المسلمون في بلجيكامقالات

موقع إسلام ويب

المصدر: موقع إسلام ويب، 2/ 6/ 2001م.

 

إذا كانت بلجيكا هي قلب أوروبا الموحدة، فإن تجربتها مع الأقلية الإسلامية تسترعي انتباه أعضاء الأسرة الأوروبية بشكل متزايد. فلقد اعترفت بلجيكا بالإسلام قبل أكثر من ربع قرن دون أن يُحدث الأمر قدراً من الضجيج والصخب، وخاضت بروكسل تجربتها مع مواطنيها المسلمين بلا متاعب تُذكر ودون أن يثير ذلك تحفظات متشددة كالتي تحرص عليها معظم عواصم أوروبا الشقيقة. وفي هذا البلد الذي اعتاد على التأليف بين التناقضات اللغوية والعرقية والمذهبية تحت التاج الملكي؛ يتطلع المهاجرون المسلمون، وأبناؤهم وأحفادهم أيضاً، إلى مستقبل واعد في القرن الجديد، بنظرات يملؤها الأمل والثقة بغدٍ أوفر حظاً من الأمس.

البدايات:

عمالة مسلمة لمناجم الفحم يرتبط الوجود الإسلامي الحديث في بلجيكا بالحاجة المبكرة التي أبداها هذا البلد للأيدي العاملة المهاجرة، التي بوسعها إدارة عجلته الصناعية. ويذكر التاريخ أنّ عام 1963 شهد انطلاق مساعي الدبلوماسية البلجيكية في المغرب لاستقطاب قوى عاملة تلتحق بمناجم الفحم البلجيكية. ولم تمض سنوات قليلة حتى جرى استقدام أعداد إضافية كبيرة من العمال الأتراك في أواسط الستينيات. ومنذ ذلك الحين امتازت بلجيكا بأنّها على رأس الدول الأوروبية جاذبية بالنسبة للأيدي العاملة. وحتى عام 1977 كانت الدوائر الرسمية تتولى تغطية نصف نفقات انتقال العمالة المهاجرة من أوطانها الأصلية إلى ما سيصبح في وقت لاحق وطناً جديداً لها. ولكنّ هذه الامتيازات تبخرت إلى غير رجعة بعد تلك السنة على وقع الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة. ومع نهاية الثمانينيات أصبح التذمر من الوجود الأجنبي سمة عامة شائعة في صفوف البلجيكيين الذين حسبوا في البدء أنّ أمر المهاجرين يتعلق برحلة عمل مؤقتة. وبينما انحصر عدد مسلمي بلجيكا فيما لا يزيد عن أربعة آلاف نسمة في عام 1955، معظمهم من المغرب وشمال أفريقيا، ارتفع العدد مع مطلع التسعينيات إلى ما يزيد على ربع المليون نسمة وفقاً لتقديرات المراقبين. أما اليوم فيبلغ عدد المسلمين في بلجيكا أكثر من 400 ألف نسمة, وهو ما يجعل نسبتهم تزيد عن 4 في المائة من السكان. من هؤلاء قرابة ربع مليون شخص من دول عربية شمال أفريقية خاصة المغرب. كما يعيش في بلجيكا قرابة 120 ألف تركي، بالإضافة إلى آلاف المهاجرين واللاجئين من يوغسلافيا السابقة وألبانيا وإيران والسنغال. وهناك أعداد أخرى من المسلمين جاءت من باقي الدول العربية وبلدان القارة السوداء. وإن كان معظم المسلمين قد تدفقوا إلى الأراضي البلجيكية على هيئة قوى عاملة، فإنّ آخرين وفدوا إليها من نافذة لم شمل العائلة، أو طلب اللجوء، أو الالتحاق بالدراسات الجامعية. ولا يتوزع المسلمون بشكل متعادل على الأراضي البلجيكية التي تبلغ مساحتها 30 ألف كيلومتراً مربعاً، إذ يتركز المغاربة في بروكسل والبؤر الصناعية في إقليم والوني، الناطق بالفرنسية والواقع جنوب البلاد، فيما استوطن الأتراك إقليم فلاندرن، الناطق بالهولندية (أو الفلمنكية كما يطلق عليها) والواقع شمالاً، وبخاصة في مدن أنتفيربن وغينت وليمبورغ.

