الملأ

الملفات الدعوية ذات العلاقة
  • التعريف

هم أشراف القوم وقادتهم ورؤساءهم وساداتهم، فهم إذن البارزون في المجتمع وأصحاب النفوذ فيه، الذين يعتبرهم الناس اشرافًا وسادة، أو يُعْتَبرون حسب مفاهيم المجتمع وقيمه أشراف المجتمع وسادته، ومن ثَمَّ يستحقون -في عرف الناس- قيادة المجتمع والزعامة والرئاسة فيه، وقد يباشرون ذلك فعلًا.

والوصف الغالب على الملأ من كل قوم معاداتهم للدعوة إلى الله تعالى، فقد قاوموا دعوة الرسل الكرام إلى الله تعالى، وكانوا هم الذين يتولَّوْن كبر المقاومة الأثيمة للدعوة إلى الله، ويقودون حملة الكذب والافتراء والتضليل ضدَّ أنبياء الله تعالى، يدل على ذلك قول ربنا -تبارك وتعالى: ﴿وما أرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ، وقالُوا نَحْنُ أكْثَرُ أمْوالًا وأوْلادًا وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾، يخبر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية الكريمة رسوله محمدًا ﷺ مسليًّا له أنه ما أرسل من رسول إلى قرية إلّا قال مترفوها -وهم أولو القوة والحشمة والثروة والترف والرياسة، وقادة الناس في الشر: لا نؤمن به ولا نتبعه. وفي السيرة النبوية الشيء الكثير عن موقف الملأ من قريش وغيرهم من الدعوة إلى الله.

  • السمات و الخصائص

أولًا: الكبر: الكبر خلق ذميم وآفة عظيمة مستقِرَّة في النفس، وتظهر آثاره في الخارج بأشكال مختلفة، ومواقف متعددة، ومن آثاره: عدم رؤية الحق في غالب الأحيان، أو رؤيته ولكنَّ الكبر يمنع من الاعتراف به والانقياد له، كما يمنع الاعتراف بالفضل لأولي الفضل، ويمنع المتكبِّر من الرؤية الصحيحة لقدر نفسه، فيراها فوق أقدار الناس، فيستنكف أن يكون معهم، أو تابعًا لأحد منهم، وقد يقترن الحسد مع الكبر فيزيد من آثاره سوءًا وصدودًا عن الحق، وجحدًا له، ومحاربة لأهله، وعداوة لهم.

ومن الآيات الدالة على صفة الكبر في الملأ، وما أدَّت إليه من نتائج غاية في السوء والقبح، قوله تعالى: ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾، ففرعون وقومه أنكروا نبوة موسى -عليه السلام، مع أنّ نفوسهم أيقنت بها، وكان الحامل لهم على إنكارها ظلمهم وتكبُّرهم على موسى -عليه السلام.

ثانيًا: حب الرياسة والجاه: «الملأ» يحبون الرياسة والجاه والتسلط على رقاب العباد، ولذلك فهم يعارضون كل دعوة تسلبهم مكانتهم بين الناس وتجعلهم تابعين كبقية الناس، وهم يتصوَّرون أنّ قبولهم الدعوة إلى الله يسلبهم جاههم وسلطانهم، ولذلك يقاومونها ويعادونها ويأتون بالأباطيل لتبرير عداوتهم، ومن الآيات الدالة على حبهم للرياسة والجاه، وأنّ هذ الحب كان من أسباب رفضهم دعوة الحق إلى الله تعالى.

ثالثًا: الجهالة: «الملأ» غارق في الجهالة ولا يشعر بجهالته، فهو يكفر بربه ويردّ دعوته الكريمة التي بعث بها رسله إلى الناس، ويصفها بأنها ضلال، ويرمي مبلغيها وهم الرسل الكرام بالسفاهة وخفة العقل، ويؤلّب الدهماء عليهم، ويكيد ضدهم، ويعاديهم ويستغرب من دعوتهم، ويدَّعي أن آية كذب الرسول أنه من البشر، وأنّهم -أي: الملأ- أولى بالرسالة ممن أرسلوا؛ لأنهم -الملأ- أكثر مالًا وأعز نفرًا، وأنّ الرسل الكرام يريدون تحويلهم عن ملة آبائهم، ويأتونهم بدين جديد ما سمعوا به من قبل، وأنهم -أي: الملأ- يسخرون ويستهزئون بالمؤمنين، زاعمين أنهم لا يفهمون ولا يعلمون، ولهذا اتبعوا الدعوة إلى الله واتبعوا رسل الله بلا رؤية ولا تمحيص ولا تأويل، بينما هم لم يفعلوا ذلك؛ لأنهم سادة أشراف يفهمون ويعقلون ويدركون.

