الشيخ بركات من وثني أمي إلى داعية في جبال النوبةمقالات

مجلة الكوثر

المصدر: مجلة الكوثر – السنة الأولى - جمادى الأولى- جمادى الآخرة 1421ه – أغسطس 2000م – ص 54

 

لا يذكر الشيخ بركات النمير متى وُلد؛ ولكنه يصر على أن عمره 6۰ سنة، لكن كل الدلائل تشير إلى أن عمره لا يقل عن 80 سنة. لقد ولد الشيخ بركات في جبال النوبة في عائلة وثنية من قبيلة النمانج القريبة من مدينة الدلنج في السودان. ويذكر جيدا أن أمه كانت من أشهر الساحرات في المنطقة، أو ما يسمونه الكجور، ويتذكر جيدا أن بيتهم كان يمتلئ بالمرضى الذين يراجعون أمه طلبا للعلاج، وكبر وهو يرى أدوات السحر والشعوذة معلقة على جدران المنزل، وحتى داخل الكوخ، كان الأهالي يعطون أمه جزءا من محاصيلهم مقابل قيامها بعلاجهم وإنزال المطر الذي تنمو به المحاصيل في هذا الجو، زایَلَهُ شعور غريب، لكنه لم يكن يدري ماهيته. وفي أواخر الأربعينات ويسبب شظف العيش في منطقة جبال النوبة، اتجه إلى منطقة الجزيرة ليعمل في حصاد القطن كعامل زراعي، وكان جميع زملائه من العمال من قبيلة البرقو المسلمة، وهم ينحدرون من أصول تشادية ونيجيرية. تأثر بما رأى من أخلاق طيبة، وحسن معاملة، فأعلن إسلامه على أيديهم، وتعلم منهم بعض أحكام الإسلام، وبدأ الصلاة والصوم. وبعد فترة، نصحه العمال بالعودة إلى أهله لنشر الإسلام وسطهم، فترك عمله وعاد إلى جبال النوبة وبدأ يدعو أهله إلى الإسلام.

 

يقول الشيخ بركات: أتم الدراسة الابتدائية فقط: إن العمل في البداية كان صعبًا للغاية. فالإسلام شيء غريب في قبائل جبال النوبة، وكان الناس يستغربون مني وأنا أصلي وأمارس الشعائر الإسلامية الأخرى، ولكني لم أيأس، فصحيح أن الاستجابة كانت ضعيفة في البداية، لكن سرعان ما تقبل الناس الإسلام وبدأوا يدخلون في دين الله أفواجا.

في فترة تالية، تعرف الشيخ بركات على داعية عربي جاء إلى منطقة جبال النوبة خصيصا للدعوة، هذا الداعية هو الشيخ محمد الأمين القرشي الذي ساهم في نشر الإسلام بشكل كبير في المنطقة في أواسط الخمسينات، ولكن تناحُر الأحزاب الطائفية أدى إلى إجهاض مهمته، فرغم النجاح الباهر الذي حققه، اضطر إلى الانسحاب تاركا العمل الدعوي لأبناء الجبال من أمثال الشيخ بركات.

