من بقايا الإسلام في جزيرة كوراساومقالات

الصادق العثماني

المصدر: هسبريس - 13 مايو 2009م.

 

الموقع:

تقع جزيرة “كوراساو” جنوب البحر الكاريبي بأمريكا الجنوبية الوسطى، مقابل جمهورية فنزويلا، وهي من أهم جزر الأنتيل وأكبرها مساحة؛ بحيث تصل مساحتها إلى 444 كيلومتر مربع، وعدد سكانها حسب إحصاء رسمي لسنة 1999م 144 ألفاً و500 نسمة، وهي تابعة للسيادة الهولندية، من ضمن 3 جزر أخرى ضمن حكم فيدرالي، احتلها الإسبان عام 1521م ثم استولى عليها الهولنديون في 1634م، وتبقى جزيرة كوراساو الأهم سياسيا لوجود البرلمان، وأغلب المقرات الحكومية، وقد سميت بهذا الاسم “كوراساو” أي القلب باللغة الإسبانية، لوقوعها في قلب الطريق التجاري لأمريكا الجنوبية، وقد استعمل البحارة الإسبان هذا الاسم، ومن بعدهم أخذ الهولنديون نفس التسمية.

وللجزيرة تاريخ قديم يرتبط بتجارة الرقيق الذي كان يؤتى به من دول ساحل إفريقيا الشرقي والذي كان يطلق عليه “بالزنج”؛ وهو الاسم الذي أطلقه الجغرافيون العرب في العصور الوسطى للدلالة على الساحل الشرقي لأفريقيا وعلى سكانها السود، وكانت جزيرة زنجبار هي نقطة وصل ومستودع لهؤلاء الضحايا الأفارقة الذين جيء بهم إلى العالم الجديد من قبل الرجل الأبيض الأوروبي “المتحضر”! لاستعمالهم في شق الأنهار وحفر الآبار وحرث الأراضي القفار..؟

الناس.. والتاريخ

يتكون شعب كوراساو من جنسيات مختلفة ومتعددة وأغلبهم أفارقة أتت بهم هولندا وإسبانيا إلى هنا بغية استعمالهم في أشغال يدوية وفلاحية.. كما وصلت إليها في أواخر القرن التاسع عشر هجرات هندية وعربية خصوصا من بلاد الشام، نتيجة الظروف السياسية المتردية التي كانت تعاني منها الخلافة العثمانية حينذاك، وهناك جنسيات أوروبية متعددة تصل 25%؛ لكن عندما نشب خلاف بينهم وبين السود الأفارقة في السابق ذهب أغلب البيض إلى جزيرة أخرى تسمى ”أروبا” وتجمع السكان السود في كراساو، ومن أهم مواردها الاقتصادية فهي السياحة بالدرجة الأولى، وتعتمد على معونات هولندا وبعض المنظمات الإغاثية الدولية ؛ لذا فحكومة هذه الجزيرة تعودت الكسل ولا يريدون الاستقلال من هولندا، الدولة الأم بالنسبة لهم، وقد حبا الله عزوجل هذه الجزيرة بأن تكون ملجأ لأكثر البواخر والسفن العالمية؛ بحيث تشكل سواحلها مراسي طبيعية للسفن، وبنفس الوقت إذا حصلت أي عاصفة أو ارتفعت أمواج البحر الكاريبي فهي أول الجزر التي تستقبل السفن المطاردة بالرياح والعواصف القوية، وليس فيها أي مورد زراعي، فجميع الخضار والفواكه تأتيها من فنزويلا، وأما المياه فهي من التحلية فقط، وهكذا نجد أن الماء والكهرباء أغلى شيء في هذه الجزيرة.. وهناك حقيقة تغيب عن كثير من الباحثين والدارسين والمهتمين بالأقليات العرقية في أمريكا اللاتينية، هو أن جزيرة كوراساو كانت المحاولة الأولى من قبل اليهود ألأوروبيين للاستيطان بين أحضانها والعيش فيها، فكانت المحاولة الأولى سنة 1650 حين وصلت 12 عائلة يهودية تحمل خطابا من مجلس هولندا الحاكم تطلب منه أن يمد لها يد المساعدة، بأي صورة من الصور، وعلى أي شكل، سواء بالعبيد أو الأرض أو الأحصنة أو القطعان أو الأجهزة، ويبدو أن اليهود كانوا جماعة استيطانية زراعية؛ إذ إن المستوطنين الهولنديين كانوا يهملون الزراعة؛ لأن تجارة البضائع المهربة كانت أكثر ربحًا، ومع هذا يبدو أن التجربة لم تنجح تماما بسبب بعض القيود التي فرضت على حركتهم (ربما بسبب جو محاكم التفتيش الذي كانت تتعقب اليهود والمسلمين على السواء في إسبانيا والعالم الجديد)؛ ولذا حينما طلب مجلس هولندا من أحد اليهود أن ينقل مزيدا من الأسر اليهودية وعرض منحهم حقوقا وامتيازات استثنائية (مثل: الإعفاء من الضرائب لمدة عشرة أعوام وحق حيازة الأراضي التي يجدونها ملائمة، وحق عدم العمل يوم السبت) لم يجد هذا الطلب آذانا صاغية، ولكن حينما استولت البرتغال على البرازيل من هولندا، عام 1654، فرت مجموعة من اليهود إلى كوراساو وأخذت رأسمالها معها، وقد كان ضمن نشاطاتهم الأساسية تجارة العبيد، وفي هذه الآونة أزيلت القيود كلها عن اليهود. وفي عام 1693، غادرت مجموعة من اليهود إلى الولايات المتحدة فكانت أول جماعة يهودية تستوطن فيها.

