أخلاقيات المنحمقالات

د. نايف بن حمد الجابر

أخلاقيات المنح

 

د. نايف بن حمد الجابر

هل سبق وتساءلت عن الصورة الذهنية للمؤسسات المانحة في المملكة؟ هل هي إيجابية أم أنها تحتاج لمزيد من التطوير؟ لست في صدد الحديث عن نتائج دراسة تتعلق بسمعة المؤسسات المانحة عند منظمات القطاع، إنما التركيز هنا على أحد المحاور الرئيسية في إدارة سمعة المنظمة من خلال تعزيز أخلاقيات المنح وجعلها منهجاً للعمل بين الموظفين، حتى لا نكون سبباً في بطلان الصدقة بما يحصل من ممارسات قد يكون ظاهرها المراقبة والتنظيم وهي أقرب للمن والأذى.

القضية الأساسية التي ينبغي العناية بها، أنه لا يفهم أبداً أن صاحب المال هو صاحب الفضل، بل إن المؤسسات المانحة والجمعيات الخيرية صِنوانِ في هذا القطاع، وكلاهما محتاج للآخر، وبالتالي فإن العلاقة بين الطرفين مبنية على الثقة والاحترام وتبادل المنفعة.

ولو أخذنا المراحل الرئيسية الثلاث للمنح ابتداءً من استقبال الطلبات ثم دراستها وانتهاءً بإدارة المنحة، ثم تأملنا أهم الأخلاقيات التي ينبغي اكتسابها في هذه المراحل فإنه يمكن القول بأننا نحتاج للتذكير المستمر بالقضايا التالية، وهي ليس بالضرورة أنها الأهم بل هو ما جال في الخاطر واستحضره الذهن:

تختلف المؤسسات المانحة في إجراءات التقديم على طلب المنح وهذا من حقها، وفي نفس الوقت من حق الجهات التي بذلت وقتاً وجهدا في تحقيق متطلبات طلب الدعم أن تحصل على رد أخلاقي عن سبب الرفض، والرد الأخلاقي في نظري ليس مجرد رسالة مختصرة بالاعتذار وهو أضعف الإيمان، إنما الحاجة لتقدير الجهد الذي بذل في طلب التقديم وتبيان سبب الاعتذار وتوجيه المنظمة لكيفية الحصول على الدعم في المستقبل من خلال اتصال راقي غير متأخر وحديث أخوي يعبر عن الامتنان للجهد المبذول، أتفهم جيداً أن مثل هذا يأخذ وقتاً كبيراً، ولكن كما يقال ما لا يدرك كله لا يترك جله.

مجالات الدعم في المؤسسات المانحة تختلف من جهة لأخرى، وقد يرد إلى المؤسسة طلب دعم مشروع لا يتقاطع مع استراتيجية المنح، والخلق الجميل في مثل هذه المواقف هو إظهار الاهتمام بنشاط الجمعية والحديث معهم عن خططهم وأهدافهم وإنجازاتهم حتى لو كانت لا تتقاطع مع المؤسسة، فقد ينتج عن هذا الحديث بناء شراكات بين جهات متشابهة، وشعور بالتقدير، وتوجيه للمؤسسات الأقرب لعمل الجمعية.

الزيارات الميدانية للاطلاع على المشاريع سمة إيجابية ينبغي العناية بها، ومن الخلق في الزيارات أن تكون مملوءة بالامتنان على جهودهم وبذلهم، بعيدة عن المحاسبة والتعالي، وليحرص الزائر أن يكون ضيفاً خفيفاً، ولا يكلف الأفراد فوق طاقتهم وخصوصاً في القرى والهجر، ولينتبه من الشعور الداخلي الخفي الذي قد يعتري الإنسان حينما تتم الحفاوة به بشكل كبير، وليتذكر إنما كان ذلك لعملك لا لشخصك، واحرص على بقاء ذكرى جيدة ورحم الله من زار وخفف.

التقارير الختامية متطلب أساسي عند كثير من المؤسسات وهو حق مشروع لمعرفة أثر الدعم، ومن كريم الخلق ألا يرمى التقرير في الثقب الأسود فلا يتم الاطلاع عليه، والأجمل من ذلك أن يتم التواصل مع الجهة وشكرهم على التقرير وذكر الإيجابيات والسلبيات، فإن هذا من شأنه أن يمتن العلاقة ويطور العمل.

وحتى لا يفهم المقال في سياق النقد، فليس من الخلق الجميل نكران فضل المؤسسات المانحة ودورها المؤثر في تطوير القطاع، وقد شاهدنا -وهو الأكثر- نماذج أخلاقية مشرفة وتعامل راقي وأدب رفيع، إنما هي دعوة للمهتمين بالانتباه لقضية أخلاقيات المنح من خلال الكتابة عنها والتذكير بها والنقاش المستمر لها، وبناء الميثاق الأخلاقي للعاملين في المؤسسات المانحة، حتى يكون دستوراً نعظم من خلاله المنح والعطاء.

(مصدر المقال: موقع مجلس المؤسسات الأهلية).

 

13 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً