كوكوس: جزيرة مسلمة في أستراليا بدأت بتاجرينمقالات

Ben Stubbs

مترجم عن الإنجليزية: History, harmony, and the only Muslim island in Australia - المصدر: العراق اليوم: 2/ 2/ 2017.

 

تتوقف بنا عربة الغولف الخاصة بـ"نك سو" أمام المسجد، وعبر النافذة المفتوحة، أراه بين ثلاثين آخرين متجهين نحو القبلة، مرتدين جلابيب ناصعة وأغطية رأس مُطرَّزة، بينما يملأ صوت الأذان الرقيق الشوارع، فيما يوقف شاب يرتدي جلباباً سيارته ويدخل المسجد متأخراً..

 ويتدفق صوت المؤذن من السماعات مردداً "حي على الصلاة".

عادةً ما يربط الأستراليون الأذان بالسفر والتجارب الغريبة؛ أن تكون، مثلاً، في مقهى على سطح بناءٍ في مراكش تحتسي الشاي بالنعناع، أو تراقب الشروق بفندق في أغرا يطل على تاج محل، أو تمشي على شاطئ البوسفور بتركيا في موسم الشتاء. لطالما كان الأذان صوتاً أسمعه وأنا في بلد غريب.

إلا أنني بجوار المدرسة والميناء، أراقب الأنوار التي تعكسها مياه البحيرة، ويذكرني المشهد بأنني لم أسافر بعيداً. هذه لا تزال أستراليا، لكنه جزء من البلاد لا يتسنَّى للكثيرين زيارته. أنا هنا ضيف على عامل البناء والصياد والجد وإمام المسجد "نك سو"؛ أكبر قاطني الجزيرة المسلمة الوحيدة في أستراليا.

وإذا كانت كلماته السابقة قد أثارت شغفك للتعرف على المزيد عن هذه الجزيرة، فعليك أن تنضم للمؤلف الأسترالي والمحاضر بجامعة أستراليا الجنوبية "بين ستابز" في جولته عبر ما تبقى من تقريره في الأسطر التالية.

إن جزر كوكوس (كيلينغ) هي حزام مرجاني بديع الألوان يبعد 2000 كيلومتر عن الساحل الغربي لأستراليا، ولكنها لا تزال جزءاً من أستراليا، كجزءٍ من أراضي المحيط الهندي التابعة للبلاد. ومن المثير للاهتمام أن عدد السكان المسلمين هنا يفوق السكان الآخرين، بنسبة أربعة إلى واحد.

تربط هذه الجزر علاقة غريبة بالإسلام، فقد اكتشف الجزر كابتن ويليام كيلينغ من شركة الهند الشرقية في عام 1609، ولكنها لم تُعمَّر بالسكان حتى وصل إليها التاجر الإسكتلندي جون كلونيز روس، والتاجر ألكساندر هير، في أوائل القرن التاسع عشر.

كان جون كلونيز روس معمارياً مخضرماً، جلب معه العمال من ماليزيا، والصين، وغينيا الجديدة، والهند لحصد جوز الهند واستخراج زيته، ليصبح من بين هؤلاء العمال المسلمين الأوائل على الجزيرة.

أما هير فلم يكن رجلاً عملياً. كان مصحوباً بالعبيد و23 من النساء من الهند الشرقية، وغينيا الجديدة، وموزمبيق، ليملأ جزيرته الساحرة الخاوية.

لم تفلح فكرة هير بإقامة "حريم" له على الجزيرة، فرحل، ونصَّب كلونيز روس نفسه ملكاً على الجزر.

أُدِيرَت الجزر كإرث عائلي حتى انتقلت إلى الإدارة الأسترالية في عام 1955، وصوَّت الناس للاندماج في عام 1984.

بعد فشل التوجهات الاستعمارية لجماعة كلونيز روس، استقر السكان، الذين كانوا يعملون بالسخرة سابقاً على الجزيرة الرئيسية، وكانوا جميعاً تقريباً مسلمين سُنَّة، وأقام أغلب السكان في الجزيرة الغربية.

الجد "نك سنو":

 استقللت المركب عبر البحيرة نحو الجزيرة الرئيسية، وانتظرني في الميناء شخصٌ طويلٌ ذو وجهٍ بشوش يرتدي قبعة بنية، يبدو ممشوقاً بالنسبة لشخصٍ في الثالثة والسبعين من عمره. يبتسم ويقول لي: "فلتدعُني نك سو". اسمه يعني "الجد"، وهكذا يناديه أهل الجزيرة.

عبرنا من الميناء باتجاه منزله. الممرات المرصوفة مملوءة بالدراجات وعربات الغولف الواقفة تحت نخيل جوز الهند.

