موزمبيق .. بلد الأنهار والطبيعة الساحرة..مقالات

مجلة الكوثر

المصدر: مجلة الكوثر – العدد 10 – السنة الأولى - جمادى الأولى- جمادى الآخرة 1421ه –أغسطس 2000م
 

يقول بعض المسلمين في موزمبيق: إن أصل تسميتها يعود إلى موسی بن بيك، وهو رجل من أوائل القيادات الإسلامية في تاريخ هذا البلد، ومع مرور الأيام تحول نطق الكلمة إلى موزمبيق

وموزمبيق واحدة من أجمل البلدان الإفريقية حتى إن شواطئها لتعتبر الأجمل على امتداد الساحل الشرقي لإفريقيا بأكمله ورغم ما يتمتع به شعبها من کرم وخصال حميدة، فإنها تبقى واحدة من أفقر بلدان العالم وأكثرها بؤساً ويعتبر متوسط الأعمار فيها الأقل بين بلدان العالم أجمع، وربما تكمن أسباب هذا البؤس في تاريخ النهب الاستعماري لها، أو في معاناتها طوال سبعة عشر عاما من أهوال الحرب الأهلية الوحشية التي انتهت في عام ۱۹۹۲. ورغم كل هذا، عادت الحياة بالتدريج إليها، وبدأت منتجعاتها الجنوبية مجددا في اجتذاب الباحثين عن الشمس والسكينة، أما محبو المغامرات، فيذهبون إلى الشمال في المنطقة المجاورة لمالاوي - حيث حالة الطرق سيئة وتندر الخدمات,,

 

الاستعمار البرتغالي

كان الرحالة البرتغالي الشهير فاسكو دي جاما أول أوروبي يصل إلى سواحل موزمبيق في عام 1498، وقد وجد هناك بعض المواقع الأمامية لقبائل سواحيلية - عربية مثل كويليماني وجزية مومبيق – وجميع سكانها من الموزمبيق، وكان البرتغاليون في حاجة ماسة إلى نقاط تموين وإمداد على طرقهم البحرية من أوروبا إلى الهند، فقاموا بتأسيس قواعدهم العسكرية الخاصة على الساحل هناك، وهو ما دفعهم إلى مجابهات عسكرية مع القبائل السواحيلية – العربية، ثم ظهر إضافي لبقائهم هناك تمثل في تجارة الذهب المربحة، والذي كان يأتي من الداخل، الأمر الذي جعلهم يشيدون بعض الحصون والجيوب التجارية.

وفي أواخر القرن السابع عشر أصبح العاج السلعة التجارية الرئيسية، وخلال منتصف القرن الثامن عشر أُضيفت تجارة العبيد إلى القائمة، ويُعتقد أن نحوَ مليون موزمبيقي قد بِيعُوا كعبيد في المائة سنة التالية لهذا الاحتلال.

وقد ظل البرتغاليون على الساحل في أول الأمر ولم يبدأ التوسع الاستعماري الفعلي في الداخل إلا في أوائل القرن السابع عشر مع إنشاء المزارع الكبيرة المملوكة للأفراد على أراضٍ اقتطعها إياهم التاج البرتغالي أو انتُزِعت بالقوة من زعماء القبائل الإفريقية.

 

دفعت ثمن مواقفها الشجاعة ضد العنصرية غالياً

نهب موزمبيق

 كانت ثمانينات القرن التاسع عشر هي سنوات [الزحف على إفريقيا] وقد سمحت القوى الاستعمارية الكبرى للبرتغال بالاحتفاظ بمستعمراتها (التي عرفت آنذاك باسم شرق إفريقيا البرتغالية) في مقابل تنازلها عن مساحات شاسعة من الأراضي التي اقتطعت لشركات أوروبية في ثلثي البلاد الشماليين وبقي الثلث الجنوبي في أيدي البرتغاليين.

ومع حلول مطلع القرن العشرين، كان البرتغاليون قد رسخوا نموذجا اقتصادية غريبًا في موزمبيق. فبدلا من السعي لتطوير البلاد، تفرغوا ببساطة لتأجير قوتها العاملة للدول المجاورة، خاصة جنوب أفريقيا وروديسيا (زیمبابوي حاليا)، وهو ما أحدث خللا كبيرا في التركيبة السكانية للبلاد بعد مغادرة معظم الأيدي العاملة من الرجال.