وقد تحسنت أحوال يهود كوراساو، حتى إنه بحلول عام 1740 كان عدد اليهود ألفين، كانوا يملكون معظم الممتلكات في الجزيرة، مع أن غالبية أعضاء الجماعة اليهودية كانت من السفارد، وقد احتدمت النزاعات بين الجماعتين اليهوديتين الرئيسيتين: “الأشكيناز” و”السفارد”، الأمر الذي اضطر الحكومة الهولندية إلى التدخل لإصلاح بين الجماعات المتناحرة في عام 1746 (كانت الحكومة هي التي تدفع رواتب قيادات الفرق الدينية) ورغم تصالح الفريقين المتخاصمين؛ فإنه في عام 1749 تم بناء حائط في المقبرة اليهودية ليفصل بين موتاهما، وقد ظل هذا الحائط قائما قرابة مائة عام، وقد حدث انقسام آخر في عام 1862، وقد أخذ أعضاء الجماعة اليهودية في كوراساو في التناقص حتى أصبحوا في عام 1939 نحو 800 من مجموع 90.000 ولم يتجاوز عددهم الآن سوى 100 أو200 شخص ؛ ولكنهم أقوياء سياسياً واقتصادياً، وجل القطاع البنكي والمالي والسياحي بيدهم، بالإضافة إلى امتلاكهم أهم الشركات والمتاجر والعقار.

الإسلام في جزيرة كوراساو

تعد الكاثوليكية هي الديانة الأولى في الجزيرة، تليها البروتيستانتية، وهناك مذاهب متعددة غريبة عجيبة كعباد الطبيعة والأرواح.. بجانب الديانة المسيحية واليهودية هناك الدين الإسلامي، والذي دخل إلى كوراساو عن طريق “العبيد” المجلوبين من إفريقيا من طرف الدول المستعمرة؛ كإسبانيا والبرتغال وهولندا.. وعندما مارس الاستعمار الهولندي قبضته على هؤلاء الأحرار الشرفاء، وأذاقهم من ألوان الذل والإهانة والأعمال الشاقة ما لم تستطع عليه الأجساد البشرية سبيلاً وتحملاً؛ فكانت أعداد كبيرة منهم تهرب من المستوطنين إلى الغابات وتتحد مع السكان الأصليين من الهنود الذين اقتلعوا من اراضيهم بالحديد والنار، ثم تقوم بغارات على المزارع، وكان أصحاب المزارع يستجلبون المزيد من العبيد ليحلوا محل الهاربين في الغابات، وهكذا أصبحت تجارة العبيد من الطرق البسيطة للوصول إلى الغنى الفاحش في عصر همجية أوروبا، التي تحاول اليوم بكل قوة ان تنسينا بربريتها وما فعلته بشعوب قارة أمريكا!

وتشير بعض الحقائق التاريخية والأثرية بالجزيرة أن أغلب هؤلاء “العبيد” كانوا من المسلمين..

 يقول الداعية وسام محمد عبد الباقي: ولا عجب وأنت تتجول بشوارع مدن كوراساو، تشاهد شارع محمد، وشارع القرآن، وشارع المدينة، وشارع مكة، أو تسمع بمنطقة محمد..!؛ لكن اليوم هذه المجموعات من المؤمنين المسلمين تلاشوا وذابوا في خضم المعترك الاستعماري وابتلعهم الاسترقاق، ومات الآلاف منهم بسبب الأعمال الشاقة والمعاملة القاسية، أو الحروب الطاحنة التي خاضتها الدول المستعمرة فيما بينها، وكانوا “العبيد” الأفارقة حطبها! وبعد الحرب العالمية الثانية وصلت إلى الجزيرة هجرة إسلامية من الشام وخصوصا من طرابلس، وضيعة “جب جنين” و”القرعون”..ثم توالت الهجرة إلى الجزيرة من بلاد متعددة كالهند، والباكستان..

