الإسلام في اليابان .. قصة عمرها أكثر من قرنمقالات

Bjorn Schelander

الإسلام في اليابان.. قصة عمرها أكثر من قرن



 



 







لقد كانت اليابان على اتصال بالإسلام منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية في مجالات ومراحل مختلفة، كما أجرى في اليابان العديد من الدراسات الخاصة بالإسلام ومنطقة غرب آسيا من خلال المشروعات الدراسية والدراسات الشخصية. إلا أنه لا يمكن القول إن هناك فهماً كافياً لدى الشعبالياباني تجاه الإسلام. وهناك حاجة إلى تنمية وعي أدق عن الإسلام لدى الشعب بمختلف فئاته، عن طريق نشر ثمار الدراسات الإسلامية على نطاق أوسع، وكذلك من خلال ضم الدراسات الإسلامية إلى مناهج الدراسة في مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والتي تهدف إلى تعزيز الفهم تجاه الشؤون الدولية من جوانب متعددة.



وانتشر الإسلام في اليابان عبر الهجرات المتعاقبة للمسلمين الأتراك والهنود والعرب، منذ حوالي قرن من الزمن. وعبر البعثات المتبادلة بين اليابان والعالم الإسلامي.



الموقع، السكان، الأرض والمناخ



اليابان مكون من عدة جزر (4000) جزيرة على شكل أرخبيل طوله 3000 كم، أربعة منها رئيسية (هونشو خ شيكوكو - كيوشو - هوكايدو)، وجزر اليابان مقسمة إدارياً من قبل الحكومة على 43 ولاية وأربعة بلديات، مساحتها الإجمالية 188.369 كيلو متر مربع.



ويبلغ إجمالي تعداد سكان اليابان حوالي 130 مليون نسمة، وهي بذلك تعتبر سابع دولة أكثر تعداداً بالسكان، عاصمتها طوكيو.



ويعيش أكثر من 79 % من السكان في المدن الكبرى، والباقي في القرى والأرياف. يعمل 35% من السكان في الصناعة، بينما يعمل 27 % منهم في الزراعة، وهناك ما يقرب من 700 ألف صياد يعملون في مهنة صيد الأسماك. أما باقي السكان فيعملون في التجارة والمهن الحرة، وكموظفين في الدوائر الحكومية للدولة والمؤسسات الخاصة.



إن 75% إلى 80 % من أراضي اليابان عبارة عن جبال بركانية خضراء، تتخللها الأنهر المائية. أما الباقي القليل فيستخدم للزراعة والسكن والطرقات، مما أدى إلى ارتفاع في أسعار الأراضي والإيجارات، كذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والأيدي العاملة، لذلك تعتبر اليابان من أغلى بلاد الدنيا وأصعبها معيشة.



الإسلام بين الديانات في اليابان



مفهوم الدين في اليابان يختلف عن المفهوم السائد، فالدين بالنسبة لهم فلسفة وفن أو قصص من أساطير الأولين، قد يشبه مفهوم الموسيقى الكلاسيكية، فالمدارس اليابانية يمنع فيها تدريس الديانات من جهة، ومن جهة أخرى ووفقاً للدستور فإن حرية الأديان في اليابان مكفولة للجميع، حيث تنص المادة عشرين أنه (لا ينبغي أن تحصل أية هيئة دينية على أية امتيازات من الدولة، أو تمارس أي سلطة سياسية، ولن يرغم أي شخص على المشاركة في أي عمل ديني أو احتفال أو طقوس أو ممارسات عقائدية ويحظر على الدولة وأجهزتها ممارسة التربية العقائدية أو أي نشاط ديني آخر.



والديانة السائدة في اليابان يفترض أن تكون البوذية، التي يبلغ المنتمين إليها حوالي 90 مليون نسمة، والمسيحية حوالي المليون، وبين الديانات الأخرى يبلغ الإسلام في اليابان (حسب توقعات المركز الإسلامي في اليابان) حوالي 255 ألف مسلم ومسلمة بينهم 50 ألف ياباني ويابانية.