 فهم الإسلام:

من الاستعمار والاستشراق إلى التعايش الحي على صعيد الاستشراق يبرز اسم البلجيكي هنري لامنس (1862 - 1937) وهو راهب يسوعي اشتهر بتحامله الشديد على الإسلام. وكان لامنس من المستشرقين الذين اتُهموا بالافتقار إلى الأمانة العلمية والإفراط في التحيز ضد الدين الإسلامي. وتنقل لامنس بين بلجيكا ولبنان وإنجلترا والنمسا، وتركزت أعماله على السيرة النبوية، وبدايات الخلافة الأموية، بالإضافة إلى العقيدة الإسلامية، وتاريخ سورية وآثارها. فيما أولى المستشرق البلجيكي لويس كونستانت دي غونزاغ ريكمانس (1887- 1969) عناية خاصة بنقوش شبه الجزيرة العربية في مرحلة ما قبل الإسلام. وعلاوة على رحلته الاستكشافية إلى الجزيرة العربية عامي 1951 و 1952 فقد كان من مؤلفاته "الديانات العربية قبل الإسلام"، "أسماء الأعلام السامية الجنوبية"، "نحو اللغة الأكّدية". وأما المستشرق أرماند أبل (1903-1973)، وهو مولود في بلدة أوكل ببلجيكا، فقد وجّه اهتمامه للمجادلات بين المسلمين والنصارى. وأمضى ثلاث سنوات في القاهرة، كما عني بدراسة أحوال المسلمين في دول وسط أفريقيا. وبغض النظر عما حملته المرحلة الاستعمارية أو جهود المستشرقين من انطباعات عن الإسلام، أو ما كرّسته حقبة الحروب الصليبية من قبل من أحكام سلبية متوارثة إزاء المسلمين وعقيدتهم، فإنّ هذا كله لم يمنع رمزاً بلجيكياً بوزن المطران غودفريد دانيلز، رئيس الأساقفة الكاثوليك ببلجيكا، من الإشادة الصريحة بالإسلام عندما قال "رغم كل الاعتبارات، فإنّ المسلمين قدوة للمسيحيين ونماذج يُقتدى بها". وشدّد دانيلز في تصريح نشرته صحيفة "لوسوار" البلجيكية واسعة الانتشار في عددها الصادر يوم 26 تشرين أول (أكتوبر) 1999 على "أنّ الإسلام بوسعه أن يساعدنا في العودة إلى المعاني الحقيقية للإيمان"، على حد تعبيره. وما يزيد من أهمية هذه التصريحات أنها جاءت في سياق تقييم للواقع المؤلم الذي تعيش الكنيسة الكاثوليكية تحت وطأته بسبب انحسار الأتباع وفتور الإيمان وشيوع المادية. ولا تتردد السلطات البلجيكية من جانبها في إظهار المودة لمواطنيها المسلمين، وقد تجلّى الأمر بوضوح خلال أزمة الحمى القلاعية التي تفشت بين المواشي الأوروبية في العام 2001 عندما اضطرت وزارة الصحة البلجيكية إلى توجيه اعتذار رسمي للمسلمين لاضطرارها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية في موسم الأضاحي تحسباً لانتشار الوباء. وشكرت الحكومة البلجيكية المسلمين بشكل رسمي لتفهمهم لهذه التدابير التي حالت دون قيامهم بشعيرة الأضحية، في بيان مشترك أصدرته مع المكتب التنفيذي للمسلمين ببلجيكا. علاقات حسنة بين الدولة ومواطنيها المسلمين تتمتع بلجيكا بعلاقات تقليدية حسنة مع مواطنيها المسلمين، وتتميز في الوقت ذاته بأنها في مقدمة دول أوروبا التي أبدت استعداداً للاعتراف بالدين الإسلامي وتسوية الوضع القانوني للجماعة الدينية المسلمة، وإن كان مسار الاعتراف هذا لم يخل من العثرات التي أفرغته لسنوات طويلة من مضمونه الفعلي. وكانت رابطة العالم الإسلامي قد أسّست في بروكسل المركز الثقافي الإسلامي في عام 1969، وهي الخطوة التي عكست تعاوناً وثيقاً بين الرابطة والحكومة البلجيكية، وأظهرت تفهم الأخيرة لضرورة مراعاة الاحتياجات الدينية للمسلمين في المجتمع البلجيكي غير المسلم. ومن المؤشرات الهامة على أهمية تأسيس المركز، مشاركة المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في حفل الافتتاح إلى جانب ممثلين عن الحكومة البلجيكية. وفي عام 1977 تشكلت الجمعية الإسلامية للثقافة والدين بمبادرة من ناشطين مغاربة واتراك ومعتنقي الدين الإسلامي من البلجيكيين. وإلى جانب حضور منظمة "ملي غوروش" الإسلامية التركية، ذات الامتداد الواسع في أوروبا، فإنّ رئاسة الشؤون الدينية "ديانت أشلري" التابعة للحكومة التركية كانت تقوم بدور موازٍ انطلاقاً من ملحقها في السفارة التركية ببروكسل. ومع التزايد المطرد في أعداد المهاجرين المسلمين؛ تشكلت شبكة عريضة من المؤسسات والجمعيات الإسلامية التي تركز اهتمامها على تأسيس المساجد والمنتديات الاجتماعية والثقافية، لكنّ مشكلة تمثيل المسلمين بقيت حتى نهاية عام 1998 عالقة، لتلقي بظلالها الكئيبة على تفعيل ملف الاعتراف بالإسلام في الاراضي البلجيكية. ومن المنعطفات المؤسفة التي عرفها مسلمو بلجيكا واقعة