وفي أواخر العشرينات من القرن الماضي، وصل الفاشي سالازار إلى السلطة في البرتغال، وقام بإغلاق مستعمراته أمام الاستثمارات غير البرتغالية، وسمح للبرتغال بالاستفادة المباشرة من هذه المستعمرات، وبدأ بزراعة المحاصيل التجارية (أساسا القطن والأرز) ومنع زراعة المحاصيل الغذائية، وأجبر كل الرجال، فوق سن الخامسة عشرة، على العمل ستة أشهر من كل سنة في المزارع بالسخرة. وكانت محصلة ذلك فرار المزيد من الرجال نحو الدول المجاورة، وتحول المجاعات إلى ظاهرة شائعة في أربعينات وخمسينات القرن العشرين، وامتنع الرجال عن النوم في القرى خوفا من القوات البرتغالية التي تهاجمها ليلا وتستعبد كل من فيها من الرجال. وحتى يومنا هذا مازلت ترى أكواخ صغيرة بين المزارع كان الرجال يلجؤون إليها ليناموا فيها فرارا من بطش البرتغاليين

 

استعبدها البرتغاليون

حرب، فاستقلال، فحرب أهلية

في يونيو 1960، نظم القرويون في میودا في شمال موزمبيق اجتماعا حاشدة للاحتجاج على الضرائب المفروضة عليهم. وقابلت القوات البرتغالية هذا الاحتجاج السلمي بإطلاق النار عشوائية على المحتجين فقتلت منهم ستمائة شخص. وأشعل هذا الحادث نار الاحتجاجات الشعبية التي سرعان ما تحولت إلى حركة مقاومة امتدت لتشمل البلاد بأسرها، خاصة مع تكوين جبهة تحرير موزمبيق (التي عرفت باسم فریلیمو) والتي حصلت على دعم البلاد العربية، وكان معظم أفرادها من المسلمين، بينما كان قادتها من غير المسلمين، وبعد قتال مرير، نالت البلاد استقلالها في 25 يونيو 1975.

لكن هذا الاستقلال لم يكن نهاية المعاناة، بل كان بداية معاناة أخرى ستدفع البلد إلى الانهيار الكامل. فقد عمد البرتغاليون إلى تخريب البلد، والأسوأ من هذا أن موقف موزمبيق الشجاع المناهض للعنصرية جعلها تدفع الثمن غالية بسبب الحرب غير المعلنة التي شنتها عليها روديسيا (زيمبابوي حاليا) وجنوب إفريقيا، وقد قامت روديسيا، التي كان يقودها آنذاك العنصري إيان سميث، بتكوين حركة المقاومة الوطنية الموزمبيقية، وهي حركة مصطنعة أشعلت حربا أهلية بشعة في البلد. وكانت تتلقى التمويل والتدريب والتسليح من روديسيا، إلى أن سقط نظام إيان سميث العنصري، وقامت جمهورية للأغلبية السوداء فيها (وبذلك تحول اسمها فيما بعد الى زيمبابوي). وبعدها تولت جنوب إفريقيا رعاية هذه الحركة إلى أن سقط الحكم العنصري أيضا فيها وصعد نلسون مانديلا إلى السلطة، وعندها فقط، سقطت هذه الحركة وتنفست موزمبيق الصعداء بعد أن توقفت الحرب الأهلية فيها.

 

طيلة خمسة قرون، ومليون فرد من شعبها بيعوا كعبيد

بلد كبير

تعد موزمبيق بلدا كبيرا؛ إذ يبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب نحو ۲۰۰۰کم ويصل طول ساحلها إلى ۲5۰۰کم، بينما تبلغ مساحتها الإجمالية ۸۰۰ ألف كم مربع، وتضاريسها متنوعة: فالسهل الساحلي الذي يمتد بطول البلد يتراوح عرضه ما بين مائة ومائتي كم في الشمال، ويقل عرضه كلما اتجهنا جنوبا، بينما ترتفع الجبال في منطقة الحدود مع زيمبابوي وزامبيا ومالاوي وأعلاها جبل بنجا (۲4۳6 مترا)، ويتدفق عبر البلد أكبر نهرين في جنوب القارة الإفريقية، وهما نهرا الزمبيزي والليمبويو. كما تجري فيها أنهار كبيرة أخرى، مثل السافي والروفوما والأخير هذا يشكل خط الحدود مع تنزانيا.