وأنهم يحسبون الأنبياء الكرام مفسدين في الأرض، وأنهم -أي الملأ- هم المصلحون المدافعون عن دين الناس وحقوقهم، وأنهم في سبيل هذا الدفاع سيحاربون الأنبياء والدعاة إلى الله تعالى.

  • توجيهات دعوية

يتضح للمتأمل في المنهج الدعوي في القصص القرآني حرص الرسل عليهم السلام على أن تصل الدعوة إلى الملأ من السادة والأشراف، وذوي النفوذ والسلطان، وأن تحصل لهم النصيحة، ويبلغهم أمر الدين والرسالة، حيث كان الرسل عليهم السلام يبذلون جهدهم في إقناعهم، وهدايتهم، وإزاحتهم عن موقفهم المناهض للرسالة.

وقصص الأنبياء كقصة هود ونوح وصالح: تدل على أن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه لم يقتصروا في دعوتهم على عوام الناس، بل كان من منهجهم الاتصال بأكابر القوم، وذوي التأثير فيهم، وتبليغهم دعوة الله سبحانه، وبذل الجهود معهم في حكمة وروية لإقناعهم، بالحق، وهدايتهم إلى ربهم سبحانه.

ذلك أن أشراف القوم جزء من الأمة التي كلف الرسل عليهم السلام بإيصال الدعوة إليهم، بالإضافة إلى أن لهؤلاء تأثيرًا في عموم الناس في العادة، واستجابة أحدهم لدعوة الله تعالى له أثره في العدد الوفير من جمهور الناس وعامتهم.

1) الرفق في دعوة الملأ: يلاحظ من قصص الأنبياء في دعوة الملأ، أن الأصل في الحركة الدعوية للرسل عليهم السلام هو الرفق واللين، بعيدًا عن الغلظة والشدة، والانتقام للنفس، وهذا ما يظهر لدى التأمل في خطاب نوح وهود عليهما السلام لقومهما حيث قالا لهم: (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) حيث لم يقطع بعذابهم حنوًّا عليهم، واستجلابًا لهم بلطف، وكذلك خطاب موسى لفرعون:( هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى)، أما سيرة محمد صلى الله عليه وسلم فمليئة بالأخبار الدالة على رفقه بقومه، كخبر خروجه للطائف، وموقفه مع ثمامة بن أثال، وغير ذلك.

2) المحاورة والمناظرة ورد الشبهات: من منهج الرسل عليهم السلام مناظرة المنكرين للرسالات، المكذبين للدعوات، ومحاورتهم، ومواجهتهم بالحجة والبرهان. كما أنهم عليهم السلام يتجهون إلى إبراز حقائق الدعوة، والرد على الشبهات بحسب ما تقتضيه الأحوال.

وذلك يظهر في محاججة نوح وهود عليهما السلام لقومهما، ومحاججة إبراهيم عليه السلام للنمرود، ومحاججة موسى عليه السلام لفرعون، وكذلك من دعوة رسولنا صلى الله عليه وسلم للملأ. 

  • قصص من القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم قصص كثيرة في دعوة الأنبياء والرسل للملأ من قومهم، فمن ذلك دعوة نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام للملأ من قومهم، كما ورد في القرآن الكريم قصة دعوة نبي الله موسى عليه السلام لفرعون.

  • قصص من السنة النبوية

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس، أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشأم في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه. فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت فلو كان من آبائه من ملك، قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك، هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين " و(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام. وكان ابن الناظور، صاحب إيلياء وهرقل، سقفا على نصارى الشأم يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء، أصبح يوما خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناظور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم، أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.

أخرجه البخاري.