اغتيال مدير المركز الإسلامي الثقافي ببروكسل المرحوم عبد الله الأهدل، في آذار (مارس) 1989. وقد جاء الحادث، الذي لا تخلو ملابساته من الغموض، ليُحدِث صدمة عميقة في صفوف مسلمي بلجيكا الذين لم يكونوا قد فرغوا من ترتيب بيتهم الداخلي بعد. وفي مؤشر على النمو الكبير للوجود الإسلامي؛ فإنّ بلجيكا تحتضن حالياً ما يقارب ثلاثمائة مسجد ومصلى تقريباً. وتشكل هذه المساجد شبكة فعالة تتمحور حولها الحياة اليومية لمسلمي هذا البلد الأوروبي المتميز، وتتفرع منها نشاطات التربية والتعليم والثقافة والرعاية الاجتماعية. ولا يسود في أوساط مسلمي بلجيكا شعور بالرضى عن منسوب الإنجازات التي تحققت حتى الآن، فيما يرى باسم حتاحت الناشط في الرابطة الإسلامية للتبادل الثقافي أنّ خلفيات عديدة تقف وراء تعثر الحضور الفاعل لمسلمي بلجيكا في الحياة العامة. ويشير بصفة خاصة إلى أنّ نسبة التعليم العالي لدى الأقلية المسلمة أدنى بشكل ملحوظ عن المعدل البلجيكي العام، كما أنّ المصاعب المادية والأزمات التي تجتاح الأسر المسلمة بسبب صعوبات الحياة في مجتمع مغاير ديناً وثقافة وقيماً تترك انعكاسات سلبية حادة على الواقع العام لمسلمي بلجيكا على حد تقديره. تعليم الإسلام في المدارس العامة البلجيكية جدير بالاهتمام ما أحرزه التعليم الإسلامي في بلجيكا من أسبقية واضحة على المستوى الأوروبي، إذ يجري تدريس الدين الإسلامي لكل المراحل في المدارس العامة منذ ثلاثة عقود. وتُتاح للتلاميذ المسلمين فرصة تعلّم مبادئ دينهم لمدة ساعتين أسبوعياً، وذلك باللغة الفرنسية في إقليم والوني وباللغة الهولندية في إقليم فلاندرن. وبدورها تتولى الدولة دفع رواتب مدرسي الدين الإسلامي الذين يزيد عددهم على سبعمائة معلّم ومعلمة. ولكنّ إجمالي حصة المسلمين من النفقات الرسمية على الشؤون الدينية لا تتجاوز في حقيقة الأمر 3. 5 في المائة. واستناداً إلى دراسة جديدة أعلن "مركز الأبحاث السياسية الاجتماعية" في بروكسل عن نتائجها في نهاية نيسان (إبريل) 2001، فإنّ قرابة 80 في المائة من هذه النفقات تصب لصالح الكنيسة الكاثوليكية، فيما يبلغ نصيب الكنيسة البروتستانتية منها 3. 2 في المائة، وأما الديانة اليهودية فلم تتجاوز حصتها 0. 6 في المائة من إجمالي النفقات، تلتها الكنيسة الأرثوذكسية بنسبة 0. 4 في المائة، فالكنيسة الإنجيليكانية بنسبة 0. 1 في المائة، كما ويلاحظ أنّ مذاهب أخرى قد حازت بمجموعها على 13 في المائة من هذه الأموال. وتكشف هذه التوزيعات عن حجم الاستئثار الذي تتمتع به الكنيسة الكاثوليكية في البلاد بموجب الرصيد التاريخي لها في بلجيكا، إلى جانب استحقاقات الاتفاق الذي ينظم العلاقة بين بروكسل والكرسي الرسولي.

تضامن المسلمين هو بداية النجاح

وإذا كانت معظم هذه النفقات الرسمية تصب على هيئة أجور ومكافآت وضمانات اجتماعية لموظفي الهيئات الدينية؛ فإنّ الدراسة تؤكد أنّ الدولة لم تقرر من جانبها بعد دفع أجور أئمة وموظفين تابعين لنحو 126 مؤسسة إسلامية في بلجيكا، وهو ما يثير مشاعر الغبن في أوساط المسلمين. ويبلغ نصيب الحصة الدينية الإسلامية من إجمالي نفقات الدولة على التعليم الديني والأخلاقي 7 في المائة، فيما تحوز الكنيسة الكاثوليكية على 70 في المائة من هذه النفقات. وبينما تقتطع الحصة الدينية البروتستانتية في المدارس 4. 5 في المائة من النفقات، فإنّ 20 في المائة منها بالمقابل مخصصة لحصة الأخلاق. وإلى جانب تعليم الدين الإسلامي لأبناء المسلمين في المدارس العامة البلجيكية؛ تتولى عدد من المدارس الخاصة الإسلامية والعربية توفير فرص التعليم لأبناء المسلمين، وخاصة في المراحل المدرسية الأولى، وتبرز من بينها مدرسة الغزالي ببروكسل، ومدرسة ابن خلدون بلياج. ولا تقف تطلعات مسلمي بلجيكا عند حد التعليم الأساسي، إذ بادروا بمساعٍ عملية لتوفير فرص التعليم العالي الإسلامي لأجيالهم الصاعدة. إذ افتُتحت عام 1997 في العاصمة بروكسل "الأكاديمية الأوروبية للثقافة والعلوم الإسلامية"، التي يلتحق بها قرابة مائتي طالب وطالبة ضمن برنامج يتوزع على 15 ساعة أسبوعياً. المسيرة الطويلة للاعتراف بالإسلام في بلجيكا إذا كان الدستور البلجيكي قد كفل الحرية الدينية إلى جانب فصل الدين عن الدولة استناداً إلى المباحثات التي جرت في أواخر عام 1830 بين الكاثوليك والليبراليين، فإنّ الاعتراف المبدئي بالدين الإسلامي