تاريخكم... يا شباب الإسلام (1)مقالات

أحمد محمد جمال

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي العدد الثلاثون – السنة الثالثة - غرة جمادى الآخرة سنة 1387 ه - 5 سبتمبر 1967م - (ص54 - 56).


أحمد محمد جمال

عضو مجلس الشورى ـ مكة

 

هذا الحديث، عن التاريخ الإسلامي، الذي اتخذناه مهجورا، موجَّه بصفة خاصة إلى الشباب والطلاب، في الوطن الإسلامي كله. وقد أثرت موضوعه، استجابة لرغبة كريمة، تفضل بها الأخ، رئيس تحرير هذه المجلة المجاهدة. ومن جهة أخرى كان الباعث عليه، أو الحافز اليه أمرين:

الأول: أن بعض الكتاب العرب، يرددون القول بأن تاريخنا الإسلامي لم يُكتب بعد.. ويعنون بهذه القولة الخاطئة أن الاسلوب الذي كتب به تاريخنا.. لا يغري بقراءته، فلابد اذن من اعادة كتابته. 

الثاني: أن أجيالنا العربية المسلمة، التي نسميها (صاعدة) تدير ظهرها للتراث الضخم الفخم، الذي خلفه تاريخنا العربي الإسلامي المجيد، وأورثتنا اياه حضارتنا الراشدة.

فأجيالنا هذه، تضرب الذكر صفحا عن الافكار العربية الإسلامية، وما تشرق به من مبادئ ومثل ونظريات.. سبقنا بها أشباهها ونظائرها من الافكار العصرية، الواردة من غرب أو من شرق، على سواء.

إنهم - أي الشباب والطلاب من عرب ومسلمين - يقولون عنـدما يكتبون أو يتحدثون.. قال أفلاطون. وقال شكسبير. وقال برناردشو. وقال روسو. وقال فرويد. وقـال ديكارت. وقال طاغور. وقال سارتر وأمثالهم - ويعرضون عن قال الله وقال الرسول، وقال عمر، وقال ابن خلدون، وقال الغزالي، وقال أبو العلاء. مع أن العلماء والمفكرين العرب والمسلمين سبقوا غيرهم فيما أطلقوا من أمثـال، وما رسموه من نظريات، وما سـجلوه من آداب وتعاليم.

 

ونبدأ بالحديث عن الرأي القـائل بأن تاريخنا لم يكتب بعد...!

إن صاحب هذا الرأي يرد كل الانحرافات، بكافة أنواعها وألوانها، التي نزلت بالعرب والمسلمين، إلى أن تاريخ حضارتهم العربية الإسلامية لم يكتب بعد، أو أنه كتب بأساليب لا تغري أحدا بقراءته أو الانتفاع به. ويشير صاحب هـذا الرأي إلى تفسخ الأخلاق في المجتمعات العربية والإسلامية، وعدم اقبال الشباب فيها على دراسة تاريخه، ومعرفة ماضيه، والاقتـداء بأسـلافه في المحافظة على روح العبادة وأعمالها ويستدل بهـذه المظاهر على تـأثر الشباب بكون التاريخ الإسلامي لم يكتب بعد.

وقد صدق صاحب هذا الرأي، فيما تحدث عنه من مظاهر الانحراف في المجتمعات الإسلامية. وكان حديثه بذلك ينم عن غيرة وحسـرة تشكران له، كما كان الحديث نفسه يحمل بين كلماته الروائع استغاثة واستصراخا يدلان على احسـاس بالنكبة، وشعور بالمسئولية الفكرية، واهتمام بواجب النجدة والانقاذ. ولكن اختلافي معه ما زال قائما، من أجل تعليله لكل ظواهر ونتائج تخلي المسلمين عن حضارتهم المجيدة الرشيدة، بكون تاريخهم لم يكتب بعد.

 

وسأشير بإيجاز إلى بعض الاسباب والعوامل التي تدل دلالة واضحة على عكس ذلك الرأي، وتثبت أن تاريخنا لم يقرأ بعد، وأنه مدون مكتوب لم يترك منه شيء..

أولا: ان ما يقال من أن تاريخنا لا يستطيع الجيل الناشئ أو الصاعد أن يقرأه، لقدم أسـاليبه، وغرابة معانيه، وصفرة كتبه وأوراقه التي كتب عليها، وسوء ترتيبه.. يدحض هذا الزعم أن تاريخ العروبة المسلمة قد أعيدت كتابته بلغة العصر الحديث وأسلوبه، منذ سنوات عديدة مضت ممثلة في مؤلفات العقاد، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وأبو الحسن الندوي، ومحمد أبو زهرة، ومصطفى السباعي، ومحمـد الغزالي، ومحمد يوسف موسى.. وأمثالهم ممن وضعوا أحسن الكتب عن التفسير، والحديث، والتشريع، والتـاريخ السياسي، والنظريات الاقتصادية الإسلامية، وعن الدراسات المقارنة بين مقررات الفكر الإسلامي ومقررات الفكر الغربي الحديث. بحيث لم تعد حجة المعتذرين (بالكتب الصفراء) القديمة قائمة..

