حوار مع رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالكونغو الديمقراطيةمقالات

السيد عبدالرحمن

المصدر: شبكة الألوكة 21/ 6/ 2014.

 

أهم المَحاور:

- "الجهل، والأميَّة الدينيَّة، والمد التنصيري" ثالوث ينهش الجسد الإسلامي في بلادنا.

- الكونغو تحوَّلت إلى رأس حربة لمُنظَّمات التنصير في الغرب الإفريقي، مُستغلَّةً انتِشار الفقر والعِوَز.

- تجاهُل العالم الإسلامي لمَشاكلِنا يهدِّد باقتلاع جذور الإسلام من البلاد.

- ملايين المسلمين يواجِهون صعوبات في توفير قوت يومِهم ومناطقهم تفتقِد البِنيَة التحتية والخِدمات.

- 390 مسجدًا تُوشك أن تَسقُط على رؤوس المصلين في دولة بحجْم القارة.

- لا نَمتلِك أي وسائل إعلامية، وندفَع ثمنًا باهظًا للصراع السياسي والعرقي.

- جهود الإغاثة الإسلامية فردية وغير كافية ونُعوِّل عليها لاستِعادة هُويتنا.

 

لا يُخفي الشيخ جمال لومومبا رمضان رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الكونغو الديمقراطية قلقَه الشديد على أوضاع المسلمين هناك بفعل مجموعة من العوامل، وعلى رأسها: حالة الجهل، والأمية الدينية، وكذلك المدُّ التنصيري الرهيب الذي يُحاصر الوجود الإسلامي لدرجة أن أعداد المسلمين قد تراجعَت طوال الثلاثين عامًا الماضية مِن 17 مليون مُسلم إلى خمسة ملايين فقط.

ويتبنَّى الشيخ لومومبا موقفًا مُتشدِّدًا من منظمات التنصير التي استغلَّت ظروف الفقر والعِوَز التي يُعاني منها مسلمو الكونغو الديمقراطية لتنفيذ مخططها الخبيث، الذي حوَّل الكونغو إلى مركز لنَشرِ سُمومها داخل البلاد في مُجمل دول الغرب الإفريقي مشدِّدًا على أن مسلمي الكونغو يَجْنون حاليًّا ثمار عصور طويلة من الجهل والفقر والإقصاء السياسي، وهي الظروف التي حوَّلت حياة المسلمين هناك لمأساة شديدة.

ولا يُنكر الشيخ لومومبا تحمُّل المسلمين لمسؤولية وصول أوضاعهم إلى هذه الدرجة مُعتبرًا أن تجاهل العالم الإسلامي لمسلمي الكونغو قد فاقم مِن مَشاكلهم، وهو الأمر الذي يجعل عودة المنظَّمات الخيرية الإسلامية للعمل بالبلاد السبيل الوحيد للتصدِّي لهذا المد التنصيري الجارف.

مشاكل عديدة طرحتْها السطور السابقة حول مسلمي الكونغو الديمقراطية سنُناقشها بالتفصيل في السطور التالية:

مِن الأمور المُثيرة تعدُّد روافد دخول الإسلام إلى أراضي الكونغو الديمقراطية، وكذلك سبُل تَعاطي مُواطني البلاد معه؟

- بالطبع فهناك ثلاثة روافد لدخول الإسلام إلى أراضي بلادِنا، الأولى عبر مُواطنين يَنحدِرون من اليمن وسلطنة عمان؛ حيث استقروا في بلادنا وتعاملوا بأساليب وديَّة مع المواطنين عبر البيع والشراء، وهو الأمر الذي أسهمَ في اعتناق مئات من الكونغوليِّين الإسلام مُتأثِّرين بهذه الأخلاق السَّمحة.

ثم جاءت الموجة الثانية من الحدود الكونغولية السودانية؛ حيث لعب تجار سودانيون الدور الأهم في هذا الإطار؛ حيث مارسوا عدة أنشطة دعوية حقَّقت العديد من النجاحات، وفي نفس الإطار أسهم العشرات من المواطنين النيجيريِّين والسنغاليين العاملين في قطاع السكك الحديدية في زيادة إقبال الكونغوليين على اعتناق الإسلام، لا سيما في غرب البلاد؛ حيث عملوا على نشر المذهب المالكي الذي سيطر بعد ذلك على عشرات من الدول في غرب القارة الإفريقية.

ولكن أليس هناك تاريخ محدَّد لدخول الإسلام إلى الكونغو، لا سيما أنها كانت قلعة من قلاع الإسلام في غرب إفريقيا؟

- من المهم التأكيد على أن تاريخ دخول الإسلام قد تراوَح ما بين عامي 1820 و1830، وهو ما كان له تأثير إيجابي على أعداد المسلمين في البلاد، التي وصلت في بعض الأحيان إلى 17 مليون مسلم، غير أن هذا العدد قد تراجع في السنوات الأخيرة بفعل عديد من الأسباب - يأتي ذكرها لاحقًا - ووصل إلى خمسة ملايين نسمة يشكلون حوالي 10 % من سكان الكونغو الديمقراطية البالغ عددهم أكثر من 62 مليونًا.

اضطرابات سياسية:

تمر بلادكم بظروف معقَّدة منذ حصولها على الاستقلال، ولا شك أن هذه الظروف كان لها تأثير سلبي على أوضاع المسلمين هناك؟

-لا شك أن هذه السنوات الطويلة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية قد حوَّلت الكونغو الديمقراطية إلى واحدة من أفقر دول العالم رغم تمتُّعها بإمكانيات وثروات هائلة، وهو ما كان له انعكاسات سلبيَّة على مُعظم مواطني البلاد، وفي مقدمتهم المسلمون، ولك أن تعرف أن أغلب المسلمين يَجدون صعوبة في توفير نفقات إعاشة وتعليم أبنائهم؛ مما أدى إلى تفشِّي الجهل والبَطالة في صفوفهم، وهو ما يَعني بالضرورة تراجُع الوزن السياسي للمُسلمين وعدم لعبهم دورًا مُهمًّا في الحياة السياسية والاقتصادية منذ حصول الكونغو على استقلالها، لدرجة أن التشكيلة الأخيرة للبرلمان لا تضمُّ أكثر من أربعة نواب مسلمين من جملة أعضاء البرلمان البالغ أعضاؤه 450 عضوًا، فضلاً عن عدم شغل المسلمين لأية مناصبَ وزارية في الحكومة الحالية.

نُخَب علمانية:

لا يجد المرء صعوبةً في التأكيد على أن هذه المشاكل لها تداعيات أخرى؛ مثل: البَطالة، والأميَّة، والفقر؟

- تعدُّ الأمية بشقَّيها الأبجدي والديني من أهم المشاكل التي يُعاني منها مسلمو الكونغو الديمقراطية؛ حيث تتفشَّى الأمية بشكل كبير في أوساط المُسلمين بسبب ارتفاع نفقات التعليم الأساسي وسيطرة نُخب علمانية تغريبية، فضلاً عن المنظَّمات التنصيرية، وهو ما يُجبر أبناء المسلمين في الكونغو على تفضيل عدم إلحاق أبنائهم بهذه المدارس خوفًا على هويتهم وعقيدتهم من هذا المدِّ المَشبوه.

هذا بالنسبة للأمية التعليميَّة، فماذا إذًا عن الأمية الدينية في صفوف ملايين المسلمين؟

- عن مُشكلة الأمية الدينية حدِّث ولا حرَج؛ حيث يَفتقِد المسلمون أية مراجع أو مصاحف أو كتب سيرة أو حديث، لدرجة أن بعض المساجد تخلو حتى مِن مُصحَف واحد، ناهيك عن غياب الدعاة والأئمة والخطباء، وهو ما أدّى إلى تفشي هذا الوباء في صفوف أبناء المسلمين، وقد انعكست هذه الأوضاع بالفعل على أوضاع المساجد في الكونغو، فالبلاد المُترامية الأطراف - التي تبلغ مساحتها ضِعف مساحة أوروبا الغربية - لا يوجد بها إلا 390 مسجدًا، أغلبها يُعاني من تصدُّع وانهيار تامٍّ، بل إنها مهددة بالسقوط على رؤوس المصلين.

ما ذهبت إليه يُشير إلى عدم وجود دعم رسمي للمؤسَّسات الدينية في البلاد؟

- بالفعل، ومما فاقم من أزمة هذه المساجد أن الدستور العلماني الذي يُسيطِر على البلاد يحظر تقديم أي دعم لأي من المؤسَّسات الدعوية سواء مسلمة أو مسيحية، وهو ما يخلق صعوبة شديدة لدى المسلمين الذين لجؤوا في الفترة الأخيرة إلى الاعتماد على المصليات المؤقتة لتأدية شعائرهم.

قصور دعوي:

من نافلة القول التأكيد أن هذه المشاكل قد انعكست بالطبع على عجز المسلمين عن أي دور دعوي عبر وسائل الإعلام؟

- لا يَمتلك المسلمون أدنى وسائل إعلامية تَنطِق باسمِهم؛ حيث تُسَيطر النخب العلمانية على هذه المؤسسات التي تَكتفي بإذاعة برنامجَين شهريًّا بالإذاعة، ومثلهما في التلفزيون الحكومي، فيما تتجاهل المحطَّات التي تعمل في البلاد البالغ عددها ما يقرب من 30 محطة بثٍّ أيَّة أمور ذات طابع إسلامي.

مدٌّ تنصيري جارف:

من الأمور المستغربة جدًّا حديثك عن أن أعداد المسلمين حاليًّا تَبلُغ حوالي 5 ملايين، رغم أن إحصائيات قديمة أكَّدت أن أعداد المسلمين قد تجاوزت 17 مليونًا في السابق؟

- وصلت أعداد المسلمين في السابق لأكثر من 17 مليونًا خلال العقود الأربعة الأخيرة، غير أن هذه الأوضاع قد تغيرت بشكل كبير نتيجة الاجتياح الرهيب مِن قِبَل مُنظَّمات التنصير التي زحفت على البلاد من كل حدب وصوب، ونجحت في إحداث خلل وعجْز فيما يخص أعداد المسلمين، مُستغلة حالة الفقر الشديد التي تَضرب صفوفهم، فضلاً عن حالة الإقصاء السياسي التي عانوا منها على أيدي حكومات الكونغو بمُختلف توجهاتها.

وهل أسهم هذا الاجتياح في ارتِداد أعداد كبيرة من مُسلمي الكونغو؟

- لقد أسهم هذا الزحف التنصيري في ارتداد آلاف بل ملايين من المسلمين واعتناق النصرانية كردِّ فعل طبيعي للإغراءات التي تُقدِّمها هذه المؤسسات من خدمات صحية وتعليمية، وتقديم مِنَح لأبناء المسلمين سواء في الداخل أو الخارج إذا اعتنقوا المسيحية، وقد تركَّزت هذه الحملات في شرق البلاد في مدن كيفو وكسينجاني مُستغلِّين بُعد هذه المناطق عن المركَز في كينشاسا، وافتقاد هذه المناطق للبِنية الأساسية والمشاريع الخِدمية.

هل لك أن تَحصر لنا أسماء بعض المنظَّمات التنصيرية العاملة في بلادكم مُترامية الأطراف؟

- تقود منظمة "كاراتياس" المتخصِّصة في شؤون الأطفال جيش المنصِّرين عبر دور مشبوه في تنصير مسلمي الكونغو الديمقراطية، مستغلَّةً ما لديها من إمكانيات مالية وفنية غير محدودة عبر كفالة الأطفال والأيتام وتمويل مصاريف ونفقات التعليم، شريطة أن يعلن الشاب أو الطفل قبل التِحاقه بهذه المؤسَّسات اعتناقه النصرانية وترك الإسلام، وهو ما يجد آذانًا صاغية لدى عدد كبير من أبناء المسلمين، لدرجة أنك حينما تتجول في المدن الكونغولية الكبرى مثل كينشاسا ولومبوباشي وكسينجاني تجد أشخاصًا يُطلَق عليهم محمد وأحمد ومصطفى غير أنهم يعتنقون النصرانية؛ وذلك لحاجتهم الشديدة للمال ونفقات الدراسة ولتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ومن أسف أن هذا المد التنصيري قد استغل الغياب العربي والإسلامي عن التعاطي مع مشاكل مُسلمي الكونغو الديمقراطية لافتراس الجسد الإسلامي هناك.

فروق جوهرية:

ما تتحدَّث عنه حاليًّا يتكرَّر في أغلب بلدان إفريقيا، غير أن منظمات التنصير لم تُحقِّق نفس النتائج الخطيرة التي تحقَّقت هناك؟

- هناك فوارق جوهرية بين الكونغو الديمقراطية وبين عدد كبير من الدول المُجاوِرة؛ فالطابع القاري للدولة التي تَحكمها حدود مع أكثر من 9 دول إفريقية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المُزريَة، وهو ما أسهم في إيجاد بيئة خصبة لمُنظَّمات التنصير لتفعل ما يَحلو لها، لاسيما في مناطق المسلمين التي تعاني حاليًّا زحفًا بروتستانتيًّا رهيبًا، والتي تَعتبِر الكونغو المركز الأهم للتنصير واستعادة مجد يَسوع - كما يزعمون - في القارة الإفريقية.

كأن البلاد قد تحوَّلت إلى رأس حربة للمُنظمات التنصيرية ليس في البلاد فقط، بل في معظم أنحاء القارة السمراء؟

- العديد مِن المُنظَّمات التنصيرية تتخذ من الكونغو مركزًا لمُمارسة أنشطتها سواء في البلاد أو عدد من البلدان المُجاورة، في مقدمتها: "AAB"، ومنظمة "الكرسي الرسولي"، ومنظَّمَتا "أوكسفام" البريطانية، ومجلس الكنائس العالمي، فضلاً عن وجود مكثَّف لمُنظمة "شهود ياهو" ولا شك أن هذا الوجود المكثَّف قد حقق نجاحات خطيرة، بالمقارنة بالفشل الذريع الذي واجهتْه في بلدان مُجاوِرة لا تمر بنفس الظروف التي تُعاني منها الكونغو.

وجود محدود:

ركَّزْتَ على النشاط التنصيري المكثَّف دون أن تُلقي لنا الضوء على طبيعة الوجود العربي والإسلامي في البلاد؟

- لم تكن الكونغو يومًا تمثِّل مركزًا لوجود عربي أو إسلامي مكثَّف يواجه هذا المد التنصيريَّ باستِثناء وجود هيئتين إسلاميتين تُحاولان فقط القيام بدور مُهمٍّ في التصدِّي لحملات تجريف الهوية الإسلامية لشَعبنا؛ وهما: منظمة الدعوة الإسلامية السودانية، ومؤسسة آل مكتوم؛ حيث أقامت هاتان المؤسَّستان عديدًا من المشروعات الإغاثية والخيرية، على رأسها إنشاء عدة مدارس في بعض مدن الكونغو الديمقراطية باسم ابن راشد، فضلاً عن عدد من المستشفيات وتنظيم عمليات الذبح الحلال؛ عبر إنشاء مجزَر والتوسُّع في إقامة إفطار جماعي للمُسلمين في رمضان.

هل اتَّخذ نشاط هذه المؤسَّسات طابعًا مؤسسيًّا أم إن نشاطها كان محدودًا موسميًّا؟

- هذه الجهود بقيَت فردية وموسمية، ولم تأخذ الطابع المؤسسيَّ حتى الآن لتُحقِّق نجاحات مستمرة، ومع هذا فنحن حاليًّا نفتح نوافذ مع عديد من المنظمات الخيرية الإسلامية لافتتاح مكاتب بمدن الكونغو المُختلفة، والتصدِّي لمحاولات المنظمات التنصيرية كون استمرار هذه الأوضاع يهدد بتدهور الأوضاع بشكل يهدِّد باقتلاع الإسلام من أحد أهم معاقله في غرب إفريقيا.

لم نتطرَّق خلال حوارنا إلى العلاقات بين المسلمين والأغلبية المسيحيَّة في الكونغو؟

- أحب أن أُعلمك أن المسلمين يَحتفِظون بعلاقات قوية مع الأغلبية المسيحية رغم وجود مساحات واسعة من التبايُن بين الطرفين، بل إننا نقف على مسافة واحدة من كافة الكُتَل العرقية في المجتمع الكونغولي.

ومع هذا فإننا دفعنا ثمنًا باهظًا للصراع بين الهوتو والتوتسي في تسعينيات القرن الماضي؛ حيث أسهم هذا الصراع في تشريد ملايين المسلمين، لا سيما في المناطق الشرقية؛ فرارًا بحياتهم، ورغم كل ما سبق فإني أؤكِّد لك حرصنا الشديد على حلِّ جميع المشاكل عبر الحوار واستغلال الطابع العلماني للدستور والذي يُساوي بين المواطنين أيًّا كانت دياناتهم.

هذا عن الصراع القبَلي، فماذا إذًا عن العلاقة بين المسلمين والأغلبية المسيحية في الكونغو؟

- هناك تطورات ملموسة ومظاهر إيجابية لتطبيع العلاقات بين المسلمين والمسيحيين كان من أبرزها ما شهدتْه البلاد في الفترة الأخيرة من مُشاركة عديد من الشخصيات الفاعلة في الحكومة الكونغولية، وكذلك مشاركة بعض رجال الدين المسيحي للمسلمين في أعيادهم، وهو ما يدفع العلاقة بين المسلمين والأغلبية المسيحية، ويقطَع الطريق أمام أية محاولات لإشعال التوتُّر بينهما.