في بلجيكا جاء مع صدور قانون بهذا الصدد في 19 تموز (يوليو) 1974. ويعترف القانون البلجيكي بستة مجموعات دينية، هي الكنائس الكاثوليكية، والبروتستانتية، والإنجيلية، والأرثوذكسية، بالإضافة إلى الإسلام، واليهودية. ويؤكد الدستور البلجيكي في مادته رقم 14 أنّ "حرية الأديان وحرية ممارستها بشكل عام فضلاً عن حرية إظهار آرائها مكفولة في كافة المجالات، إلاّ إذا ارتكبت مخالفات قانونية أثناء ممارسة هذه الحريات". ويظهر الاستثناء الأخير حقيقة أنّ القانون مقدم على الحرية الدينية المكفولة بشكل عام. ويضمن الدستور في مادته رقم 16 علاوة على ذلك الاستقلالية للأديان وصيانتها من العلمنة وتدخل الدولة، إلى جانب تأكيد المادة 15 أنه "لا إكراه في ممارسة دين" بعينه، فيما تشير المادة 117 من الدستور البلجيكي إلى التزام الدولة بتغطية رواتب القائمين على الشؤون الدينية. وعملياً فقد جاء الاعتراف بالإسلام متأخراً نسبياً في بلجيكا، على إثر ازدياد الوجود الإسلامي في هذه البلاد بفعل الهجرة، فبينما تم تثبيت الاعتراف بالكاثوليكية والبروتستانتية منذ العام 1789، جاء الاعتراف بالديانة اليهودية عام 1808، واعتُرف بالكنيسة الإنجيلية في العام 1875، ثم تم الاعتراف المبدئي بالدين الإسلامي بعد ذلك بقرن من الزمان، أي في عام 1974، واعتُرف بالكنيسة الأرثوذكسية في العام 1985. أما فحوى القانون المتعلق بالمسلمين فتتمثل في الاعتراف بالإدارات التي تتولى رعاية الشؤون الدينية لمعتنقي الدين الإسلامي، وما يترتب على الدولة من التزامات نحوها جراء ذلك. ورغم الطابع العلماني لبلجيكا، فإنّ مبدأ إنفاق الدولة على الشؤون الدينية ومنحها امتيازات للإدارات التي ترعي المجموعات الدينية، يعني بشكل قاطع أنّ الأمر يتعلق بعلمانية قاصرة ومحدودة النطاق. وتترك هذه الحقيقة انعكاساتها على مؤسسات القضاء التي عليها أن تراعي مبادئ الحرية الدينية والحق في الممارسة الحرة للدين دون إخلال بالقانون، دون أن يعني ذلك إلغاء شاملاً للصفة العلمانية العامة للدولة. وسبق أن تدخلت السلطات البلجيكية لنقض قرارات مؤسسات مدنية بعد أن تبين أنها تتعارض مع سلطة المؤسسات الدينية المنصوص عليها دستورياً، ففي أواخر العام 1985 نقض المجلس الحكومي قراراً أصدرته وزارة التربية، طردت بموجبه معلمة دين كاثوليكي من الخدمة في المدارس العامة الابتدائية، بناء على نفس الخلفية. وفي المقابل فقد ألغت محكمة الاستئناف قراراً دينياً يعاقب موظفاً في إحدى الهيئات الكنسية دون أن يمنحه حق الاعتراض. وجاء قرار المحكمة استناداً إلى المادة السادسة من الفقرة الأولى من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تكفل حق العامة في الاعتراض على القرارات التي تمسها. واستناداً إلى مذكرة أعدها الباحث القانوني عبد الرحمن اليوسفي، فإنّ تطور التعامل الرسمي مع المسلمين في بلجيكا من خلال القوانين المتتابعة جاء مرتبطاً بتطور الوجود الإسلامي ذاته في البلاد. وكان الثالث من أيار (مايو) 1978 قد شهد صدور قرار ملكي يتعلق بتنظيم اللجان المكلفة بإدارة الجماعة الدينية الإسلامية في بلجيكا. وجاء القرار في شقِّه الأول ليتطرق إلى اللجان المكلفة بالشؤون الإدارية للمسلمين، وتناول الشق الثاني مسألة الموازنة المالية لهذه اللجان. وينص القرار على أنّ "الاعتراف بجماعة ما من المسلمين يمثل إذناً لها بأن تشكل لجنة مكلفة بتسيير مصالحها المادية في المجال الديني، وكذلك في تمثيلها في علاقاتها مع السلطة المدنية". ويُشار إلى أنّ الخصوصية التي تمتاز بها الديانة الإسلامية عن الطوائف المسيحية، والمتمثلة بعدم وجود سلطة تمارس التمثيل الديني الكامل، قد أوجدت إرباكاً نسبياً في عدد من الدول الأوروبية التي تعاملت مع ملف الاعتراف بالإسلام. فالقوانين المصمّمة في الأصل لكل تتعامل مع النموذج الكنسي الذي يقتضي ضماناً لحقوق وامتيازات "الهياكل المادية التمثيلية" للسلطات الكنسية من جانب، وحقوق العبادة من جانب آخر، يصعب إسقاطه بالكامل على الحالة الإسلامية التي لا تتعامل مع "هياكل وسلطات" في الأصل. وأدى ذلك إلى ربط الاعتراف بالدين الإسلامي بشكل عام باستحداث مؤسسات تمثل مجموع المسلمين في القطر الأوروبي المعني تتمتع بالاستقلالية الداخلية. ورغم المزايا التي يجنيها المسلمون جراء هذا التشكيل الإداري، فإنّ التعثر في استكمال هذه