موريتانيا الإسلامية (بلاد شنقيط)مقالات

إعداد: إدارة الشؤون الإسلامية بالوزارة

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة الأولى، العدد 11، غرة ذي القعدة سنة 1385هـ

 

موريتانيا ليس الاسم العربي الإسلامي لهذه البلاد، وإنما جاءها مع الاستعمار حيث تعني كلمة (مور) في الإسبانية السمر، والاسم يدل على بلاد السمر أي أن سكان البلاد سمرٌ ألوانهم، وكان الرومان يطلقون هذه الكلمة على كافة البلاد التي تقع غربي تونس.

أما الاسم الإسلامي فهو (شنقيط) نسبة إلى قرية صغيرة وسط البلاد ومعنى الكلمة البربرية عيون الخيل.. وحين وصل الإسلام إلى هذه البلاد أخذت المنطقة بكاملها اسم هذه القرية التي اشتهرت بكثرة علمائها وقد بقي هذا الاسم يدل على هذه المنطقة طيلة العهود الإسلامية وإلى فترة قريبة جدًّا حيث جاء الاستعمار، واحتلت فرنسا البلاد وقسمت المغرب ففصلت منه هذا الجزء وأطلقت عليه الاسم الروماني القديم وهو (موريتانيا).

موقعها:

موريتانيا أو شنقيط كما سماها المسلمون من قبل هي تلك البلاد الواقعة في إفريقيا الشمالية الغربية، ويحدها من الشرق جمهورية مالي، ومن الشمال الشرقي الصحراء الجزائرية ومن الشمال الغربي الصحراء الإسبانية، ومن الغرب المحيط الأطلسي ومن الجنوب نهر السنغال وحكومة مالي وتمتد على مساحة (419) ألف ميل مربع، يسكنها ما يقارب المليون نسمة[1]، وهو عدد قليل إلى هذه المساحة الواسعة وسيزداد هذا العدد بسرعة بعد أن اكتشفت المعادن وبدت علائم نهضة صناعية حديثة تظهر.

طبيعة البلاد:

تمتد موريتانيا بين خطي عرض 15-27,5 شمال خط الاستواء، أي أن مدار السرطان يخترقها من قسمها الشمالي مما يجعل هذه المنطقة صحراوية المناخ، ويمكن أن نميز في موريتانيا منطقتين:

  1. منطقة تمتد بمحاذاة الساحل وتتألف من تلال وسهول وأثر البحر في مناخها ضئيل.
  2. منطقة صحراوية تمتد في الداخل وتتألف من تلال وسهول حجرية.

ثم هناك السهول في الجنوب على ضفاف نهر السنغال كسهول شمامة وبراكنا.

حالة البلاد الاقتصادية:

يعتبر الرعي هو الطابع المميز لاقتصاديات البلاد، ويرعى في هذه البلاد سبعة ملايين رأس من الأغنام ومليون رأس من الأبقار ومليون من الإبل بالإضافة إلى الخيول التي يعتني أهل موريتانيا بتربيتها، ولكن مما يؤسف له أنه لا توجد أسواق لبيع المواشي في موريتانيا ولا توجد إلا في السنغال مما يجعل أهل البلاد فريسة سهلة في أيدي المحتكرين بالسنغال.

والزراعة في موريتانيا بدائية جدًا، وهي أكثر ما تكون في الجنوب حيث السهول الخصبة على ضفاف نهر السنغال، فأرض شمامة هي أرض الزرع والضرع وعليها يعتمد سواد الموريتانيين من أهل الفلح والحيوان وأهم المزروعات هي البطيخ والقمح والشعير والنخيل والصمغ العربي.

وهناك بعض السدود التي تقوم على نهر السنغال والتي ينتظر أن تحسن الزراعة ووسائلها في القريب ويعتبر الشاطئ الموريتاني من أغنى سواحل العالم بالأسماك، ويمكن أن تكون موريتانيا من أكثر دول العالم المصدرة للأسماك ومع ذلك لم ينتبه سكان موريتانيا إلى هذه الثروة، وإن كان من المقرر أن تقام هناك عدة مصانع للأسماك وتحضيرها.

أما الصناعة فلا تكاد توجد، أما خامات البلاد فقد كانت تقتصر على الملح أما الآن فقد اكتشفت في البلاد كميات هائلة من أجود أنواع الحديد والنحاس في العالم كما يظن بأن البلاد غنية بالنفط.

أما طرق المواصلات فهي قليلة بل نادرة ولولا خط واحد أنشئ أخيرًا لكانت المواصلات معدومة وعلى كلٍ فإن موريتانيا تتقدم بسرعة مدهشة، بالنسبة لثروة البلاد ومصادرها، وأهم مدنها (نواكشوط) وهي العاصمة، اطار، شنقيط، بويتمليت.