أما الدين الفطري في اليابان فهو الشنتو، والذي ترجع جذوره إلى المعتقدات الروحانية لليابانيين القدماء، وقد تطورت الشنتوية إلى مجموعة لها مزارات محلية للاسر، وآلهة محلية، بتأليه معتقديها للأبطال والزعماء البارزين في مناطقهم، ويقدسون كذلك أرواح أسلاف عائلاتهم، وفي النهاية، أصبحت خرافة (الأصل الإلهي للأسرة الإمبراطورية) إحدى المعتقدات الأساسية للشنتو.



أول مسلم ياباني



في بداية عصر النهضة اليابانية ويدعى عصر ميجي MEIJI والذي بدأ عام 1868م حرصت الإمبراطوريتان اليابانية والعثمانية على إقامة علاقات ودية بينهما لمواجهة الدول الأوروبية، ومن ثم تبادل الزيارات. التي كان أهمها تلك البعثة التي أرسلها السلطان عبد الحميد الثاني إلى اليابان على الباخرة آل طغرل وعلى ظهرها أكثر من ستمائة ضابط وجندي عثماني (ترك وعرب وألبان وبوسنيون.. إلخ) يقودهم الأميرال عثمان باشا وذلك عام 1890م، وبعد أن أدت البعثة مهمتها تهيأت للعودة، إلا أنها وهي ما تزال على الشواطئ اليابانية، ليست بعيداً عن أوساكا هب عليها إعصار شديد، أدى إلى تحطمها، واستشهد أكثر من خمسمائة وخمسين شخصاً، بما فيهم أخ السلطان عبد الحميد وعثمان باشا أمير البعثة.



هز ذلك الحادث الطرفين، ونقل الناجون على باخرتين يابانيتين إلى إسطنبول، ودفن الشهداء عند الموقع، وأقيم لهم متحف رائع.



بعد سنة من الحادث، تصدى صحفي ياباني شاب أوشاتارو نودا لجمع تبرعات من اليابان لعوائل الشهداء، وذهب إلى إسطنبول عام 891م، وسلم التبرعات للسلطات العثمانية، وقابل السلطان عبد الحميد. وأثناء إقامته في إسطنبول التقاه رئيس المسلمين في ليفربول الذي كان موجوداً بإسطنبول قدراً في تلك الآونة، وبعد مناقشات ومجادلات أسلم أوشاتارو وتسمى باسم عبد الحميد نودا وهو أول مسلم ياباني، ثم تبعه بعد ذلك يامادا الذي وصل إلى إسطنبول عام 1893م يحمل التبرعات لعوائل الشهداء وتسمى باسم خليل وطلب إليه السلطان تدريس اللغة اليابانية للضباط العثمانيين.. ثم كان أحمد أريجا ثالث ياباني مسلم، وحسن إسلامه وشارك في إحدى ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية.. ثم تكونت من بعض تجار الهند المسلمين في طوكيو ويوكوهوما وكوبي أول جالية إسلامية تقيم في اليابان.



مسلمو اليابان في القرن العشرين



بعد الحرب اليابانية الروسية (1905 1904م) زاد اهتمام اليابانيين بالإسلام، حيث أقيم أول مسجد في أوساكا للأسرى المسلمين الروس بعد أن وضعت الحرب أوزارها، كما زار الداعية الهندي سرفراز حسين اليابان أواخر عام 1905م، وألقى محاضرات عن الإسلام في ناجازاكي وطوكيو، بعد أن مهد الاختلاط والتفاعل بين جنود اليابان والمسلمين من جنود الروس لمعرفة واسعة بالإسلام.



