الإسلام ومواجهة تحديات العصرمقالات

عبد الوهاب بوحديبة

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

الإسلام ومواجهة تحديات العصر[1]

 

"الإسلام في عالم اليوم"، وهو آخر مجلد من أعمال اليونسكو الكبرى حول الجوانب المختلفة للثقافة الإسلامية، و"الإسلام الذي يتصدى لقسوة الحاضر المتفجرة"، على حد تعبير عبد الوهاب بوحديبة، وهو محرر مشارك للمجلد السادس، ومؤلف المقدمة، ويغطي هذا المجلد التاريخ الحديث، ويشرح تجاربه ويحدد دروسه، ولكنه يقدم أيضًا تقييمًا حديثًا للمزايا الثقافية، والاقتصادية، والاستراتيجية التي يمكن للمسلمين الاستفادة منها في دخول الألفية الثالثة بقوة.

فالتاريخ الحديث لشعوب الإسلام صُنع كما هو الحال دائمًا من النجاح، والفشل، والعنف، والتمزق، والطاقة التي تُنفَق بحكمة، أو ضائعة في الفوضى التي تلت ذلك، من مرحلة الاستعمار، وإنهاء الاستعمار، والتدمير، وإعادة الهيكلة، والتغيير، إنه في نهاية المطاف جدل اجتماعي تاريخي مثمر للغاية، ومع ذلك فقد أدت دورات الانفعال والتقدم هذه إلى ظهور العنف الإجرامي غير المجدي على المدى الطويل، إذ إن أولئك الذين سلكوا الآن طريق الإرهاب مخطئون في أهدافهم ووسائلهم، وبعيدون عن ضمان اندماج الإسلام في الأسرة البشرية العالمية، فهذا المسار يجعله منبوذًا بين الأمم، ولا يمكن للعنف إلا أن يخطئ أهدافه، فهو ليس حلًا، ويعتبر قبل كل شيء اعترافًا يائسًا بالفشل.

والمجلد السادس من الجوانب المختلفة للثقافة الإسلامية مكرس لهذا الإسلام في العمل، فالإسلام الذي يتصدى لقسوة الحاضر المتفجرة، مع العبء الثقيل على الذات، والغموض المريب للآخر الذي ما فتئ يشق طريقه بنشاط نحو الحداثة لمئات السنين بعد عدة عقود من النهضة تهدف الآن أكثر من أي وقت مضى إلى وضع حد لمكانتها المستمرة، وتتهيأ لاستعادة زمام المبادرة التاريخية، ولكن هل يمتلك المسلمون الوسائل للقيام بذلك؟ هم بالتأكيد لا يفتقرون إلى العزيمة، ولكنه سيتطلب منهم المزيد من الوقت والجهد لبلوغ مآربهم.

 

التعلق بالمفارقات التاريخية عالق في الزمن

لفهم الإسلام اليوم نحتاج إلى إعادة تشكيل تاريخه الحديث، وتصور التطورات المحتملة مع مزيج من التأثيرات الداخلية والخارجية، ولقد وُضِعَت الوحدة الإسلامية تحت عناوين ومبررات مختلفة باعتبارها حصنًا ومصدرًا للهوية، وإنه الحلم الذي لم يتحقق، بيد أنه لم يفارق المسلمين، ولقد شهد القرن العشرين الذي كان استمرارًا أيديولوجيًا للقرن السابق مواجهة قاسية لديالكتيك ولادة الأمم المؤلمة والمجهضة في كثير من الأحيان، ثم اصطدمت بعد مؤتمر باكو (الذي عقدته الأممية الشيوعية في أذربيجان عام 1920) القومية والشيوعية بطريقة رهيبة لكن معقمة في الشرق الأوسط، وإندونيسيا، وآسيا الوسطى، وبدت كل هذه الحركات وكأنها نابعة من نفس الجهد، وهذا بلا شك نفس البحث النهم عن الذات، فالهوية هي سراب تم تصورها وترسيخها على خلفية الحنين إلى الماضي، أو المستقبل الأسطوري والمزين في كثير من الأحيان.

من الواضح أنه يجب أن يواجه الإسلام تحديات العصر سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن المشاكل التي تواجهها المجتمعات جديدة دائمًا، والتعلق بالمفارقات التاريخية عالق في الزمن، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تحليل مزدوج: المشاكل الفعلية للبنية والشروط، والأصول المادية والبشرية المطلوبة لمواجهتها، ولا سيما عدم نسيان أنه كل يوم هناك مواقف جديدة، وقرارات جديدة يتعين اتخاذها، وعلى الرغم من أهمية القيم الاقتصادية، والأخلاقية، والثقافية للإسلام، إلا أنها ليست ملاذات آمنة، ولا يمكننا الدفاع عنها دون فهم معانيها الأعمق.

فالإسلام الذي يضم الآن أكثر من مليار ونصف مسلم أصبح معولماً، إنه موجود الآن في كل ركن من أركان الكوكب، وهذا ما يجبره على أن يصبح جدليًا، وأن يعيش مع الآخرين، ويتفاعل معهم، ومن الضروري أن تتعلم كيف تعيش في أقلية بعيدًا عن الوطن، فالأقليات، والمهاجرون غالبًا ما يكونون منبوذين حتى عندما يتمكنون من التأقلم، والحصول على مكان بارز لأنفسهم في البلد المضيف، والمعلومات المتعلقة بالأقليات المسلمة التي تم جمعها هنا قيمة، وتحتاج إلى إعادة تحليل من أجل فتح آفاق جديدة للإسلام في القارات الخمس سواء أكانوا مغتربين أم لا، فإن المسلمين من جميع الطبقات والفئات يطمحون إلى الرفاهية كما لم يحدث من قبل، فهم يسعون إلى الاستهلاك لا الفقر، والوظائف لا البطالة، والحرية لا القهر، والعدالة لا الإقصاء، وهو نطاق هائل يشمل: الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان، والترفيه، وأماكن العبادة، وهذه المطالب كلها في ظل موارد شحيحة في الطبيعة والكمية، وفي الوقت الحاضر قد يكون الوصول إلى التعليم على جميع المستويات من مرحلة ما قبل المدرسة إلى الدراسات العليا قبل كل شيء أكبر مشروع إسلامي، إذ يجب أن يتم تعليم الجماهير، والمهنيين، وتطوير أفضل المهارات، وبالتالي تركز السياسات على الجودة والكمية.

 

إسلام التعاون

من المؤكد أن المعلومات الواردة في المجلد السادس ستتغير بطريقة لا يمكن معرفتها والتكهن بها، وعلى أي حال فإنها تشكل أساسًا جيدًا للمناقشة، وتثير العديد من الأسئلة، ولا تقدم أكثر من إجابات مؤقتة مع محاولة جرد الإمكانات المادية والمعنوية لشعوب الإسلام، ويمكن أن يكون اتجاه مساراتهم مؤقتًا، ويحتاج إلى مزيد من التحديد، وتتطلب إدارة هذه الإنجازات والتحديات المستقبلية قدرًا كبيرًا من الاستعداد من جانب كل من العلماء وصناع القرار، ويمكن للحوار مع الذات ومع الآخرين أن يساعد في تحقيق هذا التراث، فالإسلام اليوم بالضرورة إسلام تعاون، وطابعه العالمي هو فرصة ومهمة في نفس الوقت.

 

[1]  الترجمة نقل دقيق لمحتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://en.unesco.org/news/islam-must-meet-challenges-day

0 شخص قام بالإعجاب