ونضيف إلى ذلك المجلات الشهرية الحديثة التي تصدر في العالم الإسلامي ويعرض كتابها (تاريخنا) بكل فنـونه العلمية والتشريعيـة والتربوية والاخلاقية والفكرية عرضا جديدا، بأسلوب مفهوم - كالأزهر ـ-وحضـارة الإسلام - والوعي الإسلامي - والبعث الإسلامي - والرابطـة - ولواء الإسلام - والمجتمع - ودعـوة الحق.. وغيرها مما لا تحضرني اسماؤها الآن، وهي كافية كل الكفاية في اقناع الشباب الإسلامي بقيمة التراث العظيم الذي خلفه العـرب والمسلمون من معـارف ومبادئ وثقافات سبقت - كما أسلفنا - معارف الغرب ومبـادئه وثقافاته. واعتمد الغرب عليها في سيره العلمي وتطوره الفكري وتقدمه الحضاري.

ونذكر إلى جانب الكتب والمجلات الحديثـة التي عرضت التاريخ الإسلامي عرضا جديدا، ميسور الفهم، المقررات المدرسية في العلوم العربيـة والأحاديث التاريخية.. فهي - الأخرى ـ قد ساهمت في تقريب التاريخ الإسلامي، وتيسير فهمـه، والتشويق إلى مطالعته ودراسته.

 

ثانيا: أن تاريخنا مدون ومكتوب في مطولات ومختصرات ولكل منهما فائدتها ونفعها، ولها قراؤها الباحثون الدارسون على مهــل وتفكير واستنباط، أو المستعجلون المكتفون بالاعتماد على الغابرين، الملتمسون للاستدلال بآرائهم ونظرياتهم.

ثالثا: أن احجام الشباب، أو حتى الشيوخ والكهول عن قراءة تاريخنا، والاتعـاظ به، والانفعال بوحيـه وهديه، ليس حجة على الرداءة في كتابة التاريخ أو صياغته، أو أنه غير کامل أو غير واضح، وأنه محتـاج إلى كتابة جديدة.. فقد أسلفنا أن تاريخنا مدون ومكتوب في المطولات والمختصرات، من ناحية، ومن أخرى قد عرضه الكتاب المحدثون عرضا جديدا، مع التحقيق والتصحيح، والطبع الانيق، ونشرته دور الطباعة في العالم العربي كله، وخاصة في القاهرة وبيروت.

رابعا: أن الإحجام عن قراءة التـاريخ الإسلامي، هو نتيجـة لتصرفات مؤسفة صنعها المسلمون أنفسهم، وخلقوها بأيديهم.. اذ لم يوجه الآباء والمربون والمعلمـون اهتمامهم المخلص إلى توعية الطلاب تاريخيا واغرائهم بقراءة تاريخهم، ومراجعة تراثهم الحضاري، وحملهم تلقائيا على الانفعـال بالأمجاد الإسلامية السالفة.. حتى انصرفوا إلى ملء فراغاتهم الطويلة العريضة بالاستماع إلى الاذاعات ومشـاهدة التلفازات، ومطالعة الصحف والكتب التي تروى قصص الجنس وتنشـر صوره، وتحض على ممارسة تجاربه.

خامسا: ان وزارات التربية والتعليم، في البلاد العربية والإسلامية عامة ليست براء من مسئوليتها عن توجيه الشباب والطلاب إلى دراسة تاريخهم والانفعال بأمجاده، والمحافظة على تقاليده وآدابه.

سادسا: أن الآباء والامهات مسئولون بصفة خاصة عن تربية أبنائهم تربية عربية إسلامية، تمنحهم شخصية انسانية مستقلة، لا تذوب في تقاليد الشعوب الاجنبية الأخرى، ولا تنماع في اتجاهاتهـا الفكرية والاجتماعية. ولعلنا لم ننس التوجيه الإسلامي الذي انطلق على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (أو ينصرانه أو يمجسانه) والتوجيـه النبوي الآخر: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر).

فالآباء والامهات وأولياء أمور الطلاب والشباب - لا التاريخ المتهم البريء - هم المسئولون عن اهمال الجيل الناشئ أو الصاعد - كمـا يسمونه تجوزا أو تفاؤلا - لـكل تقاليده الدينية والقومية، وجهـله بالتراث الفكري والحضاري الذي خلفته العروبة والإسلام.

وهم - أولئك الآباء والامهات وأولياء الامور - مطالبون، في نفس الوقت بأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم وبناتهم، فان الاطفال والاحداث، كما هو معروف نفسيا وتربويا، يتأثرون بالأسوة العملية في ساداتهم وكبرائهم، أكثر مما ينفعلون بما يقرأ عليهم أو يكتب لهم، أو ينصحون به.

سابعا: ان أوروبا، في عصورها المظلمة (الوسطى) قد اقتبست من تاريخنا وهو لم يكتب بعد كما هو الآن، وانتفعت بحضارتنا العربيـة الإسلامية، ونقلت علومها وفنونهـا وآدابها، كما يعترف بذلك (رينان) و (جب) و (جوستاف لوبون) و (آرثر) وغيرهم من المفكرين والمـؤرخين الغربيين.

فكيف يقال: إن تاريخنا لم يكتب بعد؟

الواقع، اننا نحن آباء، ومعلمين ومربين، كتابا وصحفيين واذاعيين - مسئولون عن عدم الانفعال بتاريخنا العظيم ومثلنا في القاء التبعية على التاريخ واتهامه بالعجز والتقصير.. كما قال الشاعر الحكيم:

نعيب زماننا، والعيب فينـا

وما لزماننا عيب.. سوانا

وفي المقالات التالية، إذا أذن الله وأعان، نواصل الكلام عن السوابق العربيـة والإسلامية، في مختلف النظريات والعلوم، ومناهج التفكير، لتكون هدى وموعظة لطلابنا وشبابنا.

والله سبحانه - هـو الموفق والمستعان.

0 شخص قام بالإعجاب


شاهد أيضاً