مسلمو الهندمقالات

مترجم من مقال باللغة التركية

الهند دولة كبيرة وذات تاريخ عريق، وهي ثاني أكبر دولة من حيث عددُ السكان في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها (1.251.695.584) نسمة، يتحدثون حوالي (1000) لهجة مختلفة، ويعتقدون مئات المعتقدات الدينية، وتنقسم إدارة الهند إلى (28) منطقةً إدارية.

ويُعتبر الإسلام ثانيَ أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية، فعددُ المسلمين حوالي (180) مليون نسمة، يشكِّلون ما نسبتُه حوالي 14.9% من إجماليِّ عدد السكان، وينتمي المسلمون في الهند بشكل عامٍّ إلى المذهب الحنفي، وهناك جزء ينتمون إلى الشيعة.

وتُعتبَر الأقلية المسلمة في الهند أكبرَ أقلية للمسلمين في العالم، ويعيش في شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلادش، حيث انفصلت بنغلاديش عن باكستان عام 1971م) أكثر من 500 مليون مسلم، ما يجعل هذه المنطقة تضم أكبر عدد للمسلمين بالعالم.

ويعيش أغلب المسلمين في الشمال والشمال الشرقي للبلاد، وتفصيل انتشار المسلمين في الهند بنسبة المسلمين إلى إجمالي عدد السكان في كل منطقة كالتالي: جامو كشمير – المتنازع عليها بين باكستان والهند - 68.3%، آسام 34.2%، البنغال الغربية 27%، كيرالا 26.6%، أوتار براديش 19.3%، جاهار خاند 14.5%، دلهي 12.9%، كارناتاكا 12.9%، مهاراشترا 11.5%.

ووضع المسلمين في الأجزاء الجنوبية والشرقية من الهند أفضل نسبيًّا من وضع المسلمين في كشمير في الشمال، والمسلمون الذين يعيشون في المناطق الريفية حالهم أفضل من المسلمين في المدن؛ حيث إن 38% من المسلمين في المدن يعانون من الفقر، وهذا هو أكبر معدل للفقر للمسلمين الذين يشكلون الطبقة السفلى من الطبقات الهندوسية.

ومعظم المسلمين في الهند يعتاشون على الزراعة، على الرغم من أن الهند تتبنَّى نظامًا علمانيًّا في الحكم، فإن نسبة المسلمين في الإدارة والتوظيف محدودة للغاية. لذا؛ لا يولي المسلمون أهمية للتعليم، ويحاولون البقاء على قيد الحياة بمؤهِّلات قليلة، وهناك أسماء إسلامية وصلت إلى مناصب سياسية مهمة، إلا أن عددها قليل للغاية.

والهند ذات التاريخ العريق لها تجربة فريدة مع الأقليات المسلمة؛ فقد كان المسلمون هم الحكام المسيطرين على الهند والمنطقة في العصور الوسطى؛ ولكن بعد الاحتلال البريطاني للهند صاروا محكومين وخاضعين لحكم الهندوس، وقد أدَّى هذا الانقلاب الكبير في الهند إلى حدوث مشكلات وأزمات وتعقيد للأوضاع، نتج عنه أن انفصلت دولة باكستان عن شبه القارة الهندية في عام 1947م، وانقسمت الجالية المسلمة الهندية إلى قسمين: مسلمون باكستانيون عاشوا في الدولة الحديثة باكستان، ومسلمون هنود فضَّلوا العيش كأقلية مسلمة تحت الحكم الهندوسي في الهند، وما زالت هذه الأقلية المسلمة رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على هذا الوضع والانقسام يعانون من الظلم والفقر والتخلُّف في جميع مجالات الحياة، والأكثر من ذلك أنهم ما زالوا يواجهون التحدِّيات والتهديدات لهُوِيَّتهم الدينية والثقافية.

دخول الإسلام إلى الهند:

دخل الإسلام إلى الهند في مرحلة مبكِّرة جدًّا من عمر الدعوة الإسلامية أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم، عن طريق التجار، حيث كان للتجار العرب علاقات تجارية مع الهند منذ حوالي 600 سنة قبل ظهور الإسلام، فكانوا يذهبون بانتظام إلى المناطق الساحلية الغربية من الهند، وبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي، وصل الإسلام إلى الهند مباشرة بعد ظهوره في شبه الجزيرة العربية عن طريق من أسلم من التجار، ثم انتشر الإسلام في الهند بشكل سهل وسريع من خلال التعاملات والمواقف المثالية للتجار المسلمين في الأماكن التي كانوا يذهبون إليها.

وقد تم بناء مسجد "شرامان جمعة" – وهو أول مسجد بالهند - في مدينة كيرالا في عام 629م على يد تشيرامان برومال بهاسكارا رافي فارما، الذي يُعَدُّ أولَ مسلم في المنطقة، وبعدها أخذ الإسلام ينتشر في البلدان والمدن على امتداد الساحل.

