• تبين من الدلائل والمصادر التي عرضت أن الإسلام قد دخل إندونيسيا لأول مرة في القرن الأول الهجري، أي فيما بين القرنين السابع والثامن الميلاديين، ومن بلاد العرب مباشرة. • أن أول منطقة دخلها الإسلام هي السواحل الغربية لشمالي "سومطرة"، وبعد أن تمكن الإسلام فيها، قامت المملكة الإسلامية الأولى في "أتشيه" .Aceh • أن بعض الدعاة الأولين كانوا من التجار، وأن الدعوة الإسلامية كانت بغير قتال، كما أن الإندونيسيين أنفسهم أسهموا بعد ذلك في عملية نشر الإسلام. |
قوة الإقناع وحدها:
يعد انتشار الإسلام في الشرق الأقصى ظاهرة واضحة المعالم بينة الدليل على ما في الإسلام من قيم أخلاقية ومثل سامية ومبادئ دعوية تحمل من يدركها على الإيمان بالإسلام واعتناقه، فقد انتشر الإسلام في منطقة جنوب شرق آسيا بالطرق بغير قتال، وتوغل هناك بين أهل تلك المنطقة حتى أن تمسُّك المسلمين في تلك البلدان بالإسلام بصدق وإخلاص، ووقوفهم في وجه جميع المؤامرات الاستعمارية والصليبية التي حاولت وأد مظاهر الإسلام في أبناء آسيا بكل سبيل - بعد ذلك - لأمر جدير بالدراسة والمطالعة[1].
ولعل قول المستشرق "توماس أرنولد": "نفذت الدعوة بقوة الإقناع وحدها"[2] عن انتشار الإسلام في تلك البلدان يلخص تاريخ الدعوة الإسلامية في تلك المنطقة، فقد انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا عن طريق الصلات التجارية، ووصول التجار والدعاة المسلمون من جنوب الهند إلى أرخبيل الملايو في وقت مبكر منذ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي[3].
أندونيسيا.. أرخبيل واسع:
تقع أندونيسيا في الجنوب الشرقي من قارة آسيا، وهي عبارة عن مجموعة من الجزر تنتشر على مساحة واسعة تزيد عن 12 مليون كيلو متر مربع بين بر وبحر، وأي مجموعة متقاربة ومتجاورة من الجزر يطلق عليها اسم "أرخبيل"، وأكبر أرخبيل في العالم هو الأرخبيل الإندونيسي، ويشمل هذا الأرخبيل من الجزر أربع مجموعات رئيسة:
1- المجموعة الغربية: وتشمل سومطرة وجاوة وبورنيو وما حولها من جزر صغيرة.
2- الجزر الصغرى: أشهرها بالي ولومبوك وسومباوا وتمتد من شرق جاوة نحو أستراليا.
3- الجزر الشرقية: وتشمل جزر سيلبيس ومولوك التي تمتد حتى الفلبين.
4- جزيرة غينيا الجديدة: الجزء الغربي منها فقط بيد أندونيسيا، ويعرف باسم إيريان الغربية.
وقد أُطِلقَ على هذه الجزر أسماء عديدة، منها: جزائر الهند، وجزائر الملايو، وسماها الهولنديون المستعمرون جزائر الهند الشرقية، أما المسلمون فقد كانوا يعطون اسم جزيرة "جاوة" لكل تلك الجزر؛ حيث تضم أكثر السكان، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر حملت تلك الجزر اسم أندونيسيا، وهذا الاسم نفسه يدل على معنى جزائر الهند[4].
كيف دخل الإسلام أندونيسيا؟
نظرًا لموقع أندونيسيا التجاري ولخصوبة أرضها، فقد بدأت التجارة بينها وبين الدول القريبة منها، وانطلقت السفن الهندية ترسو في موانئها تحمل منها وإليها البضائع المختلفة للسكان المحليين، وذلك بأسلوب المقايضة، وقد نزل بها التجار العرب للتجارة قبل دخول الإسلام، ومن الصعب أن نحدد الزمن الذي وصل الإسلام فيه إلى تلك الجزر، إلا أن حدوثه على الأرجح كان في القرن الأول الهجري / السابع الميلادي، فالوثائق المكتوبة باللغة الصينية تؤكد أن الإسلام دخل الى المنطقة في هذا الوقت، وتشير إلى وصول عرب مسلمين إلى جزيرتي سومطرة وجاوة، فكانت هذه أول مناطق دخلها الإسلام، ثم انتشر إلى سائر أجزاء منطقة أندونيسيا وماليزيا والفلبين[5].
فكان دخول الإسلام على أيدي هؤلاء التجار منذ القرن الأول للهجرة، وذلك بفضل الصلات القائمة القديمة والقوية بين الطرفين، فللحضارمة مثلًا فضل نشر الإسلام في تلك الجزر المتعددة في المنطقة، وأهمها جزيرتا سومطرة، وجاوة[6].
وقد أنشا العرب والمسلمون مراكز عدة على سواحل سومطرة الغربي في بادئ الأمر، ثم أخذ الإسلام بعد ذلك يتوغل دون عقبة أو صعوبة، وذلك بفضل الصداقة والمعاملة الحسنة والمصاهرة والمعايشة الحياتية الطويلة التي كثيرًا ما كانت تنتهي بالاستقرار[7]، وفي كل هذا كان التجار العرب والمسلمون يستثمرون كل فرصة مواتية لنشر الإسلام وتعاليمه في المنطقة. ولهم الأيادي البيض في إنشاء وتطوير المراكز الحضرية والعمرانية كإقامة المساجد وسط الأحراش لتكون قريبة من المناطق النائية ليتعلم فيها الناس مبادئ الدين الإسلامي وممارسات العبادة[8].