الخطوة التمثيلية لأسباب موضوعية يبدو كفيلاً بقطع الطريق على حصول المسلمين في بعض المجتمعات الأوروبية على حقوقهم الكاملة، التي تكفلها بعض الدساتير بصفة مبدئية. وفي تطور إضافي، أوصى قرار ملكي بلجيكي صادر في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1990 بتشكيل "مجلس حكماء لتنظيم العبادة الإسلامية في بلجيكا"، تكون له صفة مؤقتة. وقد جاء قرار وزارة العدل الصادر في الثالث من تموز (يوليو) 1996 ليلغي ذلك المجلس ويقضي بالاعتراف بـ"هيئة تنفيذية للمسلمين في بلجيكا"، تتولى البت في مسألة تمثيل المسلمين في البلاد. وفي الثالث عشر من كانون الأول (ديسمبر) 1998 كان المسلمون في بلجيكا يدشنون عهداً جديداً في تاريخهم، عندما انتخبوا للمرة الأولى هيئة ممثلة لهم، بعد أن استكمل المكتب التنفيذي المؤقت للمجلس الإسلامي الأعلى الترتيبات اللازمة، ووجه ملك بلجيكا دعوته للمسلمين للمشاركة في الاقتراع المباشر لاختيار ممثليهم. ومع اختيار أعضاء الجمعية العمومية التي تدوم دورتها لمدة عشر سنوات، تم اجتياز الخطوة الأهم المفضية إلى الانتخاب الداخلي لأعضاء "الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا" من بين أعضاء الجمعية العمومية، وذلك لمدة خمس سنوات. أما أبرز المكاسب التي تسترعيها الأقلية الإسلامية في بلجيكا من خلال حسم ملف التمثيل، فتتمثل في إسباغ صفة الاعتراف الشامل على تدريس الدين الإسلامي في المدارس العامة البلجيكية، وما ينضوي تحت ذلك من شؤون المناهج والمعلمين والتنظيم الإداري. انتخاب المجلس التنفيذي للمسلمين ببلجيكا رغم العثرات التي تعيق التعاون المؤسسي داخل الأقلية المسلمة فإنّ التجربة الواعدة للمكتب التنفيذي للمسلمين ببلجيكا، الذي يمثل المسلمين رسمياً، تختطف الأنظار بوصفها محطاً لآمال قرابة نصف المليون مسلم في هذا البلد. فإثر تشكله في نهاية التسعينيات أصبح الطريق مفتوحا أمام خدمة المسلمين بالشكل الأمثل من الاعتراف القانوني بدينهم ومن الامتيازات المخصصة لهم، وهو ما قد تنضج ثماره في وقت سريع كما هو مأمول. وكان مسلمو بلجيكا قد دُعوا إلى الإدلاء بأصواتهم للمرة الأولى يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) 1998 لانتخاب مؤتمر عام ينبثق عنه مجلس تنفيذي يمثلهم. وكانت المفاجأة أنّ سبعين ألف مسلم قد سجلوا أسماءهم في قوائم الناخبين، وهو ما يمثل نحو ثلثي من يحق لهم الاقتراع تقريباً. وتمت العملية الانتخابية في 105 مساجد في عموم البلاد بالإضافة إلى 15 منشأة عمومية أخرى كدور البلدية والمدارس. ولاحظت صحيفة "لوسوار" البلجيكية في حينه أنّ "الاقتراع يعني اعترافاً بحقيقة وجود مسلمين يعيشون في بلجيكا". وعلقت صحيفة "لا ليبري بلجيك" على الحدث التاريخي بأن ذكرت "قام المسلمون عبر ممثليهم المنتخبين بتقوية اعتزازهم بأنفسهم أيضاً"، على حد وصفها. وبدورها سعت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى استقراء انعكاسات التطور الهام في بلجيكا الواقعة في المنطقة الناطقة بالفرنسية، واستنتجت بأنّ آثاره ستكون ملموسة على تنظيم العلاقة مع الدين الإسلامي في فرنسا العلمانية ذاتها بشكل قانوني. وبالفعل لم يستغرق الأمر سوى أشهر معدودة حتى كان وزير الداخلية الفرنسي آنذاك جان بيار شوفنمان يبادر إلى دعوة المؤسسات الإسلامية الكبرى في فرنسا إلى ما أسماه "الاستشارة"، وهي الخطوة الرامية إلى التوصل إلى صيغة ملائمة للاعتراف بالدين الإسلامي في أكثر بلدان أوروبا استيعاباً للمسلمين من الناحية العددية. ويرى الباحث البلجيكي ليونيل بانافيه، المختص بالاندماج القانوني للمسلمين في أوروبا، أنّ تجربة انتخاب مجلس لتمثيل المسلمين جاءت بمثابة تحدٍّ غير يسير لجمع التعددية التي تصبغ مسلمي بلجيكا في إطار واحد، خاصة وأنّ الفوارق العرقية تبدو حاضرة بوضوح في التركيبة الداخلية لهم على حد تقديره. ورغم المكاسب الظاهرة فإنّ هناك من يلمح مصاعب ضمنية من شأنها أن تعرقل أداء الهيئة التمثيلية المسلمة هذه. إذ يشكو باسم حتاحت الناشط في الرابطة الإسلامية للتبادل الثقافي من "ثغرات واضحة" في ملف تمثيل المسلمين، فالقانون قد ربط هذا التمثيل بأحقية وزارتي العدل والداخلية في الاعتراض على أي شخص ممن يجري اختيارهم لشغل موقع في المكتب التنفيذي الممثل للمسلمين رسمياً، والمنبثق عن الجمعية العمومية (مجلس الشورى).