ثم تعددت زيارات الدعاة المسلمين لليابان، ولعل أهمها زيارة الرحالة الداعية الروسي عبد الرشيد إبراهيم عام1909م، حيث مكث باليابان ستة أشهر أسلم على يديه فيها العديد من نخبة المفكرين والصحافيين والضباط الشباب، ويعتبر المؤرخون الإسلاميون رحلة عبد الرشيد أهم من رحلة ابن بطوطة كما يرى ذلك د. عبد الوهاب عزام ود. محمد رجب البيومي.



كما أن هناك عدداً من الضباط المصريين بهرتهم انتصارات اليابان على روسيا فتطوعوا في الجيش الياباني وتزوجوا يابانيات، وأنجبوا أولاداً مسلمين ومنهم من عاد إلى مصر، ومنهم من بقي باليابان، كالضابط أحمد فضلي، الذي التقى الداعية عبد الرشيد وتعاون معه.



وفي عام 1909م كان عمر ياما أوكا أول ياباني يؤدي فريضة الحج حيث صحب عبد الرشيد إبراهيم إلى الديار المقدسة، ثم إلى إسطنبول، فيما أدى ثاني ياباني فريضة الحج عام 1920م، وهو نور أبي تاناكا الذي أسلم في الصين، كما أسلم في الصين أيضاً عمر ميتا مترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية.



وفي عام 1961م تشكلت باليابان أول جمعية للطلبة المسلمين. وشكل هؤلاء الطلبة المسلمون مع جمعية مسلمي اليابان مجلساً مشتركاً للدعوة ، وكان لهذا المجلس نشاطه الواسع في إصدار الكتب عن الإسلام وإصدار جريدة صوت الإسلام في اليابان وإرسال الطلاب إلى الأزهر وزيارة الأقطار الإسلامية، وإنشاء أول مركز إسلامي بطوكيو عام 1965م، وبناء المقابر للمسلمين وتأسيس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.



الصحافة والإعلام



تعتبر الصحافة والإعلام في اليابان الأكتر رواجا في العالم، فالفرد الياباني يقضي 80% من وقته (عدا وقت العمل) في هضم المعلومات، فالياباني تجده إما قارئ كتاب، جريدة، مجلة أو مستمع إلى الراديو حتى وهو في القطار، أو مشاهد للتلفزيون وهو في بيته.



ولهذا اهتم المسلمون باليابانيون بالصحافة والإعلام، حيث صدرت بين أعوام (1910 1912م) باليابان أول مطبوعة إسلامية باسم مجلة الأخوة الإسلامية أصدرها محمد بركة الله القادم من بهوبال في الهند، واستمرت المجلة لثلاث سنوات.



وذكر عبد الرشيد الرحالة الياباني المسلم أنه كان بجامعة واسيدا حوالي الألف صيني من بينهم تسعة وثلاثون مسلماً، وقد أصدروا فيما بعد صحيفة إسلامية باللغة الصينية، عنوانها الاستيقاظ الإسلامي عام ,1909 كما أصدر مجلة شهرية مصورة باللغة الإنجليزية أسماها أيضاً الأخوة الإسلامية واسمها بالإنجليزية Islamic Brotherh عام 1918م وكان قد أصدر قبلها مجلة إسلام باليابانية والإنجليزية.



وبرز في هذه الآونة اسم عبد الحي قربان كزعيم ديني للمسلمين التتار، وأصدر مجلة باللغة التتارية جابان مخبري توزع في اليابان وخارجه، وأنشأ أول مطبعة بالحروف العربية، طبع فيها الكتب الإسلامية باللغة التتارية، وطبع القرآن الكريم.



كما يدير المسلمون اليابانيون أكثر من خمسة عشر صفحة إلكترونية باللغة اليابانية، يدعون فيها الناس للإسلام ومثال عليهم:



- سليمان هاماناكا في جزيرة شكوكو ( له صفحة إلكترونية )



- بروفيسور كوسوجي في جامعة كيوتو، له صولات وجولات في التلفزيون الوطني الرئيسي لليابان خبث وفي قاعات المحاضرات والمؤتمرات.



- بروفسور أونامي ( جامعة كيوتو - هندسة )، يضع ترجمة معاني القرآن الكريم باليابانية على صفحته الإلكترونية - بروفيسور شيرو تاناكا ( متقاعد من جامعة اللغات الأجنبية في كيوتو وحافظ للقرآن الكريم)



- بروفيسور هشام كورودا ( الجامعة الدولية في نيغاتا وصاحب المؤلفات العديدة وتلميذ العالم الراحل المشهور جعفر إيزيتسو IZITSU.



- الأستاذ أشرف ياسوي ( أستاذ اللغة العربية في المعاهد اليابانية ).



إن وضع مسلمي اليابان أشبه ما يكون بالعهد المكي، حينما كان المسلمون الجدد أفراداً موجودين في مدن وقرى وواحات الجزيرة العربية، كل يقيم دينه في محل إقامته، منهم من يخفي إيمانه ومنهم من يظهره ويؤذى بسببه ومنهم من يدعو رغم الإيذاء إلى أن أذن الله بالهجرة إلى المدينة المنورة.



هذا، ويصدر المركز الإسلامي باللغة اليابانية بانتظام منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً مجلة السلام وهي فصلية إسلامية ثقافية، توزع على المشتركين والجامعات في اليابان وسفارات اليابان للخارج وتباع للأفراد الذين يزورون المركز، وهي فريدة في اليابان وتشمل مواضيعها النواحي الدينية والثقافية ومعلومات عن المسلمين في العالم وعاداتهم وتقاليدهم وأصبحت مرجعا إسلاميا للثقافة الإسلامية.



أول مسجد دائم في اليابان



إن طلائع المسلمين المهاجرين إلى اليابان هم من شبه القارة الهندية قبل الاستقلال، جاؤوا لليابان في أواخر القرن التاسع عشر واشتغلوا بالتجارة وأقاموا في طوكيو ويوكوهاما وكوبي، وهم الذين بنوا أول مسجد دائم في اليابان وذلك في مدينة كوبي عام ,1935 وصمد هذا المسجد شامخاً رغم قنابل الحرب العالمية الثانية التي حطمت كنيسة مجاورة له، ورغم الزلزال الكبير عام 1995 الذي هدم الكنيسة المجاورة للمرة الثانية، كما بنى المسلمون التتار مسجداً في مدينة ناجويا( دمرته الحرب العالمية الثانية )، وأقاموا مسجد طوكيو عام .1938



إن أكثرهم من الإندونيسيين ثم الملايزيين ثم من باكستان وبنغلادش ثم العرب والترك والإيرانيون والأفارقة. إن هؤلاء مع المسلمين اليابانيين وشكل المسلمون المقيمون مع المهاجرين تجمعات مشتركة في كل مدينة يقيمون مصلى مؤجراً (وبدءوا بإقامة مساجد ثابتة مملوكة) يضم مكتبة وثلاجة لبيع اللحم الحلال إضافة لمكان الصلاة والاجتماعات، وأخيراً أقام الطلبة العرب وأكثرهم مصريون أقاموا مصلى في منطقة إقامتهم في ضواحي طوكيو ( شن ميسات Shin Misato ) وأدى خمسة وعشرون شخصاً منهم ومن الطلبة الآخرين فريضة الحج لعام ,1421 إضافة لأعداد كبيرة من الطلبة من الجنسيات الأخرى حجت هذا العام.



أما الأخوة الباكستانيون والبنغلادشيون والأفارقة فمساجدهم لا تعد ولا تحصى فمن مسجد إيجي نيواري الذي بناه أهل التبليغ وسلسلة مساجدهم الأخرى إلى مساجد الحلقة الإسلامية من أتباع الجماعة الإسلامية في باكستان، ومسجد أوتسوكا، ومسجد تودا الذي كان مصنعاً، ومسجد إيساساكي ومسجد الأخوة الأفارقة وغيرها.