تصميم البيوت متطابق هنا، حيث الغرف الكبيرة جيدة التهوية، والمطابخ في الهواء الطلق. كلها موصولة بممراتٍ ضيقة لا تشبه أي مكان في كوالالمبور أو جزيرة جاوة الإندونيسية. يحمل لنا هواء الظهيرة رائحة التوابل والسمبوسة.

يشير نك سو إلى ملجأ الأعاصير المرتفع ويقول: "أنا من بنيت هذا".

نكمل طريقنا في الممرات الضيقة، فيشير إلى المدرسة المطلية باللون الأصفر ويقول: "وهذه أيضاً".

نك سو ليس كثير الكلام، على الأقل ليس بالإنكليزية. لغته الأم هي الماليزية، كمعظم سكان الجزيرة. لغتهم مميزة، وتطورت بعد عبورها المحيط منذ جاء أول العاملين بالسخرة إلى هنا.

توقفنا عند مسجد ضخم. قبته فضية، وأرضيته ما زالت بلا دهان. ومقارنةً بالمباني الليفية المتواضعة، يمثل المسجد خطوة إلى الأمام في البناء، ويؤوي كل سكان الجزيرة الأربعمائة. يقول نك سو: "كل السكان هنا مسلمون".

أخبرني أيضاً أن الكثير من الأطفال الصغار هنا يمارسون شعائر الإسلام بحماس، الأمر الذي لم يره في أماكن أخرى في أراضي أستراليا الداخلية.

عاش "نك سو" في أستراليا الغربية في سبعينيات القرن الماضي، ولا يزال يذهب بانتظام إلى بيرث، وبورت هيدلاند، وخليج جوريان.

ممارسة شعائر الإسلام هي جزء أساسي من حياة الكبار والصغار على الجزيرة. في ظهيرة كل أربعاء، يقوم نك سو وكبار الرجال في الجزيرة بتعليم الأطفال ثقافتهم القائمة على مزيج من جزر الكوكوس وماليزيا، والإبحار، والرقص، وبناء قوارب الجوكونغ المحلية، لبناء قنوات بينهم وبين ماضيهم.

أخبرني نك سو أيضاً أن 85% من سكان الجزيرة قاموا بزيارة مكة.

رائحة القرنفل في منزل العائلة

 نستمر في المضي على أرض الجزيرة عبر ممرات تشبه ممرات سيارات السباق الصغيرة. وعلى حافة المياه الملتفة، قام نك سو بتحية مجموعة من الشباب يلعبون مع أطفالهم في المياه الضحلة. في وقت لاحق توقفنا عند أحد البيوت لمقابلة عائلة نك سو. يجلس عمر أخو نك سو وزوجته، ويلاحظ عمر أنني أجنبي، فيبتسم ويقول لي: "كيف حالك يا صديقي؟ اجلس". تنبعث رائحة القرنفل فتمتزج بتوابل القلي المنبعثة من المقلاة، وتشعرنا بالثقافات الممتزجة في هذا المكان.

يمر طريق عودتنا على بيت أوقيانوسيا، وهو المنزل الاستعماري السابق لعائلة كلونيس روس، بيت كبير أبيض من طابقين يطل على المياه، وتحف أوراق شجر الكروم على النوافذ المتهالكة. تسبب الملح في توليد طبقةٍ من الصدأ أحاطت المنزل بأكمله، إلا أنه لا يزال شاهداً متهالكاً على الماضي القديم لجزيرة هوم.

لاحقاً ذاك المساء، تناولت الغداء مع نك سو في مطبخه المتواضع- وجبة من سمك من نوع "حلو الشفاه" وسمبوسة وخضراوات.

نظرت إلى حبات البازلاء الصغيرة والجزر في طبقي ثم ذكرت أنني لم أر الكثير من المزروعات في جزيرة هوم.

قال نك سو: "من الصعب زراعة أي شيء بسبب التربة، فهي في أغلب الأحيان مجرد تراب".

لا يوجد هنا أكثر من الموز وقصب السكر والدرنات. يعتمد سكان الجزيرة على الشحنة التي تأتي كل شهر ونصف الشهر من أستراليا لإكمال ما يزرعونه وما يصطادونه...

السلاحف العملاقة جيران "نك سو"

 نك سو مثال للرجل المكتفي ذاتياً تماماً. لا يستطيع القراءة أو الكتابة، لكنه يستطيع بناء منزل، وقارب، ويستطيع الصيد، وبينما كنا ننتهي من طعامنا أسرع لأداء صلاة العشاء، وهي واحدة من صلوات خمس يعرفها الجميع في الجزيرة.

