دولة الإباضية في عُمانمقالات

موقع الدرر السنية

المصدر: موقع الدرر السنية.

 

دخل المذهب الإباضي إلى عمان مبكراً، واستقر هناك وتكون له أتباع وأخذوا في الازدياد مع مرور الزمن إلى أن أصبح كما يقول لوريمر: "يتمتع بنفوذ واسع أو على الأقل له من النفوذ مثل ما لغيره" ، "وسرعان ما تبنى أهل عمان مبادئ المذهب الإباضي، ويقال إنه بمطلع القرن 13م لم تصبح هذه المبادئ مسيطرة فقط ولكنها أصبحت لها صفة عامة تقريباً".

 وهكذا انتشر المذهب الإباضي في تلك البقاع النائية من الجزيرة العربية ذات المسالك الوعرة التي ساعدتهم في استقلالهم الذي طالما كانوا ينزعون إليه في عهد الدولتين الأموية والعباسية، متأثرين بنظريتهم الخاصة تجاه الخلافة الوراثية في دمشق أو بغداد وهو ما لا يتفق وآراؤهم الاعتقادية.

أما عن الكيفية التي دخل بها المذهب إلى هناك فمن المعروف أن معركة النهروان قد أتت على قسم كبير منهم ونجا منها من كتبت له النجاة، وبعدها فر من بقي منهم إلى مناطق بعيدة عن مركز الخلافة وأخذوا في نشر مبادئ الخوارج بين القبائل التي آوتهم يغمرهم الحقد الدفين على ما ناله إخوانهم من قتل على يد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأتباعه، ومن هنا يذهب لوريمر إلى القول بأن الذي أنشأ المذهب في عمان هو رجل من الخوارج الذين نجوا من تلك المعركة.

 "ويقال إن مبادئ الإباضية أدخلها إلى عمان أحد الخوارج الذين نجوا من الهلاك الذي حل بجماعتهم كحزب سياسي على يد علي بن أبي طالب في معركة النهروان، وهذا يؤكد أن مذهب الإباضية يرجع في أصله إلى الخوارج"

بينما يرى السالمي أن انتشار المذهب الإباضي في عمان كان على يدي عبد الله بن إباضي ويقول في ذلك: " والرواة المسلمون يذكرون بأنه قدم إلى عمان رجلان أحدهما الإمام عبد الله بن إباضي ونشر هناك مبادئ المحكمة "

وسوف يكون لنا في الفصل التالي حديث عن فرقة الإباضية وعن بدء نشأتها وسبب نسبتها بعد ذلك إلى عبد الله بن إباضي.

و على كل فقد اشتد ساعد المذهب الإباضي في عمان ومن هنا اتجهوا إلى التفكير في إقامة دولة باسمهم مستقلة بنفسها عن التبعية للخلافة العباسية، وقد بدأت محاولة تكوين تلك الدولة سنة 129هـ في آخر دولة بني أمية وأول دولة بني العباس.

فلما أنس أهل عمان من أنفسهم القوة ثاروا بقصد الاستقلال عن الخلافة وكان ذلك على عهد السفاح وولاية أخيه المنصور على العراق الذي عين بدوره واليا من قبله على عمان، إلا أن العمانيين كانت نظرتهم كنظرة أسلافهم من الخوارج يرون أن توارث الخلافة أمر غير شرعي، لهذا فلم تكن الدولة العباسية بأحسن حالا من الدولة الأموية عندهم.

فقامت الثورة في عمان وانتخبوا أول إمام لهم وهو " الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي " ولكنه لم يدم في الحكم إلا سنتين وشهرا واحدا؛ إذ إن نزعته إلى استقلال عمان عن الدولة العباسية أغضبتهم عليه فتقابل في معركة مع جيش الخلافة الذي يقوده خازم بن خزيمة، والتحموا في معركة أسفرت عن قتل الجلندي وأصحابه وانتهت حركة النزوع إلى الإمامة وظلت عمان جزءا من الدولة العباسية إلى سنة 177هـ.