الحرص على الهوية الاسلامية

وكما يلاحظ حتاحت "؛ فقد استخدمت الحكومة هذا "الحق" بالفعل في "إزاحة أشخاص غير مرغوبين لديها من منصب تمثيل المسلمين" في المكتب المذكور، وهي الخطوة التي أثارت امتعاضاً واسعاً كما يشير الناشط المقيم في بروكسل، والذي يوضح بأنه يجري التذرع بما يُوصف بـ"أسباب أمنية" في العادة لرفض من ترى الدولة رفضه. وأياً كان عليه الأمر؛ فإنّ السنوات الأولى من عمر هذه المؤسسة الوحدوية الناشئة ستستنفذ في بحث الملفات الخمسة الكبرى التي تشغل اهتمام مسلمي بلجيكا. ويتمثل ذلك بملفات المساجد، والأئمة، والسجون، والتعليم، والذبح الحلال، وهناك لجان متخصصة لمتابعة هذه المسارات. وسائل الإعلام في صفوف مسلمي بلجيكا انبثقت عن الوجود الإسلامي العريض في بلجيكا، وسائل إعلام محلية تسعى إلى التواصل معه، وهناك ثلاث مجلات على الأقل صدرت في السنوات الماضية باللغة الفرنسية واتخذت من مسلمي بلجيكا ساحة لها، وإن كانت اثنتان منها قد توقفتا في وقت لاحق. وتباع في بلجيكا الصحف والمجلات العربية على نطاق واسع، وخاصة في العاصمة بروكسل التي تضم نصف عدد المهاجرين من شمال أفريقيا. وتزدهر في أحياء المهاجرين المغاربة في بروكسل المكتبات التي تبيع الكتب الإسلامية بالعربية والفرنسية، والصحف والمجلات التي تصدر محلياً، فيما يتزايد الإقبال على الإصدارات المحلية والقارية التي تباع على نطاق واسع في هذه الأحياء، وتبرز من بينها مجلة "الأوروبية" بوصفها أول مجلة تتخصص في معالجة شؤون مسلمي أوروبا ككل. ولم يتوقف الأمر عند حدود الإعلام المطبوع، فقد فتح قانون السماح بالإذاعات الخاصة الذي صدر في العام 1986 الباب على مصراعيه للإرسال الإذاعي الموجه لمسلمي بلجيكا، سواء أكان باللغة العربية أو الفرنسية. ومن بين الإذاعات التي سبقت في هذا المضمار "راديو الوفاء"، و"ميدي إنتر"، و"كلتشر 3". وقد شكلت هذه المحطات الثلاث مظلة تعاونية مشتركة باسم "راديو المنار" في العام 1992. وإلى جانب ذلك كانت هناك محطات أخرى مثل "الوطن"، "السلام"، "ميدي1" تواصل بث إرسالها إلى المستمعين العرب في بلجيكا. وفي حقيقة الأمر فإنّ هذا الثراء الإذاعي لم يكن ليحوز على الرضى باستمرار، إذ أثارت بعض المحطات انتقادات من حين إلى آخر بسبب تعليقاتها على الأحداث السياسية الساخنة في العالم العربي، أو تبعاً لاتهامها بالعداء لسياسات الدول الغربية، خاصة إبان الضربة الأمريكية ضد ليبيا في العام 1986 أو خلال حرب الخليج الثانية (1990-1991)، وقد يكون للأمر حساسية خاصة بالنظر إلى أنّ هذه المحطات لا تبعد كثيراً في العادة عن مقر حلف شمال الأطلسي "الناتو" في العاصمة البلجيكية. وإلى جانب هذه التجارب الإذاعية، فإنّ محطتين إذاعيتين بلجيكيتين على الأقل تبثان إرسالاً باللغة العربية حالياً. وبالمقابل فقد عرف الالتقاط التلفزيوني ثورة حقيقية في عقد التسعينيات، عندما أصبحت أطباق الاستقبال الفضائي علامة مميزة للأحياء التي يقطنها المسلمون من المغاربة والأتراك. ويندر أن يخلو بيت مسلم في بلجيكا اليوم من فرصة مشاهدة القنوات الفضائية التي لا تثير الحنين إلى "الوطن الأول" وحسب، وإنما تقدم مادة ثقافية ودينية باللغة الأم لا تتيح محطات التلفزة المحلية متسعاً لها. وتتيح خدمات البث التلفزيوني عبر "الكيبل" للمشاهدين في بعض أحياء بروكسل متابعة قناة التلفزة المغربية أو قناة الشرق الأوسط اللندنية "إم بي سي" منذ عام 1996، لكنّ هذا العرض يبدو محدوداً بالمقارنة مع مجموعة القنوات التي تطرحها أطباق الالتقاط الفضائية. ولا يبدو الحال