 

السياحة

وفيما يتعلق بالسياحة على وجه الخصوص، كانت موزمبيق تمتلك ثروة هائلة من الحيوانات الثديية الكبيرة، غير أنها تعرضت لاستنزاف خطير أثناء الحرب، لكن الحياة البحرية فيها ما زالت تجذب الكثير من السائحين، خاصة في المحمية الطبيعية البحرية في بازاروتو أركیبیلاجو، وهي عبارة عن مجموعة من الجزر والحيود البحرية القريبة من الشاطئ، لكن المحميات الطبيعية الثلاث في الغابات، وهي جورونجوساء وزينافي وبانهین، تحتاج إلى كثير من التطوير والعناية، خاصة فيما يتعلق بتوفير التسهيلات والخدمات فيها، وإزالة الألغام المزروعة فيها بكثرة.

 

الكنيسة الكاثوليكية منعت منح المسلمين عطلة في العيدين

المسلمون في موزمبيق

 لا أحد يعرف بالضبط نسبة المسلمين في هذا البلد، لكن المؤكد أن لهم تاريخاً قديما يعود لأكثر من ۱۲۰۰ سنة، وما زالت عملة موزمبيق تحمل اسم [المثقال]، ونعتقد أن نسبة المسلمين فيها لا تقل عن 50٪ من السكان، إلا أن معظمهم - وخاصة في الريف - ليس لهم أدنى علم بمبادئ دينهم، فبعد 500 سنة من الاحتلال البرتغالي الكاثوليكي، وعشرين سنة من الحكم الشيوعي، هم الآن بحاجة ماسة إلى من يعلمهم مبادئ الإسلام، ويقيم لهم المدارس التي لا يوجد منها إلا القليل، كما أنهم بحاجة إلى كفالة الطلاب المسلمين.

يسكن المسلمون المقاطعات الشمالية الأربع، وأذكر جيدا زيارتي عام ۱۹۸۳ لعشرات القرى المسلمة والتي كنت ألقي على أهلها السلام، ولم يكن أحد منهم يعرف الرد عليه نتيجة جهلهم بأبسط مبادئ دينهم، وقد قامت الكنيسة الكاثوليكية ببناء كنائس طينية في كل قرية من قرى المسلمين بين جزيرة موزمبيق ومدينة نكالا، ونصبت صليبا خشبياً على الشارع العام في كل قرية، رغم عدم وجود أي مسيحي في هذه القرى.

وقد حاول النواب المسلمون في البرلمان الحصول على إجازة رسمية في عيدي الفطر والأضحى لمدة يوم واحد فقط لكل عيد لكن الكنيسة الكاثوليكي جندت كل طاقاتها للرد على هذا الطلب، مدعية أن موزمبيق ستكون بلدة مسلمة متطرفة، لو أقرت الإجازات، وأن الدماء ستسيل أنهاره، وأن إقرار إجازة العيدين تعتبر مقدمة لتطبيق الشريعة الإسلامية ورغم موافقة البرلمان بالأكثرية على هذه الإجازة، إلا أن المحكمة العليا رفضت القرار، بحجة أن البلد علماني، وتجدر الإشارة إلى " الكريسماس عطلة رسمية في موزنبيق"

 

مسلمون يعتقدون أن مكة في السماء ومن يحج إليها لايعود

والمعروف أن المسلمين يشكلون الغالبية العظمى للسكان في محافظة نیاسا (حوالي ۹5٪)، لكن جهلهم بدینهم بلغ بهم درجة لا يحسدون عليها. فقد كانوا يعتقدون حتى أواسط التسعينات أن مكة في السماء، وأن من يحج إليها لا يعود إلى الأرض. وكانوا يعتبرون من لا يصلي الظهر بعد صلاة الجمعة قاديانيًا أو كافرًا، ولم نستطع القضاء على أغلب هذه الخرافات والبدع إلا بإرسال عدد من قيادييهم إلى الحج.

هذا وتبقى قضية التعليم هاجس المسلمين الأول في هذه المنطقة، إذ لا تتوفر كل مقاطعة من مقاطعاتها إلا على مدرستين ثانويتين، يفترض أن يقدما خدماتهما التعليمية لأكثر من 1,5مليون شخص.

3 شخص قام بالإعجاب