بعد ذلك قدم الأمويون والعباسيون ثم المغول إلى المنطقة، وتم تأسيس دول إسلامية مختلفة في دلهي وغوجارات حتى القرن السادسَ عَشَرَ.

نظام الطوائف والإسلام:

إن في الهند تعدديةً دينية وثقافية خلقت حالة من التعايش بين جميع المكونات الدينية والثقافية في الهند، وكذلك خلقت ثقافة مشتركة في مجال الفن والعمارة؛ ولكن يسود في الهند نظام طبقي يقسم الناس إلى أربع فئات وَفْقًا للمعتقدات والتقاليد الهندوسية، يعتلي هذا الطبقات (براهماس)؛ أي: الطبقة الروحانية، والطبقة الثانية: (الكشتر)، وهم البيروقراطيون والجنود، والطبقة الثالثة: (فيشيو)، وهم التجار والمزارعون، والطبقة الرابعة: (الشودرا)، ويعتبرونهم موجودين من أجل خدمة الطبقات السابقة.

 ويحدَّد موقع الشخص في هذا النظام الطبقي من اللحظة التي يولد فيها، ولا يمكن لهذا الشخص أن يغيِّر طبقته، أو الحصول على أكثرَ مما تملك عائلته، خاصَّةَ الأشخاصَ الذين ينتمون للطبقة الرابعة، فليس لديهم فرصة في هذه الهيكلة الطبقية للحصول على مكانة في المجتمع عن طريق إسلامهم، ومن ثم لن يصبحوا مجبورين على خدمة الطبقات الأخرى؛ لأنه حسب الاعتقاد الهندوسي ينظر إلى أصحاب الديانات الأخرى كطبقة خارج النظام الطبقي المسمى بـ (مينبوزين)، وهم لا يمكن المساس بهم.

وقد تأثَّر المسلمون بهذا النظام الطبقي الهندوسي على الرغم من تناقض هذا النظام مع الإسلام، فيوجد نظام طبقي بين المسلمين هناك ينقسم إلى ثلاث طبقات: أشراف، وأكلاف، وأرذال، ويتأثرون بنفس نظام الطبقات الهندوسي، فطبقة الأشراف تتألَّف من الشخصيات البارزة من كبار السن الذين ترجع أصولهم إلى العرب، وطبقة الأكلاف تتألَّف من المسلمين الهاربين من النظام الطبقي الهندوسي، وطبقة الأرذال تتألَّف من المسلمين في الطبقة الدنيا كما هي في النظام الهندوسي.

وعلى الرغم من أن هذا النظام الطبقي متناقض مع تعاليم الإسلام، فإنه يظل حقيقة واقعية في حياة الجالية المسلمة في الهند، وعُرفًا ناتجًا وقائمًا على التقاليد.

الاحتلال البريطاني:

بدأ الاحتلال البريطاني للهند في عام 1600م، وسيطر على الهند بالكامل في عام 1857م، وكانت الهند تُعتبَر مركزًا للتجارة العالمية في هذه الفترة.

وبدأت ممارسات الاحتلال بمحاولته تحويل الأراضي التي أصبحت مستعمرات بريطانية إلى المسيحية، وإبعاد الإسلام عن الحياة الاجتماعية نهائيًّا، ودفع المجتمع المسلم الى أزمة اقتصادية كبيرة، بمصادرة أملاك المسلمين، وفصل العمَّال والموظفين المسلمين، وغصب حقوق المسلمين التعليمية من خلال إغلاق المدارس الإسلامية.

وقد اختلَّ توازن النسيج الاجتماعي في المنطقة مع انهيار السلطة السياسية للمسلمين، وتحوَّلت العناصر المعارضة للمجتمع إلى أعداء في فترة الاستعمار البريطاني؛ ففي حين تعرَّض المسلمون للممارسات الاستعمارية البريطانية التي أفقدتهم مكانتهم في المجتمع الهندي، تعاون الهندوس والسيخ مع الاحتلال البريطاني وأفادوا منه.

الحركات الإسلامية:

ولمواجهة هذا الظلم والتجبُّر والطغيان من الاحتلال البريطاني؛ بدأ المسلمون بالتجمع في حركات إسلامية والدعوة للانضمام إليها، وكان من أهم هذه الحركات: حركة طريقة محمد (سيد أحمد بارلوي)، وحركة الفرائض، وحركة ديوباند، وحركة التبليغ (مولانا إلياس)، وحركة اليغر (سيد أحمد خان).

وأكثر ما ميَّز المسلمين الهنود في هذه الفترة ارتباطُهم بالخلافة العثمانية، حتى إنهم رغم أوضاعهم المأساوية التي كانوا يعانونها، جمعوا المساعدات فيما بينهم وأرسلوها إلى الأناضول خلال حرب الاستقلال.

