التعريف بالوطن الإسلاميمقالات

محمد الحسناوي

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، العدد العاشر، السنة الأولى، شوال 1385هـ

 

يومًا بعد يوم تبدو أهمية التعريف بالوطن الإسلامي[1] أرضًا وسكانًا وأحوالًا، فالوطن الإسلامي هو التجسيد المادي للإسلام بشكل ما، وهو مهد البطولات والأمجاد والحضارات في الماضي، ومنبع الثروات والقوة البشرية، ومحط الأنظار والمؤامرات في الحاضر.

ولما كان الناس ينظرون إلى المسلمين نظرهم إلى الإسلام، ولما كان مصير الإسلام ذا علاقة بمصير المسلمين، ولما كانت الجماهير والنفوس البشرية أكثر تحسسَا وفهمًا للمدركات الحسية[2]، ولما كانت مشكلات بعض الأقطار الإسلامية ترتد بالأثر على الأقطار الأخرى، وجب تقدير هذا الميدان حق قدره.

لقد خطت بعض الشعوب الإسلامية لا سيما العرب خطوات في التعرف على وطنهم المباشر، فالوطن العربي مثلًا بحدوده (من المحيط إلى الخليج) وجغرافيته واقتصاده، ومشكلاته السياسية والاجتماعية، أضحى بمثابة الأحرف الأبجدية في أفواه الأجيال العربية، وعقولها وضمائرها، ومن يقصر في هذه الأمور فإنه متهم في وعيه أو عقله أو ثقافته، بل في وطنيته كذلك.

ولم يصل العرب إلى ما وصلوا إليه في التعرف على وطنهم المباشر بالوراثة أو التحصيل العفوي، بل بالتخطيط والدراسة، واستخدام أجهزة التعليم والتوجيه والتوعية جميعًا، فمن أناشيد الأطفال، إلى مناهج التعليم، إلى أجهزة الإعلام، إلى أنظمة الدولة والجمعيات والأحزاب والنوادي، إلى كل مسألة صغيرة وكبيرة تتصل بمعايش العرب وتفكيرهم.

وكان لهذا أثره على الوعي، والرغبة في إزالة الحواجز بين الأقطار العربية، والإحساس المشترك في السراء والضراء، والتعاون المتزايد العاطفي والعملي على حل المشاكل، وكل ما من شأنه تحقيق الوحدة والسلامة والرفاه.

ومثل هذه الخطوة الضرورية لكل شعب مسلم هي حلقة في سلسلة التعريف بالوطن الإسلامي، فإذا قعد العاملون للإسلام، والحريصون على خير شعوبهم، عند هذه الحلقة، ولم يصلوا فيما بين الحلقات الأخرى بالربط والمقارنة، وتبادل الخبرات، انعكست الآية، وانقلب التعريف بالأوطان المحلية إقليمية وانغلاقًا، وربما أصبح عصبية جاهلة، يؤججها الجهل، أو المصالح الخاصة، أو التوجيه المعادي للإسلام.

هناك أمثلة حية توضح مغزى معرفة الوطن الإسلامي أو الجهل به، فكم تذيع الإذاعات أنباء عن كشمير، أو قبرص، أو عن أريتريا، أو الصومال، أو مدغشقر، وهي تنطوي على الثبور وعظائم الأمور.. والمواطن المسلم العربي وغير العربي لا يعيرها الاهتمام اللازم، أنه يسمع بهذه الأسماء لأول مرة، أو من خلال وجهة نظر معينة، ما أنزل الله بها من سلطان، فما هي كشمير، وأين تقع؟ ومن هم القبارصة الأتراك، وما صلتنا بهم؟

.... أما وقد بلغت الشعوب الإسلامية حدًا جيدًا من معرفة أوطانها المحلية، ونما الوعي الإسلامي في كثير من الأقطار الإسلامية، فإن الحاجة تدعو إلى تعريف المسلمين بعضهم ببعض، مما يساعد على لقاء شعوبهم، وتعاون حكوماتهم، وتكامل هيئاتهم الإسلامية والعلمية، وتوحيد جهودهم جميعًا في التحرر والاستقلال والبناء، ودفع العدوان، ونبذ الأحلاف الأجنبية وتبادل الخيرات والإنتاج والعلوم من جهة، وقطع السبيل على الاستعمار، والإقليمية والعنصرية والصهيونية أن تفت في عضدهم، أو تستغل جهلهم وتجزئة أوطانهم.

فإذا اقتنعنا بأهمية التعريف بالوطن الإسلامي وخطورته، فالواجب أن نتلمس السبل الملائمة المؤدية إليه.

