المسلمون المنسيون في كوراساومقالات

السيد محمد المسيري

المصدر: صوت العروبة - 18 يوليو 2015م.

 

تعد كوراساو “Courasaw” من الجزر الصغيرة التي توجد في منطقة البحر الكاريبي، ومن أهم مراكز نشر الدعوة الإسلامية في الجزر المحيطة بها بمنهجية الوسطية التي يدعو إليها الإسلام، والتي تعرف باسم جزر الأنتيل الهولندي.. حيث تعرضت هذه الجزيرة لحقبة استعمارية طويلة ألحقت أكبر الأثر الفعلي على مسيرة المد الإسلامي فيها.

 ومع ذلك، نهض المجتمع الإسلامي بها فترة أخرى بعقيدة راسخة، وإيمان قوي أثبت بها فعالية وجودة ليس في مجال حياتي دنيوي معين بذاته، بل في سائر المجالات الحياتية الدنيوية الأخرى.

وبالتالي، فالمسلمون في واقع الأمر منسيون في هذه الجزيرة، ونكاد لا نسمع عنهم، ولا عن أحوالهم المتباينة بها. وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم تسليط آليات إعلامنا العربي والإسلامي عليهم، ولا على مشاكلهم التي يتعرضون إليها ولا على هذه الجزيرة التي يقطنون أرضها.

ومن ثم، سوف نقدم في هذه السطور قدراً من المعرفة على هذه الجزيرة، وعلى أحوال المسلمين فيها، وعلى أنشطتهم الإسلامية بها للاهتمام بهم، ولتلبية مطالبهم، ولسد احتياجاتهم حتى يعيشوا في أمن وسلام.

الموقع الجغرافي والمساحة:

كوراساو هي إحدى جزر الهند الغربية الهولندية، وتقع على مقربة من ساحل فنزويلا، وتبلغ مساحتها 212 ميلاً مربعاً(1).

السكان

يقدر عدد سكان هذه الجزيرة بحوالي 120 ألف نسمة. وعاصمتها : ويلميستاد “Willmestad” ووصل عدد الذين يدينون بالدين الإسلامي: ثلاثة آلاف مسلم في عام 1964م. وازداد عدد المسلمين فيها حتى وصل إلى سبعة آلاف مسلم في عام 1974م. أما اليوم. فقد تزايد عددهم إلى ثمانية آلاف مسلم.

اللغات والدين

تنشر عدة لغات في كوراساو منها : الهولندية، وهي اللغة الرسمية، والأسبانية، والإنجليزية، والعربية، وبعض اللغات المحلية. أما الأديان السائدة فيها هو الدين المسيحي، والدين الإسلامي. وبالتالي، اعترفت السلطات الكوراساوية فيها بالأقليات المسلمة، وبالإسلام كدين يعتنقه عدد لا بأس به من السكان.(2)

كوراساو في عهد الاستعمار

لقد احتل الإسبان هذه الجزيرة في عام 1527م، ثم استولى عليها الهولنديون في عام 1634م، ثم استوطنها اليهود الذي يعد أول استيطان يهودي لها في عام 1650م في إطار الاستعمار الاستيطاني الغربي الذي بدأ نشطاه في العالم الجديد The New World. ثم أصبحت بعد ذلك تابعة مباشرة لهولندا. (3)

الإسلام في عهد الاستعمار

لقد عمل الاستعمار الإسباني، والهولندي، واليهودي على إعاقة نشر الإسلام في هذه الجزيرة على أن لا يمتد تأثيره الفعلي على أتباع الأديان الأخرى فيها، ولا على الجزر المحيطة بها حتى لا تقوى شوكة المسلمين في أرجائها.

استقلال كوراساو

لقد حصلت كوراساو على استقلالها من الاحتلال الهولندي في عام 1954م.

كيف دخل الإسلام إلى كوراساو؟

لقد دخل الإسلام إليها عن طريق المهاجرين المسلمين الأوائل إلى بلدان أمريكا اللاتينية. وهؤلاء المهاجرين كانوا من مسلمي غرب أفريقيا، والأندلس، والذين استقروا فيها، وأسسوا حضارة إسلامية متميزة منذ القرن العاشر الهجري. ونشروا الإسلام من أفريقيا. ونزل كريستوفر كولومبس ضيفاً عليهم في عام 899هـ -1493م، وساعدوه في الوصول إلى الجزر الأخرى المجاورة. (4)

مشاكل المسلمون في كوراساو

يعاني المسلمون فيها من عدة مشاكل تكمن في قلة الدعاة الذين يجيدون التحدث باللغات: الهولندية، والأسبانية، والإنجليزية لكي يبصروهم بدينهم الإسلامي.