أسلوبه في الدعوة

 تميز الشيخ بركات بطريقته السهلة في الدعوة. فهو يكسب قلوب المدعوين أولا ثم يحدثهم عن الإسلام بعد ذلك، وما حدث في قرية كرريج قرب الدلنج مثال على طريقته، إذ جاء إلى مكتب لجنة مسلمي إفريقيا في الدلنج، وطلب شايًا وسكرا وبعض الملابس المستعملة، وبعد ذلك ذهب إلى القرية وزار الساحر - الكجور - وأهداه بعضا منها، دون أن يحدثه عن الإسلام. وفي كل زيارة كان يبدأ بالساحر ويعطيه هدايا ثم ينتقل إلى الأهالي، وذات مرة، تبرع لنا أحد المحسنين بعدد من الأبقار لذبحها كنذر وقدم الشيخ بركات قطعة لحم منها هدية للكجور، ثم حدثه عن الإسلام، فلم يتردد الساحر في النطق بالشهادتين رغم ما يعني هذا من فقدانه لمكانته الاجتماعية العالية، بل أسهم مع الشيخ في إقناع بافي سكان القرية بأن يسلموا وذلك في شهر رمضان الماضي، وكان أن أسلمت القرية كلها، ولم يبق فيها أي شخص يدين بالوثية أو النصرانية. فبُنيَ لهم مسجد من القش، أسهم الشيخ بركات ودعاة مكتب لجنة مسلمي إفريقيا في جبال القوية مع الأهالي في بنائه، وفي قرية مندل كذلك، أسلم نائب الكجور متأثرًا بمعاملة الشيخ بركات المتميزة للآخرين. فهو دائما يحرص على كسب القلوب أولا كما ذكرنا. وبعد أن يطمئن إلى ذلك يقوم بشرح الإسلام لمن يدعوهم إليه.

إسلام الكجور

 خرج الشيخ بركات ذات يوم مع د.مکین محمد مکین رئیس دعاة جمعية العون المباشر - لجنة مسلمي إفريقيا - في جبال النوبة، وهو طبيب أخصائي في أمراض النساء تفرغ للدعوة، ومنهم دعاة آخرون من المكتب إلى قرية (مندل ولل)، قاصدين ساحرها، وبعد تقديم الهدايا، شرح الوفد الإسلام له وأهدوه سكرا وملابس مستعملة، فكان أن أعلن الرجل إسلامه على يد الشيخ بركات، وطلب منه د.مکين أن يتعاهد الجميع على نصرة الإسلام؛ فقال الكجور: إن الناس قد لا يستجيبون، فقال له د.مکین، ما علينا إلا البلاغ، وقد أسلمت أخت الساحر وابن اخته الذي يعيش معه ويعمل مساعدًا له، ويقول الشيخ: كنت اتمنى لو أهدينا له بيتا من القش.  یکلف ۲۰ دولار امریکیأ. (6 دنانير كويتية).

اشتهر الشيخ بركات بتركيزه على السحرة – الكجور - في جبال النوبة لأنهم كما يقول، قادة المجتمع ينقاد لهم عامة الناس من الوثنيين، وكسبُهُم يُدخل الآخرين في الإسلام. يروي جبر الدار حسن - مدیر مكتب اللجنة في جبال النوبة - أن الشيخ برکات كان يزور بعض القرى ويخص الساحر بزيارته أولا ثم يقدم له هدية

بسيطة من المال أو السكر، ولا يطلب منه التخلص من الأوثان أو أدوات السحر؛ من حراب وسكاكين وقرون البقر وغيرها. وبعد عدة زيارات، يبين له أن هذه الأمور باطلة، وأن النافع هو الله وحده، فيقول له الكجور: أصحيح ما تقول يا شيخ بركات؟ فيجيبه: نعم، فيأخذها الكجور ويحرقها كلها ثم يعلن إسلامه، ويؤكد الشيخ بركات أن الوثنيين وحتى السحرة ما هم إلا مسلمون جهلة بأحكام الدين، ويدلل على ذلك بأن أغلب السحرة يذبحون بقرة ثم يرفعون رؤوسهم ويقولون: (با زول اللي فوق، هذا حقك) أي يا أيها الذي فوق، هذا الشريان لك.

ذكريات 

وتعود الذكريات بالشيخ إلى الوراء حينما بدأ الدعوة إلى الله وحدث أن أسلم أحد الوثنيين من المؤمنين بالسحر وحذره الساحر من مغبة ذلك، ولكن الرجل أبی أن يرتد، وحدث أن مات له طفلان، وجاءه الساحر ليقول له إنه هو الذي تسبب في موتهما وإذا لم يرتد عن الإسلام، فسوف يتسبب في موته هو، لكن الرجل أبی أن يرتد، وأصر على الإسلام، فما كان من الساحر إلا أن ذهب إلى أمه، وهددها بأنه سوف يتسبب في موت ابنها إذا لم يرجع إلى دين أجداده، فجاء الشيخ بركات ليذكر الرجل بآيات وأحاديث تعينه على الثبات ودعا له، وفرح الجميع عندما رزق هذا الرجل بأبناء وبنات، وما زال حيا يرزق حتى الآن بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تهديد الساحر له.