موريتانيا عبر التاريخ:

لا يعرف شيء عن تاريخ هذه البلاد قبل الفتح الإسلامي، ويعود تاريخ الإسلام في تلك البلاد إلى النصف الثاني من القرن الهجري الأول، حيث تم فتح تلك البلاد على يد عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير ومن تلك الفترة خلت بلاد شنقيط من كل ديانة عدا الإسلام.

ولقد كانت بلاد شنقيط مراكز لدولة الأدارسة التي أسسها إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم في عام 172ه والتي دانت لها دول المغرب بأكملها.

وكذلك كانت شنقيط مركز دولة المرابطين التي كان لها فضل الجهاد ورد خطر الصليبيين عن المغرب وتأخير سقوط الأندلس بيد الإسبان بعد معركة الزلاقة معهم عام 475ه وقد أسس هذه الدولة العظيمة (يحيى بن إبراهيم الجدالي) من قبيلة (المتونة) إحدى قبائل صنهاجة يساعده ويشد عضده أخوه أبو بكر بن عمر الذي تولى الإمامة بعده، وقد استعان بابن عمه (يوسف ابن تاشفين)[2] الذي اتجه نحو الشمال وجاز البحر إلى الأندلس ليرد الإسبان ويقف بوجه الطغيان.

وكذلك كانت بلاد شنقيط مركزًا لدولة الموحدين التي سارت على نعج المرابطين فعملت لنشر الدين وضمت أجزاء المغرب واجتازت البحر إلى الأندلس لتقف في وجه الإسبان ورد الطغيان الصليبي، وهكذا نجد في الإسلام قوة وحيوية متجددة على مدى الأيام، تهزأ بالجيوش، وتدك العروش، وهي وإن فترت بعض الوقت فحكمة من الله يرسمها ليؤمن من آمن عن بينة ويكفر من كفر عن بينة، ففي الأوقات العصيبة يلجأ ضعاف الإيمان إلى أصحاب النفوذ، يبغون عرض الحياة الدنيا، ويقنع المؤمنون بالكفاف ويصبرون على العذاب، ويطلبون النصر من الله، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}.

ثم قامت في شنقيط الدولة السعدية سنة 915هـ ثم جاءت أخيرًا الدولة العلوية منذ (1069هـ) وفي عهد هذه الأسرة تعرضت البلاد للاستعمار، الذي قسمها أقسامًا سمى بعضها موريتانيا وبعضها المغرب، وخضع بعضها للإسبان وبعضها للفرنسيين، ولقد استطاعت فرنسا أن تحتل البلاد نهائيًا في عام 1934، وقد ظهرت في هذه المعارك بطولات الإسلام الأولى وقتل فيها كثير من ضباط الاستعمار وجنوده واستشهد فيها عدد غير قليل من مجاهدي وأبناء البلاد.

ولولا تفرق البلاد إلى سبع إمارات متخاذلة لما استطاع الاستعمار أن يقهر هذه البلاد الإسلامية أبدًا، وحين انتهت مقاومة الموريتانيين نهائيًا عام 1934ه احتلت إسبانيا منطقة (إيفنى) المراكشية وأصدرت قرارًا بضمها لبلادها وما زال الأمر كذلك حتى اليوم.

ومنذ أن استتب الأمر للمستعمرين عملوا قصارى جهودهم لمحاربة الإسلام والعربية بعد أن هالهم وأدهشهم انتشار الإسلام في القارة الإفريقية، فالإسلام دين الفطرة، يدعوا إلى المساواة فلا فرق بين الأبيض والأسود، وقد خطط المستعمرون لمحاربة الإسلام مناهج عديدة منها:

  1. محاولة الفرنسيين في بداية الأمر التفريق بين المسلمين من بيض وزنوج، ولكنهم فشلوا حيث أن الإسلام لا يعبأ بالألوان والأجناس.
  2. إلغاء اللغة العربية واستبدالها بلغة المستعمر الدخيل.
  3. محاولة نشر المخدرات والمسكرات وذلك لإفساد الشباب وصرفهم عن قضايا دينهم.
  4. الدعوة إلى السفور والاختلاط وذلك لبث الفساد وإشغال الناس بقضايا الجنس لتقتل فيهم الرجولة والفضيلة.

ثم ما كان من فرنسا أن ألحقت البلاد بالسنغال وأصبحت عاصمتها في سان لويس، ولكن في عام 1957م اضطرت فرنسا أمام تصميم الشعب الموريتاني إلى إعطاء البلاد حكمًا شبه مستقل وتألفت أول حكومة برئاسة مختار بن داده وانتقلت العاصمة إلى نواكشوط.

وفي عام 1958 منحت فرنسا موريتانيا استقلالها ضمن الإطار الفرنسي وتشكلت بذلك الحكومة الإسلامية الموريتانية.

ثم في عام 1960 حصلت موريتانيا على الاستقلال التام وذلك في 26 تشرين الثاني ودخلت هيئة الأمم المتحدة.

وأخيرًا:

فهذه موريتانيا الدولة المسلمة العربية التي أخرجت فطاحل العلماء والدعاة المسلمين والتي كانت في فترة ما حامية لكل المغرب العربي من هجمات الصليبيين، وأهلها كما وصفهم المؤرخ بن حوقل في القرن الرابع الهجري بقوله: (وهم أهل بأس ومعجزة، مفطورون على الفروسية ويسرعون في اختراط السيف وخوض غمار الحرب).

إن موريتانيا تدعونا اليوم أن لا ندعها وحدها تخطط لنفسها بعيدة عن أخواتها الدول العربية الإسلامية الأخرى، لأن المعارك الضارية التي تخوضها الأمة الإسلامية ضد قوى البغي والعدوان تستلزم تضافر جهود وتوحيد القوى وتوجيه الطاقات لضرب خصوم الإسلام المتربصين بنا الدوائر والذين لا يريدون للأمة الإسلامية أن تعيش في ظل الإسلام وتحت راية القرآن، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

 

[1] يراعى في ذلك أن تاريخ نشر المقال كان عام 1385هـ.

[2] هو يوسف بن أبي بكر إبراهيم المصالي الصنهاجي (نسبة إلى صنهاجة وهي من أشهر قبائل البربر) أمير المسلمين وملك الملثمين وباني مدينة مراكش وأول من دعي بأمير المسلمين، ولد في صحراء المغرب وولاه ابن عمه أبو بكر بن عمر إمارة البربر، كان ابن تاشفين هذا رجلًا حازمًا شجاعًا عادلًا، شديد التمسك بالإسلام ما زال يترقى في المراتب حتى شمل سلطانه المغرب الأقصى والأوسط ودانت له الأندلس (إسبانيا) وكان لعدم افتتانه بأبهة الملك يخطب لبني العباس تمسكًا بالوحدة الإسلامية وهو يشبه صلاح الدين الأيوبي من عدة وجوه فكما أن صلاح الدين أنقذ فلسطين من أيدي الصليبيين وحرر المشرق العربي باسم الإسلام وهو من غير العرب فكذلك حرر ابن تاشفين المغرب العربي (إسبانيا) إذ أنقذ هذا القطر من نصارى الشمال وسحق جيوشهم فيه باسم الإسلام وهو من غير العرب ولقد كان هذا الملك لا يعرف العربية إلا قليلًا ولذلك كان له مترجم يعرف العربية والبربرية، ومن مظاهر تمسكه بالإسلام ووفائه للجامعة الإسلامية أن كتب على دنانير مملكته (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتحت ذلك (أمير المسلمين يوسف بن تاشفين) وكتب في دائرة الدينار (ومن يتبع غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه) وكتب على الصفحة الأخرى من الدينار (الأمير عبدالله أمير المؤمنين العباسي) ومن أبرز صفاته العالية عزوفه عن الدنيا مع تراميها تحت قدميه فقد حدث أن جمعت الغنائم بعد معركة (زلاقة) التي طحن فيها جيوش الأذفونس الصليبية بإسبانيا فلما جمعها الجند بين يديه عف عنها ولم يأخذ منها فلسًا واحدًا بل تركها لعرب الأندلس بعد أن أفهمهم أنه لم يأت للسلب والنهب وإنما جاء للجهاد في سبيل الله فأكبره أهل الأندلس وأحبوه فبايعه ملوكها (وكانوا ثلاثة عشر ملكًا) وهؤلاء الملوك هم ملوك الطوائف الذين قضت على وحدتهم الإسلامية (نعراتهم القومية) مما اضطرهم أمام تفرقهم وخطر الصليبية الزاحف من فرنسا عليهم إلى الاستنجاد بهذا الملك البربري المسلم الذي حضر ساعة الصفر فأنقذهم لكفاحه وأظلهم برماحه، كان مولد هذا الملك العظيم (بصحراء المغرب) سنة 410هـ ووفاته كانت بمدينة مراكش سنة 555هـ رحمه الله ورضي عنه وأرضاه.

1 شخص قام بالإعجاب