حضارة الإسلام في إندونيسيا (2)مقالات


نساء داعيات:

ولم يقتصر دور الدعوة على الرجال فقط، بل اتسع ليشمل النساء، فقد برز عدد من الأميرات والسلطانات اللواتي وصلن إلى الحكم، وعملن على نشر الإسلام، مثل "السلطانة خديجة" بنت السلطان جلال الدين، و"السلطانة صفية الدين تاج العالم" التي حكمت - بعد وفاة زوجها الاسكندر الثاني - مملكة آتشيه في سومطرة، و"عنايت شاة"، و"السلطانة كمالت شاة"[1].

إنشاء المدارس الدينية:

ظهرت المدارس الدينية مع بدايات دخول الإسلام للمنطقة حيث شكلت تلك المعاهد الدينية واحدة من أبرز نشاطات العلماء والدعاة الناشرين الأوائل للإسلام، ويمكن تقسيم المدارس الدينية الأولى التي ظهرت في المنطقة إلى ثلاثة أنواع:-

أولًا - منازل العلماء.

ثانيًا - المساجد.

ثالثًا - المدارس التي كانت تسمى بسنترين أو سوراو أو الفندق[2].

فمن القبيل الأول: كان منزل الداعية مولانا إبراهيم في مدينة "جرسيك" الذي سبق ذكره، مستقرًا للداخلين الجدد في الإسلام والراغبين في تعلم القرآن، وفي مدينة" أمفل" Ampel في جاوة الشرقية كان منزل العالم "رادين رحمت" مدرسة، وكذا الحال في مدينة "ديماك" Demak حيث كان يقيم مولانا "فاتي يونس".

أما المساجد: فقد كانت بسيطة منتشرة؛ فلا تخلو قرية من مسجد، وكانت تبنى من الخشب وتفرش بالحصر، وفي مدخل المسجد حوض ماء للوضوء، ومن أقدمها مسجد ديماك في جزيرة جاوة الوسطى أسس عام (832 هـ/ 1428 م)، وقد كثُرَ إنشاء المساجد الجامعة التي كانت تتخذ مراكِزَ لتعليم العربية والدين، ومنها:

1- مسجد فنجكالن راما في جزيرة ملقا.

2- مسجد تانه بمدينة ملقا عاصمة ولاية ملقا.

3- مسجد السلطان زين العابدين في ولاية ترنجانو[3].

 

أما المدارس: فقد راجت حركة بناء هذه المدارس وانتشرت انتشارًا واسعًا وخصوصًا في الأرياف البعيدة عن المدن والحواضر، لذا لم يكن من الغريب أن توجد ما بين مدرسة واحدة إلى ثلاث في القرية الواحدة، وكان يطلق عليها إما تسمية بسنترين (Pesantrens) أو بوردواند (Pordoand).

ويرى أ.د. "محمود يونس" أن "البسنترين" كمنهج ونظام ظهر قبل الاستعمار الهولندي حيث يقول في ذلك: "إن المعاهد الإسلامية (البسنترين) قد انتشرت في البلاد قبل وجود الاستعمار الهولندي بإندونيسيا، وبالرغم من بساطة المناهج التي استخدمها علماء الإسلام في ذلك، فقد أدى البسنترين دورًا بالغ الأهمية في ترسيخ تعاليم الإسلام في نفوس المسلمين"[4].

والدراسة فيها تنقسم على قسمين، الأول نظام الحلقات العلمية، أما النظام الثاني فهو يشبه الدراسة الحديثة على مراحل دراسية تشمل الآتي:

1- المرحلة الأولى أو ما تسمى أيضًا في بعض المناطق ببسنترين الابتدائي، ومدة الدراسة فيها ست سنوات.

2- المرحلة الثانية أو بسنترين متوسط، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات.

3- المرحلة الثالثة أو مرحلة التخصص أو الدراسة العالية، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات[5].

مناهج التعليم:

أما طبيعة المناهج الدراسية المقدمة في المدارس الدينية فكانت وثيقة الصلة بالعلوم الشرعية، التي تدرس في سائر المساجد والمدارس الكبرى في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبغداد والقاهرة، أو مساجد ومدارس الأندلس وغيرها من المساجد والمدارس في سائر المراكز العربية والإسلامية[6].

الأدب والثقافة العامة:

جاهد الدعاة والعلماء لأجل تغيير الأدب المحلي ذي التأثّيرات الهندوكية القديمة إلى صورة الأدب الإسلامي الجديد، وبالفعل نجحوا في تحويل مجرى الحكايات الهندوكية ومقاصدها، إلى الاتجاه الإسلامي بإدخال العناصر الإيمانية الإسلامية في أدب وثقافة المنطقة، وقد نبذوا الخرافات الهندوسية التي تتعارض مع مبادئ الإسلام وعقيدة التوحيد.

