عندما نتحدَّث عن الطفل، فإننا نتحدَّث عن مستقبَل الأمَّة، وما نسعى إليه من تربية أجيال قويَّة مؤمنة ترتوي من ينابيع الإسلام الصافية، وتستضيء بنوره، وتستقيم على طريق الهدى.
فتربية الأطفال بمعنى إعدادهم إيمانيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًا من أَوْلى أولويَّات الأمة ومُصلحيها على مدى الزمان والمكان، وفي عصرنا الحاليِّ لابد أن تلقى اهتمامًا هائلاً؛ بسبب الواقع المكبَّل بأزمات خطيرة وتحدِّيات هائلة تواجه المجتمعاتِ بسبب الانفتاح الكامل على ثقافات بعيدة كل البُعد عن الإسلام وقيمه، إن لم يُحْسِنِ المربِّي التعامل معها، فسيؤدِّي ذلك إلى نزع الطفل من حِضْنِ أمَّته، التي من المفترَض أن يسعى لإعلائها وإعلاء قِيَمها، إلى عكس ذلك، وربما صار خَنْجرًا في خِصْرِ أمَّة الإسلام.
ومن المعلوم أن عملية التربية تتكوَّن من مثلَّث أضلاعُه: المربِّي، والطفل، ومنهج التربية الذي يحتوي على القيم التي نريد أن نربِّيَ الطفل عليها.
فالمربِّي لابد أن يكون قدوة للطفل، ومثالاً شاخصًا أمام عينيه يهتدي به في كل خير، فعلى المربِّي أن يعيَ أن الطفل يتأثَّر به تأثُّرًا مُطلَقًا، وفيه يرى الصواب والخطأ أكثر من الكلام، وأنه في تربية الطفل كأنه يبذر الأرض ويَرْويها، ويباشر الغَرس حتى يستويَ على عوده، يتابع كل ذلك وهو مطمئنُّ النفس صافي القلب، منتظرًا أن يرى غرسه يستطيع حمل راية الدعوة للإسلام وقد استقرَّت في قلبه.
وإن أكبر مشكلة تواجه المربِّيَ هي أنك تربِّيه في مجتمَع جُلُّ ما فيه يجذب الطفل إلى طريق السوء، من أخلاق سيئة ووسائلَ كثيرة لو تُرك الطفل لها لما اكتسب إلا كلُّ سوء!
أما الطفل، فيتميز بالفطرة السليمة، وحب التقليد والمحاكاة لمن يحبُّهم، والتلقائية، والطاقة والحيوية، كل هذه المزايا يستطيع المربِّي أن يستثمرها وينمِّيَها لتنشئة الطفل على حب الدعوة للإسلام، وأن يصير مؤثِّرًا فيمن حوله من أقرانه؛ بل يؤثِّر في الكبار والصغار؛ فالطفل إذا عرف معروفًا يأمر به ويتحمَّس له كالصلاة والصدقة والبرِّ، وإذا عرف منكرًا أبغضه وأنكره على الكبير والصغير بتلقائية محبَّبة؛ مما يجعل الطفل مؤثِّرًا في مجتمعه كداعية صغير.
وعلى المربِّي أن يكتشف مواهب وقدرات ومميزات الطفل لتنميتها وتطويرها لتستفيد الدعوة من مواهبه وقدراته.
وحتى ينضبط منهج التربية للطفل السائر على طريق الدعوة؛ لابد من تغذيته بالمعلومات والقراءات التي تناسب سنَّه من العلم الشرعيِّ، فأولاً لابد من البَدء بتعليمه القرآن الكريم، ومعاني ميسَّرة لما يحفظ منه، وانتقاء الأحاديث التي تربِّيه على الأخلاق والبر وطاعة الوالدين والصدق والأمانة وغيرها، وتبغِّض إليه سوء الخلق والمعاصي والكذب... إلخ.
وبعض القراءات من القصص وغيرها التي تحضُّه على المسارعة في الخيرات وكالعقيدة بأسلوب سهل، والاستجابة لله والرسول، ومحبة الإسلام والمسلمين، والمحافظة على الصلوات جماعةً، وعلى آداب الإسلام في الأكل والشرب والحديث وغيرها، فإن شبَّ الأطفال على هذه الأخلاق والآداب الحسنة العظيمة، ساروا على طريق الهدى والاستقامة، وصاروا نباتًا حسنًا، لأنفسهم وأهليهم ومجتمعهم وأمَّتهم.
وحتى يتمكَّن حبُّ الدعوة في نفوس الأطفال؛ على المربِّي جعلهم يتسابقون في الخيرات بأسلوب محبَّب لهم بأن يكونوا مؤثرِّين في أوساطهم، ولا يتأثَّرون بما حولهم من فساد ومعاصٍ؛ فيتوجَّهون لدعوة زملائهم وأصدقائهم إلى فعل الخيرات والحسنات من صلاة وصدقة وبر وطاعة، وترك الرذائل كالكذب والقول البذيء.. إلخ، وينكر الطفل الداعية ما يراه من ذلك على أصدقائه وزملائه؛ قائلاً مثلاً: الكذب حرام، ولا يليق بالمسلم، ونحو ذلك.
وعلى المربِّي أن يهيِّئ بيئة صالحة وجوًّا إيمانيًّا يساعد الطفل على الالتزام بالخير والأخلاق والآداب، ويكون خاليًا من دواعي الإفساد.
وأن يزرع ثقة الطفل بنفسه ويُشعره بتميُّزه، وأنه قد صار كبيرًا يستطيع القيام بمهامِّ الدعوة.
وعليه ألَّا يستهين بقدرات الطفل ومواهبه، فليسع إلى أن ينمِّيَها ويُكسبه بعض الأمور التي يحتاج إليها في الدعوة من معلومات وقدرات على الحديث مع الناس والحوار وآداب الحديث، والتلطُّف في إيصال المعلومة لزملائه، واحترام من هو أكبر منه.
وليحرص المربِّي ألا يفرض شيئًا على الطفل لا يقتنع به؛ بل يجعل كل أفعاله في الدعوة قائمة على الحب والاقتناع، مع ترك الحرية له للإبداع والابتكار؛ مثل: أساليب وطرق لم يذكرها له المربِّي تفيد في الدعوة إلى الله، ويبقى دور المربي حينها المتابعة والتوجيه، ولا شك أن إتاحة الفرصة للطفل والحرية للتعبير عن نفسه بطريقته الخاصة، وإبداع أفكار جديدة، وتشجيعه على المبادرة واتخاذ القرار، سيجعله ينضج سريعًا، ويشعر بالثقة في نفسه وقوَّة الشخصية، فيسعى أن يكون على قدر المسؤولية.
وأخيرًا: لك أن تتخيل أيها المربِّي ذلك الطفل الذي هو مستقبَل الأمة عندما تُعِدُّه ليدعوَ إلى الخير والأخلاق والآداب من الصلاة وقراءة القرآن والذكر، والصدقة والطاعة والبِرِّ، والصدق وحب الخير وبُغض الحرام، لو أنك تركتَه فريسةً للواقع فلن يدعو إلى شيء من ذلك، وربما شبَّ وصار داعيةً لعكسه من بُعد عن الطاعة والخير والأخلاق، والكذب والأغاني ومشاهدة الفيديوهات الهابطة، وصار يصعب جدًّا تغييره بعدما شبَّ على الفساد والمعاصي.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.