غير المسلم هو كل من أفسد فطرته التي فطره الله تعالى عليها بانتحال غير الإسلام دينًا، سواء كان ذلك بمؤثر خارجي سببه شرك الأبوين، فيكون متبعًا لهما فيما يدينون به بحكم النسب والنشأة، دون إعمال فكر أو اختيار حر، أو كان كان مخترعًا ومبتدئًا دينًا أو نحلة أو مذهبًا باطلًا باختياره، متعديًا بذلك على أصل فطرته التي فطره الله عليها.
والفطرة هي الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه، تلك التي لو تركت دون تدنيس لشبَّ صاحبها مؤمنًا بالله تعالى مسلمًا له. قال الله تعالى: (فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30] فأثبت سبحانه أن الاستقامة والإقبال على الدين الذي اختاره الله تعالى وارتضاه لعباده أصل الفطرة، وأن عدمه انتكاس وتبديل لأصل الخلقة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد عَلى الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) أخرجه البخاري برقم (1358) ومسلم برقم (2658). فأثبت أن أصل الخلقة تكون على التوحيد، ثم يكون إفسادها ، وهذا معنى ما ذُكرِ
ومن هذا الصنف أتباع الأديان والملل والمذاهب الفكرية الباطلة كاليهود والنصارى والصابئين والمجوس والبوذيين والهندوس والوثنيين والملاحدة.
وهم يعيشون في العالم كأغلبيات سكانية في كثير من دول العالم الغربي والأمريكيتين وأستراليا والصين وروسيا وغيرها، أو على شكل أقليات في كثير من دول العالم الإسلامي، أو يعيشون على شكل جاليات في بعض بلاد المسلمين.
هذا الصنف - غالبًا - جاهلٌ خالي الذهن من المعرفة بالإسلام، إلا أنه مغلق النفس عن تقبل أية معرفة تتعلق بحقائق الإسلام وأحكامه وشرائعه، لأن له عقائد ثابتة راسخة، مضادة لما يراد إعلامه به، وتوصيله إليه، وهو لا يقبل بها بديلًا، تعصبًا لتقاليده، ومواريثه وعاداته، التي هي جزء من ذاته، ولو كانت باطلة وضارة وفاسدة، أو حرصًا على تحقيق أهوائه وشهواته ومصالحه التي يحصل عليها ما دام مستمسكًا بملته الباطلة، أو استجابة لنوازع كبره ورغبته في الفجور المنافية للإيمان بالله والإسلام له.
فهم ضالون بسبب العصائب والستور الكثيفة التي وضعوها على بصائرهم، فهي لا تستقبل عن طريق مداركهم أية معارف مضادة لما هم عليه، وعلى حامل الرسالة أن يحتال على من يتفرس لديه استعداد لتقبل الهداية، حتى يفتح بعض أبواب نفسه، ويدخل إليها بمعرفة الحق.
إن مواريثهم الدينية الباطلة، واعتقاداتهم لها بطريقة عمياء، تجعل على أبصارهم وأسماعهم وبصائرهم غشاوات من العسير جدًا إزالتها لرؤية الحق، إلا عن طريق من يصحو منهم من أهل بصيرة ورشد علمي، إذ يعملون عقولهم إعمالًا هادئًا رشيدًا، فيستبصرون الحق، ويرشدون بعض أتباع مللهم إلى أن ما هم فيه باطل، وأنهم على ضلالة، وأن ما جاء به الإسلام هو الحق المبين.
وهذه الظاهرة قد بدأت بالفعل في الشعوب غير المسلمة، فمع ضعف تعصب هذه الشعوب لأديانها ومللها الموروثة، وشيوع الحرية الفكرية بين أفرادها، والدفاع عن هذه الحرية، وانتشار المذاهب الفكرية المعاصرة المعارضة للمواريث الاعتقادية السابقة، دون اعتراض المجتمع على الفرد فيما يختار لنفسه من مذهب يدين به، بدأ يظهر في الغرب مفكرون كثيرون، يدرسون الإسلام دراسات متجردة، ويتعرفون عليه من مصادره، أو من مكتوبات بعض الكتاب المسلمين.
