ثلاثية لنظام ينبض بالحياة
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
دُعيت إلى لقاء حواري مفتوح نظمته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من أجل تطوير نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ولائحته التنفيذية، وهو اللقاء الرابع والأخير كما فهمنا من المنظمين، وسبقه ثلاثة لقاءات مع الوزارة أولًا، ثمّ مع الأجهزة الحكومية الأخرى المتقاطعة مع العمل الأهلي، والثالثة مع الجمعيات الأهلية، وكان نصيب المؤسسات الأهلية في اللقاء الرابع، وهو لقاء جميل في تنظيمه وإدارته وحضوره ومخرجاته، والله ينفع بها.
ولأن اللقاء يرتبط بنظام يقوم عليه العمل الأهلي والمجتمعي، فمن الطبيعي أن يقول المشاركون جميع ما لديهم عسى أن يعين وزارة التنمية ومركز التطوع في النقاش مع الأجهزة الحكومية المعنية بصياغة الأنظمة، وإنما يكتسب النظام روحه وحياته من آراء الذين يتعاملون به، ويعلمون مواضع قابلة للتطوير فيه، وأخرى تحتاج إلى تغيير، وثالثة حقها الثبات، وهكذا، ويبقى أن المصالح العامة والعليا مظلّة كبيرة آمنة تجمع الكافة أو هكذا يجب.
ثمّ فُتح المجال في نهاية اللقاء إلى تعليقات ختامية، ذكر فيها الحاضرون والحاضرات ملحوظات عميقة جديرة بأن يُلتفت إليها، واجتهد فريق إدارة اللقاء بتدوينها كما تحدّث بها أصحابها. وقد طلبت الإذن بالحديث فمُنح لي كما لغيري، وكانت مداخلة مختصرة فطبيعة المداخلات تقتضي الاختصار، وهاهنا فرصة لتكرار قولي مكتوبًا، مع توسع يسير يزيد الفكرة وضوحًا، ويبقيها فالكتابة قيد وثبات وتوثيق.
فبما أن النظام يتعامل مع جمعيات وصناديق ومؤسسات تُعنى بخدمة المجتمع، وتحمل عن الحكومة شيئًا من العبء الكبير نحو الناس، فمن الحكمة التي لا يفقدها بُناة النظام والقائمين على صياغته ومراجعته وإقراره أن يراعوا ضرورة وجود ثلاث ركائز أساسية في روح النظام، تهبه الحيوية، والرشاقة، والعملية، وتشيع بين مواده وتفسيرات لائحته نَفَسًا مباركًا نحتاج إليه دومًا وفي مثل هذه الأعمال على وجه الخصوص كي يصبح النظام وتوابعه معينة لا معيقة.
أولها الثقة، فهذه الأعمال تكدح في سبيل تقديم الخدمات المجتمعية في الشؤون كلها، حتى لكأنها تمشي مرادفة للأجهزة الحكومية، وهي مرادفة تعين ولا تنافس، تكمل ولا تربك، تخفف ولا تكلّف، وإن رديفًا هذا شأنه لحقيق بأن يُعطى الثقة البصيرة، وأن نتجاوز صور الماضي الباهتة التي حاول لصقها بالعمل الخيري والمجتمعي والأهلي أقوام لا خلاق لهم، ثمّ أثبتت الأيام ما في أغلب تلك الصور والتهم من رداءة وكذب قادت إلى تأخير وتعطيل ومحاولات استكشاف أضاعت الوقت والجهد دون طائل، فالعاملون في المجال الأهلي يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام، وليسوا أشباحًا مستترة، أو أناسًا يعيشون في كهوف وصحارى، وبالتالي فلا شيء عنهم يخفى.
أما الركيزة الثانية فهي التقدير؛ لأن جلّ العمل الأهلي بأنواعه يعتمد على جهود وأوقات وأفكار وأموال تأتي غالبيتها من المتبرعين والواقفين والمتصدقين، وإن قومًا وهبوا الوقت الثمين، والفكر العميق، والمال النفيس المحبوب حبًا جمًا لقوم أهل كرم وفضل وسابقة يجدر الاحتفاء بهم، وينبغي لهم التوقير والتقديم، فهل سنرى في النظام أو في لوائحه التنفيذية من الحوافز ما يجعل التبرع والتطوع سمة الناس كافة رجاء ما عند الله أولًا، ثمّ وفاء للمجتمع وأهله، فلربما أن كلمة تقدير أو فعل توقير يزيد من الإقبال ويساعد على الإقدام؟
وثالث ركيزة هي المؤازرة المطلوبة من الجهاز الحكومي المرتبط مباشرة بالعمل الأهلي سواء أكان الوزارة أم المركز أم كليهما، وهي مؤازرة داخل الجهاز الحكومي نفسه، ومؤازرة مع الأجهزة الحكومية الأخرى، وعند صانعي القرار، ولدى الأنظمة الأخرى، وفي الإعلام والشورى والدراسات الأكاديمية والمصارف والمجالس واللجان وغيرها، حتى يشعر أفراد العمل الأهلي أنهم يأوون إلى ركن شديد داعم محب، يسعى في جلب الخير لهم، وتحصيل ما ينفعهم أيًا كان حجم المنفعة وموضعها وزمانها وكيفيتها.
وإن هذه الثلاثية المكونة من الثقة والتقدير والمؤازرة لكفيلة ببث روح طيبة مباركة عليّة، تكون معينة غير معيقة، ورافعة غير واضعة، ودافعة نحو بناء نظام جديد متين ذي رشاقة، عملي ذي مرونة، قوي مع وداد، حازم بضبط ومتابعة، وفيه علمية وقابلية للتطوير. والأمل منعقد بعد فضل الله وعونه على أباة كرام يضعون مثل هذه الركائز نصب أعينهم وهم يتفرغون لهذا النظام بعقول وقلوب خالية من القوالب الجاهزة، تبتغي المصلحة والنفع والخيرية، وتنشد حسن العاقبة وخير الناس والبلاد في عاجل وآجل.
(مصدر المقال: موقع مجلس المؤسسات الأهلية).
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.