وهناك بعض الحكايات الهندوكية الشهيرة التي حصل تغير في موضوعاتها ومواصفاتها ومغزاها الهندوكي إلى صورتها الإسلامية الجديدة، فمن ذلك:-

1- حكاية ماراكرما التي غُير اسمها الهندوكي (Hikayat Marakarma) إلى اسمها الإسلامي الجديد وهو حكاية المسكين (Hikayat Miskin).

2- حكاية سرنجابايا التي غُير اسمها الهندوكي (Hikayat Serangga Baya) إلى اسمها الإسلامي الجديد وهو حكاية أحمد محمد (Hikayat Ahmad Mohammad).

3- حكاية اندراجايا التي غُير اسمها الهندوكي (Hikayat Indera Jaya) إلى اسمها الإسلامي الجديد وهو حكاية شاهي (Hikayat Syahi Mardan)[7].

فالأعمال الأدبية التي تمثل الموضوعات ذات الطابع والفكر الإسلامي اقتبسها أدباء المنطقة لتعزيز ورقي الروح الإسلامية والشعور الديني لدى القارئ، فحكاية كنجامارا مثلًا تحمل رسالة إسلامية، وكنجامار هو بطل الرواية، وكان يعد داعية إسلامية نجح في إدخال عدة ممالك هندوسية في الإسلام.

وكذلك نشطت حركة الترجمة، والتأليف باللغة العربية، والتأثر بكتب الأدب الشهيرة، وتداولها شعبيًا بين أبناء المنطقة باللغات المحلية، كقصة الأمير حمزة، وكتاب كليلة ودمنة، وكتاب ألف ليلة وليلة[8].

حضارة الإسلام الغالبة في أندونيسيا:

ورغم تكالب حركات الاستعمار من برتغاليين وإنجليز وهولنديين ويابانيين على الأمة الإسلامية بأندونيسيا، ومحاولتها تشويه الإسلام وطمس آثاره في الأرخبيل الأندونيسي، فإن أندونيسيا ما زالت تتمسك بمظاهر حضارتها الإسلامية بشكل مثير للتأمل!

يقول Snouck Hurgronje الذي أمضى سبعة عشر سنة في إندونيسيا مستشارًا لحكومة هولندا:

"وفي كل المدارس الأوروبية نجد كثيرًا من المسلمين قد درسوا العلوم الأوروبية بفروعها، ولكن مجرى عقولهم لايزال إسلاميًا، وقد كان بين يدي طلاب مسلمين وعندما أتناول البحوث التي يكتبونها، أرى فيها مظاهر الفكر الاسلامي في شكل يختلف كل الاختلاف عما يكتبه طلبتي الآخرون، بل كنت أعرف الطالب المسلم من بحوثه"[9].

 

• ساهم المسلمون في أندونيسيا في نشاط حركة التجارة عالميًا، وأنشأ المسلمون محطات تجارية هامة في ملقا وجاوة وسومطرة وآتشيه.

• كان من أهم مظاهر الحياة الفكرية للشعب الأندونيسي بعد دخول الإسلام: إنشاء المعاهد الدينية ومحو الأمية بين الناس.

• تأثر الأدب الأندونيسي بالإسلام، وأصبح يكتب بالعربية، وصارت اللغات المحلية تكتب بالحروف العربية، وحلت الهوية الإسلامية محل الهندوكية في القصص والملاحم.

 


[1] الحياة الاجتماعية في مجتمعات جنوب شرق آسيا من خلال كتب الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين، وجدان كاظم حسن الظالمي، رسالة ماجستير بجامعة بغداد، 2000 م، صـ 73. (ولا يخفى أن تولي النساء - ولو كن صالحات - إمارة الناس مما تنكره الشريعة وتأباه.)

[2] اللغة العربية في ماليزيا بعد الاستقلال، عبد الرزاق الندوي، رسالة ماجستير، جامعة الاسكندرية، 1992 م، صـ 64.

[3] هكذا دخل الاسلام 36 دولة، أحمد حامد، دار مكتبة الهلال، بيروت، صـ 109.

[4] محمود يونس، تاريخ التربية الإسلامية بإندونيسيا، موتيارا - جاكرتا، 1979 م، صـ5.

[5] انتشار اللغة العربية في أندونيسيا، عبد الخالق ماسيدين الأندونيسي، بغداد - 1969م، صـ 5 وما بعدها وصـ 115.

[6] أثر الاسلام على النهضة الفكرية في جنوب شرق آسيا في العصور الإسلامية المتأخرة، غنية ياسر كباشي القيسي، رسالة ماجستير بجامعة بغداد، 2003 م، صـ 138.

[7] اللغة العربية في ماليزيا بعد الاستقلال، عبد الرزاق الندوي، صـ 283.

[8] تاريخ أندونيسيا الأدبي والتحريري والإسلامي، فؤاد محمد فخر الدين، الدار القومية للطباعة والنشر، 1965 م، صـ 64

[9]  العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي، أنور الجندي، دار الكتاب اللبناني، طـ2، 1983م، صـ 320.