ويصل عدد المسلمين حالياً إلى ما يزيد عن 3000 مسلم، من بينهم الأفارقة ممن اعتنقوا الإسلام حديثاً، وأكثر المسلمين حالتهم الاقتصادية جيدة، وقد أسسوا جمعية إسلامية سنة 1964م، ثم بنوا مسجداً ضخماً في بداية السبعينات، وحضر حفل افتتاحه الرسمي ملكة هولندا ورموز الجالية المسلمة وبعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة.. وأدخلوا عليه بعض التحسينات والتوسعات في السنوات القليلة الماضية؛ لكن مشكلة هذا المسجد هو أنه خاو من المصلين أغلب الأيام، اللهم في شهر رمضان؛ حيث تكثر فيه الحركة شيئا ما، وفي سياق هذا الجمود الدعوي في الجزيرة وعن عدم حضور المسلمين للصلوات..

 يقول الداعية عبد القادر الأشتر: زرت الجزيرة برمضان في مهمة دعوية ؛ حيث كنت أصلي هناك كان عدد المصلين في صلاة العشاء والتراويح لا يتجاوز العشرة أشخاص، وحضرت صلاة الجمعة فكان العدد لا يتجاوز الثلاثين، ويعلل الأشتر هذا الغياب بقوله، الناس هنا لا يعرفون من الحياة سوى المادة، مع أنهم موسع عليهم في رزقهم، لكنهم لا يضعون شيئا في صندوق الجمعية، ولولا أن الإمام يتقاضى راتبه من جمعية الدعوة الإسلامية العالمية الليبية لظلوا بدون إمام!

لكن اليوم -وشهادة لله وللتاريخ- فإن الجمعية قد خرجت من سباتها العميق، وتحركت لخدمة الإسلام والمسلمين في هذه الجزيرة..

 ومما قامت به في السنوات الأخيرة من إنجازات:

 استحداث باحة مسقوفة لإفطار الصائمين في رمضان وغيره من المناسبات، وإنشاء كافتيريا لتجمع المسلمين واستقطابهم وخاصة الشباب منهم وإكمال الحائط المحيط بالمصلى وإعلائه لعدة عوامل، أهمها العامل الأمني وتغيير سقف المراحيض وتجهيز مكتبة المسجد بآلة ناسخة ومكيف هواء، وإنشاء حمام خاص للنساء في مكان أنسب، وفصل مصلى النساء عن مصلى الرجال، وإصلاح الملعب وتأهيله كي يزاول فيه أكثر من ثلاث ألعاب رياضية وبناء أحواض للأزهار بباحة المسجد، وفرش المسجد وتجهيز مكيفاته وثرياته وإكمال ترميم المئذنة؛ كما أن المسجد أصبحت تقام فيه مجموعة من الأنشطة الدعوية والتعليمية والاجتماعية والرياضية منها: خطبة الجمعة، وتوزيع الأشرطة والمنشورات النافعة واستقبال طلاب المدارس والسياح، وغيرهم من أهل الجزيرة للتعريف بالإسلام والإجابة على أسئلتهم والتوعية الإسلامية؛ حيث يتم استقبال المسلمين والإجابة على أسئلتهم وما يحتاجونه من فتاوى… ومن الأنشطة التعليمية: إقامة دورة أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- لتعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وتقام كل يوم سبت للأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين 5 – 15 سنة، ويبلغ عددهم حوالي 30 طفلاً وطفلة، وهذا العدد في تزايد مستمر والحمد لله، وإقامة دروس ودورات شرعية للنساء تلقيها زوجة إمام المسجد، وإلقاء موعظة يومية بعد صلاة العشاء يلقيها إمام المسجد، وتنظيم دورة شرعية للرجال يومين في الأسبوع… وتشمل الأنشطة الاجتماعية: زيارة المنازل والمحلات التجارية، وعيادة المرضى، وإجراء عقود الزواج والطلاق، والإصلاح بين الأزواج والأقارب، وتغسيل الأموات وتشييع الجنائز، كما أن هناك نشاطاً رياضياً ويقام يوماً واحداً في الأسبوع؛ حيث تقوم الجمعية باستئجار قاعة رياضية، وهناك نشاط رياضي يقام بملعب المسجد… ومن المشاريع المستقبلية التي تعتزم الجمعية القيام بها بناء مدرسة لأبناء المسلمين.

والجدير بالذكر أن الجمعية تمتلك مقبرة خاصة بالمسلمين تبلغ مساحتها 3040 متراً مخصصة لدفن موتى المسلمين وللغرباء مجهولي الهوية، وكانت السفارة السعودية -مشكورة- قد منحت للجمعية الإسلامية الخيرية بكوراساو مبلغ 118.000 ″حوالي65.000 دولار أمريكي” لتسوية أرضية المقبرة ولترميم المسجد.