تقدير حجم الجالية الإسلامية في أوروبا – الواقع والتحدياتمقالات

ديفيد ماسي

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

تقدير حجم الجالية الإسلامية في أوروبا – الواقع والتحديات[1]

ديفيد ماسي[2]

 

يعد موضوع هجرة المسلمين إلى أوروبا والاندماج في المجتمع ضمن المحاور الساخنة في النقاشات السياسية والاجتماعية في العديد من الدول الأوروبية، وتصنف هذه النقاشات ضمن العوامل التي تنعكس بشكل مباشر على نتائج الانتخابات السياسية. ومن أجل فهم هذه القضية وأبعادها، ينبغي معرفة حجم الجالية الإسلامية في أوروبا حالياً بالإضافة إلى معدل النمو المستقبلي لها.

تستعرض هذه المقالة بعض الأسئلة التي تم طرحها على الكاتب كونراد هاكيت، المدير المساعد في مركز بيو للأبحاث، من أجل معرفة كيفية توصله هو وفريقه إلى التقديرات والتوقعات بشأن الكثافة السكانية للمسلمين في أوروبا، حيث قام هاكيت بإعداد تقرير مفصل حول هذا الموضوع.

 

السؤال الأول: ما هي أكبر التحديات التي يتم مواجهتها عند محاولة تقدير حجم الجالية الإسلامية في أوروبا؟

بالرغم من وجود اهتمام كبير بالجالية الإسلامية في أوروبا، إلا أن الحصول على الأرقام والبيانات أصعب مما قد تتخيله، ويرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى عدم وجود إحصاءات رسمية حول التركيبة الدينية للسكان، وذلك لأن كثيراً من الدول تتجنب الإحصاءات التي تستهدف تحديد ديانة مواطنيها والمقيمين فيها. فعلى سبيل المثال، لم تقم فرنسا بإضافة "الدين" في إحصاءات التعداد السكاني على مستوى البلاد منذ عام 1872م، في حين أن بعض الدول استهدفت تحديد الديانة في تعدادها السكاني، كألمانيا مثلاً في إحصاء عام 2011، حيث طرح فيه سؤال اختياري عن الهوية الدينية، ولكن النتائج لم تكن معقولة، حيث كانت نسبة المسلمين -حسب ذلك الإحصاء- أقل من 2٪، وهذا رقم غير منطقي إطلاقاً.

 

السؤال الثاني: بالنظر إلى هذه التحديات، كيف تمكنتم من التوصل إلى تقديرات دقيقة لعدد المسلمين في كل بلد؟ كيف حسبتم عدد المسلمين في دول مثل فرنسا خاصة كما أشرتم أنه لا يتم عادة توجيه أي سؤال حول الدين للناس؟

لقد أمضينا الكثير من الوقت في تقييم أفضل المصادر المتاحة في كل بلد للتوصل إلى المرجعية التي تم اعتمادها في إحصاءات عام 2010. بشكل عام اعتمدنا على المصادر التي تقيس الهوية الإسلامية بشكل مباشر، كالإحصاءات التي تركز على أصول المهاجرين أو ما يسمى "بالمسح الكبير لمسارات الأصول" كما في فرنسا، والذي يولي اهتمامًا كبيراً في أخذ عينات من المهاجرين بشكل صحيح. وفي بعض الأحيان كما في ألمانيا وإسبانيا، اعتمدنا على "الموطن الأصلي للمهاجر" لتقدير عدد السكان المسلمين. وفي إسبانيا، قمنا بحساب أعداد جميع المهاجرين المغاربة تقريبًا كمسلمين لأن غالبية الجالية المغربية مسلمون.

ولتقدير عدد السكان المسلمين في منتصف عام 2016، قمنا بإسقاط الأرقام الأساسية لعام 2010 وذلك باستخدام معلومات حول عمر وجنس المسلمين الأوروبيين في عام 2010، بالإضافة إلى مستويات الإنجاب وأنماط التحول الديني لديهم - أي التحول من وإلى دين الإسلام. وقمنا أيضًا بتضمين تقديرات للمسلمين الذين حصلوا على حق اللجوء منذ عام 2010، أو الذين من المتوقع أن يحصلوا عليه. إضافة إلى ذلك ، قمنا بإحصاء المهاجرين المسلمين الذين قدموا إلى المنطقة منذ عام 2010 لأسباب أخرى غير طلب اللجوء ، مثل العمل أو الدراسة.

 

السؤال الثالث: يعرض هذا التقرير ثلاثة سيناريوهات مختلفة للنمو السكاني للمسلمين في أوروبا حتى عام 2050، كيف توصلتم إلى هذه السيناريوهات؟

لا أحد، بمن فيهم أنا، يستطيع التنبؤ بحجم الجالية الإسلامية في أوروبا في عام 2050. الحقيقة هي أن الأحداث السياسية والثقافية والاقتصادية المستقبلية ستنعكس بشكل مباشر على قضية النمو السكاني للمسلمين في أوروبا، ونحن ببساطة لا نعرف كيف ستتطور هذه الأحداث. ومع ذلك، قمنا بتقدير بعض الدلائل المهمة حول المستقبل.

بدأنا برسم صورة واضحة للقارة في الوقت الحاضر، قدمنا أكثر التقديرات شمولاً حول الحجم الحالي للسكان المسلمين في المنطقة أي إجمالي 26 مليون مسلم، أو حوالي 5٪ من سكان 28 دولة في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا ، اعتبارًا من منتصف عام 2016. وهذا بدوره يوفر الأساس الذي يُعتمد عليه لمعرفة حجم التغيير في المستقبل.

