أثر الإسلام في بروناي دار السلام (1)مقالات


• اهتم سلاطين بروناي المسلمون بإقامة المساجد، وإعمارها بحلقات العلم، وكان من بين سلاطينها علماء زاهدون دعاة للإسلام مثل الشريف علي بن عجلان.

• يمكن التأريخ لأول وثيقة بالحرف العربي في سلطنة بروناي بأواخر القرن العاشر الميلادي.

• تأثرت اللغة الملايوية المحلية باللغة العربية، واقترضت منها ما بين (1300) كلمة إلى (2000) كلمة.

• المسلمون في بروناي دار السلام يتمسكون بعقيدة أهل السنة والجماعة على المذهب الشافعي، وجميع مناسباتهم الاجتماعية تُراعى فيها عادات الإسلام وتقاليده.

• يعتمد الاقتصاد البروناوي بشكل رئيسي على النفط الخام ومنتجاته والغاز الطبيعي الذي اكتُشف في عام 1929 م، وهو يمثل 92 % من الدخل الوطني للبلاد.

 

ثقافة الملايو:

تغلب على "بروناي دار السلام" ثقافة الملايو[1]، وهي بذلك تعكس أصل السكان العرقي، وقد تأثرت هذه الثقافة بالإسلام منذ القرن الأول الهجري تقريبًا، بقدوم التجار العرب المسلمين بتلك الجزر، في طريقهم إلى الصين، وممارستهم البيعَ والشراءَ مع أهل تلك الجزر، ومن ثمَّ دخولهم في الإسلام عن طريق الدعوة والإقناع[2].

ويعتبر الدين الإسلامي الدينَ الرسميَّ لهذه السلطنة، وتصل نسبة المسلمين فيها إلى 78% من إجمالي السكان، ويتكوَّن معظم مجتمع بروناي من القبيلة الملايوية المسلمة، وهناك ديانات أخرى في هذا البلد، وهي: البوذية (7% وبصورة رئيسية من قبل الصينيين)، والنصرانية (8٪)، وملحدون (7% معظمهم من الصينيين، ومعظمهم يمارسون أيضًا بعض أشكال الدين مع عناصر من البوذية والكونفوشيوسية والطاوية، إلا أنهم يفضلون تقديم أنفسهم على أنهم بلا دين، ومن ثَمَّ يعتبرون ملحدين في التعدادات الرسمية)، ويشكل أتباع الأديان الأصلية حوالي 2% من السكان.

ويزيد عدد سكان سلطنة بروناي على 428.697 ألف نسمة، ويتكون المجتمع السكاني في السلطنة من: الملايو، والصينيين، والسكان الأصليين، وجنسيات أخرى.

 

إنشاء المساجد:

انتشرت المساجد في سلطنة "بروناي" بانتشار الإسلام، وكانت المساجد ودُور العبادات أروقةً معروفةً لتعليم الدين الإسلامي واللغة العربية. وكان التعليم على شكل "نظام الحلقات" في المساجد ودُور العبادات وبيوت المشايخ (المعروف بنظام فوندوق)، (Pondok)، والتي تعني: بيت صغير، وهي في اللغة العربية تماثل كلمة (الكوخ)[3]؛ لأن الدارسين في هذا النظام عادةً يبنون أكواخًا لأنفسهم حول المسجد أو المصلى، ويسكنون في هذه الأكواخ مدة تعلمهم فيها، و"نظام الحلقات" هو أول نظام تعليمي عرَفَه المسلمون في أرخبيل الملايو منذ مجيء الإسلام.

وقد بدأ بناء المساجد على أيدي سلاطنة "بروناي" منذ القرن الرابع عشر الميلادي، فقد بنى "الشريف علي بن عجلان" أول مسجد في مدينة "كوتا باتو"؛ لإقامة صلاة الجمعة وأداء صلاة الجماعة[4].

وقد ترسخ الإسلام في "بروناي" في القرن السادس عشر، وبنت "بروناي" أكبر مساجدها عام  1578 م، حيث زاره المسافر الإسباني "ألونسو بلتران"، ووصفه بأنه مكون من خمسة طوابق، ومبني على الماء، والأرجح أن الطوابق الخمسة رمزت إلى أركان الإسلام الخمسة، وفي يونيو من العام ذاته قامت "إسبانيا" بتدمير المسجد في الحملة الإسبانية إلى بورنيو، والمعروفة محليًّا باسم "حرب قشتالية" (بالمالاوية: Perang Kastila).

ويعد عهد جلالة السلطان "الحاج عمر علي سيف الدين"[5] - السلطان الثامن والعشرين لبروناي دار السلام - بداية التأسيس الحقيقي لدولة سلطنة بروناي؛ لذا لُقب بمهندس بروناي العصرية؛ لما أحدثه من نقلة نوعيّة غيَّرت حياة المجتمع البروناوي في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية، فوضع جلالة السلطان سنة 1953 م خطة إعمار على مدار خمس سنوات بتكلفة مائة مليون دولار، شملت تطوير البنية التحتية للسلطنة بتوفير خدمات الكهرباء والمياه وشبكة اتصالات هاتفية ورصف الطرق الرئيسية وبناء مطار سلطنة بروناي وعددًا من المدارس، ومسجد "عمر سيف الدين" - أهم معالم العاصمة - كما لم يتوانَ السلطان عن تسخير كل الإمكانيات للنهوض بالدعوة وتعزيز الإسلام في نفوس أبناء السلطنة[6].

 

اللغة العربية ومكانتها في بروناي:

تطوَّرت مكانة اللغة العربية - مؤخرًا - واتسعت مساحتها في سلطنة بروناي مع انتشار المدارس العربية وتضاعُف المدارس الدينية وإقامة المعاهد الإسلامية العليا التي تطوَّرت إلى ثلاث جامعات[7] خرَّجت مئات المتخصصين في اللغة العربية والعلوم الشرعية، وتضاعَف أعداد الذين يتعلمونها رسميًّا في المدارس والمعاهد والجامعات.

ويمكن التأريخ لأول وثيقة بالحرف العربي في سلطنة بروناي بأواخر القرن العاشر الميلادي، فتروي السجلات الصينية أنه في عهد أسرة سونج الحاكمة "Dinasti Sung" (960 - 1279 م) أرسل ملك بروناي وكان اسمه "هيانج - تا" "Hiang Ta" في عام 977 م ثلاثة رُسُل (سُفراء) يحملون أسماء عربية هم: "أبو علي"، و"شيخ نوح"، و"قاضي قاسم" إلى الصين ليقدِّموا هدايا ملك بروناي حينها إلى ملك الصين ردًّا على هديته، وكان معهم خطاب مكتوب بالأبجدية العربية[8].

وتُشير بعض المصادر إلى أن معرفة قبائل بروناي باللغة العربية تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وهناك العديد من شواهد القبور التي تعود إلى عام 1418 - 1419 م، وقد حفر عليها أسماء أصحابها وتاريخ وفاتهم باللفظ العربي، منها مقبرة في منطقة "رانجاس" Rangas في قلب عاصمة سلطنة بروناي حفر عليها اسم صاحبها بالأبجدية العربية[9].

 ومما يُؤكد قدم استعمال اللغة العربية في سلطنة بروناي بعض النقود الأثرية التي عُثِر عليها في بعض أعمال الحفر وأودعت في متحف سلطنة بروناي، ومكتوب عليها باللفظ العربي "السلطان العادل"، وترجع إلى عهد السلطان محمد حسن (1605 - 1620 م).

ومن الوثائق التاريخية للكتابات العربية في سلطنة بروناي المحفوظة في متحف "مركز الدعوة الإسلامية" نسخ قديمة من خطب الجمعة في عصر السلطان على سيف الدين الثاني (عام 1829 - 1852 م) والسلطان عبد المهيمن (عام 1852 - 1885 م) كُتبت نصوصها باللغة العربية بخط يدوي رائع؛ مما يدل على استعمال اللغة العربية في بروناي قبل ذلك في نطاق أوسع، وقد علَّق كاتبُها على معانيها باللغة الملايوية؛ ليسهل على مَنْ يريد الاستفادة منها من غير مُتقني العربية فَهْمُها.

 


[1] "الملايو" أمة أصلية في شبه جزيرة ملايو وشرق سومطرة في إندونيسيا وبورنيو الساحلية، بالإضافة إلى الجزر الأصغر التي تقع بين هذه المواقع، وهي مناطق تُعرف عمومًا باسم "عالم ملايو". تُعتبر هذه المواقع اليوم جزءًا من دول: ماليزيا (دولة ملايو القومية) وبروناي وسنغافورة وإندونيسيا وجنوب تايلاند.

[2] منهج اللغة العربية في كلية اللغة العربية والحضارة الإسلامية بجامعة السلطان "الشريف علي" الإسلامية، سلطنة بروناي دار السلام، دراسة وصفية تحليلية، حاج حنبلي بن حاج جايلي، بحث مقدم لنيل درجة التخصص "الماجستير" في العلوم الإنسانية من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية - ماليزيا، صـ 134،133.

[3] تأثير الثقافة الإسلامية العربية في التكامل اللغوي للثقافة الملايوية، د. حاج محمد سمان، ود. عبد المحسن القيسي، مجلة الضاد، تصدر من قسم اللغة العربية ولغات الشرق الأوسط بكلية اللغة واللسانيات، جامعة مالايا، كوالالمبور بماليزيا، عدد جمادى الأولى 1433 هـ، إبريل 2012 م.

[4] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، 1439 هـ، صـ27.

[5] دور المسجد في مجتمع بروناي دار السلام، عليزان بن حاج رملي، معهد السلطان حاج عمر علي سيف الدين للدراسات الإسلامية، جامعة بروناي دار السلام، 2000 م، صـ29، 30.

[6] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، 1439 هـ، صـ95.

[7] جامعة بروناي دار السلام (UBD)، وجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية (UNISSA)، وجامعة سري بكاوان للتربية الدينية (KUPBSB).

[8] المراكز الإسلامية ودورها في الدعوة إلى الله في بروناي دار السلام بعد الاستقلال، الحاجة سيتي نورليانه بنت سلامن، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين، جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية ببروناي، 1432 هـ- 2011 م، صـ15، 16.

[9] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، صـ31، 32.