محنة الأقليات المسلمة في العالممقالات

محمد عبد الله السمان

محنة الأقليات المسلمة في العالم



 



الأستاذ : محمد عبد الله السمان



 



تصدرها الامانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف



 



إن محنة الأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر حقيقة واقعة , لا سبيل إلى تجاهلها فضلا عن الجهل بها , وأقول محنة الأقليات المسلمة ولا أقول قضية الأقليات المسلمة , لأن هناك فرقا بين كلمتي محنة وقضية , فالقضية تعني أمرا قائما متحركا يعيش في حياة الناس , أو على الأقل في وجدانهم وأحاسيسهم , بينما المحنة وإن كانت كذلك أمرا قائما إلا أنه لا يشترط أن يكون هذا الأمر متحركا , يمتزج بأحاسيس الناس , ويجد طريقه إلى المشاركة الوجدانية .



 



قد لا يكون هذا الحكم على إطلاقه بالنسبة لمحنة الأقليات الإسلامية في عالمنا المعاصر , لأن بعضا من هذه الأقليات يتحرك على مستوى إقليمي ومستوى عالمي محدود , ولكن الذي أعنيه هنا من منطلق المفهوم الإسلامي الذي يدعو بنص الحديث الصحيح , إلى أن يكون المسلمون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , فمحنة الأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر لم تتحول إلى قضية بعد , تشغل أذهان الامة الإسلامية ككل .



 



وبعيد عن اللوم المتكرر منا على الإستعمار كسبب رئيسي في هذه المحنة , ولكننا لم نسأل أنفسنا : وماذا فعلت الأمة الإسلامية بعد رحيل الاستعمار منذ أكثر من نصف قرن ؟؟ و إذا كانت الأنظمة لا تهتم قليلا ولا كثيرا بمحنة الأقليات , فماذا عن تقصير الشعوب الإسلامية وقادة الرأي فيها التي لا تكاد المحنة تخطر لهم على بال .



 



بهذه المقدمة يبدأ المؤلف كتابه كتشخيص للحالة التي تحتاج إلى علاج ودواء , وبداية الطريق لذلك كما يراه الكاتب هو الإحساس الصادق بمعاناة الأقليات المسلمة في العالم , مما يقتضي وجود وسائل إعلام إسلامية قوية مستقلة , تصور المعاناة كما هي كما وكيفا , ولن تستطيع ذلك إلا من خلال إحصائيات دقيقة عن عدد الأقليات وظروفهم وأحوالهم , لحل المشكلة ومعالجتها بعد ذلك .



 



وإنه من المؤلم كما يقول المؤلف أن لا توجد إحصائيات دقيقة للأقليات المسلمة في كل بلد , رغم كثرة المؤسسات الإسلامية , على عكس الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين .



 



يبدأ المؤلف بتصوير الواقع الأليم الذي تعيشه الاقليات المسلمة في العالم , وتكون محطته الأولى من إفريقيا , تلك القارة الوحيدة – كما يقول – من بين القارات الأربع التي يمكن ان نطلق عليها (القارة المسلمة) , حيث يمثل الإسلام فيها أكثر من 50% من سكانها , ومع أن الإسلام دخل القارة منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فتحت مصر في عهده , إلا المعركة في هذه القارة بين الإسلام والثالوث الكريه - كما سماه – التبشير(الصليبية) والصهيونية والماركسية على أشده , وقد قدم المؤلف معلومات مفصلة عن عدد الدول الإفريقية ونسبة المسلمين في كل دولة ومعاناة المسلمين فيها .



 



ولعل أهم معلومة لفت المؤلف النظر إليها , هي وقوع كثير من المسلمين في خطأ أهداف الاستعمار في بلاد المسلمين , فالجميع يظن أنها أهداف سياسية للسيطرة , واقتصادية لنهب الخيرات , ولكن لا أحد يذكر السبب الأهم والأخطر , ألا وهو السبب العقائدي , فحملات التبشير من أهم وأخطر تلك الاهداف على الإطلاق .