المسلمون خلال فترة الاستعمار وما بعدها:

بدأ المسلمون بعد تعرُّضهم للظلم والاضطهاد انتفاضة في جميع أنحاء البلاد ضد الاحتلال البريطاني الذي ضعف اقتصاديًّا بعد الحرب العالمية الثانية، فقد انضمَّت جميع الحركات الإسلامية تحت غطاء واحد، وأجمعوا على هدف واحد يجمعهم، وهو إقامة دولة إسلامية هندية على هذه الأراضي؛ حيث إن المؤتمر الوطني الذي تقوده الأغلبية الهندوسية تحت قيادة غاندي لم يضمن للمسلمين الاستقلال؛ مما قاد المسلمين إلى فكرة بلد مستقل يكون فيه المسلمون أغلبية، وقد لعب الاحتلال البريطاني دورًا في ظهور هذه الفكرة عن طريق شعاره "قسِّم جزِّئ أدر"، لتنقسم الهند إلى دولتين: دولة للسيخ والهندوس، ودولة أخرى للمسلمين، إلا أنه حدث انقسام بين المسلمين؛ فبعض الجماعات الإسلامية عارضت هذا التقسيم، وأيَّدت العيش ضمن دولة هندية واحدة، وكانت تَهدُف إلى نشر دعوة الإسلام بهذه الطريقة في الهند.

وقد تم الإعلان عن تأسيس جمهورية باكستان الإسلامية في 14 أغسطس عام 1947م تحت قيادة محمد علي جناح واستقلالها عن الهند، وتُركت الولايات على الجانب الغربي من الهند لهذا البلد الجديد باكستان، من بينها منطقة كشمير ذات الموقع الإستراتيجي، والأراضي الخصبة، والأغلبية المسلمة، وأصبح مصير كشمير مجهولاً وَفْقًا للحدود التي تم رسمها نتيجةً  للتعاون البريطاني الهندوسي، وصارت منطقة يتصارع عليها باكستان والهند، وحدثت اشتباكات في هذه المنطقة ذات الأغلبية المسلمة في عام 1948، وسيطرت باكستان على المنطقة المعروفة بـ آزاد كشمير، وظل الجزء الآخر تحت حكم الهند، وما زال الصراع بين الدولتين حول كشمير مستمرًّا حتى الآن، ويسبب مشكلة كبيرة بين الطرفين، وتستخدم قضية كشمير عاملاً للضغط على المسلمين في البلاد بدعم من قوى خارجية مستفيدة من هذا الوضع.

الحركات الإسلامية المناهضة للانفصال:

وقد استمرت الحركات الإسلامية المناهضة للانفصال في أنشطتها في الدعوة والتبليغ داخل الهند في مواجهة الهندوس والسِّيخ رغم الصعوبات السياسية والاقتصادية التي كانوا يواجهونها في الهند، وفي 15 أغسطس 1947م أعلنت الهند استقلالها عن بريطانيا، واعتمدت نظامًا إداريًّا علمانيًّا، دستوره عدم التمييز بين المجموعات الدينية، ومنح الحقوق والحريات على قدم المساواة، وأعطت حماية وأولويات خاصة للأقليات، إلا أن ذلك لم يتمَّ تطبيقه على أرض الواقع؛ فعندما يتم النظر في سجلات ما بعد الاستقلال يبدو أن هذا ليس هو الحالَ في الممارسة العملية؛ حيث كان هناك العديد من العقبات والقيود المفروضة على المسلمين خلال فترات الانتخابات؛ من أجل الحفاظ على النفوذ الهندوسي في المناطق التي يعيش فيها المسلمون المهمَّشون داخل البلاد بسبب مستواهم التعليمي المنخفض، الذين يعملون في الزراعة والتجارة من أجل كسب لقمة العيش.

أحداث 11 سبتمبر وتأثيرها على مسلمي الهند:

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أثَّرت على المسلمين في أنحاء العالم، كان لها تأثير كبير على الحياة اليومية للجالية المسلمة في الهند، وخاصة في منطقة كشمير التي ما زالت مشكلتها لم تُحَلَّ إلى اليوم، فبعد 11 سبتمبر تم استدعاء العديد من المنظمات الإسلامية في الهند من قبل الدولة.

المجموعات الإسلامية في الهند:

تنقسم المجموعات الإسلامية في الهند إلى ثلاثة أقسام أساسية: القسم الأول: هي حركة دارولوم ديوباند، وهي مدرسة محافظة تم تأسيسها من قِبل مولانا محمد قاسم لأغراض تعليمية في عام 1867م، وهدفُها مكافحة التأثير الغربي، والقسم الثاني: هو جماعة الإسلام التي أسَّسها أبو الأعلى المودودي في عام 1941م لتكون رائدة الثورة الإسلامية العالمية، والقسم الثالث: الحركة الوهابية التي بدأت في المملكة العربية السعودية. وعدم اجتماع هذه الأقسام الثلاثة اليوم يؤثِّر سلبًا على قوة المسلمين الهنود.