وقبل الشروع في بحث هذه السبل، يحسن أن نلاحظ في أساليب العروض ثلاثة أمور:

  1. أن عقد صلة بين الوطن الإسلامي العام، والوطن المحلي الخاص: كتصوير القطر المحلي حلقة من سلسلة الأقطار الإسلامية، أو ركنا في إطار لوحة أكبر، وإبراز صلات القربى الفكرية والتكامل الاقتصادي، أو وحدة التاريخ والآمال والآلام المشتركة ووحدة المصير.
  2. الاهتمام بجوانب الوطن الإسلامي الرئيسية مثل: (الأرض – السكان – الثروات - العواصم...).
  3. إفراد أبحاث خاصة للمشاكل التي تهم كل قطر على حدة، أو تهم العالم الإسلامي بأسره مثل مشكلة (فلسطين) و(كشمير) و (أريتريا).

وسبيل التعريف بالوطن الإسلامي واسعة، يمكن تحقيقها على صعيد الدولة، أو على صعيد الهيئات الشعبية، كما يمكن الجمع بين الصعيدين وهو الأفضل.

فعلى صعيد الدولة تظهر أهمية:

  1. التعليم بمختلف مستوياته (الابتدائية – الثانوية - الجامعية) وفي أكثر المواد (الجغرافيا – التاريخ – المجتمع - الديانة).
  2. أجهزة الإعلام: كالصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما.
  3. مكاتب السياحة والمتاحف والرحلات.
  4. المعارض الموسمية والدائمة.
  5. البعثات الدراسية والتدريسية و(الدبلوماسية).
  6. الطوابع البريدية وغير البريدية.
  7. أسماء الشوارع والمحلات العامة.
  8. تنسيق علاقات الصداقة والاقتصاد والسياسة في ضوء الإسلام.
  9. تنظيم الحج، والتشجيع عليه لا سيما بين الشباب، وتيسير التعارف فيه.
  10. إنشاء مكاتب خاصة للتعريف والتعارف تلحق بالبعثات (الدبلوماسية).
  11. إصدار مطبوعات خاصة لهذا الغرض من نشرات إلى مجلات وكتب ودراسات[3].

وعلى صعيد الهيئات الشعبية تبدو أمور عدة منها:

  1. مطالبة الحكومات بالقيام بواجبها في هذا المضمار كما وصفنا سابقًا.
  2. تأليف الأبحاث والدراسات والكتب والنشرات حول هذا الموضوع.
  3. الإكثار من الرحلات وتبادل الزيارات.
  4. تأسيس ناد أو نواد للمراسلة أو التشجيع عليها.
  5. الإفادة من أساليب الإعلان والتوجيه الإعلامي الحديث، كالاستعانة بالصور والمصورات (الخرائط)، والعمل على توزيعها عن طريق الإهداء، أو البيع، أو المسابقات، أو نشرها على صفحات التقويم، وغير ذلك.
  6. الاهتمام بهذا الجانب في أنواع التوجيه.
  7. رعاية الطلاب الموفدين وأعضاء البعوث الثقافية والحجاج والسياح.

وبهذه الأساليب كلها يمكن التعريف بالوطن الإسلامي وإحياء روح التعاون والتعاطف بين أبنائه ووقوفهم صفًا واحدًا على اختلاف لغاتهم وأقطارهم أمام أعدائهم.. يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على سواهم.

 


[1] الوطن الإسلامي: هو العالم الإسلامي بأسره، أو هو مجموع الأقطار التي يدين أهلها أو غالبية أهلها بالإسلام حرة كانت أم مستعمرة، وهو يمتد (من المحيط إلى المحيط) أي من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، من أبرز أقطاره: (العالم العربي، إيران، تركيا، إندونيسيا، باكستان).

[2] يراجع كتاب (التربية وطرق التدريس) لصالح عبدالعزيز وزميله في موضوعي (التعلم بطريق الإدراك الحسي ص 195-ج1) و(وسائل الإيضاح ص 281-ج1).

[3] مما يؤسف له أن دولة معادية لقطر إسلامي في مشكلة ما كانت تزود القراء العرب عن طريق البريد بمثل هذه النشرات لتوضيح وجهة نظرها، على حين يغفل هذا القطر الإسلامي وغيره عن التعريف بنفسه ووجهة نظره.

(الوعي الإسلامي): لعل فيما ننشره تحت عنوان ((اعرف وطنك)) مساهمة متواضعة في القيام بهذا الواجب، وتعريف المسلمين بوطنهم الأكبر، ونرجو أن تتاح لنا الفرص في المستقبل لتقديم مادة أوفر عن البلاد الإسلامية بطريق السفر إليها والكتابة عنها.