا عن البعث والنشور والثواب والعقاب، والجنة والنار، وأقوالهم مما يطمئن لها الوجدان وترتاح لها العقول، ولا تنفيه التجربة، ولكن ذلك يحتاج إلى تفصيل، فإلى المقال التالي عن الأنبياء والرسل.

 


[1] يذكر القراء ما أشرنا إليه في مقالنا الأول (عدد شعبان) لأسماء بعض أعلام الكتاب العرب المحدثين، وكيف بدؤوا حياتهم الفكرية بالشك والقلق، ثم انتهوا إلى الإيمان العميق، وقد كان آخر هؤلاء الأعلام جريًا على هذه السنة هو الدكتور طه حسين، فنحن نعلم أنه قد اشتهر عنه القول في شبابه في كتابه للشعر الجاهلي: "للقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، ولكن ذلك لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي" وقد انتهى به الأمر إلى أن يصرح أخيرًا في حديث تلفزيوني رآه وسمعه الملايين أنه لم يعد يسمع من الإذاعة سوى القرآن المرتل، ولما سأله سائل لماذا يفضل القرآن المرتل على القرآن المجوَّد أجاب: لأن القرآن يقول: {ورتل القرآن ترتيلًا}.

[2] نعتقد أن ذلك الذي يجري في روسيا والبلاد الشيوعية من إقرار لبعض مظاهر التدين لا يعتبر دليلًا على تنازل الشيوعيين عن مبدئهم الذي يقول: لا إله والحياة مادة، ولا على رجوعهم من نظرتهم إلى الأديان بأنها أفيون ومخدر، وإنما هو رضوخ للأمر الواقع، وسلوك سياسي يسترضون به بعض العواطف وقد جاء في جريدة "الأخبار" القاهرية بتاريخ 3/3/1964 "اعترفت صحيفة "برافدا" الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الروسي بأن قسمًا من الشعب الروسي لا يزال متمسكًا بالدين، وطالبت بضرورة زيادة الدعاية اللازمة لوقف الإيمان بالله". الوعي الإسلامي.

[3] اقرأ للمؤلف، تفصيل هذه القضية في كتاب "الطاقة الإنسانية".

0 شخص قام بالإعجاب


شاهد أيضاً