بعد ذلك، بينا الخصائص الديمغرافية لمسلمي أوروبا والتي من المحتمل أن تشكل العامل الأساسي للنمو المستقبلي للجالية الإسلامية. وجدنا أن متوسط ​​عمر المسلم في أوروبا أصغر بـ 13 عامًا من متوسط ​​عمر غير المسلم فيها، وأن المرأة المسلمة لديها ​​طفل واحد أكثر من المرأة غير المسلمة.

أخيرًا، استخدمنا أحدث أساليب الإسقاط الديمغرافي لنمذجة ثلاثة سيناريوهات "ماذا لو". حيث يحاول السيناريو الأول الإجابة على سؤال: "ماذا لو لم يعد هناك هجرة على الإطلاق إلى أو من الدول الأوروبية بعد منتصف عام 2016؟" في ظل هذا السيناريو، نتوقع أنه بحلول عام 2050، ستستمر حصة المسلمين من سكان أوروبا في الزيادة إلى أكثر من 7٪.

أما السيناريو الثاني فيفترض "ماذا لو استمرت الهجرة النظامية إلى أوروبا ولكن من دون تدفق طالبي اللجوء؟" في ظل هذا السيناريو ، نتوقع أن تتضاعف حصة المسلمين من سكان أوروبا إلى أكثر من الضعف، لتصل إلى 11٪ في عام 2050.

بينما يتساءل السيناريو الثالث والأخير بأنه "ماذا لو، بالإضافة إلى الهجرة النظامية، كانت هناك تدفقات من طالبي اللجوء كما كان الحال بين 2014 إلى منتصف 2016 ؟ " في هذه الحالة ، نتوقع أن ترتفع حصة المسلمين في أوروبا إلى 14٪ من إجمالي عدد السكان.

هذه السيناريوهات الثلاثة عبارة عن تجارب فكرية تهدف إلى إلقاء الضوء على الاحتمالات المختلفة بدلاً من تقديم التنبؤات. فمثلاً، لا نعتقد واقعية السيناريو الأول بأنه لن يكون هناك هجرة على الإطلاق، كما أنه لا يمكن تصديق السيناريو الثالث حول استمرار التدفقات العالية لطالبي اللجوء كما رأيناها في السنوات القليلة الماضية. ويمكن الآن -بعد أن أجرينا العمليات الحسابية على سيناريوهات "ماذا لو"- أن يقوم واضعو السياسات وعامة الناس باستخدام هذه التوقعات للحصول على فهم أفضل لكيفية تأثير سياسات الهجرة التقييدية أو المتساهلة على السكان المسلمين في أوروبا.

 

السؤال الرابع: في السنوات الأخيرة ، كان هناك تدفق من اللاجئين إلى أوروبا ، وخاصة من سوريا وغيرها من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. كيف يمكنكم تتبع تقديرات عدد السكان في كثير من الأحيان؟

بدأت تقديراتنا لأعداد اللاجئين بحسب بيانات طلبات اللجوء التي جمعتها وكالة الإحصاء الأوروبية Eurostat . في بعض الحالات، يتم تقديم الطلبات في أكثر من دولة، كما هو الحال عند كثير من طالبي اللجوء السوريين الذين تقدموا بطلبات في كل من المجر وألمانيا. لذلك قمنا بتعديل تقديراتنا للتطبيقات المسحوبة لتجنب الحساب المزدوج.

ثم قمنا بعد ذلك بإحصاء طالبي اللجوء الذين حصلوا أو الذين نتوقع أن يحصلوا على وضع قانوني للبقاء في أوروبا. كما اعتمد تحليلنا على المكان الذي يأتي منه طالبو اللجوء. ذلك لأن المعيار الأساسي للقرارات المتعلقة بمن سيبقى ويستقر في أوروبا هو سلامة البلد الأصلي. فالبلدان الخطرة بشكل خاص، مثل سوريا، لديها معدلات قبول أعلى بكثير من غيرها، في حين أن طالبي اللجوء من البلدان الأقل خطورة، مثل ألبانيا، تقل احتمالية الموافقة على طلباتهم وبقائهم في أوروبا بشكل قانوني.

أخيرًا، قررنا عدم احتساب ما يقرب من مليون طالب لجوء مسلم من الذين لديهم مشاكل قانونية بحكم أنه لا يُتوقع حصولهم على حق اللجوء. وقد نكون مخطئين في هذا التحفظ الكبير، لأنه إذا بقي عدد كبير من هؤلاء الذين لديهم مشاكل قانونية في أوروبا، فسيكون لوجودهم آثار مضاعفة تزيد من الحجم المستقبلي للجالية الإسلامية في القارة الأوروبية.

وقد تخطئ تقديراتنا من ناحية عدم التحفظ الكافي، لأننا نفترض أن جميع طالبي اللجوء الذين مُنحوا حق اللجوء سيستقرون في أوروبا إلى أجل غير مسمى، بحكم أن غالبية اللاجئين في دول العالم يستقرون في البلد المضيف الجديد. ولكن قد تتحسن الظروف في سوريا والبلدان المنكوبة الأخرى بما يكفي لعودة بعض اللاجئين، بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأشخاص يحصلون على حق اللجوء المؤقت فقط، وإذا لم يتم تجديد هذا الحق، فستنتهي فرصتهم في الإقامة بشكل قانوني في أوروبا. كلتا الحالتين يمكن أن تقلل من تعداد المسلمين في أوروبا في المستقبل.

 

[1] الترجمة نقل دقيق لمحتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://www.pewresearch.org/fact-tank/2017/11/30/qa-the-challenges-of-estimating-the-size-of-europes-muslim-population/

[2] كاتب ومحرر سابق في مركز بيو للأبحاث.