ومن هؤلاء علماء من مختلف التخصصات العلمية، وباحثون متفكرون متحررون من موروثاتهم الاعتقادية السابقة.
وبعض هؤلاء توجهوا ضمن أسس علمية صحيحة يدرسون القرآن الكريم، وأركان الإيمان، وأركان الإسلام، وشرائعه وأحكامه دراسات جادات، غير متقيدات بحبال عصبيات مضادات، وغير مشحونات بركامات عداء للإسلام والمسلمين.
وقد بدأ هؤلاء يعرفون من حولهم بأن الإسلام هو الدين الحق الذي لم دخله تحريف ولا تبديل في أسسه ومفاهيمه ومصادره المتفق عليها.
وقد بدأ يتوافد من فئات مثقفي الغرب وعلمائه أفواج إلى الإسلام، وهذه الأفواج تبشر بمستقبل زاهر للإسلام في الغرب.
أولًا: أهمية كسر الحاجز النفسي: وهذا يحتاج أن يكون الداعية واسع الأفق، محلِّلا لما يجري حوله؛ فأحيانًا يكون الأثر الذي يؤثر في المدعو سلبًا، أو يؤثر في المدعو إيجابًا، يكون هذا أثر يحتاج إلى كشف، خاصة من لا تعاشره دائمًا، فهذا كيف تؤثر عليه؟ لا بد أن يكون عندك رؤية متّسعة للمؤثرات التي تؤثر على هذا المدعو، وهذه الرؤية المتسعة ستستنتج منها الأسباب التي تصدّ هذا المدعو عن قبول الخير، وستستنتج منها الأسباب التي تجعل هذا المدعو يُقبل على الخير.
ومن المفاتيح والمداخل المؤثرة في كسب القلوب وشد اهتمام المدعو وجذب انتباهه:
1- الحرص على الانطباع الأول الطيب.
2- الابتسامة الصادقة.
3- القول الحسن.
4- فن الاتصال والحوار معهم.
5- حسن الإنصات.
6- حسن الخلق.
7- طيب المعاملة.
8- الثناء عليهم بما فيهم من خصال حسنة.
9- الحرص عليهم وحب الخير لهم.
10- معرفة واستخدام أسماء المدعويين.
11- معرفة خلفيات وأحوال المدعويين.
12- الاهتمام بهم، وزيارتهم، والعمل على مساعدتهم.
13- استخدام لغة المدعو: فيكون الداعية متقنًا للغة الأصل، واللغة التي يريد الترجمة إليها، ويقدر على التعبير بالألفاظ المعبرة والمترادفة عن الموضوع الذي يريد التحدث فيه.
14- الإكرام وتقديم الخدمة.
15- البر: وذلك برد التحية أو الابتداء بها عند الحاجة، والتهنئة بالألفاظ المشروعة في ما ليس من شعائر الكفر المختصة به، وعيادة المريض، والتعزية، والهدية، وإعانة المحتاج، وإجابة الدعوة إلى الأطعمة والأشربة.
ثانيًا: بیان محاسن الدین الإسلامي، وكماله، وجماله في عقائده، وعباداته، وآدابه، مع الوضوح في الدعوة:
توضيح جمال الإسلام يكون ببيان عقيدة التوحيد الصافية، وأن الدين جاء لسعادة البشر، ورفع الضر عنهم، وجاء بالأخلاق الفاضلة، كالرحمة والرفق والتواضع والتسامح.
ومما ينبغي التنبه إليه أنه لا يكتفى بعرض المحاسن أو إثبات الدلائل دون وضوح في الدعوة للدخول في هذا الدين، إذ في ذلك تضييع للرسالة الحقيقية، وانصراف إلى الوسائل دون وقوف على المراد، فالمنهج العملي ليس هو الأصل في الدعوة إلى الإسلام، لكنه مصاحب، وهو حال لازمة في التعامل مع الكافر وغيره، وهذا ما سنوضحه في النقطة الثالثة.
