آثار حضارة الإسلام في قيرغيزستان (1)مقالات


• يمثل المسلمون الأغلبية في عدد السكان في قيرغيزستان، وتبلغ نسبة المسلمين 90% من السكان.

• بعد أن كان أيام القبضة الشيوعية على البلاد لا يكاد يوجد سوى مسجد واحد في العاصمة "بشكك"، يوجد الآن أكثر من ألف مسجد بالبلاد.

• أطلق المسلمون على "قيرغيزستان" قديمًا اسم "وادي فَرْغانة"، وكان محطة تجارية هامَّة على طريق الحرير القديم.

• لما قُسم وادي فرغانة على الجمهوريات الثلاث (أوزبكستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان) - بعد الاستقلال - نشبت المشكلات بسبب تداخل القوميات، فأصبح كثيرٌ من الأوزبك داخلَ قيرغيزستان .

•  خرج من فَرْغانة جماعة كثيرة من أهل العلم والأدب؛ منهم: الأديب أحمد بن محمد بن القاسم الأخْسِيكَثي، والفلكي أحمد بن كثير الفَرْغاني، والقاضي حسن بن منصور الأوزجندي الفَرْغاني، والمؤرخ أبو منصور أحمد بن عبد الله الفَرْغاني.

• ممن ظهر في مدينة "أوش" من العلماء: عمران بن موسى الأوشي، ومسعود بن منصور الأوشي.

• كانت المؤسسات الدينية ترتبط في السابق بنشاط سكان قيرغيزستان الأوزبك أكثر منه للقيرغيز، لكن تنامت الصحوة الإسلامية للدعاة القيرغيز مؤخرًا.

 

المسلمون في قيرغيزستان:

يمثل المسلمون الأغلبية في عدد سكان قيرغيزستان، حيث يبلغ عدد سكان قيرغيزستان في آخر تعداد رسمي لها عام 2020 م: 6.5 ملايين نسمة، وتبلغ نسبة المسلمين 90% من السكان، و7%  من السكان مسيحيون (أغلبهم من الروس والأوكرانيين)، والبقية الباقية من أهل الديانات الأخرى.

ويعتنق الإسلامَ طيفٌ واسعٌ من سكان البلد في المناطق الحضرية والريفية، ونلاحظ ارتباطًا واضحًا بين العرق والدين في قيرغيزستان: فالمسلمون القيرغيز يمثلون (73.5% من السكان)، والأوزبكيون (14.7%)، والدونغان (مسلمون صينيّو الأصل) (1.1%)، والأويغور (مسلمون تركيّو الأصل من أهل تركستان الشرقية)، وغيرهم الـ5.2% الباقية.

وبعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق، خطت قيرغيزستان خطوات ملموسة في الصحوة الإسلامية؛ حيث تحاول استعادة الماضي الإسلامي للمنطقة، فبعد أن كان - أيام القبضة الشيوعية على البلاد - لا يكاد يوجد سوى مسجد واحد في العاصمة "بشكك"[1]، فإنه - حسب معلومات الهيئة الحكومية للشؤون الدينية بقيرغيزستان – أصبح هناك 1,650 مسجدًا في البلد في مايو 2007م، منها 1,623 مسجدًا مسجَّلًا. وفيه أيضًا سبعة معاهد للتعليم الإسلامي العالي.. وما زال العدد في ازدياد لاستيعاب الكثافة السكانية العالية من المسلمين في بعض المدن.

وتوجد في "قيرغيزستان" بعض المعالم الأثرية الإسلامية التي نجت من تدمير الروس، مثل "مئذنة بورانا" أو "برج بورانا"، حيث تشكل المِئذنة وبعض شواهد القبور بالإضافة إلى بقايا قلعة وثلاثة أضرحة كل ما تبقى من مدينة "بالاساغون" القديمة، التي كانت قاعدة خانات تركستان في غضون القرن الرابع والخامس الهجري.

واحتفظت مدن "قيرغيزستان" ببعض المساجد الأثرية مثل مسجد "رباط عبد الله جان" في مدينة "أوش" التي تعتبر مركز الثقل في جزء فرغانة الذي يقع في إقليم قيرغيزستان، ومسجد "دونغان حاجي إبراهيم" الذي بني عام 1907 م من قِبَل دونغانيين (مسلمي الصين)، ويتميز المسجد بأنه بُني من الخشب من دون استخدام المسامير والمواد الحديدية في تشييد أركانه.

فَرغانة في المصادر العربية:

أطلق المسلمون على "قيرغيزستان" قديمًا اسم "وادي فَرغانة"، ويتسع الوادي ليشمل مناطق من ثلاث دول؛ هي: (شرق أوزبكستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان) وإن كان الجزء الأكبر منه في دولة "قيرغيزستان"، وكان هذا الوادي منطقةَ جذبٍ تِجاري ودَعويّ طيلة العهد الإسلامي؛ حيث قام العديد من التجار بنشر الإسلام في منطقة "فرغانة"، فقد كثرت تجارتهم بالإقليم؛ وذلك بسبب مرور طريق القوافل والذي عرف بـ"طريق الحرير" بوادي فرغانة[2].

