تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبامقالات

ألفونسو كاساني

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا[1]

ألفونسو كاساني

 

أطلقت مؤسسة البيت العربي الإسبانية في 14 يناير الماضي سلسلة من المؤتمرات الشيقة تحت عنوان "حوار حول المجتمعات المفتوحة"، وتعتزم من خلالها تبادل الأفكار حول المشكلات التي تواجهها مجتمعات اليوم. والغرض الرئيسي من هذه المؤتمرات هو كبح تقدم الاتجاهات الشعبوية في أوروبا بالإضافة إلى الحركات والأيديولوجيات الأخرى (مثل صعود حركات اليمين البديل، وكراهية الأجانب وكراهية الإسلام، وتعزيز التفسيرات الراديكالية للإسلام، وما إلى ذلك). وشارك في الجلسة الافتتاحية وزير الخارجية الإسباني، جوزيب بوريل، إلى جانب سوزانا كالفو كابيلا، الأستاذة في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، وإيميليو غونزاليس فيرين، الأستاذ في جامعة إشبيلية.

انعكست آراء بوريل على فهمنا للعناصر المختلفة التي تتوافق مع الثقافة الأوروبية الحالية مما يعكس الدور الذي لعبه الإسلام فيها، ولهذا السبب طرح السؤال التالي: "هل العالم العربي الإسلامي جزء لا يتجزأ من التجربة الأوروبية التاريخية، أم يصنف كعنصر أجنبي مفروض؟"

في الإجابة على هذا السؤال سلط بوريل الضوء على روح التوليف الحضاري الذي ميز ثقافة الأندلس والبصمة التاريخية والثقافية التي تركتها على أوروبا، ويذكر أن ذلك لم يتم الاعتراف به في كثير من الأحيان، وانعكس ذلك على الدستور الأوروبي الذي لم يعترف إلا بالجذور اليهودية والمسيحية للاتحاد الأوروبي.

 

أهمية المبادرات السابقة

مع عودة ظهور المبادرات التي تتحدث عن تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا، تعرب مؤسسة الثقافة الإسلامية (FUNCI)  عن سعادتها وارتياحها لاستعادة هذا النقاش والاعتراف بتأثير الثقافة العربية الإسلامية على أوروبا.

وبالمثل نود أن نذكر أن هذا الاعتراف قد تم بالفعل في التوصية 1162 بشأن "مساهمة الحضارة الإسلامية في الثقافة الأوروبية" الصادرة عن الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي في 19 سبتمبر 1991. وقد تم الترويج لهذه المبادرة من قبل  FUNCI، بالتعاون مع المجلس الأوروبي ومفوضية المجتمعات الأوروبية (الاتحاد الأوروبي اليوم)، واليونسكو، وبدعم من المجموعة الاشتراكية الإسبانية تم تشكيل المشروع من خلال ندوة دولية تحت نفس الاسم، والتي تم إطلاقها سابقًا في باريس في مقر اليونسكو ومعهد العالم العربي بهدف اطلاع أعضاء البرلمان الأوروبي على مساهمة الحضارة الإسلامية في تشكيل الثقافة الأوروبية، وإن هذا التأثير هو نتيجة للترابط بين الشعوب والثقافات من خلال التجارة ونقل الأفكار، وكذلك نتيجة الوجود الإسلامي التاريخي في أوروبا. ومن الممكن أن نبرز بهذا المعنى فترة الأندلس كفترة مثالية من الناحية الثقافية والتعايش بين الطوائف المختلفة. فالجهود المبذولة لترجمة واستعادة المعرفة التقليدية -إضافة إلى التطورات العلمية التي حدثت في ذلك الوقت - بينت التطور الذي وصل إليه  كل من شبه الجزيرة الأيبيرية وبقية أوروبا.

وقد انتقلت التأثيرات والعلاقات الواسعة التي جمعتها هذه الفترة الأندلسية من بغداد إلى دمشق، ومن مراكش إلى طرابلس، وهذا يقودنا إلى الحديث عن حضارة إسلامية ليست مقتصرة على العرب فقط بل تشمل البربر الذين سكنوا شمال إفريقيا، والسكان الأصليين لشبه الجزيرة الأيبيرية أيضاً.