ويعانون أيضاً من نقص كبير في المصاحف، والكتب الدينية، وترجمات معاني القرآن الكريم للغات المتقدمة الذكر. كما يعانون أيضاً من قلة المعلمين بها، ومن عدم دعوتهم إلى المشاركة في الندوات، والمؤتمرات الإسلامية التي تعقد من وقت إلى آخر في دول العالم العربي والإسلامي.

المؤسسات الإسلامية

يمارس المسلمون في كوراساو نشاطهم الإسلامي من خلال عدة مؤسسات إسلامية تكمن في الآتي:

1- الجمعية الإسلامية: لقد أنشأت هذه الجمعية أول مسجد جامع لها في العاصمة ويلميستاد. وقد ألحق بالمسجد مدرسة قرآنية لتحفيظ النشء المسلم القرآن الكريم، وتعليمه اللغة العربية.

2- إنشاء نادي إسلامي يضم المسلمين، ويمارسوا فيه أنشطتهم المختلفة.

3- إقامة مركز إسلامي في هذه الجزيرة حيث تم تأسيس هذا المركز في عام 1604م من أجل إعلاء كلمة الحق تبارك وتعالى، والمحافظة على أبناء المسلمون من ذوبانهم في المجتمعات الغربية بتبصيرهم أمور دينهم. ويضم المركز مسجداً كبيراً، ومعهداً إسلامياً لتحفيظ القرآن الكريم، ومكتبة إسلامية تضم كتب العلوم والمعارف الدينية، ومدرسة إسلامية للبنات، وعيادة طبية. كما ألحق بالمركز الإسلامي مساكن للدعاة والمعلمين.

ويتولى رئيس المركز الإسلامي في العاصمة ويلميستاد منصب المفتي المسلمين ويتم انتخاب رئيس المركز وأمينه العام بمعرفة المسلمين هناك وقد نظم المجلس العديد من الندوات الدينية في المناسبات الإسلامية، والتعريف بالإسلام. وهذا من شأنه أن أثر تأثيراً كبيراً في انتشار الإسلام إلى محيط الجزر المجاورة لها عن طريق القوافل الدينية التي قامت بها فيها مما يعد نجاحاً باهراً للإسلام والمسلمين.(5)

مقبرة للمسلمين

لقد أقامت الجمعية الإسلامية المتقدمة الذكر هذه المقبرة في كوراساو، وذلك لدفن أموات المسلمين بها.

ولهذا، وبناء على ما أشير بحثه سابقاً، فإن كوراساو وكجزيرة تتعدد فيها الثقافات، واللغات، والأديان لكونها أرض خصبة لنشر الدين الإسلامي فيها حيث ترتب على سماحته أن تعايش المسلمون مع أتباع الديانات الأخرى في تآلف وتعاون مما أدى إلى اعتناق أعداد كبيرة منهم، ومن أبناء هذه الجزيرة، والجزر المجاورة له. وبالتالي، ينبغي على بلدان الأمة العربية والإسلامية، ومن الأزهر الشريف في القاهرة، ومن رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ومن الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت، ومن منظمة المؤتمرات الإسلامية التي تعقد في دول العالم العربي والإسلامي، وأن يرسلوا إليهم دعاة، ومعلمون يتحدثون لغاتهم ليبصّروهم بشريعتهم الإسلامية، وأن يزودوهم بالمصاحف، والكتب والمكتبات الدينية، وبترجمات معاني القرآن الكريم بمختلف اللغات التي يتكلمون بها، وأن يكثروا من المنح الدراسية لأبنائهم حتى يعودوا علماء نافعين إلى وطنهم لنشر الدعوة الإسلامية في مجتمعهم الذي يعيشون فيه حتى تزداد فعاليتهم، ويقوي شأنهم، وتعم أواصرهم.


* الهوامش:

1- الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري: أول دولة يهودية حديثة كيف تم القضاء عليها؟ إسلام أون لايت نت، 22/1/2001م.

2- الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، أول دولة يهودية حديثة كيف تم القضاء عليها ؟، مرجع سابق.

3- جريدة الشرق الأوسط، العدد رقم 9072، الشركة السعودية للأبحاث والنشر، لندن – المملكة المتحدة، الثلاثاء: 4 شعبان 1424هـ – 30 سبتمبر 2003م، ص1.

4- جريدة اللواء الإسلامي، العدد رقم 763، الحزب الوطني الديمقراطي، القاهرة، الخميس: 21 ربيع الآخر 1417 هـ – 5 سبتمبر 1996م، ص13.

5- جريدة العالم الإسلامي، العدد رقم 1620، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، الإثنين 24 جمادى الآخرة 1420-4 أكتوبر 1999م، ص6.