مترجم عن اللغة الإنجليزية
خمسة مبادئ أساسية في التربية الإسلامية[1]
جميلة هو[2]
من أهم حقوق الطفل على والديه التربية الصحيحة، ونحن كمسلمين نؤمن أن التربية الصحيحة هي التي تقوم على المبادئ الإسلامية. فالتربية الإسلامية تربية شاملة في مبادئها متكاملة في مناهجها، ارتكزت على مسار أخلاقي رسمته البشرية وثقّفته الرّسالات السّماويّة السّابقة وجاءت الرّسالة المحمّديّة الخاتمة لتتمِّمه؛ وهذا ما عكس تنوّع مصادرها ووسائلها وطرائقها ومدارسها، وهيَّأها لتتبوّأ عرش التّربية العالميّة عبر الحقب المتلاحقة، كما جعل منها مصدراً مشعًّا بعث العقول من سباتها بنظريّة القراءة؛ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق) [العلق:1]، فكانت مقوّماتها أساساً للفكر التّربوي العالمي والذي ألهم الغرب بعد ذلك إلى أسس التّربية الحديثة
تلخِّص هذه المقالة خمسة مبادئ رئيسية تساعد الآباء في تربية أبنائهم بأسلوب عصري متوافق مع المبادئ الإسلامية. فالأطفال أمانة في أعناق والدَيهم، ومهمة الوالدين هي التأكد من أن أبناءهم ينتهجون المسار الصحيح في جوانب حياتهم اليومية وبخاصة الجانب الديني، حيث جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم/ 931)، وهذا يعني أن صلاح الأبناء يعود بالنفع على الآباء بعد الوفاة، لذا ينبغي توجيه الأبناء بالشكل الصحيح نحو أداء العبادات والمواظبة عليها. ولتحقيق هذا الهدف، إليك المبادئ الخمسة التي لا غنى عنها للوصول إلى نتائج التربية الصحيحة:
المبدأ الأول: اعلم أن طفلك يولد بريئاً
يفسر سلوك الطفل عادة بطريقتين: الأولى: هي أن هذه السلوكيات هي نتيجة الخصائص الداخلية الخلقية التي خلق الطفل عليها. والثانية: هي أن هذه السلوكيات مكتسبة بالتعلم من المحيط الخارجي والذي هو الوالدين في الأساس، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء" (أخرجه البخاري/1358).
جاء في هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الأطفال طاهرين بلا ذنوب، وأنهم بفطرتهم يميلون إلى الإيمان بالله وحده وحب فعل الخير، وهذا يعني أن الخصائص الداخلية للطفل لا يمكن أن تقوده إلى الشرك أو فعل الشر، وأن الانحراف الذي يحدث للأطفال مع تقدمهم في العمر ناجم عن تأثرهم بوالديهم وأصدقائهم ومحيطهم، فالطفل مقلد من الدرجة الأولى في ما يراه وما يسمعه.
ويجدر بالذكر أن توبيخ الأطفال وإلقاء اللوم عليهم ليس تصرفاً سليماً إطلاقاً، وخاصة عندما يبلغون سن التمييز، لأنه كما ذكرنا أن الطفل يتصرف كما علمه والديه وكما يرى هو من تصرفات من حوله بشكل يومي، فيجب أن يدرك الوالدين أن تصرفات الأطفال هي مرآة لتصرفاتهم، فإذا أحسنوا التصرف، عكَس ذلك على سلوك أطفالهم، وإذا أساؤوا، عكس ذلك -تلقائياً- على سلوك الأطفال أيضاً.
الخطوة العملية: تذكر أيها الأب! وتذكري أيتها الأم! أن طفلكما بريء، وسلوكياته هي صدى سلوكياتكما، فإن أساء طفلكما التصرف، ابحثا عن أسباب ذلك في سلوكياتكما، فقد يكون مقلداً لكما في ذلك التصرف.
المبدأ الثاني: تَحَمل المسؤولية اللازمة في قيادة وتوجيه طفلك
عندما يكون الطفل صغيراً، فهو في طور التعلم وتكوين الشخصية وإدراك الخطأ من الصواب، وتعد هذه المرحلة من أهم مراحل العمر لكونها مرحلة البناء والتكوين، فعلى الوالدين تحمل مسؤوليتهم بشكل كامل وإعطاء الوقت الكافي لأولادهم حتى يدركوا كيفية التصرف بشكل لائق وصحيح. جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كلكم رَاعٍ، وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ: والأمير رَاعٍ، والرجل رَاعٍ على أهل بيته، والمرأة رَاعِيَةٌ على بيت زوجها وولده، فكلكم راَعٍ، وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ". (البخاري/ 2409).
كما هو واضح في الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحمل المسؤولية، كلٌ في مجاله، فالطفل يحتاج إلى توجيه والديه حتى تستقيم سلوكياته، وعلى ذلك فإن الوالدان مسؤولين عن توجيهه والاهتمام به.
الخطوة العملية: أعط طفلك القدر الكافي من الوقت، واهتم به في مرحلة الطفولة المبكرة، فهي المرحلة الذهبية، حيث إما يستقيم الطفل أو ينحرف -لا سمح الله- لذا علينا جميعاً تحمل مسؤوليتنا اتجاه أبنائنا حتى نؤدي هذه الأمانة الموكلة على أعناقنا بالشكل المطلوب.
