الإسلام والمجتمع المثاليمقالات

محمد محيي الدين عبدالحميد

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة الأولى، العدد السادس، جمادى الآخرة 1385هـ

 

ونأخذ اليوم بيان الصفات التي أراد الله ورسوله للمؤمن أن يتصف بها في نفسه، ونود -قبل أن نفيض في بيانها- أن نلفت الذهن إلى بعض ما قدمنا الإشارة إليه، وهو أن المقصد الأسمى من التكاليف الشرعية هو وصل ما بين المؤمن وربه، وتوثيق هذه الصلة حتى يصير مراقبًا له في كل ما يأتي وما يذر، وحتى يعلم أنه سبحانه هو وحده النافع الضار، وأن يثق بأن الناس جميعًا لو اتفقوا على أن ينفعوه بشيء لم يرده الله لم يستطيعوا السبيل إلى ذلك، وأن الناس كلهم لو أجمعوا على أن يضروه بشيء لم يرده الله ما استطاعوه، ولذلك تجد التكاليف الشرعية كلها قد اشترط لصحتها أن تسبق بالنية وأن تتصل هذه النية بها، ومن أجزاء هذه النية أنه يفعل هذا الفعل خالصًا لوجه الله تعالى، وهو يبدأ صلاته بقوله ((الله أكبر)) ويأخذ في نية صومه ((إيمانًا واحتسابًا لوجه الله تعالى)) ويبتدئ أعمال جحه بعد النية بقوله: ((لبيك اللهم لبيك)) وهكذا كل عمل من أعمال البر، فإذا لاحظ العبد ذلك ظل مراقبًا لربه عالمًا أنه مطلع عليه، فإذا استمر على هذه الحال طهر قلبه فصار نقيًّا صافيًا خالصًا من أدران المادية وما يجره التعلق بالمادية من الحقد والحسد والتباغض وإضمار الشحناء والكيد والوقيعة، وطهرت نفسه فأصبحت قريبة من الكمالات الإنسانية من نحو المودة وحب الخير للناس إلى حد الإيثار والتضحية في سبيلهم، ومالم يؤد فعل التكاليف الشرعية إلى ما ذكرنا من طهارة القلب وزكاة النفس فإنها تكون قليلة الحظ من القبول فلينظر المؤمن إلى نفسه فما لم يجد قلبه مشرقًا، وما لم يحس بأن حظوظ الشيطان قد فارقته، وما لم يجد نفسه أنه لا يضمر غير ما يظهر، وما لم يجد أنه لا يأتي من أعمال البر شيئًا إلا رغبة في عمل البر ومرضاة لربه وطلبًا لنفع الناس في غير امتنان على أحد منهم ولا حب في مثوبتهم، ما لم يجد ذلك كله من نفسه فليعلم أنه لا يؤدي ما يؤديه من التكاليف على الوجه الذي أراده الله، وأن أداءه هذه التكاليف قليل الجدوى وقليل القبول، وهذا سر من أسرار قوله صلى الله عليه وسلم: ((رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)) أو كما قال.

ثم نقول في القرآن الكريم آيات كثيرة تعرضت لصفات المؤمن التي يجب عليه أن يتصف بها نفسه، ونحن لو تتبعنا هذه الآيات كلها وبينا ما في كل آية منها طال بنا القول طولًا نخشى أن يمله القارئ فلنجتزئ من ذلك بموضوعين من القرآن الكريم ذكر الله تعالى فيهما جماع ما ينبغي للمؤمن أن يتصف به.

  1. الموضوع الأول:

الآيات الكريمة التي في آخر سورة الفرقان، وذلك قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا}.