وقد شهدت المرحلة اللاحقة انتشارًا متزايدًا للإسلام مما أدى إلى ظهور أولى الممالك الإسلامية هناك[9]، ففي سنة 225 هـ / 840 م، ظهرت أول مملكة إسلامية في جنوب شرق آسيا وهي مملكة "برلاق"[10] Perlak الإسلامية بـ"أتشيه"، سومطرة، والتي تعد أقدم الممالك الإسلامية بالمنطقة[11]، وكان ملكها الأول "السلطان علاء الدين عبد العزيز شاه"[12].
وكان ذلك في الوقت الذي بدأت تتلاشى فيه أعظم إمبراطورية هندوكية قائمة هناك، ألا وهي الإمبراطورية الملاوية "ماجا باهيت" Majaphit، ثم بعد ذلك تتابع قيام كثير من الممالك الإسلامية في المنطقة التي كان لها دور كبير في نشر الإسلام, وكان من أهمها مملكة "باساي"، ودولة "ملقا"[13].
فالأخبار تذكر أن ملك "ملقا": "إسكندر شاه" ( 828 هـ/ 1424 م) أراد أن يتزوج أميرة مسلمة من بنات سلطان المملكة الإسلامية "باساي" (597-8 53 هـ/ 1200-1449 م) ولكن الأميرة رفضت أن تتزوج رجلًا غير مسلم حسب الشرع الإسلامي، مما دفعه إلى محاولة التعرف على الإسلام ودراسته، وسرعان ما آمن به وأعلن اعتناقه له، وبالتدريج أصبحت مملكة "ملقا" مركز إشعاع لنشر الإسلام في المنطقة، ثم قامت بعدها عدة ممالك إسلامية ملاوية سارت على نهجها بعد سقوطها[14].
[1] المسلمون في الشرق الأقصى، د. محمد محمد زيتون، دار الوفاء للطباعة، 1985 م، صـ 3.
[2] الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، سير توماس.و. أرنولد، مكتبة النهضة العربية، 1971 م، صـ 401.
[3] أطلس انتشار الإسلام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر، 2011 م، صـ 167.
[4]أندونيسيا، محمود شاكر السوري، مؤسسة الرسالة، 1979 م، صـ12، 13.
[5] الدعوة إلى الإسلام، سير توماس.و. أرنولد، صـ 404.
[6] الإسلام ظهوره وانتشاره في العالم، حامد عبد القادر، القاهرة، ط2، 1964 م، صـ 267.
[7] أثر الاسلام على النهضة الفكرية في جنوب شرق آسيا في العصور الإسلامية المتأخرة، غنية ياسر كباشي القيسي، رسالة ماجستير بجامعة بغداد، 2003 م، صـ 56.
[8] الإسلام الفاتح، حسين مؤنس، مطبعة الزهراء، 1987 م، صـ 34.
[9] الإسلام في إندونيسيا، محمد فريد معروف (داعية إندونيسي) (القاهرة: مجلة الهداية الإسلامية، مج 5، ج 10. ربيع الأول 1352هـ، ص 538.
[10] سميت عاصمة مدينة (برلاق) باندار خليفة (Bandar Khalifah) أي مدينة خليفة؛ وذلك تخليدًا للربان العربي المسلم الذي قاد بعثة الدعوة إلى المنطقة بتوجيه من قبل أحد الخلفاء. انظر: إندونيسيا اجتاحها الإسلام بلا سيف، قلم التحرير (بيروت، مجلة الفكر الإسلامي، السنة 12، العدد 6، ربيع الأول 1403 هـ / كانون الثاني 1983 م)، صـ46.
[11] وقفات مع تاريخ دخول الإسلام إلى إندونيسيا، د. أسر لوبس، مجلة الحكمة، المجلد الثالث، عدد 1، يناير- يونيو، 2016، صـ17-33.
[12] يقال أن انتشار الإسلام كان بغير قتال ومثاله ما حدث في مدينة برلاق الساحلية من مجيء قافلة الدعاة من البلاد العربية وقد قيل إن عددهم وصل مائة داعية، وما أن بشروا الملك الشاهر ناوي (Syahir Nawi) بالدين الإسلامي حتى انشرح صدره للإسلام وحسن إسلامه وتبعته الرعية ثم إن هذا الملك زوج ابنته من أحد هؤلاء الدعاة العرب وقد رزق بولد سمي عبد العزيز وكتب له أن يتقلد عرش هذه المملكة فيما بعد ولقب بالسلطان علاء الدين (Sultan Alauddin) وكان ذلك عام 225 هـ / 840 م. انظر: عادل محي الدين الألوسي، تجارة العراق لبحرية مع اندونيسيا حتى أواخر القرن السابع الهجري - أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، بغداد - 1984 م، ص 158.
[13] أندونيسيا الثائرة، المركز العام لجمعيات استقلال اندونيسيا، ط 1، القاهرة، ص 33.
[14] تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ج 1، محمود شاكر السوري، الرياض، 1984 م، ص 33.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.