كيف دخل الإسلام داغستان؟ (1)مقالات


• تُعَدُّ "داغستان" بلدًا جبليًّا يقع على الأجزاء الشرقية من جبال القفقاس التي تطل على ساحل بحر قزوين الغربي، ويعني اسمها "بلاد الجبال".

• بدأت فتوحات المسلمين في منطقة القوقاز في عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" سنة 20 هـ، واستقرَّ الإسلام بها منذ سنة 22 هـ.

• كانت حاضرة داغستان الكبرى "دربند" أو "باب الأبواب" من أهم المدن بمنطقة القوقاز؛ حيث كانت تشرف على الممر السهلي الذي يعتبر بابًا بين قارتي آسيا وأوروبا.

• تُعَدُّ قومية "القوموق" في بلاد الداغستان أوَّلَ مَنْ قَبِلَ الإسلام، وبذلوا الكثير في سبيل نشره.

• مع الاحتلال الروسي لداغستان، قاوم المسلمون لقرون محاولات التغيير الديموغرافي لطبيعة السكان المسلمين بالمنطقة، وبرز منهم قادة مجاهدون كان لهم تأثيرٌ كبيرٌ في منطقة القوقاز بأكملها.

• من أبرز القادة المجاهدين في داغستان: الملا غازي والإمام شامل والإمام نجم الدين الحزي.

• رغم ما عانته داغستان من علمانية وإلحاد طيلة حكم السوفيت، فما زال الداغستانيون يعتزُّون بعقيدتهم الإسلامية، ويأملون في عودة الأجيال الجديدة للتمسُّك بالإسلام من جديد.

 

نبذة عامة عن داغستان:

تُعَدُّ "داغستان" بلدًا جبليًّا يقع على الأجزاء الشرقية من جبال القفقاس التي تطل على ساحل بحر قزوين الغربي، ويعني اسمها: "بلاد الجبال"؛ حيث تشكل الجبال ثلاثة أرباع مساحة "داغستان"، وتنحدر أنهارُها من "جبال القفقاس"، وأبرزها نهر "ترك" ونهر "صولاق"، والقسم الشرقي من "داغستان" سهل ضيِّق يُشرِف على "بحر قزوين"، ويزداد اتِّساعًا نحو الشمال[1].

وكانت "داغستان" قبل الإسلام جزءًا من بلاد القوقاز[2] التي كانت تخضع في مجملها لنفوذ ثلاث دول إبان الفتح الإسلامي؛ ففي جنوب الإقليم كان نفوذ الدولة الساسانية الفارسية، وفي شماله دولة الخزر[3]، وتسيطر دولة الروم البيزنطية على جزء من شمال غرب الإقليم[4].

كيف وصل الإسلام داغستان؟

بدأت فتوحات المسلمين في منطقة القوقاز في عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" عام 20 هـ، والذي كان يهدف لكَسْر شوكة الروم، وتأديب البيزنطيين حتى لا يحاولوا دخولَ بلاد الشام ثانيةً، وكان على حاضرة داغستان الكبرى: "دربند" أو "باب الأبواب" الملك الفارسي "شهر براز" ملك أرمينية، والذي اصطدم به الصحابي "سراقة بن عمرو" بعد فتحه "أذربيجان"، ومواصلة سيره باتجاه "باب الأبواب" حيث كانت المواجهة بين المسلمين وبين "دولة الخزر"[5].

وذكر الحافظ "ابن كثير" أن "سراقة" بعث كلًّا من "بُكير بن عبد الله الليثي" و"حبيب بن مسلمة" و"حذيفة بن أسيد" و"سليمان بن ربيعة" إلى أهل تلك الجبال المحيطة بأرمينية، وقد دخل "بكير" "مُوقان"، أما "مرزبان[6] دربند": "شهر براز" فقد صالحَه سراقة، وأمَّنه، وكتب له صلحًا[7]، وقيل: إنه وضع عنه الجزية مقابل القتال إلى جوار المسلمين لأعدائهم المشتركين، وبِذلك افتُتحت مدينة "باب الأبواب" صُلحًا، وكان ذلك سنة 22هـ المُوافقة لسنة 642م.

ثم دخل في الإسلام جميع بلاد "شروان" وجزء من "الداغستان"، وتُعَدُّ قومية "القوموق" في بلاد الداغستان أوَّلَ مَن قَبِل الإسلامَ، وبذلوا الكثير في سبيل نشره، وقد أُسِّسَت في بلادهم "إمارة طارقي" الشامية (وتُسَمَّى اليوم بنزوفسك)، ثم امتدَّ الإسلام إلى غرب القوقاز، ثم إلى نهر كوبا الأعلى، وكان أُمراء الأرمن قد دخلوا في الإسلام، وتَبِعَهم الشعب؛ ولكنهم عادوا فارتدُّوا عندما ضعفت الحكومة الإسلامية هناك[8].

داغستان في العهد الأموي:

نتيجة ثورات "الخزر" بداية حكم الأمويين ونقضهم العهد فقد نشط حُكَّام بني أمية ثانيةً لإقرار الإسلام بالمنطقة، وقام "الوليد بن عبد الملك" بإرسال قائده "ثبيت النهراني" عام 104 هـ لدخول بلاد "الخزر" عن طريق أرمينية؛ لكنه هُزِمَ نتيجة تكالُب "الخزر" والقفجاق والترك على جيشه، فأرسل الوليد قائده المحنك "الجراح بن عبد الله الحكمي" الذي دخل مدينة "باب الأبواب" بغير قتالٍ، وصالح التُّرْكَ على ما يؤدونه، وكان من أعظم الولاة أثرًا في تلك البلاد، ودخل الناس في الإسلام أفواجًا في عهد ولايته[9].

وقد استقر الحكم الإسلامي في داغستان بنهايات عهد الأمويين، ففي عام 114 هـ/ 731 م انتصر "هشام بن محمد" على "الخزر" وصالحهم، ودانت له البلاد، وتولَّی "مروان بن محمد" أمرَ القفقاس سنة 117هـ/734م فعمل على توطيد حُكْمِه بتعزيز فتوحاته، وبناء الاستحكامات، وتوطين المسلمين بتلك المناطق؛ فقد نقل سبعة آلاف من عرب الشام والجزيرة والموصل إلى ضواحي مدينة "دربند"، ويذكر أن "مسلمة بن عبد الملك" والي "منطقة الرحاب"[10] هو الذي أسكن 24 ألفًا من عرب الشام مدينة "باب الأبواب" أو "دربند"[11].

داغستان في العصر العباسي:

واستمر الاهتمام خلال حكم العباسيين بتوطيد الأمن في "إقليم الرحاب"؛ حيث نجد في عهد الخليفة "أبي جعفر المنصور" توليته منطقةَ الحدود القائدَ "يزيد بن أسيد السلمي"، ويحفظ التاريخ لهذا القائد صفحات مجيدة في الجهاد ضد أعداء الإسلام في منطقة الثغور الشمالية؛ حيث مدَّ رقعة الإسلام نحو الشمال في "بلاد الران"، وطبق سياسة استيطان المسلمين بهذه المناطق[12].

وقد ازدهرت داغستان وخاصة بعد زيارة الخليفة "هارون الرشيد" وزوجته السيدة "زبيدة" مدينة "باب الأبواب" عام 173هـ/739م؛ حيث أمر الخليفة العباسي واليها "خزيمة بن حازم" بشق قناة بين "روباس" و"دربند" بهدف تنشيط الزراعة[13].

وفي القرن الثالث الهجري عام 241 هـ أرسل الخليفة "المتوكل" القائد العباسي "بغا الكبير" لاستعادة سيطرة العباسيين على المنطقة[14].

ومع ضعف الدولة العباسية واضطراب أحوال الولايات نجد بعض الولاة يحاولون الاستقلال بحكم داغستان ومن ذلك استقلال "هيثم بن خالد الشيباني" بولاية شروان عام 247هـ/861م، كما استقل "هاشم بن سراقة السلمي" بولاية "دربند" عام 255هـ/868م[15].

داغستان في عهد السلاجقة:

ثم تعرضت داغستان لغزو قبائل السلجوق بقيادة "قراتكين" الذي تمكَّن من بسط سلطان السلجوقيين على بلاد القفقاس عام 459هـ/1066م.

وكان الحُكَّامُ الجُدُد من المسلمين؛ لهذا أتى الحكم الجديد بالمزيد من الجماعات الإسلامية التي تنتمي إلى أصول تركية فزادَتْ نسبة المسلمين زيادةً عظيمةً، وقد تعرضت داغستان وقتها لهجوم من أسر محلية نصرانية عندما اشتدت الحروب الصليبية، واتجه المسلمون لمحاربة الصليبيين والنصارى المحليين حتى جاء الغزو المغولي[16].

المغول والعثمانيون والصفويون:

ثم غزتها قوات المغول ضمن بلاد القوقاز على يد "جنكيز خان" عام 618 هـ، واحتلت القفقاس بعد حروب شديدة وقتل وخراب؛ ولكن بدخول المغول في الإسلام على يد الملك "بركة خان" الذي تولى الحكم عام 654 هـ بذل الداغستانيون مع المغول جهودًا عظيمة في نشر الإسلام، خاصة في عهد مغول القبيلة الذهبية[17].

وعندما قسَّمَ جنكيز خان مملكته الشاسعة، وقع شمال القفقاس ضمن حدود دولة "ألتون أورده"، أما القسم الجنوبي فكان من نصيب دولة "الإيلخانيين" في إيران، وقد استمر النزاع بين هاتين الدولتين على بلاد القفقاس فترةً من الزمن.

وفي سنة 986 هـ - 1578 م استولى عليها الأتراك العثمانيون؛ ولكن لم تطل بها مدتُهم؛ إذ تكوَّنت بعض الإمارات المستقلة جنوب داغستان كان يتولى حكمها أمراء محليُّون مسلمون؛ لكن سرعان ما بدأت الأطماع الصفوية في "منطقة القوقاز" وفي "داغستان".

وكانت الدولة العثمانية والدولة الصفوية تتنافسان النفوذ على مناطق القوقاز، فبينما خضعت "أذربيجان" للدولة الصفوية، نرى المناطق الواقعة على البحر الأسود تخضع للدولة العثمانية بحكم قربها منها، أما المناطق الأخرى فكانت تارةً تخضع للدولة الصفوية الإيرانية وتارةً تخضع للدولة العثمانية، وخضع أمراء الداغستان (الشامكال وأمير تابازاران) للخلافة العثمانية فترة، ثم انحازوا إلى سلطان الدولة الصفوية في أيام "الشاه عباس" الذي وسَّع رقعة دولته الصفوية بحيث شملت إيران وخراسان وأفغانستان وأذربيجان کما شمل نفوذه کرجستان وداغستان.

وعندما مات "الشاه عباس" وضعف أمر الدولة الصفوية بعث أمراء الداغستان إلى الخليفة العثماني يُعلِمونه أنهم من رعاياه، وكانت الخلافة العثمانية مشغولةً بحروبها الكثيرة في وسط أوروبا وقتذاك؛ عندئذٍ اهتبل بطرس (الملقب بالعظيم وقيصر روسيا) الفرصةَ وهجم على الداغستان وسائر سواحل الخزر الغربية وذلك في عام 1135 هـ (۱۷۲۲ م).

 

[1] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393هـ، صـ351.

[2] القوقاز هي المنطقة الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود بشمال آسيا.

[3] "الخزر": جنس حكم الأراضي الواسعة من القرن السابع إلى القرن الحادي عشر جوار بحر قزوين من بحيرة وان والبحر الأسود إلى كييف، ومن بحر آرال إلى المجر، وكلمة الخزر اشتُقت من (قاز) التي تعني الذي يتجوَّل حُرًّا ولا يرتبط بأي مكان، ووَفْقًا لإفادة بعض المصادر، فإن تاريخ ظهور "الخزر" على الساحة التاريخية كان في نهايات القرن الثاني الميلادي، وفي عام 198 م قام الخزر بمهاجمة أرمينيا مع البرسيلين، وقد حاربوا مع الساسانيين من بداية القرن الثالث إلى أواسط القرن الرابع ضد البيزنطيين، ومن النصف الثاني من القرن الرابع اتَّبَع "الخزر" سياسة الاستيلاء على أراضي الساسانيين وجيرانهم، وفي هذه المرة تفاهم "الخزر" مع البيزنطيين، وبدءوا في محاربة أعدائهم معًا.

[4] أطلس تاريخ الإسلام، د. حسين مؤنس، دار الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة، 1407 هـ - 1987م، صـ 47، و132.

[5] الدعوة الإسلامية في شمال شرق القوقاز في الفترة من 1412 إلى1420 دراسة وصفية تقويمية للدعوة في جمهوريات الداغستان والشيشان والأنغوش، وليد بن إبراهيم العنجري، رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1422 هـ - 2001 م،  صـ49.

[6] كانت تطلق كلمة مرزبان Marzpān على المسؤولين عن المقاطعات الحدودية للإمبراطورية البارثية (247 ق.م - 224 م) ومعظم مقاطعات الإمبراطورية الساسانية (224-651 م) في إيران.

[7] البداية والنهاية، الحافظ ابن كثير، دار هجر- مصر، تحقيق: د. عبد الله التركي، 1418 هـ - 1998م، 10/ 155-156.

[8] مستقبل الإسلام في القوقاز وبلاد ما وراء النهر، مصطفى محمد الطحان، المركز العالمي للكتاب الإسلامي، 1995 م، صـ19.

[9] الدعوة الإسلامية في شمال شرق القوقاز، وليد بن إبراهيم العنجري، صـ53.

[10] بلاد الرحاب هي المنطقة التي تُعتبَر امتدادًا نحو الشمال لإقليم الجبال والعراق وديار ربيعة؛ حيث يوجد إقليم أذربيجان إلى الشرق وإقليم أرمينيا إلى الغرب، وإقليم بلاد الران إلى الشمال من أذربيجان، ويتصل في الوقت نفسه بالشاطئ الغربي لبحر قزوين، والمنطقة ككُلٍّ تجاور من الغرب بلاد الروم البيزنطيين قديمًا وقسم من حدود الجزيرة الفراتية، وتحدُّها من الشرق بلاد الديلم فإقليم جيلان ثم موقان وأخيرًا بحر قزوين، أما من الجنوب إقليم الجبال والعراق وبعض حدود الجزيرة الفراتية، وفي الشمال توجد بلاد الكرج - جورجيا قديمًا - وبلاد اللان وجبال القبق.

[11] بلاد الداغستان، محمد بن ناصر العبودي، مطابع الفرزدق التجارية- الرياض، 1413 هـ، صـ16.

[12] انتشار الإسلام حول بحر قزوين، د. حامد غنيم أبو سعيد، دار الثقافة بالقاهرة، 1394 هـ، 240-245.

 [13]بلاد الداغستان، محمد بن ناصر العبودي، صـ16.

[14] الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، المجلد الرابع عشر، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1419 هـ، 1999م، صـ290.

[15] بلاد الداغستان، محمد بن ناصر العبودي، صـ16، 17.

[16] الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، 14/ 290.

[17] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ152.