فقام إمام آخر لهم وهو " محمد بن أبي عفان الأزدي " واجتمعوا على طاعته ولكنهم نقموا عليه أخيرا أنه تجاوز الحدود وتكبر، فخلعوه سنة 179هـ وولوا عليهم إماما آخر ويسمى " الوارث بن كعب الخروصي " فأحسن فيهم السيرة وأحبوه، واجتمعت عليه كلمتهم وحارب بهم جيش الخلافة الذي أرسل لإخضاعهم بقيادة عيسى بن جعفر عم الخليفة هارون الرشيد فانتصر الوارث وأخذ عيسى أسيرا وأودع السجن إلى أن قتل، ثم انتهت مدة الوارث ومات غريقا في أثناء محاولته إنقاذ سجناء كان السيل قد داهمهم بعد حكم دام اثني عشر عاما أي أنه تولى إلى سنة 192هـ.

فبايع الإباضية بعده " غسان بن عبد الله " وكان يوصف بحزم وبأس فأمن البلاد وقضى على الفتن وازدهرت في عهده عمان، بل وحاول أن يوسع نفوذه إلى الهند ولكنه توفي قبل تحقيق هدفه سنة 207هـ.

فبايع الإباضية بعده الإمام " عبد الملك بن حميد الأزدي " فسار فيهم سيرة ارتضوها كسابقه إلى أن توفي سنة 226هـ. فاختير بعده الإمام " المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي " ، فحمد الإباضية سيرته وانتعشت على عهده البلاد وكان رجلا مهيبا حازما لا يجرؤ أحد على التكلم في مجلسه كما يصفه علماء الإباضية، وكون له جيشا كثيفا وأسطولا قويا إلى أن توفي سنة 237هـ.

فانتخبوا بعده الإمام " الصلت بن مالك الخروصي " بالإجماع، وقد حدث في أثناء حكمه اعتداء من الحبشة فهاجموا جزيرة سقطرى واحتلوها وقتلوا عامل الصلت عليها، فكون عند ذاك الإمام الصلت جيشا وكون أسطولا يبلغ أكثر من مائة سفينة التحم من الأحباش في معركة انتصر فيها الإمام وانهزمت الأحباش تاركين سقطرة للإمام الصلت، وكانت ولايته طويلة؛ لهذا فقد طلب منه أن يتنازل نظرا للمصلحة في ذلك، فتنازل سنة 273هـ وعاش كواحد من الناس إلى أن توفي.

وبعد تنازله عين الإمام " راشد بن النظر اليحمدي الخروصي " ، و في عهده برزت العصبية القبلية بين العدنانية واليمانية واشتد ساعدها حتى كاد أن يذهب ضحية لها؛ فقد أراد خصومه الإطاحة به ولكنه قاومهم في معركة تسمى معركة الروضة انتصر فيها على معارضيه وقتل منهم كثيرا، واستمر أربع سنوات أرغم في نهايتها على التنازل سنة 280هـ.

فتولى الأمر بعده الإمام " عزان بن تميم الخروصي " سنة 277هـ، واشتد ضرام العصبية القبلية واشتعلت الفتن وأصبح الأمر على غاية ما يتوقع من المكروه فأنشب بأنصاره معركة مع معارضيه فهزمهم، فذهب بعض من المنهزمين مستصرخين المعتضد الخليفة العباسي لنصرتهم على عزان ومن معه، فكانت فرصة ذهبية للعباسيين للانقضاض على عمان والاستيلاء عليها وإعادتها إلى حظيرة الخلافة، فأمر عامله محمد بن بور بفتح عمان فوجه هذا خمسة وعشرين ألفا لفتحها، فلما علم أهل عمان بهذا الجيش خافوا منه وصاروا يتسللون هربا عن الإمام عزان إلى أن بقي معه من بقي، فتقابل مع جيوش الخلافة في معركة انتهت بقتل الإمام بل وبانتهاء الإمامة من عمان لمدة أربعين عاما أي من سنة 280 إلى سنة 320هـ، حين تولى الإمام " سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب " ، وكان مطاعا في الكل موصوفا بالصلاح بينهم إلى أن قتل سنة 328هـ.

وبعد سعيد بايع الإباضية رجلا أخباره مجهولة عند الإباضية ويسمى " راشد بن الوليد ". يقول عنه محمد السالمي أنه " تولى الإمامة بعد سعيد بن عبد الله وأخباره مجهولة لقلة التواريخ" وقد حاول أن يصد جيش الخلافة العباسية ولكنه انهزم ثم أمنه العامل العباسي وبعده بقليل مات سنة 342هـ، وانتهت الإمامة ودخلت عمان في طاعة الدولة العباسية إلى سنة 407هـ.

فبايع الإباضية الإمام " الخليل بن شاذان " ، وطرد عامل الدولة العباسية هناك واجتمعوا على طاعة الخليل إلى أن أسر من قبل العباسيين، فاختاروا بعده رجلا يسمى محمد بن علي ثم أطلق العباسيون الخليل فلما عاد تنازل له " محمد بن علي " عن رضى فاستمر الخليل حاكما إلى سنة وفاته 435هـ.

فتولى الإمام بعده الإمام " راشد بن سعيد " واجتمعوا على طاعته إلا ما كان من قبيلتي نهد وعقيل فإنهم ثاروا عليه، ولكنه أخمد ثورتهم واستمر في الحكم إلى أن توفي فيقال إنهم بايعوا بعده ابنه حفص واستمر من سنة 445هـ إلى 453هـ، ولكن محمد السالمي ينفي هذا تماما

ثم تولى بعده أئمة غير مشهورين ومنهم الإمام راشد بن علي الخروصي ولم يرض بعض العلماء عن سيرته، فطلبوا منه التوبة عن أعماله ففعل، فتولى بعده الإمام " عامر بن راشد بن الوليد الخروصي " ، وقد أحسن القيام بأمور الحكم إلى أن توفي.

فتولى بعده الإمام " محمد بن غسان بن عبد الله الخروصي " ، وقد استمر في الحكم إلى أن توفي والناس مجمعون على طاعته.

فتولى بعده الإمام " الخليل بن عبد الله بن عمر بن محمد بن الخليل بن شاذان " فنقل العاصمة إلى نزوى ثم استمر في مقاتلة بني نبهان إلى أن توفي.

ثم تولى إمامة عمان الإمام " محمد بن أبي غسان ". يقول عنه محمد السالمي: " وأخباره قليلة لم نقف على أي شيء منها مع شدة البحث"

ثم تولى بعده الإمام " موسى بن أبي المعالي بن نجاد " ، التقى مع محمد بن مالك في معركة قتل فيها موسى بن أبي المعالي ثم تفرق الناس بعده شيعا وهان أمرهم كما قال السالمي، ثم تولى بعده الإمام " خنبش بن محمد بن هشام "، قال السالمي عنه: " ولم نقف على شيء من أخباره "

هذا وقد ظهرت الفتن وافتراق الكلمة في عمان وكانوا لا يولون هذا إلا ليظهر ذاك.

فتتابع على البلاد أمراء ضعاف ثم أرادوا العودة إلى الإمامة العامة وفعلا تتابع على عمان عدة أئمة منهم:

 " الحواري بن مالك " من عام 809 إلى 832هـ.

 " أبو الحسن بن خميس بن عامر " تولى 839هـ، وقد صادف بعض الفتن واستمر إلى أن توفي سنة 846هـ.

ثم تولى بعد مدة انقطعت فيها الإمامة الإمام " عمر بن الخطاب بن محمد " ، وقد بويع عام 885هـ، وقد ثار عليه النباهتة الذين كانوا ينافسونه في أخذ السلطة إلا أنه انتصر عليهم في معركة. وبعد وفاته تولى الإمام " محمد بن إسماعيل الحاضري " سنة 906هـ، فأحسن السيرة وأحبته الرعية وأرجع البلاد الأمن والهدوء إلى أن توفي.