ثالثًا: معرفة السمات الاجتماعية، والثقافية لغير المسلمين: فالداعية مطالب بمعرفة السمات الاجتماعية والثقافية للمدعوين، فالسمات الاجتماعية مثل أعمارهم وأجناسهم، وعلاقاتهم الشخصية وعلاقات العمل، وعلاقاتهم الأسرية، والزوجية، والسمات الثقافية مثل اللغة، والمستوى التعليمي، فالداعية مطالب بأن يكون له اطلاع على ذلك، ويمكن للاختصاصي الاجتماعي أن يقدم خدماته المهنية بشكل مباشر للجهاز القائم بعملية الدعوة الإسلامية، أو الداعية، وذلك بحكم تخصصه المهني في مجال الخدمة الاجتماعية، والتي تقوم على الدراسة العلمية للظواهر والمشكلات الاجتماعية بغرض المساعدة في حلها.
وعلى حملة الرسالة الإسلامية الصادقين المخلصين أن يتصيدوا من غير المسلمين علماء عقلاء، وأهل أناة وبصيرة، ويصادقوهم ويعرفوهم الإسلام تعريفًا هادئًا، عن طريق الحوار النزيه المجرد، أو عن طريق نشر الكتب التي تعرف بالإسلام تعريفًا علميًا وعقليًا، وبالأسلوب الذي يقتنع به المثقف الغربي، مع الاهتمام بأسس الإسلام، وعقائده، وأركانه، وأخلاقه، وكبائر المحرمات فيه.
فمن استبصر الحق منهم، وآمن به، طولب بأن يتحمل مسؤوليه تبليغ ما آمن به إلى من حوله من ذويه وقومه، ثم انتقالا إلى آخرين، إلى اتساع الدوائر الاجتماعية.
ومما يتصل بهذا: أن يكون للداعية اطلاع على علم مقارنة الأديان، فيكون عارفًا بالديانة النصرانية، فضلًا عن الديانات التي يكثر أتباعها من الجاليات العاملة في الدولة العربية، كالبوذية والهندوسية. فإن هذا العلم يفيد في معرفة التحديات والعقبات التي تواجه الداعية، ومن أمثلة ذلك أن البيروني لما عرض لسمات مجتمع الهند الثقافية، بين أثرها في دعوتهم، وذكر أيضًا من أسباب رفضهم للإسلام: النظام الطبقي في بلادهم، يقول: (إن مخالفتنا إياهم وتسويتنا بين الكافة إلا بالتقوى أعظم الحوائل بينهم وبين الإسلام).
رابعًا: الابتعاد عن التكلف في العرض: على الداعية الابتعاد عن العرض الفلسفي الكلامي الجدلي، وسلوك طريقة القرآن البينة البسيطة والتي من خلالها تم استقطاب جميع شرائح المجتمع، كيف لا؟ والإسلام نفسه بأصوله الاعتقادية، وشعائره التعبدية، وأحكامه التشريعية واضحة بينة لجمهور المخاطبين عمومًا. وهي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يمر على أندية المشركين وتجمعاتهم يدعوهم بقوله: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ). رواه أحمد ( 3/492، 4/341 ). مع بيانه لخلو طريقته ودعوته من التكلف والتصنع: ( قلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ ص: 86].
على أن لا يكون ذلك على حساب البيان والتوضيح، قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) [ التوبة:6].
ومن هنا تأتي أهمية ترجمة معاني القرآن في دعوة غير المسلمين، فهي إحدى الوسائل المهمة للدعوة إلى الله تعالى، وهي من الحلول الرئيسة لمعالجة مشكلة اللغة، حيث يتعذر إيصال الدعوة لجميع فئات المدعوين المختلفين في الألسنة واللغات واللهجات، ولذا فالترجمة طريق لإيصال الدعوة وتبليغها لغير المسلمين، ولا شك أن نشر الدعوة عن طريق الترجمة يحتاج إلى جهود مصاحبة من الدعاة لشرح ما قد يشكل على غير المسلمين وتوضيحه.