لكن لا ينبغي حصر هذا التأثير في العصر الأندلسي فقط، باعتبار أن  إمبراطوريات ودول أخرى أيضاً ساهمت في إرساء أسس التأثير الإسلامي الذي ما زلنا نجده في أوروبا اليوم. أفضل مثال على ذلك هو الإمبراطورية العثمانية التي يشكل وجودها عنصرًا إضافيًا في التاريخ الأوروبي، والتي امتدت لأكثر من 600 عام عبر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الأناضول وشرق أوروبا. وقد نشرت الباحثة ماريا تودوفورا منذ سنوات أن الامبراطورية العثمانية ساهمت في تشكيل البلقان وطعامها ولغتها وحتى الحياة اليومية لسكانها. وتُظهر القوة العسكرية والروعة الثقافية التي عاشتها هذه الإمبراطورية لعدة قرون تاريخًا طويلًا من الاعتماد المتبادل والإثراء المتبادل مع بقية الممالك الأوروبية.

يجب ألا يجعلنا هذا النهج التاريخي أن ننسى التأثير الحالي الذي تساهم به البلدان ذات الأغلبية المسلمة (أو تلك التي لها تقاليد إسلامية) من خلال الهجرة وازدهار العلاقات الثقافية والسياسية والتجارية. يتجاوز هذا التفاعل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويمتد إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة المنسية أحيانًا في آسيا، مثل ماليزيا وإندونيسيا.

التوصية 1162

كما جاء في التوصية 1162 في مقدمتها:

  1. المجلس الأوروبي لديه مهمة قانونية لحماية وتحقيق القيم الروحية والأخلاقية التي هي التراث المشترك للدول الأعضاء فيه. تكرس المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين.
  2. تقوم الدول الأوروبية ذات الثقافات المتعددة على التقاليد الإنسانية والدينية، والتي هي مصدر تكريسها للحرية وحقوق الإنسان، كما أشارت الجمعية في القرار 885 (1987) إلى المساهمة اليهودية في الثقافة الأوروبية.
  3. عقدت لجنة الثقافة والتعليم ندوة في باريس في مايو 1991 حول مساهمة الحضارة الإسلامية في الثقافة الأوروبية. حيث تم تنظيم الندوة بالتعاون مع المعهد الغربي للثقافة الإسلامية (مدريد) وبالتعاون مع اليونسكو.
  4. أظهرت الندوة أنه بالإضافة إلى المسيحية واليهودية، كان للدين الإسلامي على مر القرون تأثير على الحضارة الأوروبية والحياة اليومية. كما أصبحت أوروبا الجديدة عرضة بشكل متزايد لتأثيرات الإسلام، ليس فقط من البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل تركيا، أو من خلال مناطق الثقافة الإسلامية مثل ألبانيا أو بعض الجمهوريات الجنوبية من الاتحاد السوفييتي، وإنما من خلال الهجرة الواسعة من العالم الإسلامي نحو الدول الأوروبية أيضاً.

 

فائدة جوهرية:

على الرغم من سعادتنا بإعادة فتح هذا النقاش حول تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا، فإننا نلاحظ أن الاعتراف السابق بها، وهو الاعتراف لعام 1991، قد نسي بالفعل، ففي الوقت الحالي خاصة وبأكثر من أي وقت مضى، هناك تصاعد في انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا وحركات اليمين المتطرف في الغرب، لذا، نحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لنبذ هذه الأفكار، وتحسين العلاقات المشتركة.

كما يجب رفع مستوى الوعي بين الشعوب في أوروبا وغيرها، حتى تتمكن الأجيال الجديدة القادمة من معرفة وإدراك التأثير المهم الذي كان للإسلام - تاريخياً وحالياً- في القارة الأوروبية.

 


[1]  الترجمة نقل دقيق لمحتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://funci.org/the-influence-of-the-islamic-civilization-in-europe/?lang=en