المسلمون في بشكيريا (1)مقالات


• الإسلام هو الديانة الأكثر انتشارًا في باشكيرستان، وحسب الإحصائيات الرسمية الروسية فما يقارب 55.6 ٪ من سكان الجمهورية يدينون به.

• شارك البشكير مشاركة فعَّالة في النهضة العلمية والثقافية التي شهدها تتار الفولجا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل العشرين.

• سعى البشكير إلى محاولة إيجاد دولة إسلامية لجميع مسلمي الإمبراطورية الروسية تكون لها ارتباطات بدولة روسيا منذ عام 1905 م.

• اصطدم القوميون البشكير مع الروس البلاشفة عام 1918 م، واضطروا للتسليم بضرورة المقاومة المسلحة ضد الروس لنيل استقلالهم المنشود.

• وُئِدَتْ كل محاولات البشكير الاستقلالية، وتم إبادة جميع حركات المقاومة؛ حيث كانت حملات "ستالين" حملات إبادة رهيبة اقترنت بالدعاية الواسعة والبطش المنظم.

• من أعلام تلك الفترة: زكي وليدي طوقان، وميرزا سلطان غالييف.

• تأثرت اللغة البشكيرية الوطنية باللغة العربية، واستعارت منها كثيرًا من المفردات، واستخدمت فيها الأحرف العربية.

• نجد أن عددَ المساجد في بشكيريا قد تضاعف في السنوات الأخيرة حتى زاد على 470 مسجدًا بعد حملة هدم المساجد، وتحويلها لكنائس ومستودعات، ومنع بنائها خلال الحقبة الشيوعية.

• يُعاني الشعب البشكيري من قلة الدعاة، وكثرة الجهل بتعاليم الإسلام بين العوامِّ في المدن والقرى.

 

الإسلام في بشكيريا:

يُقدَّر عدد سكان "باشكيرستان" بقرابة 4,016,481 ملايين نسمة، والإسلام هو الديانة الأكثر انتشارًا في باشكيرستان، وحسب الإحصائيات الرسمية الروسية فما يقارب 55.6 ٪ من سكان الجمهورية يدينون به، غير أن أعداد المسلمين أكثر من تلك التقديرات الرسمية.

وقد تَحدَّث الرحَّالة العرب في القرن التاسع والعاشر الميلاديين عن سكان "بشكيريا"، وخاصةً بعد دخول الإسلام إلى تلك البقاع في القرن العاشر، وأطلقوا عليهم اسم "الباشغرد".

ولقد شارك البشكير مشاركة فعَّالة في النهضة العلمية والثقافية التي شهدها تتار الفولجا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل العشرين، وظهر منهم كثيرٌ من الكُتَّاب والأدباء، كما ظهر منهم كثيرٌ من الزعماء الذين كانوا ينادون أولًا بالمساواة في الحقوق مع الرُّوس، وإعطاء الحريات الدينية والثقافية الكاملة، وحق إنشاء المدارس الخاصة، ووضع مناهجها الإسلامية، كما كانوا يطالبون بمحاكمهم الشرعية[1].

مطالبات جادة بالاستقلال:

وظل البشكير على وَعْيٍ بتاريخهم المجيد بعد احتلال الرُّوس لمنطقتهم، وقد كانت مطالباتهم المستمرة بحقوقهم المسلوبة، وثوراتهم المستمرة بمثابة احتجاج شعبيٍّ على تلك السياسات الظالمة من جانب الرُّوس، سواء في عهدها القيصري أو البلشفي، ولقد تطورت هذه الدعوة بعد عام 1323 هـ (1905 م) إلى محاولة إيجاد دولة إسلامية لجميع مسلمي الإمبراطورية الروسية، تكون لها ارتباطات بدولة روسيا.

وقد كانت هزيمة روسيا سنة 1905م أمام اليابان- وهي دولة آسيوية- قد أحدثت صدمة نفسية كبرى في أرجاء الإمبراطورية الروسية، وأعطت انطباعًا سائدًا بأن روسيا ليست بالقوة المظنونة، وأنه من الممكن الانتصار عليها، هذا الشعور الجديد أطلق الرغبة بل الأمل عند كثير من الشعوب المسلمة التي كانت تحتلها روسيا في نيل الاستقلال[2].

وقد شارك البشكيريون مع إخوانهم من التتار والقوقاز والكازاخ في مؤتمرات سرية وعلنية كبداية حقيقية للنضال السياسي في المجتمعات المسلمة بالمنطقة فيما بين عام 1905 - 1906 م؛ لكن كثرة الخلافات وظهور أشخاص معروفين باتجاهاتهم الماركسية المتطرفة وَأَدَ هذه المشروعات وقتذاك؛ لكن حلم الوحدة السياسية للمسلمين- أو على أقل تقدير الاستقلال في كيانات منفصلة عن روسيا- عاد من جديد للظهور بعد سقوط العهد القيصري، وانتصار الثورة البلشفية في أكتوبر 1917 م.

اتَّخذت الأحزاب المسلمة من جديد في مؤتمري "قازان" عام 1917 م توجهات فكرية مختلفة أساسًا لحركتها، واختلفوا من جديد في شتى التوجُّهات، وإن كان اتفاقهم على فكرة الوحدة السياسية والثقافية لجميع الشعوب الإسلامية في روسيا، ورفض الإلحاد، مع التمسُّك بالإسلام كأساس للمجتمع.

وكان لحركة البشكير وحكوماتهم المستقلة التي شكَّلوها في "أورينبودج" (خلال ديسمبر 1917م)، ومرة أخرى في "أوفا" (خلال سبتمبر 1918م)، دورها في تحديد اتجاه الدولة إلى التعاون مع البلاشفة؛ ولكن سرعان ما دَبَّ الخلاف بين الفريقين؛ حيث كان البشكيريون يسعون لانتزاع أقصى قدر ممكن من التحرُّر السياسي والثقافي، بينما كان البلاشفة يسعون إلى بلشفة بشكيريا، وكان هذا يعني إثارة الصراع الطبقي، وتدمير المجتمع التقليدي المسلم بالعنف، وهنا أدرك الزعيم البشكيري "زكي وليدي طوقان" ورفاقه أن التعاون مع الرُّوس من أي لون صفقة خاسرة أبدًا، فهرب إلى آسيا الوسطى ليلتحق هو ورفاقه بحركة "البسمتشية"[3] المسلحة ضد الشيوعيين.

وُئِدَتْ كل محاولات البشكير الاستقلالية، وتم إبادة جميع حركات المقاومة؛ حيث كانت حملات "ستالين" حملات إبادة رهيبة اقترنت بالدعاية الواسعة والبطش المنظَّم مع مختلف الحيل والمؤامرات البوليسية.

كان أول تصنيف لرعايا الإمبراطورية الروسية هو الذي قام به الأمير "ميخائيل شير باتوف" سنة 1776 م، وقد صَنَّف المسلمين تحت عبارة "البشكيريون وجميع الشعوب البربرية الأخرى الذين يدينون بالمحمدية"، هذه النظرة المتحيزة ضد مسلمي بشكيريا، إذا أُضيف إليها المحاولات المستمرة لقهر الشعوب على تغيير هويتها ودينها، فإننا نستطيع أن نفهم من خلالها مصدر الصراعات المتصلة والمقاومة العنيفة من جانب شعب بشكيريا المسلم ضد العنف والسيطرة الروسيين[4].

اللغة البشكيرية:

استخدمت القبائل البشكيرية في العصور القديمة الكتابة التركية القديمة، وبعد تمكُّن استيطان الإسلام في القرن العاشر، بدأ البشكير في استخدام الخط العربي على أساس هذه الكتابة، وتم تشكيل ما يُسمَّى اللغة التركية المحلية "أورال فولغا تركس" وقد كتبت من القرن الثالث عشر إلى بداية القرن العشرين.

وبدايةً من منتصف القرن التاسع عشر بدأ تكوين لغة بشكيرية وطنية؛ حيث تمَّت الموافقة في عام 1923 م على الأبجدية القائمة على الأحرف العربية، وفي عام 1929 م ظهرت الأبجدية البشكيرية على أساس الأبجدية اللاتينية، وفي عام 1940 تم إدخال الأبجدية القائمة على "الأبجدية السيريلية" لتتكوَّن الأبجدية الحديثة للغة البشكيرية من 42 حرفًا بالإضافة إلى 33 حرفًا شائعًا مع اللغة الروسية مع وجود 9 أحرف أخرى للإشارة إلى الأصوات الخاصة باللغة البشكيرية.

ونجد أنه بعد اعتماد الإسلام من قبل البشكير تأثَّرت لغتهم بشكل كبير بلغات أخرى مثل العربية والفارسية؛ مما أدَّى إلى تغيير في البنية المعجمية والصوتية للغة البشكيرية في القرن العشرين فيما يتعلق بتوسيع ثنائية اللغة البشكيرية- الروسية؛ حيث حدثت تغييرات جديدة في صوتيات اللغة، ودخلت مفردات جديدة من العربية لتزيد اللغة البشكيرية ثراءً وتنوُّعًا.

 

[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ112.

[2] الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز، محمد يوسف عدس، إصدارات مركز دراسات الجامعة الإسلامية العالمية بكوالالمبور- ماليزيا، 2017 م، صـ61.

[3] حركة مسلحة من مسلمي منطقة آسيا الوسطى قامت ضد البلشفيين الروس، بدأت من عام 1918 م لتستمر حتى عام 1928 م، وما زالت مستمرة في بعض المناطق حتى سنة 1936 م، وكانت حركة البسمتشية ثورة شعبية حقيقية اجتذبت عناصرها من أوساط شعبية وطبقات فقيرة من أهل القرى والمدن، تلاحمت فيها قوميات مختلفة من الأوزبك والبشكير والقرغيز والتركمان، واسم "البسمتشية" تعني في اللغة الأوزبكية "قُطَّاع طُرُق" وهو اسم أطلقه الروس على حركة المقاومة الإسلامية في فرغانة.

[4] الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز، محمد يوسف عدس، صـ90.