ولد دافيد ليفلي David Lively في مدينة فيلادلفيا شمال شرق الولايات المتحدة، وأخذ في دراسة الرياضيات حتى تخرج في جامعة (ليهاي) متخصِّصًا في الكمبيوتر. ويقول عن نفسه: "في بداية الشباب كنت مواظبًا على ارتياد الكنيسة البروتستانتية أنا وأسرتي، والبروتستانتية مذهب غالبية الشعب الأمريكي، وطالعت مبكرًا النصوص والمعتقدات الدينية، إلا أنني لاحظت أن عقلي وقلبي لا يتقبلان أمرين أساسيين من معتقدات النصرانية، هما: - عقيدة التثليث (مرفوضة بأي شكل) لتعارضها مع العقل. - وعقيدة الخلاص المنسوبة للمسيح عليه السلام؛ لما فيها من التناقض الديني في مجال الأخلاقيات. عند ذلك اندفعت للبحث عن معتقد جديد يعصمني من الانحراف والضياع، ويملأ الفراغ الروحي الذي يعانيه ويشكو منه الشباب الأمريكي والأوربي.
يتحدث دافيد ليفلي عن نفسه فيقول: "تعرفت على صديق أمريكي سبقني للإسلام، وكانت لديه ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالإنجليزية، فأخذتها لأضيفها إلى ما لديَّ من كتب دينية، وما إن بدأت في قرأتها حتى استراح قلبي للمبادئ التي اشتمل الإسلام عليها، ثم اتجهتُ إلى الإسلام داعيًا الله بهذه الدعوات: يا صاحب الهداية، إذ لم يكن هذا الدين المسمَّى بالدين الإسلامي هو دينك الصحيح الذي ترضى عنه، فأبعدني عنه وعن أصحابي من المسلمين، وإذا كان هو دينك الحق فقربني إليه وفقهني فيه. ولم يمر أسبوع إلا واستقرَّ الإسلام في قلبي ورسخ في ضميري، فاطمأن قلبي وعقلي وسكنت نفسي، واستراحت إلى أن الإسلام هو دين الله حقًّا، وصدق القرآن عندما يقرِّر: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ) [آل عمران: 19]". إسهامات دافيد ليفلي حاول داود عبد الله التوحيدي (وهذا اسمه بعد إسلامه) تنبيه المسلمين لما هم عليه، طالبًا منهم تغيير أوضاعهم فيقول: "ما أبعد الفرق بين الإسلام وما يشتمل عليه من قيم وأخلاقيات وعقائد سامية، وبين حال المسلمين من جهلهم بعقيدتهم وفقدانهم لقيمهم، وابتعادهم عن قيم الإسلام وأخلاقياته!! فحكام المسلمين تباطئوا في العمل من أجل الإسلام مع أنها رسالتهم السامية، وعلماء الإسلام تخلوا عن دورهم الحقيقي في الدعوة وفي الاجتهاد واستنباط الأحكام، والمطلوب من علماء الإسلام ألاّ يكتفوا بحفظ التراث فقط، بل عليهم العودة إلى إعمال الفكر الإسلامي، وعندئذٍ يعود إليهم نور النبوة والإيمان والتطبيق والنفع لغيرهم. وإنه لمِمَّا يثير الدهشة ابتعاد كثير من الشباب في العالم الإسلامي عن قيم الإسلام الروحية وانصرافهم عن تعاليمه، في الوقت الذي نجد فيه شباب العالم الغربي متعطشًا إلى هذه القيم، ولكنه لا يجدها في مجتمعاته العلمانية التي لا تعرف عن الإسلام شيئًا". أما عن أمنية ذلك المسلم الأمريكي داود التوحيدي: "إن أمنيتي أن تتواصل دراساتي الإسلامية، والتخصص في مجال مقارنة الأديان؛ حتى أتمكَّن من الاشتراك في تربية الأجيال المقبلة من أبناء المسلمين في أمريكا، والتصدي للغزو الفكري هناك، وحتى أعمل على نشر الإسلام بين غير المسلمين. كما أتمنى أن يأتي اليوم الذي أرى فيه للإسلام تأثيرًا في إعادة صياغة المجتمع الأمريكي في المستقبل، وأن أشارك في نهضة الإسلام في أنحاء العالم؛ فالإسلام لا يعرف الأوطان، وإنما هو هداية مُرسلة إلى العالمين، والقرآن الكريم يقول عن رسول الإسلام: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].