الإسلام في سيراليون بين الهوية الوطنية والاستعمارمقالات

محمد بصير سلاح

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

الإسلام في سيراليون بين الهوية الوطنية والاستعمار[1]

محمد بصير سلاح

أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية، جامعة هامبتون – هامبتون - فيرجينيا - الولايات المتحدة الأمريكية

 

مقدمة

شهد وصول الإسلام إلى سيراليون في القرن الثامن عشر الميلادي ظهور هوية وطابع جديد للناس هناك، حيث إنه أتى بأفكار جديدة تم دمجها في الوسط الاجتماعي للمجتمع السيراليوني، ففي نهاية القرن الثامن عشر كان للإسلام تأثير كبير على النسيج الثقافي من المجموعات العرقية المختلفة في البلاد، إذ فشل التأثير الاستعماري الأوروبي في وقف انتشار العقيدة الإسلامية، وتعتزم هذه الدراسة تسليط الضوء على رد فعل الحكومة الاستعمارية البريطانية  تجاه الإسلام كمحور أساسي للدراسة، فضلًا عن أنها ستناقش الجوانب السياسية، والاجتماعية، والديناميكية للمجتمع السيراليوني، ودور الإسلام في خلق هويته الوطنية.

 

الإسلام في سيراليون: سردٌ تاريخيّ

وصل الإسلام إلى غرب السودان من قبل البربر العرب من شمال إفريقيا في القرن الثامن، حيث دخل لأول مرة إمبراطورية غانا القديمة، ثم انتشر فيما بعد في أجزاء مختلفة من غرب أفريقيا في فترات زمنية مختلفة، وبحلول الثامن عشر القرن وصل إلى سيراليون عن طريق قبائل سوسو، وفولا، وماندينكا في غينيا الوسطى، فقد هاجرت هذه المجموعة إلى سيراليون بعد أن أعلن ألفا كاراموكو في غينيا الحالية حربًا مقدسة عام 1726 ضد غير المؤمنين، وضد المسلمين الذين لم يكونوا يعيشون وفق أصول الإسلام، وقد سهّلت هذه الموجة من المهاجرين انتشار الإسلام في البلاد، ففي عام 1767 غزا مسلمو الفولاني أراضي ليمباس في الجزء الشمالي من سيراليون تحت قيادة Alimamy Bedemba، والذي سهّل انتشار الإسلام في المنطقة، وبالفعل ازدادت شعبية الإسلام في سيراليون في القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين، فاستمر منذ انتشاره في سيراليون في جذب المزيد من الناس في البلاد لاعتناقه أكثر من أي دولة أخرى، ولعب المسلمون الأصليون دورًا أساسيًّا في الترويج للدين الإسلامي الذي أصبح يُنظر إليه على أنه جزء من الثقافة الأفريقية في مقابل الثقافة الغربية

 

رد الفعل الاستعماري على الإسلام في سيراليون

ردت الحكومة الاستعمارية في سيراليون في البداية على النمو السريع للإسلام في ذلك البلد، والذي وجدوا فيه تهديدًا لمصالحهم كما حدث لهم في أجزاء معينة من غرب إفريقيا، حيث كان الإسلام يمثل تهديدًا لسياسة الهيمنة الاستعمارية التي ينتهجونها، بيد أنها ما لبثت أن أدركت عجزها عن وقف انتشار الإسلام في المجتمع، إذ رأى البريطانيون في المسلمين منافسين سبّاقين لاحتلال مكانة في قلوب وعقول الأفارقة الذين لم يكتفوا باعتناق الإسلام فحسب؛ بل تسابقوا إلى دراسته والتخصص في مختلف ميادين علومه، وقد أثمر التعاون والتفاعل بين السيراليونيين وغيرهم من المسلمين الأفارقة في مدينة فريتاون وغيرها من المدن ظهور جامعة الآغا خان في فريتاون، والتي انتهجت الإسلام، ومثّلت الجالية المسلمة الأكبر في سيراليون.

وفي الواقع لعبت التربية الإسلامية دورًا بارزًا في تأكيد الهوية الإسلامية للمسلمين الأفارقة، عبر تعزيز الوحدة داخل المجتمع الإسلامي هناك، والتركيز على تدريس العلوم الشرعية جنبًا إلى جنب مع اللغة الإنجليزية، والعلوم، والرياضيات في المدارس، والكليات، وقد أبدى إدوارد دبليو بلايدن الذي ينحدر من جزر فيرجن في جزر الهند الغربية اهتمامًا كبيرًا بـإنشاء مدارس إسلامية، وبعد مسيرة بلايدن العلمية فقد أصبح مفكرًا هنديًا غربيًا في عموم أفريقيا، إذ سعى جاهداً من أجل رفع مستوى العرق الأسود سواء في قارة أفريقيا أو في الشتات، وبالرغم من اعتزام البريطانيين جعل سيراليون مستعمرة مسيحية، إلا أنهم سرعان ما أدركوا أهمية الإسلام كدين؛ لذا بدأت السلطات في التسامح معه واستيعابه، فوظّف البريطانيون مسلمين تعلموا ترجمة الرسائل والوثائق الأخرى ذات الصلة من العربية إلى الإنجليزية والعكس، كما أنهم وبعد أن أدركوا إمكانات النص العربي، فقد شجّعوا إنشاء مدارس ابتدائية إسلامية في فريتاون، والمناطق المجاورة لها، وكانت أول مدرسة تأسست تحت رعاية الحكومة في البلاد هي مدرسة هارونيا عام 1891 في ظل إدارة السير جيمس هاي.

وقد شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية نموًّا سريعًا للإسلام في سيراليون، والذي كان ينتشر بشكل مطرد بين مندي ومجموعات عرقية أخرى في الأجزاء الشرقية والجنوبية من البلاد حيث كانت العديد من الجماعات العرقية هناك تمارس المسيحية، وهكذا أصبح الإسلام اليوم العقيدة السائدة في جميع أنحاء البلاد، ولا سيّما في الشمال.

 

خاتمة

على الرغم من استمرار بعض الممارسات القبلية وغير الإسلامية، ورغم اعتزام البريطانيين وقف انتشار الإسلام، إلا أنه اكتسب أرضية قوية في سيراليون، وانتشر في المحافظات، وأصبح الدين السائد في العاصمة التي تضم العديد من الجمعيات الإسلامية، مثل المجلس الإسلامي الأعلى لسيراليون، ومؤتمر مسلمي سيراليون، فكان يُنظر إليه على أنه جزء قابل للحياة من الثقافة الأفريقية مقابل الثقافة الغربية، وعلى أية حال غيّر دخول الإسلام إلى سيراليون التركيب الاجتماعي الأصلي في البلد، فقد قدّم أفكارًا وابتكارات جديدة، ومزج بين هذه المفاهيم الجديدة والمفاهيم السائدة في الوسط الاجتماعي للمجتمع السيراليوني.

 

[1] الترجمة نقل دقيق لجزء من محتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/02666959408716312?journalCode=cjmm19