كيف يصور الألمان الإسلام في غرب أفريقيامقالات

هولكر ويس

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

كيف يصور الألمان الإسلام في غرب أفريقيا[1]

 

كانت النظرة الألمانية للإسلام والصورة التي صورتها عن العالم الإسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر نظرة أكاديمية مقتصرة على ما ورد في البحوث العلمية والأكاديمية التي تحدثت عن الإسلام، ولم تكن نظرة عملية واقعة ناجمة عن اختلاط واحتكاك بالمسلمين على الأرض، بل إن نظرة الألمان تأثرت بما وُضع من الأنماط العامة للاستشراق، وفي هذا السياق يمكن رؤية موقفين متناقضين حول الإسلام: تهديد الإسلام وإمكانيات الإسلام، وقد تعرضت السياسة الاستعمارية الألمانية لانتقادات بين البعثات المسيحية، وفي حين برز بعض المفكرين الألمان الذين تبنوا سياسة مؤيدة للمسلمين من أمثال كارل بيكر، فقد دار جدل واسع ولغط كثير في ألمانيا بين مختلف أطياف الشعب حول ضرورة إجراء المزيد من التحقيقات التفصيلية التي تبين حالة الإسلام، وظروف المجتمعات الإسلامية، ونتيجة لذلك تم إطلاق عدة تحقيقات كبيرة تسلط الضوء على واقع المسلمين في المستعمرات الألمانية الأفريقية.

 

الوضع الاستعماري: أفريقيا وألمانيا

لم يترك الاستعمار الألماني شواهد وآثار كثيرة على مظاهر الحياة العقلية والمادية في حياة الأفارقة، فلم تكن حقبة الاستعمار الألماني سوى حلقة قصيرة من الوحشية والإجرام، وقد تم العثور على عدد قليل من المباني الاستعمارية الألمانية السابقة هناك، ولا غرابة في ذلك إذ إن الحقبة الاستعمارية الألمانية قد انتهت بالفعل في منتصف العقد الأول من القرن العشرين، هذا وقد حكمت إدارات مدنية معظم الأقاليم الأفريقية التي استعمرتها ألمانيا، بينما خضع جزء صغير من المناطق المحتلة لسيطرة الميليشيات العسكرية التي عاثت فسادًا وظلمًا لمن هم تحت سيطرتهم.

ووفقًا للرواية الرسمية الألمانية لم يشكل المسلمون في أفريقيا أي تهديد حقيقي لحكمهم على الأقل في بداية الحقبة الاستعمارية الألمانية، وقد صرح المسؤولون الألمان أن الإسلام في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في أفريقيا لم يكن متعصبًا ولا ثوريًا، حيث كان تصورهم للإسلام المسالم في أفريقيا نتيجة لآراء السياسيين والعلماء والرحالة الألمان الذي استكشفوا تلك الأقاليم في القرن التاسع عشر.

بيد أن هذه النظرة الألمانية للإسلام والمسلمين في أفريقيا تغيرت مع بدايات القرن العشرين، ويمكن اختزال السبب وراء تغير هذه النظرة في الأزمة التي شهدتها فترة الحكم الاستعماري الألماني لتلك المناطق، والتي أدت إلى تمردات شعبية كتمرد هيريرو وناما في جنوب غرب أفريقيا الألمانية، وانتفاضة ماجي-ماجي في شرق أفريقيا الألمانية، إلى جانب الانتقادات المتكررة التي وجهها بعض الدعاة والسياسيين للسياسة التي انتهجتها ألمانية في مستعمراتها الأفريقية، وكذلك مهدت الانتفاضة المستوحاة من المهدية في شمال الكاميرون إلى جانب اضطرابات مماثلة شهدها شمال توغو، وانتشار ما عُرف باسم "رسائل مكة" في شرق أفريقيا الألمانية عام 1908 كل ذلك معًا ألهب مشاعر المسلمين وولّد لديهم شعور الغضب تجاه السياسة الاستعمارية الألمانية بحق المجتمعات المسلمة في أفريقيا بشكل خاص، والعالم بشكل عام، وهذا ما أدى إلى تجدد النقاش في ألمانية حول ضرورة تغيير سياستها، وانتهاج سياسات أكثر اعتدالًا وانفتاحًا تجاه المسلمين.

 

خاتمة

من الجدير بالذكر أنه بالرغم من بعض الجهود التي بذلها المستشرقون الألمان إلا أنهم لم يستطيعوا فهم وإبراز الصورة المتكاملة للإسلام في مستعمراتهم الأفريقية، إذ إنهم لم يتوصلوا إلى حقائق واضحة حول طبيعة المجتمعات الأفريقية المسلمة، ولم يكتشفوا ماهية ولا ظروف عيش تلك المجتمعات، ويمكن عزو ذلك إلى عدم اهتمام بعض أولئك المستشرقين في معرفة تلك الظروف والاطلاع عليها، أو أنهم حاولوا الاندماج في تلك المجتمعات بغية الإحاطة بظروف عيشهم ولكن دون جدوى، وهذا يكشف بوضوح كيف أن المسؤولين والحكام الألمان كانوا منعزلين وبعيدين عما يجري على الأرض التي من المفترض أنهم يحكمونها، فقد كان همهم الوحيد هو إرساء الاستقرار، ومنع حدوث الفوضى بشتى الوسائل دون محاولة الانصهار في بوتقة تلك المجتمعات بهدف معرفة طباعهم، وطريقة تفكيرهم، وأسلوب حياتهم، ويمكن القول أن التحقيقات الألمانية كانت طموحة في أساسها وأهدافها لسبر أغوار المجتمعات الأفريقية المسلمة، بيد أن نقص معرفة المسؤولين الألمان أو قلة اهتمامهم أو كليهما معًا هو ما وأد تلك الطموحات سريعًا، وبخاصة منذ الشرارة الأولى لانطلاق الحرب العالمية الأولى التي قضت على الحلم الاستعماري الألماني، وجعلته حطامًا وأثرًا بعد عين.

 

[1] الترجمة نقل دقيق لجزء من محتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://www.jstor.org/stable/pdf/25653340.pdf