فبايع الناس بعده ابنه الإمام " بركات بن محمد بن إسماعيل " سنة 942هـ فبدأ الاختلاف فيما بينهم واقتتلوا ولم يعد ذلك الهدوء السابق واستمر بهم الأمر من سيء إلى أسوأ، وكثرت الفتن إلى أن توفي الإمام بركات وظهر بعده " أمراء محليون ضعاف لا هم لهم إلا تأكيد نفوذهم والسيطرة على مقدرات الناس دون وجه حق "

وبعد أن شهدت البلاد بعض الفتن والتحولات برز أئمة اليعاربة الذين جعلوا عمان " أقوى دولة في المحيط الهندي والخليج العربي وكانت أساطيلها الحربية تحمي إمبراطورية كبيرة "، وعظم شأنهم واستتب الأمن.

ويقول ج. ج. لوريمر: " تميز عهد اليعاربة على العموم بأنه كان عهد أمن داخلي ورخاء ازدادت فيه الثروة وانتصر التعليم كما تميز أيضا بازدياد هائل ومفاجئ في القوة البحرية أدت بالعمانيين إلى القرصنة والدخول في حروب خاطفة غير منتظمة، ابتداء من سنة 1677 " ، وقد أفاض المؤلف بذكر مقدار قوتهم الحربية ذاكرا لها بالأرقام

وأول أئمة اليعاربة هو:

الإمام " ناصر بن مرشد اليعربي ": تولى الإمامة والبلاد في حالة من الفوضى فوجه اهتمامه إلى بناء الجبهة الداخلية فأحكم قبضته على البلاد، " وبمجرد انتخابه لتولي الإمام في سنة 1625 أحال هذا المنصب من مجرد ظل باهت كما كان إلى حقيقة ماثلة بالقوة "، ثم وجه اهتمامه إلى تدخل البرتغاليين والفرس في بلاده فجهز لهم جيشا انتصر عليهم واسترد منهم بالقوة منطقة جلفار " وأخضع الأقاليم الداخلية بما فيها الشرقية ".

ولم يبق لهم إلا مسقط وصحار أتم تحريرهما خلفه الإمام " سلطان بن سيف اليعربي " ، ووسع نفوذه فاستولى على سواحل الهند الغربية وكنج، وافتتح ممباسة وكلوة وزنجبار وهي من سواحل أفريقيا الشرقية والتحم مع البرتغاليين في معارك الساحل الهندي في بومباي، وكون إمبراطورية كبيرة إلى أن توفي.

فخلفه ابنه الإمام " بلعرب بن سلطان اليعربي " فاتجه اهتمامه إلى الإصلاحات الداخلية فبنى الحصون والقلاع وغرس الأشجار وأحيا موات الأرض.

إلى أن ثار عليه أخوه " سيف بن سلطان " ، فأحكم قبضته على البلاد، ووسع نفوذه وقوي أمره، وأنشأ بعض الإصلاحات الداخلية كالزراعة وتربية المواشي.

إلى أن توفي فخلفه الإمام " سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي " سنة 160هـ، وقد دام حكمه سبع سنوات حارب خلالها الفرس وانتصر عليهم في مواقع كثيرة واهتم بالإصلاحات الداخلية والعمران، يقول عنه الشيخ السالمي: " لقد هم أن يجعل عمان كجنتي مأرب فحال الحمام بينه وبين ما يؤمل، والآجال تقطع الآمال "

وبعد وفاته خلفه صبي مراهق يسمى " سيفا " فأرادت العامة أن يتولى الإمام هو ولكن العلماء رأوا أنه لا يجوز توليته مادام في هذا السن، فولوا سرا عن العامة رجلا له قوة في الحكم إلا أنه ليس من العلماء ولكنه كان تحته قبضة العلماء؛ فلا يمضي أمرا إلا بعد أخذ رأيهم فيه، هذا الرجل هو " مهنا بن سلطان بن ماجد اليعربي " ، وصرفوا العامة بالمداراة ولبث هذا سنة في الحكم، ثم ثار عليه " يعرب بن بلعرب بن سلطان اليعربي " سنة 1133هـ، فاستقام له الأمر مؤقتا، ثم انفتحت عليه الفتن وتفرق الناس عنه وأرغم على التنازل عن الحكم إلى الإمام " سيف بن سلطان بن سيف اليعربي " سنة 1135هـ، وكان صغير السن ثم رأوا أن يعزلوه فعزل.