  1. الموضوع الثاني:

قوله تعالى في مفتتح سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

تضمنت هذه الآيات الكريمة ثماني عشرة خصلة من خصال المؤمنين، من ذلك في آيات سورة الفرقان اثنتا عشرة خصلة، وست الخصال الباقية في آيات سورة المؤمنون، ولكن مجموع المذكور فيهما من الخصال عند التحقيق خمس عشرة خصلة، وذلك لأن خصلتين منها قد تكررتا في الموضعين وخصلة أخرى ذكرت في آيات سورة المؤمنون مرتين، ذكرت في كل مرة منهما بناحية من نواحيها والموضوع العام في الموضعين واحد.

ومما يحسن التنبيه له أن في القرآن الكريم مواضع كثيرة نص في بعضها على خلال من هذه الخلال، ونص في بعضها على خلال أخرى غير هذه الخلال، ولكننا نعتبر هذه الخلال الخمس عشرة نموذجًا عاليًا لما يجمل بالمؤمن أن يتخلق به ولما لو تخلق به إنسان لجره إلى جميع خلال البر والتقوى، والخير يدفع إلى الخير، فإذًا نحن اكتفينا ببيان هذه الخصال وبيان ما تجلبه لمن يتصف بها من كمال نفسي وإشراق روحي يستتبعان الاستمساك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها كنا كمن أخذ من الأمر بلبابه وكمن وضع يده على مفاتيح الخيرات كلها فهو يطرقها من أي الأبواب أراد.

الصفة الأولى:

التواضع، وقد كنى الله تعالى عن هذه الصفة بقوله سبحانه في آيات سورة الفرقان: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} كما كنى عن ضدها وهو التعالي على الناس والاستكبار والجبرية بقوله جلت كلمته في سورة لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وكنى عن ذلك مرة أخرى في سورة الإسراء بقوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}.

والتواضع أسمى معايير الكمال النفسي، وهو من صفات الأنبياء والمرسلين، وهي صفة تحمل المتخلق بها على ألا يعتد بما عنده من علم لأنه يعلم أن كل ما أوتيه من علم فهو قليل بالنظر إلى ما لا يزال مطويًّا عنه، وعسى أن يكون عند غيره ممن هو أقل منه مالًا علم له به، فإذا تيقن ذلك كله اندفع يطلب علم ما لم يعلم، ولم ير غيره ممن لم يذع له صيت في العلم أقل من أن يأخذ عنه.

وقد ضرب الله تعالى مثلًا لذلك في قصة موسى والعبد الصالح حيث دفعه إلى أن يقول للعبد الصالح: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} واحتمل في سبيل هذا -وهو نبي يكلمه الله- أن يقول له العبد الصالح: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} كما أن هذه الصفة تحمل المتخلق بها على ألا يعتد بما عنده من مال وفير وجاه خطير، لأنه يعلم أن الله لو شاء لجعل ما في يده في يد غيره ممن هم في حاجة إليه وجعله هو صاحب الحاجة إلى هؤلاء، كما أنه يعلم أن المال غادٍ ورائح، ورب حادثة لا يلقي لها بالًا اجتاحت هذا المال كله في طرفة عين، فإذا علم -مع ذلك- أن الذكر بالخير باقٍ على الدنيا ما بقي فيها ناس، وأن ثواب الإنفاق في الخير أعظم ربحًا وأكثر فائدة من اكتناز الأموال، واستيقنت نفسه ذلك اندفع ينفق في سبيل الله تعالى فنال خير المثوبة، وقد ضرب الله لنا مثل من اغتر بماله وزعم أن حذقه وخبرته بضروب تثمير المال سبب ما عنده فلم يرع فيه حق الضعفاء والمعوزين، ثم كانت عاقبته ما ختم الله به قصته في سورة القصص، وذلك قوله سبحانه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} وبالجملة فإن هذه الصفة تحمل المتخلق بها على ألا يعتد بشيء عنده مما يتميز به بعض الناس من جاه أو مال أو رفعة نسب أو صحة أو قوة جسم أو بسطة علم أو نحو ذلك، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في هذه الصفة، فقد كان يكون في مهنة أهله، وقد كان يحمل حاجته بنفسه ويقول: صاحب الحاجة أحق بحملها، وقد كان يأكل على الأرض، وقد كان يقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد"، ويقول: "ابن امرأة كانت تأكل القديد"، كل ذلك وهو رسول الله وصفوته من خلقه أجمعين وهو من أشرف العرب نسبًا وأرفعهم بيتًا، وقد كان يجالس المستضعفين والموالي، حتى أن صناديد قريش رغبوا له أن ينحي عن مجلسه هؤلاء الموالي ووعدوه إن نحاهم أن يدخلوا في دينه -وكان ذلك أحب شيء إليه- فكان أن أنزل الله تعالى عليه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}.

وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التواضع في غير حديث، وحذر من الكبر والتعالي والجبروت والزهو والخيلاء في غير حديث، فمما ورد عنه من الحث على التواضع وبيان ما أعد الله للمتواضعين في الدنيا والآخرة ما رواه مسلم في صحيحه (2/285 ط بولاق، كتاب البر) من قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه) ومنه ما رواه البخاري في صحيحه (7/84 ط بولاق -10 /408 بهامش فتح الباري ط بولاق) ورواه مسلم في صحيحه (2/354 ط بولاق) من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)، العتل -بضم العين والتاء وتشديد اللام- الأكول المنُوع، والجواظ -بفتح الجيم وتشديد الواو- فسروه بالجموع المنوع، وفسروه بالقصير البطين، وفسروه بالكثير اللحم المختال في مشيته، وفسروه بالغليظ الفظ، والمستكبر ومثله المتكبر الذي يتشبع بما ليس عنده أو الذي يستعلى على الناس يرى أن ما عنده خير مما عندهم وهو الذي يقول الله تعالى في شأنه: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}، ومنه ما رواه مسلم في صحيحه (2/353 ط بولاق، كتاب الجنة) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتجت الجنة والنار، فقالت النار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الجبار ما يزال يعنف بالناس، ويشتط في معاملتهم، ويأخذهم بالقسر والإعنات حتى يسلبهم حقوقهم، ويدفعهم عنها، وقد يسلبهم أموالهم وأرواحهم بغير حق فيتفاقم الشر، وتغدوا الحياة إلى جواره جحيمًا لا يطاق، فكان جزاؤه أن جعله الله في العذاب الأليم، وأن المتكبر ما يزال يتيه بنفسه، ويزهى على الناس، ويحتقرهم حتى يهون أمرهم عليه، وحتى يرى أنه لا يدانيه أحد فلا يبالي -بعد أن تتأصل في طباعه هذه الخلال- أن يعتدي على من يعاشرونه، وما أبدع ما وصف الله به المتكبرين في الآية التي تلوناها أو الكلام على هذه الصفة من سورة لقمان، وفي الآية الأخرى من سورة الإسراء.

ثم ما أروع هذه السخرية بالمتكبر التي ختمت بها آية سورة الإسراء قوله تعالى: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}. نعم إنه مهما يشمخ بأنفه ومهما يتعالى برأسه ومهما يتطاول ببدنه لن يبلغ الجبال طولًا، وإنه مهما يدب بقدميه ومهما يثقل ببدنه لن يخرق الأرض، فليكفكف عن غلوائه، وليترك تيهه وتعاليه، وليكن مع الناس يفيدهم ويفيدونه، ويتعاون معهم ويتعاونون معه، فالإنسان قليل بنفسه مهما يعظم قدره كثير بإخوانه، وقد تقتل الفيل نملة، وقد تموت الأفاعي من سموم العقارب.

نسأل الله تعالى أن يبصرنا بقدر أنفسنا، وأن يباعد بيننا وبين الصلف والكبرياء إنه أكبر مسؤول، وإلى عدد مقبل نأخذ فيه في بعض ما بدأناه، إن شاء الله.