ونجد أن هذا الطريق كان يمر من إقليم تراخان حتى إقليم القيرغيز، وإلى حوض نهر ينسي الأعلى[3]، وقد أفاض الجغرافيون في وصف هذا الطريق البري، والإشارة إليه، وتتحدث المصادر عن دور أحد التجار الذي قَدِم من المشرق، وظل في ذلك الوادي قرابة 12 عامًا يدعو القبائل والقوافل التجارية إلى الإسلام، وهو "إسحاق ولي" الذي مات في ديار الأتراك الشرقيين.

وينبع نهر سيحون (حاليًّا: نهر سرداريا) من جبال قيرغيزيا في وسطها، ثم يتجه غربًا ليصل إلى إقليم فرغانة، الذي أُلحِقَ الجزء الغربي منه في جمهورية "أوزبكستان"؛ ولذا فإن ما يعنيه الجغرافيون بمدينة خوقند: (خجندة) التي تقع في "أوزبكستان"، أما عاصمة "فرغانة" وقصبتها الكبرى "أخسِيكث" فيصفها "ابن حوقل" بأنها تمتد لأكثر من ثلاثة فراسخ (أي: تسعة أميال).. ببساتينها، وبيَّنَ بأنه "ليس بما وراء النهر أكثر قرى من ‌فرغانة، وربّما بلغ حدّ القرية مرحلة؛ لكثرة أهلها وانتشار مواشيهم ومراعيهم"[4].

بينما ذكر "المقدسي"[5] أن البساتين تمتد خارج المدينة مسافة فرسخين (6 أميال)، وفي الجانب المقابل من النهر (أي: نهر سيحون) مروج ومزارع كثيرة تليها رمال ممتدة بمقدار مرحلة، وتقع "أخسِيكث" على نهر سيحون (سرداريا)، وكما يقول "الإصطخري"[6] فإن عموده يخرج من حد أوزكند، ثم يجتمع إليه نهر خوشاب ونهر أوش وغير ذلك، ويمتد إلى أخسِيكث (العاصمة) ثم إلى خجندة (خوقند بأوزبكستان) ثم على بنكث (طشقند)... وهذا مما يجعلنا نثق بأن عاصمة فرغانة "أخسِيكث" تقع اليوم في قيرغيزيا.

ويصف "ياقوت الحموي" إقليم فَرْغانة - الذي يقع الجزء الأعظم منه في قيرغيزستان - فيقول: (فرغانة مدينة وكورة واسعة وراء النهر متاخمة لبلاد تُرْكستان (الشرقية)، كثيرة الخيرات، واسعة الرستاق، يقال: كان بها أربعون منبرًا (أي: أربعون مسجدًا جامعًا.. وكان لكل مدينة مسجد جامع) بينها وبين سمرقند خمسون فرسخًا.. وبفرغانة في الجبال الممتدة بين الترك وبينها الأعناب والجوز والتفاح وسائر الفواكه والورد والبنفسج وأنواع الرياحين، مباحٌ ذلك كله لا مالك له ولا مانع يمنع الآخذ.. وكذلك في جبالها وجبال كثيرة مما وراء النهر من الفستق المباح ما ليس ببلد غيره"[7].

وقال "الحميري" واصفًا عاصمتها "أَخْسِيكَث" الآنفة الذكر: "وهي على شط نهر الشاش، على أرض مستوية، بينها وبين الجبل نحو نصف فرسخ، وهي على شمال النهر... ومصلى العيد على النهر، وبفَرْغانة معادن الذهب والفضة بناحية أخْسِيكَث، ولها مدن كثيرة…"[8].

وهو ما يدلل على ثراء هذا الأقليم، وخصوبة أراضيه، والكثافة السكانية التي كانت بمقاطعات الإقليم ومدنه.

وبعد الثورة الشيوعية شهدت المنطقة حربًا طويلة شنتها مجموعة من المجاهدين ضد الروس، ورغم أن الحركة قُمعت فإن السكان ظلوا متمسكين بالدين.

ولما قُسم وادي فَرْغانة على الجمهوريات الثلاث نشبت المشكلات بسبب تداخل القوميات، فأصبح كثير من الأوزبك داخل قيرغيزستان[9].

 

[1] حديث قيرغيزستان، دراسة ومشاهدات ميدانية، محمد بن ناصر العبودي، دار خضر للطباعة والنشر، 1418 هـ- 1998م، صـ33.

[2] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجُدة، 1393هـ، صـ312.

[3] الإسلام في آسيا الوسطى.. بين الفتحين العربي والتركي، د. حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973 م، صـ175.

[4] صورة الأرض، لابن حوقل، دار صادر، أفست ليدن، بيروت، 1938 م، (2/ 513).

[5] أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي البشاري، دار صادر، بيروت، أفست ليدن (ص271).

[6] "المسالك والممالك" للإصطخري أو "مسالك الممالك"، طبعة ليدن، دار صادر، بيروت، 2004 م، صـ 335.

[7] معجم البُلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، ط2، 1995 م، (4/ 253).

[8] الروض المعطار في خبر الأقطار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى، مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج، ط2، 1980 م، صـ440.

[9] الموسوعة التاريخية الجغرافية، مسعود الخوند، نشر بيروت، 2003 م، 15/70.