 



وإذا كانت الأقليات المسلمة تتعرض للاضطهاد بل وللإبادة في ظل نظام بلشفي أو صليبي أو علماني , فإن العجيب أن تتعرض الأكثرية المسلمة لمثل تلك المحن , في نهاية القرن العشرين , لا لشيء إلا لأنها مغلوبة على أمرها , باعتبار أن الأمة في غيبوبة عنها وعن معاناتها .



 



ثم انتقل المؤلف إلى محنة الأقليات المسلمة في القارة الآسيوية , التي يعتبر المسلمون فيها الكتلة الصلبة في العالم , ويبلغ عدد الأقليات المسلمة في آسيا 270 مليون مسلم التي تساوي 12% من عدد سكان تلك الدول التي تستوعبها , وأكبر تلك الاقليات في الصين , فهم أكثر من 100 مليون , ثم الهند 80 مليون ثم الاتحاد السوفييتي سابقا 50 مليون , وتواجه تلك الأقليات بالإضافة للصليبية والصهيونية والماركسية , الهندوكية التي تعمل بشراسة في الهند , والبوذية الأكثر شراسة ووحشية والتي تعمل في بورما وتايلاند .



 



وقد عرض المؤلف لمقال الدكتور حسين مؤنس حول مأساة الإسلام في آسيا , حيث قسم الدكتور مؤنس آسيا إلى خمس مناطق جغرافية , الأولى في الجزيرة العربية وبلاد الشام وهي بخير حيث يوجد بها مركز الإسلام , أما الثانية فهي المنطقة الإيرانية , وما يعانيه السنة هناك , أما المنطقة الثالثة فهي شرق شمال إيران التي لا تقل خسارة الإسلام فيها عن خسارة الأندلس , أما الرابعة فهي شبه القارة الهندية التي يسيطر الهندوس عليها , وأما الخامسة جنوب شرق آسيا التي لا تقل معاناة المسلمين فيها عن بقية المناطق , فأين نحن ؟ وهل المسلمون أيقاظ ام نيام ؟؟



 



وفيما شمل مؤنس المعاناة بشكل عام , قام المؤلف بتناول هذه الدول واحدة واحدة , مسلطا الضوء على واقعها الإسلامي أولا , ومعاناة المسلمين فيها , ومواجهة واحدا أو أكثر من المخاطر الخمسة التي عددها وهي : الصليبية والصهيونية والماركسية الشيوعية والهندوكية والبوذية , في كل دولة من تلك الدول .



 



ولا ينسى المؤلف أن يتناول معاناة المسلمين في الغرب , ففي بريطانيا تسن القوانين للحد من هجرة المسلمين منذ عام 1965 , كما يواجهون التعصب والعنصرية , وفي فرنسا التي يمثل فيها المسلمون المرتبة الثانية من حيث عدد السكان , يواجه المسلمون الصليبية المقيتة التي ما تزال عالقة في أذهان الفرنسيين كما يقول المؤلف , وليست بقية دول أوروبا بأفضل حالا من بريطانيا وفرنسا , من حيث المعاملة السيئة للإسلام والمسلمين .



 



إن الأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر تواجه تحديات ليست سياسية فحسب , بل كذلك فكرية وحضارية كالماركسية والصليبية والماسونية والعلمانية , دون تمتع هذه الاقليات بمقاومة تذكر لهذه التحديات , خاصة إذا لم تكن لديها رصيدا من الفكر الإسلامي الأصيل .



 



هذا هو واقع الأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر , فما المخرج من ذلك ؟؟ الجواب مرهون بالجواب عن سؤالين اثنين هما : ماذا قدمنا للأقليات المسلمة في العالم ؟؟ وماذا يجب أن نقدم لها لنخرج بها من محنتها ؟؟



 



أما جواب السؤال الأول : فهو غير مرض على الإطلاق , بل يدعو إلى الأسى والحزن , ففي المجال السياسي لم نقدم شيئا , بل إننا نتعاون سياسيا مع الأنظمة المعادية للإسلام , والمضطهدة للأقليات المسلمة في بلادها , ولك أن تتصور مثلا أن أندونيسيا , أكبر دولة إسلامية تشترك في حلف يضم ضمن أعضائه : الفلبين وتايلاند , اللتان تمارسان أشرس الأساليب في حربهما ضد الأقلية المسلمة فيهما .



 



أما الجانب المادي فما قدمناه كمسلمين يبعث على الخجل , فإذا تركنا الدول الإسلامية الفقيرة التي تعيش على القروض والمعونات , فإن الدول الإسلامية الغنية لم تقدم سولى مبالغ ضئيلة لا تكاد تذكر أمام تلك المقدمة للأقليات غير المسلمة في العالم , وكمثال على ذلك : قدم لمسلمي الهند من الدول الإسلامية الغنية 5 ملايين دولار عام 1984 , بينما تلقت مؤسسات التبشير المسيحي في الهند 120 مليون دولار في نفس العام .



 



أما في الجانب الروحي والفكري فما قدمناه للاقليات المسلمة في العالم لا يسمن ولا يغني من جوع , وبمقارنة بسيطة في أي دولة بين عدد المبعوثين الإسلاميين سواء من الأزهر أو من غيرها من المؤسسات الإسلامية العالمية , كرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة , أو دار الإفتاء بالرياض .... وبين عدد المبشرين النصارى في نفس الدولة , يمكن أن يظهر الضعف الكبير في الجانب الإسلامي مقارنة بالجانب الآخر , وليس الفرق بالكم فحسب وإن كان مهما , بل بالكيف إذ يتوفر ويتيسر للمبشر من الإمكانيات المادية والثقافية ووسائل التبشير ما لا يوفر للداعية المسلم .



 



أما ماذا يجب أن نقدم للأقليات المسلمة في العالم ؟ فإننا نستطيع أن نقدم الكثير , متى أحسسنا أولا بمحنتها , وعقدنا العزم ثانيا على العمل من أجلها باستراتيجية واضحة المعالم , تضع في حسابها عدة جوانب أهمها :



 



أولا : عوامل النجاح لهذه الاستراتيجية التي تتلخص في ثلاثة مطالب :



 



1- التخطيط القائم على الدراسة المتأنية والموضوعية معا بحيث تشمل كل جوانب المحنة المادية والنفسية .



 



2- توافر الإمكانات المادية والأدبية والعلمية والسياسية ( تدخل الدولة المسلمة).



 



3- التأهيل الشامل للقائمين على الدعوة الإسلامية في تلك البلاد .



 



ثانيا : لا بد في كل عمل من معرفة معوقات النجاح فيه لتفاديها وأهم هذه المعوقات



 



1- الارتجال الذي يتجاهل التخطيط الشامل ويعتمد على العواطف دون الحقائق



 



2- ضعف الإمكانات وعدم ترشيدها



 



3- التقلبات السياسية المحلية والدولية وكيفية التعامل معها .



 



إن الجرائم البشعة التي تمارس ضد الأقليات المسلمة في أكثر بلاد العالم , لما يندى له جبين الإنسانية في القرن العشرين والواحد والعشرين , والحقيقة اننا لا نملك ان نثور على مرتكبي هذه الجرائم أو نسخر من الهيئات الدولية كمجلس الأمن , ما دامت الأمة الإسلامية ذاتها لا تحرك ساكنا , وأنه لا مخرج من هذه الازمة والمحنة إلا بمرحلتين : الأولى بتوافر وحدة سياسية قوية للعالم الإسلامي , والثانية بخطة للعمل على أساس هذه الوحدة , فمتى سيتحقق ذلك ؟؟!