ذهبنا إلى قارب نك سو مبكراً في اليوم التالي مع ابن أخيه أوسي، لنرى بأعيننا بعضاً من اكتفائه الذاتي. الصيد، كما هو متوقع، نشاط يجمع المجتمعين في جزر كوكوس ويساعدهم على تحمل تكاليف الحياة. خلال دقائق لاحظت أجساماً سوداء طافية تحتنا بحجم موائد الغداء.

صاح أوسي متعجباً: "سلاحف!". هناك مئات من سلاحف البحر في البحيرة، إلى جانب عددٍ وفيرٍ من الأسماك، والقروش، والشفنينيات وأبقار البحر.

مدَّ نك سو ركبتيه اليابستين برفق بينما كنا نركب الأمواج في طريقنا إلى المياه العميقة. عندما كان نك سو صغيراً كان يعمل مع متحدثين آخرين بلغة الملايو، في جزيرة ساوث، في جمع ثمار جوز الهند لعائلة كلونيس روس لتقشيرها وبيعها في الداخل الأسترالي.

قال نك سو: "كنت أجمع 100 ثمرة في حقيبة. وكنا نحمل 5 آلاف ثمرة جوز هند على أكتافنا كل أسبوع".

الشمس فوقنا مباشرة، وقاربنا مليء بالأسماك التي سوف نشاركها مع العائلات في جزر هوم، لذا فقد عبر أوسي ونك سو البحيرة لينزلاني في جزيرة وست لمقابلة باقي السكان المحليين.

الكثير من سكان جزيرة هوم يعملون في جزيرة ويست، في مركز خدمة الزوار، والمدرسة، والمركز الطبي، والمقاهي الموجودة في الجزيرة. هناك أيضاً سكان من جزر ويست يركبون المعديَّة يومياً للعمل في جزيرة هوم.

جمعَهم الدين:

 بالنسبة لي، يبدو الدين في المركز من كل ما يجري على جزيرتي هوم وويست، والسكان هم القوة الدافعة. لا يبدو أنَّ من المهم لو كان السكان ينظمون بناء مسجد جديد، أو مسابقة في نادي الغولف، فهؤلاء الناس يعيشون مع بعضهم البعض على خلفية هذا الحس المجتمعي.

أخبرتني مديرة التسويق في مركز خدمة الزوار، وتُدعى جولز، أن التفاعل في الجزر شيء يحرص عليه الناس هنا. وقالت: "بناتنا كلهن يتطلعن لعيد الفطر عندما نذهب جميعاً لجزيرة هوم للاحتفال معاً".

كلا المجتمعين يستمتعان بالإفطار معاً صبيحة أول أيام العيد، وما يصحبه من شعائر بينما ينتظرون حلول العام الجديد. تُزَيَّن البيوت بالأضواء الحالمة، ويأكل الناس معاً في بيوت مفتوحة، ويذكرون من ماتوا من أقاربهم.

حتى لو لم يكن المجتمعان قريبين من بعضهما كما كان الحال منذ عشرين سنة خلت "بسبب تأثير الداخل الأسترالي" كما يقول تيري واشر، أحد السكان المحليين، إلا أنَّ هناك ما يدعو للأمل في هذا المكان.

لقد حمت العزلة هذا المجتمع إلى حد ما، من خطاب راي هادلي، وباولين هانسون والبقية. لو لاحظ المزيد من الناس تاريخ التعايش بين سكان جزر هوم ووست، دون الإنصات إلى الضوضاء الخارجية وضغط الروايات التي تتناقلها وسائل الإعلام عن بعضها البعض، ربما يلهمهم ذلك بعض الأمل.

يطلق أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة لاتروب الأسترالية، نيكولاس هريسما، على الملايو من سكان كوكوس "أقدم مجتمع إسلامي وجنوب آسيوي، مستمر دون انقطاع، في أستراليا"، وفي الجزر، هذا أمر يدعو للاحترام والاحتفاء.

في اليوم التالي انتظرت في مقهى كوكوس مالاي بمطار جزيرة ويست، بينما كانت سيدة محجبة تقلي بعض السمبوسة للكهربائيين الذين أنهوا ورديتهم على الجزيرة. تأملت فيما تولَّد لديَّ في البداية من أفكار في أنَّ العزلة هنا ربما تكون قد تسببت في الخوف وانعدام الثقة. لكنَّ الحقيقة أنَّ العيش في مجتمع يشبه "حوض السمك" كهذا قد أتاح لهم الحفاظ على الحس المجتمعي والتعايش بطريقة لم يعد الكثير من الأستراليين يعرفونها.