مختلفاً في صفوف المهاجرين من تركيا، إذ يمكن للزائر للمساجد التي يرتادها الأتراك بصفة خاصة أن يقتني الكتب والصحف الصادرة باللغة التركية، كما أنّ هناك مكتبتين على الأقل في بروكسل تطرح الكتب التركية للقراء المحتفظين بثقافة بلاد الأناضول. وتُتاح فرصة مشاهدة محطات التلفزة التركية عبر بعض خدمات "الكيبل"، وخاصة محطة "تي آر تي" الحكومية، لكن الاهتمام يبدو منصباً على العرض المتنوع من المحطات التركية الذي يتدفق إلى الشاشة الصغيرة من الفضاء من خلال الأطباق اللاقطة، ويتراوح ذلك بين محطات خاصة مثل "يورو شو" أو أخرى ذات طابع إسلامي مثل "قنال 7". المغاربة يحصدون أعلى الأصوات في المعترك الانتخابي تبدو آفاق مشاركة مسلمي بلجيكا في الحياة السياسية واعدة حقاً، فبعد أعوام قليلة على اعتلاء طلائع النواب المسلمين للمقاعد النيابية المحلية؛ أصبح المرشحون المسلمون أكثر قدرة على حصد أصوات الناخبين من منافسيهم. ولا تبدو حالة النائب شكري محاسين، وهو مغربي ينتمي إلى الجيل الثاني من أبناء المهاجرين، فريدة من نوعها. فمحاسين كان أول "أجنبي" يفوز بمقعد في البرلمان الفلمنكي عندما صدرت نتائج الانتخابات المحلية في العام 1994. وفي 13 حزيران (يونيو) 1999 جاءت المفاجأة بفوزه للمرة الثانية بعدد ساحق من الأصوات بلغ 13150 صوتاً. ولم يكن شكري محاسين وحده في الواجهة، فقد حصدت المرشحة من أصل مغربي فاطمة لبالي أكثر من عشرة آلاف صوت، لتحتل بموجبها مقعداً في البرلمان ذاته. وكانت الملاحظة التي أثارت انتباه وسائل الإعلام البلجيكية هي تفوُّق المرشحين المغاربة في عدد الأصوات على منافسيهم من المواطنين الأصليين، "فكل مراقب تأمل في نتائج الاقتراع وطالع النتائج بشكل جيد سيسترعي انتباهه أنّ البلجيكيين الجدد، أي المغاربة، قد حازوا على عدد من الأصوات يتفوق بعدة آلاف على عدد الأصوات التي حصل عليها زعماء أحزابهم من البلجيكيين الأصليين"، كما كتبت صحيفة "دي ستاندرد" الفلمنكية البارزة. وفي حقيقة الأمر؛ فإنّ الصعود غير المتوقع للمرشحين المسلمين في الدورات الانتخابية الأخيرة يرسم مؤشرات إيجابية على حالة من الاندماج الفاعل يمكنها أن تتشكل في هذا البلد الذي يصنِّف نفسه على أنه ليس قلباً نابضاً لأوروبا وحسب، وإنما نموذج لها أيضاً. فقد تمكنت المرشحة المغربية في انتخابات حزيران (يونيو) 1999 من الدخول إلى البرلمان الوطني البلجيكي بعد أن تفوقت على زعيم حزبها، وتبوّأت المغربية نهيما لانجري المركز الخامس في قائمة الفائزين من حزب الشعب المحافظ على مستوى البرلمان الفلمنكي. وفي الوقت ذاته كان ستة من المغاربة واثنان من الأتراك يشقون طريقهم عبر صناديق الاقتراع بنجاح للمقاعد النيابية في برلمان بروكسل الكبرى. وبات من الواضح أنّ الأحزاب السياسية البلجيكية قد وعت الدرس جيداً، وأنها ستعمد إلى إدراج المزيد من المرشحين المسلمين على قوائمها الانتخابية في الجولات المقبلة بالشكل الذي يعزز من حصتها في الكعكة النيابية في كافة القطاعات، خاصة وأنّ أهمية الصوت المسلم في بلجيكا ستتزايد عبر السماح للأجانب بالمشاركة في الانتخاب مع مطلع العام 2006. إلاّ أنّ الأمر لا يبدو وردياً بالكامل في عيون المسلمين، فحضور نواب من أصول عربية أو تركية في مقاعد برلمانية يبدو بمثابة مقدمة عليهم إثبات جدواها في عيون القواعد الانتخابية المسلمة، كما أنّ التحريض السافر ضد الأجانب الذي يمارسه اليمين المتطرف، المتمثل أساساً في حزب "الكتلة الفلمنكية"، لا يثير الارتياح ويبعث على قلق القاعدة المسلمة العريضة التي ترى في