إسلام أمه

 سألناه عن أمه إن كانت لا تزال تمارس السحر، فقال: ذات مرة، قذف الله في قلبي الحق، فقد كنت في المنزل ورأيت جرة لوالدتي فيها خمر، فأخذتها وقذفت بها إلى الخارج فانكسرت وانسكبت الخمر منها، وكنت قبلها قد صليت ركعتين ودعوت الله فيهما، وأنا أبكي، أن يهدي والدتي إلى الإسلام، وبمجرد قذفي للجرة وكسرها خرجت الوالدة ولم تنطق بحرف واحد منكرة أو غاضبة، بل نطقت بالشهادتين، ثم قمنا بتطهير البيت من كل أدوات الشعوذة والسحر.

يُروى أن الشيخ بركات كان متعاطفًا بشدة مع شيخ آخر اسمه عبدالله قور - وثني اهتدى للإسلام - غضب عليه ساحر القرية – الكجور - وأشاع في الناس أن من يدخل الإسلام، لن يرزق بأبناء، ومنع الآخرين من الدخول في الإسلام. وكان أكثر الناس حقدًا عليه أمه، فقد كانت ترميه بالحجارة، وتضع عليه القاذورات كلما صلی، ورغم أن الله رزقه بأبناء على عكس ما أشاع الساحر، ورغم أن أباه اهتدى ودخل الإسلام، إلا أن أمه ظلت على دينها وعدائها للإسلام حتى ماتت رغم الجهد الكبير الذي بذله لهدايتها، وفي يوم من الأيام كان الشيخ بركات يتناول إفطار الصائم مع مجموعة من المسلمين في إحدى القرى، فمر بهم أحد الوثنيين واستغرب هذا التجمع، فدعوه للمشاركة، وبعد تناول الطعام حدثه الشيخ ببساطته المعهودة عن الإسلام فقال الرجل: ما إن أكثر ما شدني للإسلام هو هذه الروح الأخوية لجماعة المسلمين في القرية، ثم أعلن إسلامه.

يؤكد الشيخ بركات أن أخلاق أهالي النوبة رغم بدائيتهم قريبة من أخلاق المسلمين، ويدلل على ذلك بأن بعضهم حتى عهد قريب، كانوا عراة تماما، وفي بعض الاحتفالات كان الأولاد والبنات ينامون بجوار بعضهم البعض، ولكن لم يكن أي شاب يجرؤ على لمس بنت مجرد اللمس لأن الزنى من أكبر المحرمات عندهم، وكل من يرتكب هذه الفاحشة يقتل أو يطرد. نسيت أن أذكر لكم أن الشيخ كان من عادته أن يتجول بين القرى مشيا على قدميه، وأحيانا يواصل مشيه يوما كاملا وقد يحصل على حمار يستعيره من شخص ما ليتنقل عليه.

أمنيات الشيخ بركات

 يقول: إنه يحلم بالحصول على دراجة هوائية له ودراجة لكل من تلاميذه . عددهم حوالي ۱۰ تلاميذ سعر الدراجة ۱۲۰ دولار أمريكياً (40 دينار كويتي). ويتمنى لو استطاع بناء مخبز يدر عليه دخلا ينفق منه على أسرته؛ لأنه لا يمتلك ما يعينه على الحياة (تكلفة المخبز ۲5۰۰ دولار أمريكي أو ۸۰۰ دینار کویتي) ويطلب من إخوانه المسلمين في البلاد العربية حفر المزيد من الآبار وبناء المدارس والمساجد وكفالة الطلبة الفقراء من المسلمين في المنطقة حتى ينتشر الإسلام.