الإسلام والتمييز العنصري (2)مقالات

الشيخ أحمد العجوز

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي – السنة الثالثة – العدد الخامس والثلاثون – غرة ذي القعدة سنة1387 ه – يناير سنة 1968 م – (ص 55 – 59).

 

الشيخ أحمد العجوز — لبنان

 

المسلم أخ لكل مسلم:

لا يفرق بين المسلم والمسلم لون ولا يميزه جنس، فالمسلم هو بجميع ألوانه، وهو أخ لكل مسلم على اختلاف أجناسه، في أي زمان ومكان، له ما لأخيه المسلم من حق وحرية، ونصر وحماية، ونصح ومحبة، ومعونة وولاء، يساويه في العقيدة والتكليف، والمثوبة والعقوبة، والحق والحرية والمسئولية والقضاء والكفاءة والعدالة. فالمساواة العامة مبدأ الإسلام، وميزة المسلم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) الحديث.

كان عقبة بن عامر الجهني صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليـه وسلم، يقودها له في الأسفار، وقد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينزل عن دابته ويركب اياها، والرسول يمشى على قدميه.

وذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سار إلى بيت المقدس كان معه عبده وناقته، فكانا يتناوبـان الركوب على الناقة، وهو خليفة المسلمين، ولما وصلا إلى بيت المقدس كان غلامه الراكب، وهو خلفه، وكان الأمير على بيت المقدس أبو عبيدة بن الجراح،  رأی أبو عبيدة ذلك فخشى أن يحقره الناس : وهو في بلد من بقايا حكم الرومان، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين أراك تصنع أمرا لا يليق، فإن الأنظار متجهة اليك، فقال عمر : لم يقل أحد ذلك قبلك، وقد كنا أذل الناس، و أحقرهم فأعزنا الله بالإسلام، ومهما طلبنا العزة بغيره أذلنا الله.

 

رفع الإسلام شأن الأرقاء الملونين:

حظي الأرقاء الملونون في الإسلام بالحرية التامة، والعزة والكرامة، ونال بعضهم الرتب الرفيعة. فذلك بلال بن رباح الحبشي، فإنه كان عبدا مملوكا لأمية بن خلف الجمحي، يرهقه في أعماله، ويذله في أشغاله، ويعذبه لإسلامه، ولا حيلة له في نجاته، ولا أمل في هناء حياته، مر به أبو بكر رضي الله عنه فرآه يعذبه لإسلامه، فقال: يا أمية: أما تتقي الله في هذا المسكين؟ حتی متی تعذبه؟ فقال أمية: أنت الذي أفسدته، فأنقذه مما ترى. فاشتراه منه، وأعتقه، ثم صار مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلوات الخمس، فاعتز بالإسلام، وسعد به.

وقد قضى الإسلام بأن تصير العبدة المملوكة حرة، إذا تزوجها سيدها، وأتت منه بولد، ويصبح الولد حرا. قال عمر بن الخطاب رضي عنه: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته، وسالم انما هو عبد أسود. وقد تقلد كثير من العبيد السمر المناصب المالية في الإسلام، بعد أن حررهم من ذل العبودية.

 

فذلك أسامة بن زيد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على جيش عظيم، فيه الكثير من المهاجرين، والأنصار ار وأجلاء الصحابة.

وذلك كافور الإخشيدي اشتـراه الاخشيد من بعض أهالي مصر بثمانية عشر دينارا وحرره، ولما أعجب بذكائه أخذ يرفع من شأنه، حتى صار بیده زمام المملكة المصرية التي كانت من أنفس المماليك الإسلامية.

وهذا السلطان المؤيد: كان من الأرقاء السمر، فاشتراه محمود شاه اليازدي بثمن بخس، ثم قدمه إلى الظاهر برقوق، فأعجب به، وبذكائه فحرره، ثم قلده عدة وظائف في مصر والشام، إلى أن صار سلطانا على مصر، حتى وافاه الأجل المحتوم، وقد دامت سلطنته زهــاء تسع سنوات، وهو الذي بني جامع المؤيد المشهور باسمه في باب المتولي بالقاهرة ووقف عليه أوقافا كثيرة، ويعد هذا المسجد من أفخم الآثـار المصرية إلى الآن.

 

الخلاصة:

والخلاصة أن الإسلام لا ينظر إلى لون المسلم وصبغته، ولا يفرق بين العناصر والأجناس، ولا ينظر إلى الفوارق الإقليمية، واللغوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا إلى عصبية). وإنما ينظر إلى دين المرء وخلقه، وعملـه الصالح وأدبه، ويعمل على ايصاله إلى أعلى الدرجات، وأسمى المراتب في الحياة، ويعني كثيرا بتحرير المماليك، وترقية شؤونهم واعزازهم. وقد بلغت جماعة منها أعلى المناصب في البلاد الإسلاميـة، واسسوا دولتهم المعروفة بدولة المماليك، فنشرت العدالة والطمأنينة بين الناس، وأنشأت الكثير المساجد لعبادة الله تعالى، وساست الأمة سياسة حكيمة رشيدة: وخدمت البلاد خدمات طيبة.

هذه أعمال الإسلام، وهذه ثمراته في المملوكين الملونين، وفي مقاومة العصبية، والتمييز العنصري، فلم يكن بين المسلمين، ولا في البلاد المفتوحة لهم، ولا البلاد المجاورة لهم في أي عصر من العصور نزاع عنصري، ولا خصام تعصبي، جميع العصور المتلاحقة إلى وقتنا هذا، بل كان بين الجميع حب ووئام، وتعاون وإخاء، وخدمة وايثار. وذلك بتأثير هداية الإسلام وعدالته، واصلاحاته ومعاملته بينما تراق الدماء البريئة بسبب التمييز العنصري الجائر في أميركا، وجنوب أفريقيا وتقوم الاضطرابات فيها لذلك آنا بعد آن، ونحن في القرن العشرين، وفي عصر الرقي، والتقدم الفني، فليس كالإسلام مبدأ، يشيد بعزة الإنسانية، ويصون حرمتها في المساواة بين أبنائه. هذا دين الحق، وإن الدين عند الله الإسلام.