المبدأ الثالث: كن لطيفاً ورحيماً في توجيهاتك
اللطف والرحمة من صفات القائد العظيم، وهما مطلب شرعي أيضاً، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتحلي بالرحمة حتى مع الأعداء ناهيك مع الأبناء والأصحاب.
عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: "خرجَ علينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في إحدى صلاتيِ العشاء وَهوَ حاملٌ حَسنًا أو حُسينًا، فتقدَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فوضعَه عند قدمِه اليمنى، ثمَّ كبَّرَ للصَّلاةِ، فصلَّى، فسجدَ بينَ ظَهرانَي صلاتِه سجدةً أطالَها، قال أبي فرفعتُ رأسي من بينِ النَّاسِ، فإذا الصَّبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ ساجِد، فرجَعتُ إلى سجودي، فلمَّا قضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصَّلاةَ، قالَ النَّاسُ: يا رسولَ اللَّهِ إنَّكَ سجدتَ بينَ ظَهرانَي صلاتِك هذه سجدةً أطلتَها، حتَّى ظنَنَّا أنَّهُ قد حدثَ أمرٌ، أو أنَّهُ يوحَى إليكَ، قالَ: كلُّ ذلِك لم يَكن، ولَكنَّ ابني ارتحَلني، فَكرِهتُ أن أعجِّلَه حتَّى يقضيَ حاجتَه". (صحيح النسائي/1141).
انظر لعظيم تعامل رسول الله مع أحفاده، حتى وهو في صلاته، وتأمل في نفسك ماذا لو كنت أنت في هذا الموقف، هل ستسمح لابنك بالتسلق على ظهرك؟ هل ستوبخه؟ هل سترفع صوتك عليه؟ تذكر أنه ينبغي علينا التحلي بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به. كما يجب عدم زجر الطفل بطريقة فظة، بمعنى أنه حتى لو قام بعمل غير مناسب فلا ينبغي لنا إلا أن ننصحه بهدوء ومن غير زجر ورفع صوت، تماماً كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخطوة العملية: عندما يقوم طفلك بفعل غير مناسب، بدلاً من التوبيخ واللوم، عانقه وقل له"أنا أسامحك هذه المرة"، ثم قل له دعنا نصلح هذا الخطأ سوية، ثم اشرح خطأه واقترح عليه الطريقة الصحيحة، ولا تنس أن تكون لطيفاً حتى لو تكرر الخطأ مرات عديدة.
المبدأ الرابع: ضع الحدود والقيود اللازمة على طفلك
إن هذه الحياة قائمة على الحدود، ففي كل مجال يوجد حدود ينبغي عدم تعديها، وإلا قد يتعرض الشخص لعقاب سواء في الدنيا أو في الآخرة، حتى في الأمور الدينية، فقد وضع الله سبحانه وتعالى حدودًا لعباده يجب ألا تُجتاز أو تُنتهك، جاء في الحديث عنْ أبي ثَعْلَبَةَ عنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ قَالَ: إنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وحدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحثُوا عَنْهَا". (رواه الدَّارقُطْني/ 25/1832). فمن دون هذه الحدود سيكون المجتمع في حالة من الفوضى يتسنى من خلالها لأي شخص فعل أي شيء وصولاً إلى انتهاك حقوق الآخرين، لذلك وُجد القانون الذي يتكفل بضمان الحدود والقيود. وهذا المبدأ يجري على الطفل أيضاً، فالطفل يحتاج أن يعرف حدوده، ويحتاج أن يعرف ما يمكن فعله وما لا يمكن، بمعنى عدم إعطائه الحرية المطلقة، حيث قد تؤدي تلك الحرية إلى انحرافه.
الخطوة العملية: ضع الحدود المعقولة لطفلك وهو في عمر مبكر، وعلمه إياها وانصحه بالتزامها حتى لا يتعرض للعقاب، وبذلك سيدرك أن كل شيء في الدنيا له حدود وقيود.
المبدأ الخامس: عود طفلك على تحمل المسؤولية منذ الصغر
بما أن كل واحد منا مسؤول عما هو في ذمته وبحسب عمره ومكانته ودوره ووظيفته، فكذلك يجب تعليم الطفل المسؤولية بشكل يتناسب مع عمره وقدراته. بحيث يتعلم من الصغر أن هناك أعمال يجب عليه القيام بها هو بنفسه، ولن يقوم أحد بتأديتها عنه، حتى يتكون لديه حس المسؤولية ولا يكون اتكالياً في كل شيء.
الخطوة العملية: احرص على تكليف طفلك ببعض المهام البسيطة، ومن ثم يمكنك الزيادة في تلك المهام حسب ما تراه مناسباً له. كأن تكلفه ببعض مهام المنزل البسيطة المتناسبة مع قدرته، أو تكلفه بشراء الأغراض من البقاليات القريبة، وبذلك تتكون لديه شخصية مستقلة تتمتع بحس المسؤولية منذ الصغر.
هذه هي المبادئ الخمسة الأساسية للتربية الإسلامية، ختاماً نأمل من جميع الآباء والأمهات قراءتها والتزامها وتطبيقها في تعاملهم مع أبنائهم حتى نحصل على جيل سليمٍ تربوياً، صحيحٍ نفسياً وفكرياً، قادرٍ على مواكبة تطورات العصر واللحاق بركب الأمم المتقدمة بما يمتلكه من حس المسؤولية اتجاه أبناء جلدته وديانته.
[1] الترجمة نقل دقيق لمحتوى المقالة. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://productivemuslim.com/islamic-parenting/
[2] معلمة متخصصة في تعليم الصغار.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.