ثم تولى الأمر " محمد بن ناصر العامري " ، وهذا لقي من ثار عليه أيضا فقتل فرجع سيف إلى الحكم، وهكذا دخلوا في فوضى وتفرق.

إلى أن جاء حكم البوسعديين فتعاقبوا على الحكم، وكان المؤسس الأول لحكمهم هو الإمام " أحمد بن سعيد " ، كان واليا من قبل الإمام سيف علي صحار. هذا ما قاله السالمي عنه، ولكن نجد أن ج. ج. لوريمر يقول عنه بأنه كان تاجرا وقد وضع الإمام سيفه ثقته فيه وكان هذا الرجل عالي الهمة قلما تحين الفرصة إلا وينتهزها لصالحه، وكان الفرس هم العقبة الوحيدة أمامه فعقد معهم معاهدة فلما اشتد ساعده بدأ بالفرس فأقام وليمة كبيرة دعاهم لحضورها، و في أثنائها ألقى عليهم القبض وقتلهم ثم أجبر الحامية الفارسية في مسقط على الاستسلام فقتل منهم الضباط وكبار رجالهم، وأرسل الباقين في سفن إلى إيران مخفورين و في أثناء سيرهم أكمل بهم الجنود الباقي فأغرقوا بهم المراكب ورجعوا.

ولا تزال نفسه تتطلع إلى مزيد من الانتصارات، إلا أنه واجه مشكلة كبيرة وهي تصدي " بلعرب بن حمير اليعربي " لمحاربته، فقد كان هذا الأخير قد عين نفسه إماما وعندما سمع بأن أحمد بن سعيد نصب إماما أعد جيشا لإخضاعه فتحصن منه أحمد بن سعيد في قلعة صغيرة بالجبال، وقد رأى – من فطنته – أن يخرج متسللا في زي أعرابي يقود الجمال فاتصل بأتباعه فاجتمع له منهم بضع مئات، ثم قادهم إلى جيش بلعرب المحاصر فما شعروا إلا والطبول تضرب من كل جهة فاندهش بلعرب وظن أنه قد حوصر من قبل جيش غاز قوي فهرب، ولكنه وقع في قبضة أحد أبناء عم أحمد فذبحه فصفا الجو لأحمد بن سعيد ولم يقم أحد لمنافسته فما مات إلا وقد سيطر سيطرة مطلقة على جميع أجزاء عمان.

هذا موجز من تاريخه وقد توسع في أخباره ج. ج. لوريمر كثيرا وبين منزلته القيادية وعلاقاته مع الدول الأخرى

ويقول السالمي عنه: " وقد أصدر القاضي – يعني به مفتي عمان آنذاك – قرارا يعلن فيه أن أحمد هو منقذ البلاد ويستحق أن يرفع ليكون إماما للمسلمين، وفعلا أصبح أحمد بن سعيد إمام عمان الفعلي وحاكمها المطلق "

وما جاء بعده من أسرته فإنهم في نظر الإباضية ليسوا أئمة وإنما هم سلاطين؛ إذ إن الحكم أصبح بعد أحمد بن سعيد وراثيا، وهو الأمر الذي يبطل الإمامة عندهم.