بلجيكا مستقراً لها. الشعب البلجيكي أمام الاختبار العنصري في السنوات الأخيرة وجدت الحكومة الاتحادية ذاتها في موقف يُلزمها بالتحرك الحاسم لمكافحة ظاهرة التطرف اليميني التي تزدهر في الشرائح الشعبية. إذ لا تتناسب النزعة العنصرية مع الريادة البلجيكية للقارة الموحدة، كما أنّ التقارير التي تخرج بها مؤسسات مراقبة العنصرية التابع للاتحاد الأوروبي أو لمجلس أوروبا لا تدعو إلى التفاؤل. ولكنّ الخطر الحقيقي الذي لا يمكن لبروكسل غض الطرف عنه يتمثل في المطالب الانفصالية لحزب "الكتلة الفلمنكية" المتطرف، والتي تجعل من اجتثاث جذور العداء للآخر مقدمة لا بد منها لتضييق الخناق على النفوذ الشعبي المتزايد لهذا الحزب اليميني. وكانت مفوضية مكافحة العنصرية التابعة لمجلس أوروبا، قد اتهمت بلجيكا في آذار (مارس) 2000 بالتهاون إزاء أعمال العنف وممارسات التفرقة العنصرية التي تطال الأجانب الذين يعيشون فيها. كما استنكرت المفوضية ذاتها تمادي بعض الأحزاب البلجيكية في إشاعة أجواء كراهية الأجانب، وأدانت جهاز الشرطة بانتهاك حقوق غير البلجيكيين واستهدافهم بالإساءة والشتائم والامتهان، خاصة من خلال حملات التفتيش والمداهمة والتحقق من الأوراق الخاصة بالإقامة. وأكدت المفوضية التابعة لمجلس أوروبا أنّ المهاجرين العرب من شمال أفريقيا هم الضحية الأولى لهذه الممارسات التعسفية. وما يزيد من تعقيد الموقف أنّ الشعب البلجيكي يأتي في المرتبة الثانية، بعد الدانمرك، على مستوى أوروبا الموحدة في عدم التسامح إزاء معتنقي الديانات المخالفة كما يُستدل من بيانات المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية والعداء للأجانب، التابع للاتحاد الأوروبي. وتؤكد دراسة حديثة صادرة عن المركز الذي يتخذ من فيينا مقراً له بأنّ 26 في المائة من البلجيكيين غير متسامحين مع مخالفيهم في الدين، فيما يبلغ المعدل الأوروبي العام لعدم التسامح 15 في المائة. هل تكون بروكسل عاصمة لمسلمي أوروبا أيضاً مزايا عديدة تجعل بروكسل الأكثر استقطاباً للنشاطات القارية لمسلمي أوروبا، فالموقع المميز للعاصمة البلجيكية، واشتمالها على وجود إسلامي كبير نسبياً، وانضمامها إلى مقدمة الدول الأوروبية التي تعترف بالإسلام "بشكل أو بآخر"، فضلاً عن تواصلها مع الثقافات الفرنسية والهولندية والألمانية بحكم الثراء اللغوي الماثل على أراضيها؛ كل هذه الخصائص منحت بروكسل بريقاً خاصاً في عيون المؤسسات الإسلامية فوق القطرية في أوروبا. فثمة شعور بأهمية الاقتراب من نبض القارة الموحدة والتماشي مع الدور المركزي الذي تضطلع به عاصمة أوروبا لإثبات حضور لائق وفاعل لمسلمي أوروبا في مجتمعاتهم مع مطلع القرن الجديد. ولم يقتصر الأمر على عقد "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا" للعديد من مؤتمراته ولقاءاته على المستوى القاري في بروكسل، بل تجاوزه إلى اختيار هذه العاصمة المتألقة في سماء مشروع التكامل الأوروبي مكاناً لانعقاد أول ملتقى نسائي إسلامي في أوروبا في نهاية العام 1998، بحضور ممثلات عن عشرات المؤسسات النسائية من أرجاء القارة. كما كانت بروكسل محطة لعقد "ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي" في نهاية آب (أغسطس) 1999، كما افتتح المنتدى الإسلامي الأوروبي للمنظمات الشبابية والطلابية "فيميسو" مؤخراً مكتباً لا يبعد كثيراً عن مقر الاتحاد الأوروبي حيث يحظى باتصالات مباشرة مع مؤسسات الاتحاد واللجان المتخصصة المنبثقة عن البرلمان الأوروبي.

1 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً