كيف دخل الإسلام سيبيريا؟ (1)مقالات


• تشمل سيبيريا كامل منطقة آسيا الشمالية، وتمتد من جبال الأورال غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا.

• تعتبر سيبيريا وطن التتار الأصلي، وهي موطن الأقوام التورانية؛ حيث كانت تدار على شكل إمارات عبارة عن "خانيات" لفترات من الزمن.

• عرف أهل سيبيريا الإسلام عن طريق قوافل التجارة التي كانت تأتي من مدن (بُخاری وخيوه وطشقند وأوركانجه)، وبهذا الشكل كان أتراك آسيا الوسطى المسلمون يتاجرون مع أهل سيبيريا وينشرون الدعوة بينهم.

• دخل أهل سيبيريا في الإسلام في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، وكانت هناك خانيات مسلمة أقامت حضارات مسلمة على مساحات واسعة من أرض سيبيريا.

• يعود الفضل الأكبر لانتشار الإسلام في سيبيريا إلى حركة الأمير "كوتشيم خان" لنشر الإسلام بين القبائل المجاورة في أصقاع سيبيريا، وتوسيع أملاكه، ومحاولة تأسيس إمبراطورية إسلامية في تلك المنطقة.

• أكَّد المؤرخون على دور خانية "بُخارى" و"خيوه" في نشر الإسلام في منطقة سيبيريا، حتى إنه كانت توجد عائلات كثيرة تُعرَف بلقب "بُخاري" بولايتي "توبولسك" و"تومسك".

• تم وَأْد إمارة "كوتشيم خان" على أيدي الروس، وهزموه، ودخلوا عاصمته عام 1598 م.

•  المحور الآخر الذي انتشر به الإسلام في مناطق سيبيريا الشاسعة، هو المحور الغربي القادم من "قازان" عاصمة جمهورية "تتاريا"، فلقد قدم التُّجَّار منها إلى سيبيريا، وظل المحور نشطًا حتى بعد سقوط دولة "کوتشيم خان".

• المحور الثالث الذي انتشر به الإسلام في المنطقة كان عن طريق المنفيين من جانب روسيا أيام القياصرة والشيوعيين إلى أصقاع سيبيريا؛ حيث مارس هؤلاء المسلمون الدعوةَ بين القبائل، ونجحت دعوتهم نجاحًا كبيرًا حتى إن هناك قبائل كاملة في سيبيريا تعتنق الإسلام.

•  صاغت القبائل المسلمة بسيبيريا قواعد الإسلام في أناشيد شعبية يتغنَّون بها، وبهذه الأناشيد استطاعت قواعد الدين أن تصل إلى قلوب الشعب في سهولة ويُسْر.

 

نبذة عامة عن سيبيريا:

تُعَدُّ "سيبيريا" منطقة جغرافية شاسعة الاتساع، لا يُعرَف لها حدود معلومة؛ فهي تشمل كامل منطقة آسيا الشمالية، وتمتد من جبال الأورال غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا.

مساحتها نحو 13.1 مليون كيلومتر مربع (5.1 مليون ميل مربع)، يقطنها نحو خُمْس تعداد سكان روسيا، ومع ذلك فهي ذات كثافة سكانية منخفضة، تعد "نوفوسيبيرسك" و"أومسك" أكبر مدينتين في المنطقة.

تشتهر سيبيريا عالميًّا بشتائها الطويل والقاسي، فيبلغ متوسط درجة الحرارة في شهر يناير -25 درجة سيليزيوس (-13 درجة فهرنهايت).

وتشمل معظم المستجمعات المائية من المحيط المتجمد الشمالي، ويقسم نهر "ينسي" منطقة سيبيريا إلى قسمين: غربي، وشرقي، حيث تمتد سيبيريا من جنوب المحيط المتجمد الشمالي إلى تلال شمال منتصف "كازاخستان" والأجزاء الشمالية من "منغوليا" و"الصين"، ويُعَدُّ الجزء الأوسط من سيبيريا (المنطقتان الاقتصاديتان الغربية والشرقية من سيبيريا) قلب منطقة سيبيريا في أيام الاتحاد السوفيتي. يشمل القسم الغربي من سيبيريا، خارج حدود الجزء الأوسط، بعض أراضي منطقة الأورال، في حين يُطلَق اسم الشرق الأقصى الروسي، تاريخيًّا، على المنطقة الواقعة في أقصى شرق روسيا.

تعتبر سيبيريا وطن التتار الأصلي، وهي موطن الأقوام التورانية، حيث كانت تدار على شكل إمارات عبارة عن "خانيات" لفترات من الزمن.

أما عن مقرِّ حكوماتهم المتعاقبة فقد كانت بلدة "إيسكر" أو "إسكي سيبير"؛ أي: "سيبيريا القديمة" الواقعة عند التقاء "نهر إرتش" و"نهر توبول"، و"إيسكر" اليوم عبارة عن خرائب، وقد كانت موقعًا خاصًّا على هضبة عالية تبعد اثني عشر كيلو مترًا تقريبًا عن مدينة "توبولسك" حاليًّا[1].

بداية الإسلام في سيبيريا:

• كانت تقطن سيبيريا وتتنقَّل في أرجائها الواسعة قبائلُ تختلف وسائل حياتها بين منطقة وأخرى؛ ولكنها ترجع جميعًا إلى الجنس المغولي.

• وكانت وسيلة اتصالهم بالعالم الخارجي هي قوافل التجارة التي تأتي من مدن (بُخاری وخيوه وأوركانجه) - تقع الآن ببلاد ما وراء النهر في أوزبكستان وكازاخستان - وحتى من بلاد العجم إلى منطقة سيبيريا قبل الاستيلاء الروسي، وبهذا الشكل كان أتراك آسيا الوسطى المسلمون يسيطرون على مواقع التجارة في سيبيريا لفترة طويلة، وكانوا يمارسون البيع والشراء على نطاق واسع تحت حماية خانات سيبيريا.

• وقد جذب انتباهَ خانات سيبيريا الصدقُ والأمانةُ في التعامل اللذان شُوهِدا على هؤلاء التجَّار المسلمين، فدخلوا في الإسلام وذلك في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، وقد حاول الدُّعاة نشر الإسلام بين تلك القبائل التي كانت تعيش في سيبيريا، وأمام قسوة الظروف المناخية في سيبيريا استشهد بعض هؤلاء الدُّعاة التجار، وقد كشف المؤرخون عن مقابر سبعة من هؤلاء التجار الروَّاد في الدعوة الإسلامية بسيبيريا، وأسمائهم[2].

وقد انضوت سيبيريا تحت راية الحكم الإسلامي عندما استطاع "كوتشيم خان" - أحد أمراء "القبيلة الذهبية" التي أسَّسَها "باتو بن جوجي بن جنكيز خان"، والتي دخلت الإسلام في عهد السلطان "برکة خان" (1256- 1267 م) - أن يتولى أمرها.

• وقد استطاع "كوتشيم خان" أن ينشر الإسلام في أصقاع سيبيريا، وطلبَ الدعاة المسلمين من بُخاری وسمرقند وخوارزم، فجاؤوه يُلبُّون داعي الحق وينشرون راية الإسلام، فقد وفد على "توبولسك" داعيان أحدهما من العلماء الأجِلَّاء هو "دين على خواجه"، الذي تعرف سلالته في سيبيريا وتوجد شجرة عائلته فيها، والداعية الآخر عُرِفَ باسم "شيخ"، واشتهر به في سيبيريا حتى إن قُرًى كانت في سيبيريا تُعرَف باسم "شيخلر" نسبةً إليه، وقد وفدا بأمر من "عبد الله خان" المعروف بلقب "بدرخان" في "بُخارى"؛ لتعليم أهل سيبيريا الدين الإسلامي، بناءً على دعوة "كوتشيم خان" سنة 1068 هـ[3].

• وقد أكَّد المؤرخون دور خانية "بُخارى" و"خيوه" في نشر الإسلام في منطقة سيبيريا، حتى إنه كانت توجد عائلات كثيرة تُعرَف بلقب "بُخاري" بولايتي "توبولسك" و"تومسك".

• وعندما استولى الروس على جزء من سيبيريا سنة 1582 م، أرسلوا كثيرًا من المسلمين منفيين من ولايتي "الأورال" و"أورنبورج" - من داخل روسيا - إليها، وجاء كثير من العلماء أيضًا بمحض إرادتهم، وبهذه الصورة كثُر عدد المسلمين هناك، عن طريق الدعوة والمصاهرة؛ بل واستوطن كثيرٌ من هؤلاء المنفيين سيبيريا، وجلبوا عائلاتهم ورفضوا الرجوع إلى روسيا بعد نهاية مدة عقوبتهم والعفو عنهم.

• المحور الآخر الذي انتشر به الإسلام في مناطق سيبيريا الشاسعة، هو المحور الغربي القادم من "قازان" عاصمة جمهورية "تتاريا"، فلقد قدم التجار منها إلى سيبيريا، وظل المحور نشطًا حتى بعد سقوط دولة "کوتشيم خان"، ورغم احتلال روسيا القيصرية للمنطقة فقد ظلت الدعوة الإسلامية في تقدُّم بين سكان سيبيريا فيما بين نهري "إرتش" و"أوب"، وقد صاغت القبائل المسلمة بسيبيريا قواعدَ الإسلام في أناشيد شعبية يتغنَّون بها، وبهذه الأناشيد استطاعت قواعد الدين أن تصل إلى قلوب الشعب في سهولة ويسر[4].

 

[1] العالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين (مسلمو تركستان وسيبيريا ومنغوليا ومنشوريا)، عبد الرشيد إبراهيم، ترجمة أحمد فؤاد متولي، منشورات المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة، 1998 م، صـ121.

[2] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393هـ، صـ288.

[3] العالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين (مسلمو تركستان وسيبيريا ومنغوليا ومنشوريا)، عبد الرشيد إبراهيم، صـ122.

[4] انتشار الإسلام حول بحر قزوين، د. حامد غنيم أبو سعيد، دار الثقافة- القاهرة، 1974 م، صـ284.