وقد قام الإمام " عزان بن قيس " بمحاولة لإرجاع البلاد إلى حكم الإمامة الذي غاب عنها زمن، وقد شد أزره علماء البلاد بما أوحوا به إلى العامة من الاستبشار ووجوب نصرته فاجتمع له من القبائل من استجاب له فبدأ محاولته لضم أجزاء عمان إلى إمامته: يقول لوريمر عن علو كلمة العلماء الإباضية في عهد عزان ومنهم سعيد بن خلفان كبير علمائهم ومقدمهم عند الإمام -:

 " وأضفى سعيد بن خلفان على حكومة عزان طابعا دينيا مسرفا في التعصب، فاستبدل علم عمان الأحمر من قديم الزمان بعلم المطوعة الأبيض، ومنع التدخين وشرب الخمر ومنع الاستماع إلى الأغاني والموسيقى بجميع ألوانها، وألزم أهل مسقط جميعا بالاختلاف إلى المساجد بانتظام وصدرت إليهم التعليمات باتباع السنة في تربية الذقون وحف الشوارب "

ولهذا فقد كانت بريطانيا غير راضية عن سيرته هذه وإن سترها لوريمر بأقواله المختلفة، ومنها أنه كان مغتصبا وأن مستشاريه كانوا سيئي التصرف في الأمور، وأنه ليس من أسرة البوسعيديين الذين هم أحق بحكم عمان في نظر الإنجليز الذين لمسوا فيهم من إيثار طاعة بريطانيا والسير في رغباتها ما يرضيهم، وهو ما نقمه عليهم علماء الإباضية هناك، وكان عزان ينظر إلى الإنجليز الذين لمسوا فيهم من إيثار طاعة بريطانيا والسير في رغباتها ما يرضيهم، وهو ما نقمه عليهم علماء الإباضية هناك، وكان عزان ينظر إلى الإنجليز بأنهم استعماريون لا ينبغي ربط أي علاقة بهم فامتنع عن التعاون معهم أو تقريبهم.

ومن هنا أخذ الإنجليز يحرضون عليه خصومه ومن أشدهم " تركي بن سعيد " يقول الدكتور جمال زكريا قاسم: " على أنه مما يستلفت النظر أنه في خلال الفترة التي قضاها عزان بن قيس في الحكم لم تقم بينه وبين الحكومة البريطانية أية علاقات وربما يرجع ذلك إلى التعاليم الإباضية التي لا تقر وجود هذه العلاقات فضلا عن أن الحكومة البريطانية لم تعترف بالوضع القائم في عمان "

وقد أراد عزان أن يوسع من نفوذه، فهاجم مسقط وكاد أن يأخذها لولا أن تدخل بريطانيا قد حال بينه وبين امتلاكها فاتجه وأخذ البريمي وامتلكها ثم اتجه إلى إخضاع القبائل البدوية، ولكنها اجتمعت عليه والتحمت معه في معركة " ضنك " ، فانهزم جيشه ولم ينج إلا هو ونفر يسير معه وكانت إقامته بمطرح تشكل تهديدا للقضاء على أسرة البوسعيديين، فرأت بريطانيا أن إعادة الإمام إلى عمان إذا انتصر عزان سيقضي على مصالحها لهذا أرسلت تركي بن سعيد – السابق الذكر – إلى لنجة لاستمالة القبائل التي هناك وتأليبهم على عزان، فلما تم له ما أراد أقبل بجيش قاصدا مطرح لإخضاعها وللقضاء على الإمام فنشبت هناك معركة أسفرت عن قتل الإمام عزان وتفرق أتباعه بين الناس.

وبعد قتل عزان خفت صوت الإمام إلى سنة 1913م، فأخذت الدعوة تنتشر بين الناس في عمان الداخلية للرجوع إلى الإمامة ومحاربة الحكم الوراثي (سلاطين البوسعيد) " فاجتمع أئمة الإباضية وانتخبوا سالم بن راشد الخروصي إماما " ، ووصفت هذه الحركة من قبل الإباضية بأنها " حركة ثورية مباركة " فسار فيهم الإمام سالم سيرة ارتضوها من عمل بكتاب الله وسنة نبيه إلى سنة 1920م, فدبرت له مؤامرة اغتيل فيها.

فولى الإباضية عليهم بعده الإمام " محمد بن عبد الله الخليلي " الذي امتد حكمه أربعا وثلاثين سنة، " وقد عم الهدوء والسلام " تلك المناطق الداخلية في عهده رغم ما كان يلاقيه من تآمر سلاطين مسقط والإنجليز على إسقاط الإمامة هناك وضمها إلى سلطان مسقط البوسعيدي، وقد استمرت الحرب بينهم سبع سنوات ثم تم التوصل إلى معاهدة تعرف بمعاهدة السيب (والسيب يقع على بعد 30 كم تقريبا من العاصمة مسقط ويتكون من بيوت قليلة وفيه المطار للعاصمة مسقط).

واستمرت هذه المعاهدة إلى أن توفي الإمام الخليلي فأراد سلطان مسقط أن يهتبل الفرصة لضم عمان الداخلية إلى سلطنته، ولكن الإباضيين فوتوا عليه الفرصة وولوا عليهم بعده الإمام " غالب بن علي الهنائي " ، الذي بويع بالإمامة سنة 1954م – 1373هـ، وقد جعل جل اهتمامه في ربط عمان بالدول العربية، " فقد قام بتبادل التمثيل الدبلوماسي مع جميع البلدان التي تتعاطف معه آملا من ذلك أن تكون عمان كأي دولة من الدول العربية ووجد من يشاطره هذا الأمل، إلا أن هذا التحرك من جانب الإمام قد أخاف بريطانيا وسلطان مسقط إذ إن رجوع الإمام إلى عمان معناه انتهاء مصالح بريطانيا ونفوذها هناك؛ خصوصا وأن آبار البترول قد جذبتهم إليها وأن التخلي عنها لا يمكن بحال. ومن هنا أخذت بريطانيا وحليفها سلطان مسقط سعيد بن تيمور في تنظيم الخطط الحربية للقضاء على الإمام بالقول والفعل.

وفجأة وبدون مقدمات زحفت السيارات العسكرية إلى مدينة عبرى ومنها إلى العاصمة نزوى التي أصبحت تحت أيديهم فانتقلت الإمامة إلى رؤوس الجبال حيث قرر الإباضية التحصن بالجبال، خصوصا الجبل الأخضر، وشن الحملات الهجومية من هناك واستمرت تلك الحرب الضارية بين قوات الإمام وبين سلطان مسقط والإنجليز، وكانت قوات الإمام تحرز بعض الانتصارات بعد خسائر فادحة، إلا أن بريطانيا صبت جام غضبها عليهم؛ يتمثل ذلك في أسراب الطائرات والقنابل والصواريخ المدمرة "

وكانت نهاية الإمامة في عمان بعد تلك المعارك التي دارت بين أتباعها من جهة والسلاطين والإنجليز من جهة أخرى، ولم تفلح الجهود السياسية والحربية في إعادة الإمامة للبلاد وإنما تمكن السلاطين البوسعيديين من عمان ولا يزالون حتى الآن يتوارثون الحكم فيها. وقد شهدت عمان نهضة قوية في عهدهم.

 وإذا لم يكن السلاطين بالمذهب الإباضي فإن هذا المذهب لا يزال له سلطانه، ولا سيما في الجوانب الفقهية عند العلماء والعامة.

وقبل أن ننتهي من الحديث عن دولة الخوارج في عمان نحب أن نذكر هنا أن الخوارج بسطوا نفوذهم على بعض المناطق الأخرى في المشرق غير عمان؛ فقد بسط نافع بن الأزرق نفوذه على الأهواز إلى كرمان وتمكنوا من دولاب وسلبرى وسلي، وغيرهما من تلك النواحي، وبسط نجدة نفوذه على اليمامة والبحرين والقطيف وصنعاء، وخلفه على تلك المناطق أبو نزيك، إلى غير ذلك من أمثال تلك الظواهر التي لا نقف عندها لأنها تمثل وضعا من أوضاع الحكم المنظم والمستقر ولم تدم إلا سنوات قليلة، بل كان بعضها لا يبقى إلا شهورا؛ ولهذا لم ندخلها في الحديث عن دولة الخوارج مكتفين بذكرها عند الحديث عن تلك الفرق التي بسطت سلطانها وقتا ما على هذه المنطقة أو تلك.

1 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً